إلى الجسر فقطعه، فانتهى الناس إليه والسيوف تأخذهم من خلفهم، فتهافتوا في الفرات، فأصابوا يومئذ من المسلمين أربعة آلاف؛ من بين غريق وقتيل، وحمى المثنى الناس وعاصم والكلج الضبى ومذعور، حتى عقدوا الجسر وعبروهم ثم عبروا في آثارهم، فأقاموا بالمروحة والمثنى جريح، والكلج ومذعور وعاصم - وكانوا حماة الناس - مع المثنى، وهرب من الناس بشر كثير على وجوههم؛ وافتضحوا في أنفسهم، واستحيوا مما نزل بهم، وبلغ ذلك عمر عن بعض من أوى إلى المدينة فقال: عباد الله! اللهم إن كل مسلم في حل منى، أنا فئة كل مسلم، يرحم الله أبا عبيد! لو كان عبر فاعتصم بالخيف، أو تحيز إلينا ولم يستقبل لكنا به فئة! وبينا أهل فارس يحاولون العبور أتاهم الخبر أن الناس بالمدائن قد ثاروا برستم، ونقضوا الذي بينهم وبينه فصاروا فرقتين: الفهلوج على رستم، وأهل فارس على الفيرزان؛ وكان بين وقعة اليرموك والجسر أربون ليلة. وكان الذي جاء بالخبر عن اليرموك جرير بن عبد الله الحميري؛ والذي جاء بالخبر عن الجسر عبد الله بن زيد الأنصاري - وليس بالذي رأى الرؤيا - فانتهى إلى عمر وعمر على المنبر. فنادى عمر: الخبر يا عبد الله بن زيد! قال: أتاك الخبر اليقين؛ ثم صعد إليه المنبر فأسر ذلك إليه.
وكانت اليرموك في أيام من جمادى الآخر، والجسر في شعبان.
كتب إلي السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وسعيد ابن المرزيان، قالا: واستعمل رستم على حرب أبي عبيد بهمن جاذويه؛ وهو ذو الحاجب، ورد الجالنوس ومعه الفيلة، فيها فيل أبيض عليه النخل، وأقبل في الدهم، وقد استقبله أبو عبيد حتى انتهى إلى بابل؛ فلما بلغه انحاز حتى جعل الفرات بينه وبينه؛ فعسكر بالمروحة.
ثم إن أبا عبيد ندم حين نزلوا به قالوا: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر، فحلف ليقطعن الفرات إليهم، وليمحصن ما صنع، فناشده سليط بن قيس ووجوه الناس، قالوا إن العرب لم تلق مثل جنود فارس منذ كانوا، وإنهم قد حفلوا لنا واستقبلوا من الزهاء والعدة بما لم يلقنا به أحد منهم؛ وقد نزلت منزلًا لنا فيه مجال وملجأ ومرجع؛ من فرة إلى كرة. فقال: لاأفعل؛ جبنت والله! وكان الرسول فيما بين ذي الحاجب وأبي عبيد مردانشاه الخصى؛ فأخبرهم أن أهل فارس قد عيروهم؛ فازداد أبو عبيد محكًا، ورد على أصحابه الرأى، وجبن سليطًا، فقال: سليط: أنا والله أجرأ منك نفسًا؛ وقد أشرنا عليك الرأي فستعلم! كتب إلى السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السري، عن الأغر العجلي، قال: أقبل ذو الحاجب حتى وقف على شاطئ الفرات بقس الناطف، وأبو عبيد معسكر على شاطئ الفرات بالمروحة فقال: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم. فقال أبو عبيد: بل نعبر إليكم. فعقد ابن صلوبا الجسر للفريقين جميعًا؛ وقبل ذلك ما قد رأت دومة امرأة أبي عبيد رؤيا وهي بالمروحة؛ أن رجلًا نزل من السماء بإناء فيه شراب، فشرب أبو عبيد وجبر في أناس من أهله؛ فأخبرت بها أبا عبيد، فقال: هذه الشهادة وعهد أبو عبيد إلى الناس، فقال: إن قتلت فعلى الناس جبر، فإن قتل فعليكم فلان، حتى أمر الذين شربوا من الإناء على الولاء من كلامه. ثم قال: إ، قتل أبو القاسم فعليكم المثنى، ثم نهد بالناس فعبر وعبروا إليهم، وعضلت الأرض بأهلها، وألحم الناس الحرب. فلما نظرت الخيول إلى الفيلة عليها النخل؛ والخيل عليها التجافيف والفرسان عليهم الشعر رأت شيئا منكرًا لم تكن ترى مثله فجعل المسلمون إذا حملوا عليهم لم تقدم خيولهم، وإذا حملوا على المسلمين بالفيلة والجلاجل فرقت بين كراديسهم؛ لا تقوم لها الخيل إلا على نفار. وخزقهم الفرس بالنشاب، وعض المسلمين الألم؛ وجعلوا لا يصلون إليهم؛ فترجل أبو عبيد وترجل الناس، ثم مشوا إليهم فصافحوهم بالسيوف؛ فجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلا دفعتهم؛ فنادى أبو عبيد: احتوشوا الفيلة؛ وقطعوا بطنها واقبلوا عنها أهلها؛ وواثب هو الفيل الأبيض، فتعلق ببطانة فقطعه؛ ووقع الذين عليه، وفعل القوم مثل ذلك؛ فما تركوا فيلا إلا حطوا رحله؛ وقتلوا أصحابه، وأهوى الفيل لأبي عبيد، فنفخ مشفره بالسيف، فاتقاه الفيل بيده؛ وأبو عبيد يتجرثمه؛ فأصابه بيده فوقع فخبطه الفيل، وقام عليه؛ فلما بصر الناس بأبي عبيد تحت الفيل، خشعت أنفس بعضهم، وأخذ اللواء الذي كان أمره بعده، فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبي عبيد، فاجتراه إلى المسلمين، وأحرزوا شلوه؛ وتجرثم الفيل فاتقاه الفيل بيده، دأب أبي عبيد وخبطه الفيل. وقام عليه وتتابع سبعة من ثقيف؛ كلهم بأخذ اللواء فيقاتل حتى يموت. ثم أخذ اللواء المثنى، وهرب الناس، فملا رأى عبد الله بن مرثد الثقفي ما لقى أبو عبيد وخلفاؤه وما يصنع الناس، بادرهم إلى الجسر فقطعه، وقال يا أيها الناس، موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا. وحاز المشركون المسلمين إلى الجسر؛ وخشع ناس فتواثبوا في الفرات؛ فغرق من لم يصبر وأسرعوا فيمن صبر، وحمى المثنى وفرسان من المسلمين الناس، ونادى: يأيها الناس، إنا دونكم فاعبروا على هينتكم ولا تدهشوا؛ فإنا لن نزايل حتى نراكم من ذلك الجانب، ولا تغرقوا أنفسكم. فوجدوا الجسر وعبد الله بن مرثد قائم عليه يمنع الناس من العبور، فأخذوه فأتوه به المثنى، فضربه وقال: مما حملك على الذي صنعت؟ قال: ليقاتلوا، ونادى من عبر فجاءوا بعلوج، فضموا إلى السفينة التي قطعت سفائنها، وعبر الناس، وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس، وعبر المثنى وحمى جانبه؛ فاضرب عسكره، ورامهم ذو الحاجب فلم يقدر عليهم؛ فلما عبر المثنى وحمى جانبه ارفض عنه أهل المدينة حتى لحقوا بالمدينة وتركها بعضهم ونزلوا البوادي وبقي المثنى في قلة.
كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عن رجل، عن أبي عثمان النهدي، قال: هلك يومئذ أربعة آلاف بين قتيل وغريق؛ وهرب ألفان، وبقى ثلاثة آلاف، وأتى ذا الحاجب الخبر باختلاف فارس؛ فرجع بجنده؛ وكان ذلك سببًا لرفضاضهم عنه، ورجح المثنى، وأثبت فيه حلق من درعه هتكهن الرمح.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد وعطية نحوًا منه.
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن مجالد وعطية والنضر، أن أهل المدينة لما لحقوا بالمدينة وأخبروا عمن سار في البلاد استحيا من الهزيمة، اشتد على عمر ذلك ورحمهم. قال الشعبي: قال عمر: اللهم كل مسلم في حل منى، أنا فئة كل مسلم، من لقى العدو ففظع بشئ من أمره فأنا له فئة؛ يرحم الله أبا عبيد لو كان انحاز إلى لكنت له فئة؟ وبعث المثنى بالخبر إلى عمر مع عبيد بن زيد، وكان أول من قدم على عمر.
وحدثنا ابن حميد؛ قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق بنحو خير سيف هذا في أمر أبي عبيد وذي الحاجب، وقصة حربهما، إلا أنه قال: وقد كانت رأت دومة أم المختار بن أبي عبيد، أن رجلًا نزل من السماء معه إناء فيه شراب من الجنة فيما يرى النائم، فشرب منه أبو عبيد وجبر بن أبي عبيد وأناس من أهله. وقال أيضًا: فلما رأى أبو عبيد ما يصنع الفيل، قال: هل لهذه الدابة من مقتل؟ قالوا: نعم؛ فإذا قطع مشفرها ماتت، فشد على الفيل فضرب ممشفرة فقطعه، وبرك عليه الفيل فقتله. وقال أيضًا: فرجعت الفرس ونزل المثنى بن حارثة أليس، وتفرق الناس، فلحقوا بالمدينة، فكان أول من قدم المدينة بخبر الناس عبد الله بن زيد بن الحصين الخطمى، فأخبر الناس.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة ابنة عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي ، قالت: سمعت عمر بن الخطاب حين قدم عبد الله بن زيد؟ وهو داخل المسجد، وهو يمر على باب حجرتي، فقال: ما عندك يا عبد الله بن زيد؟ قال: أتاك الخبر يا أمير المؤمنين؛ فلما انتهى إليه أخبره خبر الناس، فما سمعت برجل حضر أمرًا فحدث عنه كان أثبت خبرًا منه. فملما قدم فل الناس، ورأى عمر جزع المسلمين من المهاجرين والأنصار من الفرار، قال: لا تجزعوا يا معشر المسلمين، أنا فئتكم، إنما انحزتم إلى.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة؛ عن ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحصين وغيره؛ أن معاذًا القارئ أخا بني النجار؛ كان ممن شهدها ففر يومئذ، فكان إذا قرأ هذه الآية: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير)، بكى، فيقول له عمر: لا تبك يا معاذ، أنا فئتك، وإنما انحزت إلى.