خبر دمشق من رواية سيف
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان، عن خالد وعبادة؛ قالا لما هزم الله جند اليرموك، وتهافت أهل الواقوصة وفرغ من المقاسم والأنفال، وبعث بالأخماس وسرحت الوفود، استخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير بن كعب بن أبي الحميري كيلا يغتال بردة؛ ولا تقطع الروم على مواده، وخرج أبو عبيدة حتى ينزل بالصفر؛ وهو يريد إتباع الفالة؛ ولا يدري يجتمعون أو يفترقون؛ فأتاه الخبر بأنهم أزروا إلى فحل، وأتاه الخبر بأن المدد قد أتى أهل دمشق من حمص، فهو لا يدري أبدمشق يبدأ أم بفحل من بلاد الأردن. فكتب في ذلك إلى عمر، وانتظر الجواب، وأقام بالصفر، فلما جاء عمر فتح اليرموك أقر الأمراء على ما كان استعملهم عليه أبو بكر إلا ما كان من عمرو بن العاص وخالد بن الوليد، فإنه ضم خالدًا إلى أبي عبيدة، وأمر عمرًا بمعونة الناس؛ حتى يصير الحرب إلى فلسطين، ثم يتولى حربها.
وأما ابن إسحاق؛ فإنه قال في أمر خالد وعزل عمر إياه ما حدثنا محمد بن حميد، قال حدثنا سلمة عنه، قال: إنما نزع عمر خالدًا في كلام كان خالدًا في كلام كان خالدًا تكلم به - فيما يزعمون - ولم يزل عمر عليه ساخطًا ولأمره كارهًا في زمان أبي بكر كله، لوقعته بابن نويرة، وما كان يعمل به في حربه؛ فلما استخلف عمر كان أول ما تكلم به عزله، فقال: لا يلي لي عملًا أبدًا؛ فكتب عمر إلى أبي عبيدة: إن خالدًا أكذب نفسه فهو أمير على ما هو عليه؛ وإن هو لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه؛ ثم انزع عمامته عن رأسه، وقاسمه ماله نصفين. فلما ذكر أبو عبيدة ذلك لخالد، قال أنظرني أستشر أختي في أمري، ففعل أبو عبيدة؛ فدخل خالد على أخته فاطمة بنت الوليد - وكانت عند الحارث بن هشام - فذكر لها ذلك، فقالت: والله لا يحبك عمر أبدًا، وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك. فقبل رأسها وقال: صدقت والله! فتم على أمره، وأبى أن يكذب نفسه. فقام بلال مولى أبي بكر إلى أبي عبيدة، فقال: مأ امرت به خالد؟ قال: أمرت أن أنزع عمامته، وأقاسمه ماله. فقاسمه ماله حتى بقيت نعلاه، فقال أبو عبيدة: إن هذا لا يصلح إلا بهذا فقال خالد: أجل، ما أنا بالذي أعصى أمير المؤمنين؛ فاصنع ما بدا لك! فأخذ نعلًا وأعطاه نعلَا. ثم قدم خالد على عمر المدينة حين عزله.
حدثنا ابن حميد، قال حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمر بم عطاء، عن سليمان بن يسار، قال: كان عمر كلما مر بخالد قال: يا خالد، أخرج مال الله من تحت استك، فيقول: والله ما عندي من مال؛ فلما أكثر عليه عمر قال له خالد: يا أمير المؤمنين، ما قيمة ما أصيب في سلطانهكم! أربعين ألف درهم! فقال عمر: قد أخذت ذلك منك بأربعين ألف درهم، قال: هو لك، قال: قد أخذته. ولم يكن لخالد مال إلا عدة ورقيق، فحسب ذلك، فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه عمر ذلك، فأعطاه أربعين ألف درهم، وأخذ المال. فقيل له: يا أمير المؤمنين، لو رددت على خالد ماله! فقال: إنما أنا تاجر للمسلمين، والله لا أرده عليه أبدًا فكان عمر يرى أنه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك.
رجع الحديث إلى حديث سيف، عن أبي عثمان، عن خالد وعبادة، قالا: ولما جاء عمر الكتاب عن أبي عبيدة بالذي ينبغي أن يبدأ به كتب إليه:
أما بعد؛ فابدءوا بدمشق، فانهدوا لها؛ فإنها حصن الشأم وبيت مملكتهم، واشغلوا عنكم أهل فحل بخيل تكون بإزائهم في نحورهم وأهل فلسطين وأهل حمص؛ فإن فتحها الله قبل دمشق فذاك الذي نحب، وإن تأخر فتحها حتى يفتح الله دمشق فلينزل بدمشق من يمسك بها، ودعوها، وانطلق أنت وخالد إلى حمص، ودع شرحبيل وعمرًا وأخلهما بالأردن وفلسطين، وأمير كل بلد وجند على الناس حتى يخرجوا من إمارته. فسرح أبو عبيدة إلى فحل عشرة قواد: أبا الأعور السلمى، وعبد عمرو بن يزيد ين عامر الجرشي، وعامر بن حثمة، وعمرو بن كليب من يحصب، وعمارة بن الصعق بن كعب، وصيفي بن علبة بن شامل، وعمرو بن الحبيب بن عمرو، ولبدة بن عامر بن خثعمة، وبشر بن عصمة، وعمارة بن مخش قائد الناس؛ ومع كل رجل خمسة قواد؛ وكانت الرؤساء تكون من الصحابة حتى لا يجدوا من يحتمل ذلك منهم، فساروا من الصفر حتى نزلوا قريبًا من فحل، فلما رأت الروم أن الجنود تريدهم بثقوا المياه جول فحل، فأردغت الأرض، ثم وحلت، واغتم المسلمون من ذلك، فحسبوا عن المسلمين بها ثمانين ألف فارس. وكان أول محصور بالشأم أهل فحل، ثم أهل دمشق. وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص رداءًا. وبعث علقمة بن حكيم ومسروقًا فكانا بين دمشق وفلسطين، والأمير يزيد. ففصل، وفصل بأبي عبيدة من المرج؛ وقدم خالد بن الوليد، فقدموا على دمشق، وعليهم نسطاس بن نسطورس؛ فحصروا أهل دمشق، ونزلوا حواليها، فكان أبو عبيدة على ناحية، وعمرو على ناحية، ويزيد على ناحية، وهرقل يومئذ بحمص، ومدينة حمص بينه وبينهم. فحاصروا أهل دمشق نحوًا من سبعين ليلة حصارًا شديدًا بالزحوف والترامي والمجانيق؛ وهم معتصمون بالمدينة يرجون الغياث، وهرقل منهم قريب وقد استمدواه. وذو الكلاع بين المسلمين وبين حمص على رأس ليلة من دمشق؛ كأنه يريد حمص، وجاءت خيول هرقل مغيثة لأهل دمشق، فأشجتها الخيول التي مع ذي الكلاع، وشغلتها عن الناس، فأرزوا بإزائه، وأهل دمشق على حالهم.
فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا وأبلسوا وازداد المسلمون طعمًا فيهم؛ وقد كانوا يرون أنها كالغارات قبل ذلك؛ إذا هجم البرد قفل الناس، فسقط النجم والقوم مقيمون؛ فعند ذلك انقطع رجاؤهم، وندموا على دخول دمشق، وولد للبطريق الذي دخل على أهل دمشق مولود ح فصنع عليه، فأكل القوم وشربوا، وغفلوا عن مواقفهم؛ ولا يشعر بذلك أحد من المسلمين إلا ما كان من خالد؛ فإنه كان لا ينام ولا ينيم، ولا يخفي عليه من أمورهم شئ؛ عيونه ذاكية وهو معنى بما يليه، قد اتخذ حبالًا كهيئة السلاليم وأوهاقًا فلما أمسى من ذلك اليوم نهد ومن معه من جنده الذين قدم بهم عليهم، وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي، وأمثاله من أصحابه في أول يومه، وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا، وانهدوا للباب. فلما انتهى إلى الباب الذي يليه هو وأصحابه المتقدمون رموا بالحبال الشرف وعلى ظهورهم القرب التي قطعوا بها خنمدقهم. فلما ثبت لهم وهقان تسلق فيهما القعقاع ومذعور، ثم لم يدعا أحبولة إلا أثبتاها - والأوهاق بالشرف - وكان المكان الذي اقتحموا منه أحصن مكان يحيط بدمشق، أكثره ماء، وأشده مدخلًا وتوافوا لذلك فلم يبق ممن دخل معه أحد إلا رقى أو دنا من الباب؛ حتى إذا استووا على السور حدر عامة أصحابه، وانحدر معهم؛ وخلف من يحمي ذلك لمن يرتقى، وأمرهم بالتكبير، فكبر الذين على رأس السور، فنهد المسلمون إلى الباب، ومال إلى الحبال بشر كثير، فوثبوا فيها، وانتهى خالد إلى أول من يليه فأنامهم، وانحدر إلى الباب، فقتل البوابين، وثار أهل المدينة وفزع سائر الناس؛ فأخذوا مواقفهم، ولا يدرون ما الشأ،! وتشاغل أهل كل ناحية بما يليهم، وقطع خالد بن الوليد ومن معه أغلاق الباب بالسيوف، وفتحوا للمسلمين، فأقبلوا عليهم من داخل، حتى ما بقي مما يلي باب خالد مقاتل إلا أنيم. ولما شد خالد على من يليه؛ وبلغ منهم الذي أراد عنوة أرز من أفلت إلى أهل الأبواب التي تلي غيره؛ وقد كان المسلمون دعوهم إلى المشاطرة فأبوا وأبعدوا، فلم يفجأهم إلا وهم يبوحون لهم بالصلح، فأجابوا وقبلوا منهم، وفتحوا لهم الأبواب، وقالوا: ادخلوا وامنعونا من أهل ذلك الباب. فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم، ودخل خالد مما يليه عنوة، فالتقى خالد والقواد في وسطها؛ هذا استعراضًا وانتهابًا وكان صلح دمشق على المقاسمة، الدينار والعقار، ودينار عن كل رأس، فاقتسموا الأسلاب؛ فكان أصحاب خالد فيها كأصحاب سائر القواد، وجرى على الديار ومن بقي في الصلح جريب من كل جريب أرض؛ ووقف كا كان للملوك ومن صوب معهم فيسئًا، وقسموا لذي الكلاع ومن معه، ولأبي الأعور ومن معه، ولبشير ومن معه، وبعثوا بالبشارة إلى عمر، وقدم على أبي عبيدة كتاب عمر؛ بأن اصرف جند العراق إلى العراق، وأمرهم بالحث إلى سعد بن مالك، فأمر على جند العراق هاشم بن عتبة، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنبتيه عمرو بن مالك الزهري وربعي بن عامر، وضربوا بعد دمشق نحو سعد، فخرج هاشم نحو العراق في جند العراق؛ وخرج القواد نحو فحل وأصحاب هاشم عشرة آلاف إلا من أصيب منهم، فأتموهم بأناس ممن لم يكن منهم؛ ومنهم قيس والأشير، وخرج علقمة ومسروق إلى إيلياء، فنزلا على طريقها، وبقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان من قواد أهل اليمن عدد؛ منهم عمرو بم شمرين غزية، وسهم بن المسافر بن هزمة، ومشافع ابن عبد الله بن شافع. وبعث يزيد دحية ين خليفة الكلبي في خيل بعد ما فتح دمشق إلى تدمر، وأبا الزهراء القشيري إلى البثنية وحوران، فصالحوهما على صلح دمشق؛ ووليًا القيام على فتح ما بعثا إليه.
وقال محمد بن إسحاق: كان فتح دمشق في سنة أربع عشرة في رجب.