حجة خالد

قال أبو جعفر: وخرج خالد حاجًا من الفراض لخمس بقين من ذي القعدة، مكتتمًا بحجة، ومعه عدة من أصحابه؛ يعتسف البلاد حتى أتى مكة بالسمت، فتأتى له من ذلك ما لم يتأت لدليل ولا رئبال، فسار طريقًا من طريق أهل الجزيرة، لم ير طريق أعجب منه؛ ولا أشد على صعوبته منه فكانت غيبته عن الجند يسيرة؛ فما توافى إلى الحيرة آخرهم حتى وافاهم مع صاحب الساقة الذي وضعه. فقدما معًا؛ وخالد وأصحابه محلقون؛ لم يعلم بحجة إلا من أفضى إليه بذلك من الساقة، ولم يعلم أبو بكر رحمه الله بذلك إلا بعد؛ فعتب عليه. وكانت عقوبته إياه أن صرفه إلى الشأم. وكان مسير خالد من الفراض أن استعرض البلاد متعسفًا متسمتًا، فقطع طريق الفراض ماء العنبري، ثم مثقبًا، ثم أنتهى إلى ذات عرق، فشرق منها، فأسلمه إلى عرفات من الفراض، وسمى ذلك الطريق الصد؛ ووافاه كتاب من أبي بكر منصرفه من حجة بالحيرة يأمره بالشأم؛ يقاربه ويباعده.
قال أبو جعفر: قالوا: فوافى خالدًا كتاب أبي بكر بالحيرة، منصرفه من حجة: أن سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك، فإنهم قد شجوا وأشجوا؛ وإياك أن تعود لمثل ما فعلت؛ فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون الله شجاك، ولم ينزع الشجي من الناس نزعك؛ فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة؛ فأتمم يتمم الله لك، ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل، فإن الله له المن وهو ولي الجزاء.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الملك بن عطاء بن البكائيي، عن المقطع بن الهيثم البكائي، عن أبيه قال: كان أهل الأيام من أهل الكوفة يوعدون معاوية عند بعض الذي يبلغهم، ويقولون: ما شاء معاوية! نحن أصحاب ذات السلاسل. ويسمون ما بينها وبين الفراض ما يذكرون ما كان بعد احتقارًا لما كان بعد فيما كان قبل.
وحدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا علي بن محمد بالأسناد الذي قد مضى ذكره، أن خالد بن الوليد أتى الأنبار فصالحوه على الجلاء، ثم أعطوه شيئًا رضى به وأنه أغار على سوق بغداد من رستاق العال، وأنه وجه المثنى فأغار على سوق فيها جمع لقضاعه وبكر، فأصاب ما في السوق، ثم سار إلى عين التمر، ففتحها عنوة، فقتل وسبي، وبعث بالسبي إلى أبي بكر، فكان أول سبي قدم المدينة من العجم؛ وسار إلى دومة الجندل، فقتل أكيدر، وسبى ابنة الجودى، ورجع فأقام بالحيرة.
هذا كله سنة اثني عشرة.
وفيها تزوج عمر رحمه الله عاتكة بنت زيد.
وفيها مات أبو مرثد الغنوي.
وفيها مات أبو العاصى بن الربيع في ذي الحجة؛ وأوصى إلى الوبير، وتزوج على عليه السلام ابنته وفيها اشترى عمر أسلم مولاه.
واختلف فيمن حج بالناس في هذه السنة، فقال بعضهم: حج بهم فيها أبو بكر رحمه الله ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة، عن رجل من بني سهم، عن ابن ماجدة السهمي، أنه قال: حج أبو بكر في خلافته سنة اثنتي عشرة وقد عارمت غلامًا من أهلي، فغص بأذني فقطع منها - أو غضضت بأذنه فقطعت منها - فرفع شأننا إلى أبي بكر، فقال: اذهبوا بهما إلى عمر فلينظر، فإن كان الجارح قد بلغ فليقد مكنه. ادعوا لي حجامًا. قال: فلما ذكر الحجام، قال: أما أني قد سمعت النبي الله لها فيه، وقد نهينتها أن تجعله حجامًا أو قصابا أو صانغًا؛ فاقتص منه.
وذكر الواقدي، عن عثمان بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبي وجزة يزيد بن عبيد، عن أبيه، أن أبا بكر حج في سنة اثنتي عشرة واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رحمه الله.
وقال بعضهم: حج بالناس سنة اثنتي عشرة عمر بن الخطاب.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بعض الناس يقول: لم يحج أبو بكر في خلافته، وإنه بعث سنة اثنتي عشرة على الموسم عمر بن الخطاب، أو عبد الرحمن بن عوف.
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
ففيها وجه أبو بكر رحمه الله الجيوش إلى الشأم بعد منصرفه من مكة إلى المدينة حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال لما قفل أبو بكر من الحج سنة اثنتي عشرة جهز الجيوش إلى اشأم، فبعث عمرو بن العاص قبل فلسين، فأخذ طريق المعرقة على أيلة، وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل ين حسنة - وهو أحد الغوث - وأمرهم أن يسلكوا التبوكية على البلقاء من علياء الشأم.
حدثني عمر بن شبة، عن علي بن حمد بالأسناد الذي ذكرت قبل، عن شيوخه الذين مضى ذكرهم، قال: ثم وجه أبو بكر الجنود إلى الشأم أول سنة ثلاث عشرة، فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسير، وولى يزيد بن أبي سفيان، فكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشأم، وخرجوا في سبعة آلاف.
قال أبو جعفر: وكان سبب عزل أبي بكر خالد بن سعيد - فيما ذكر - ما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر؛ أن خالد بن سعيد لما قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله ؛ ثم تربص ببيعته شهرين، يقول: قد أمرني رسول الله ، ثم لم يعزلني حتى قبضه الله. وقد لقى علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان؛ فقال: يا بني عبد مناف؛ لقد طبتم نفسًا عن أمركم يليه غيركم! فأما أبو بكر فلم يحفلها عليه، وأما عمر فاضطغنها عليه. ثم بعث أبو بكر الجنود إلى الشأم، وكان أول من استعمل على ربع منها خالد بن سعيد، فأخذ عمر يقول: اتؤمره وقد صنع ما صنع وقال ما قال! فلم يزل بأبي بكر حتى عزله، وأمر يزيد بن أبي سفيان.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشر بن فضيل، عن جبير بن صخر حارس النبي ؛ عن أبيه، قال: كان خالد بن سعيد بن العاصى باليمن زمن النبي ، وتوفي النبي وهو بها، وقدم بعد وفاته بشهر، وعليه جبة ديباج عليه جبته! أيلبس الحرير وهو في رجلنا في السلم مهجور! فمزقوا جبته، فقال خالد: يا أبا الحسن، يا بني عبد مناف، أغلبتم عليها! فقال على عليه السلام: أمغالبة ترى أم خلافة؟ قال: لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم يا بني عبد مناف. وقال عمر لخالد: فض الله فاك! والله لا يزال كاذب يخوض فيما قلت ثم لا يضر إلا نفسه. فأبلغ عمر أبا بكر مقالته؛ فلما عقد أبو بكر الألوية لقتال أهل الردة عقد له فيمن عقد، فنهاه عنه عمر الأرض مدل بها وخائض فيها، فلا تستنصر به. فلم يحتمل أبو بكر عليه، وجعله رداءًا بتيماء؛ أطاع عمر في بعض أمره وعصاه في بعض.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف عن أبي إسحاق الشيباني، عن أبي عثمان، قالوا: أمر أبو بكر خالدًا بأن ينزل تيماء، ففضل ردءًا حتى ينزل بتيماء؛ وقد أمره أبو بكر ألا يبرحها، وأن يدعو من حوله بالإنضمام إليه، وألا تقبل إلا ممن لم يرتد، ولا يقاتل إلا من قتله؛ حتى يأتيه أمره. فأقام فاجتمع إليه جموع كثيرة؛ وبلغ الروم عظم ذلك العسكر، فضربوا على العرب الضاحية البعوث بالشأم إليهم؛ فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك، وبنزول من استنفرت الروم؛ ونفر إليهم من بهراء وكلب وسليح وتنوخ ولخم وجذام وغسان من دون زيزاء بثلاث؛ فكتب إليه أبو بكر: أن أقدم ولا تحجم واستنصر الله؛ فسار خالد، فلما دنا منهم تفرقوا وأعروا منزلهم؛ فنزله ودخل عامة من كان تجمع له في الإسلام؛ وكتب خالد إلى أبي بكر بذلك فكتب إليه أبو بكر: أقدم ولاتقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك. فسار فيمن كان خرج معه من تيماء وفيمن لحق به من طرف الرمل؛ حتى نزلوا فيما بين آبل وزيزاء والقسطل؛ فسار إليه بطريق من بطارقة الروم، يدعى بدهان؛ فهزمه وقتل جنده، وكتب بذلك إلى أبي بكر واستمده. وقدم على أبي بكر أوائل مستنفري اليمن ومن بين مكة واليمن؛ وفيهم ذو الكلاع، وقدم عليه عكرمة قافلًا وغازيًا فيمن كان معه من تهامة وعمان والبحرين والسرو. فكتب لهم أبو بكر إلى أمراء الصدقات أن يبدلوا من استبدل؛ فكلهم استبدل؛ فسمى ذلك الجيش جيش البدال. فقدموا على خالد بن عسيد؛ وعند ذلك اهتاج أبو بكر الشأم، وعناه أمره. وقد كان أبو بكر رد عمرو بن العاص على عمالة كان رسول الله ولاها إياه م صدقات سعد هذيم، وعذرة ومن لفها من جذام، وحدس قبل ذهابه إلى عمان. فخرج إلى عمان وهو على عدة من عمله؛ إذا هو رجع. فأ، جز له ذلك أبو بكر.