كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السري، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: لما فصل رستم، وأمر الجالنوس بالتقدم إلى الحيرة، أمره أن يصيب له رجلًا من العرب، فخرج هو والآزاذ مرد سرية في مائة؛ حتى انتهيا إلى القادسية، يفأصابا رجلًا دون قنطرة القادسية فاختطفاه، فنفر الناس فأعجزوهم إلا ما أصاب المسلمون في أخرياتهم. فملا انتهيا إلى النجف سرحا به إلى رستم، وهو بكوثى، فقال له رستم: ما جاء بكم؟ وماذا تطلبون؟ قال: جئنا نطلب موعود الله، قال: وما هو؟ قال: ارضكم وأبناؤكم ودماؤكم إن أبيتم أن تسلموا. قال رستم: فإن قتلتم قبل ذلك؟ قال: في موعود الله أن من قتل منا قبل ذلك أدخله الجنة. وأنجز لمن بقي منا ما قلت لك، فنحن على يقين. فقال رستم: قد وضعنا إذًا في أيديكم؛ قال: ويحك يا رستم! إن أعمالكم وضعتكم فأسلمكم الله بها؛ فلا يغرنك ما ترى حولك، فإنك لست تحاول الإنس؛ وإنما تحاول القضاء والقدر! فاستشاط غضبًا؛ فأمر به فضربت عنقه، وخرج رستم من كوثى؛ حتى ينزل ببرس، فغضب أصحابه الناس أموالهم ووقعوا على النساء، وشربوا الخمور. فضج العلوج إلى رستم، وشكوا إليه ما يلقون في أموالهم وأبنائهم. فقام فيهم، فقال: يا معشر أهل فارس، والله لقد صدق العربي؛ والله ما أسلمنا إلا أعمالنا، والله للعرب في هؤلاء وهم لهم ولنا حرب أحسن سيرة منكم. إن الله كان ينصركم على العدو، ويمكن لكم في البلاد بحسن السيرة وكف الظلم والوفاء بالعهود والإحسان؛ فأما إذ تحولتم عن ذلك إلى هذه الأعمال، فلا أرى الله إلا مغيرًا ما بكم، وما أنا بآمن أن ينزع الله سلطانه منكم. وبعث الرجال؛ فلقطوا له بعض من يشكى فأتى بنفر، فضرب أعناقهم، ثم ركب ونادى في الناس بالرحيل، فخرج ونزل بحيال أهل دير الأعور، ثم انصب إلى المطاط؛ فعسكر مما يلي الفرات بحيال أهل النجف بحيال الخورنق إلى الغريين، ودعا بأهل الحيرة، فأوعدهم وهم بهم، فقال له ابن بقيلة: لا تجمع علينا اثنتين: أن تعجز عن نصرتنا، وتلومنا على الدفع عن أنفسنا وبلادنا. فسكت.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، والمقدام الحارثى عمن ذكره، قالا: دعا رستم أهل الحيرة وسرادقه إلى جانب الدير، فقال: يا أعداء الله، فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا، وكنتم عيونًا لهم علينا، وقويتموهم بالأموال! فاتقوه بابن بقيلة، وقالوا له: كن أنت الذي تكلمه، فتقدم، فقال: أما أنت وقولك: إنا فرحنا بمجيئهم. فماذا فعلوا؟ وبأى ذلك من أمورهم نفرح! إنهم ليزعمون أنا عبيد لهم، وما هم على ديننا؛ وإنهم ليشهدون علينا أنا من أهل النار. وأما قولك: إنا كنا عيونًا لهم، فما الذي يحوجهم إلى أن نكون عيونًا لهم، وقد هرب أصحابكم منهم، وخلوا لهم القرى! فليس يمنعهم أحد من وجه ارادوه؛ إن شاءوا أخذوا يمينًا أو شكالًا. وأما قولك: إنا قويناهم بالأموال؛ فإنا صانعناهم بالأموال عن أنفسنا؛ وإذ لم تمنعونا مخافة أن نسبى وأن نحرب، وتقتل مقاتلتنا - وقد عجز منهم من لقيهم منكم - فكنا نحن أعجز؛ ولعمري لأنتم أحب إلينا منهم؛ وأحسن عندنا بلاء، فامنعونا منهم لكن لكم أعوانًا؛ فإنما نحن بمنزلة علوج السواد، عبيد من غلب. فقال رستم: صدقكم الرجل.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: رأى رستم بالدير أن ملكًا جاء حتى دخل عسكر فارس، فختم السلاح أجمع.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وأصحابه؛ وشاركهم النضر بإسناده، قالوا: ولما اطمأن رستم أمر الجالنوس أن يسير من النجف، فسار في المقدمات، فنزل فيما بين النجف والسيلحين، وارتحل رستم، فنزل النجف - وكان بين خروج رستم من المدائن وعسكرته بساباط وزحفه منها إلى أن لقى سعدًا أربعة أشهر، ولا يقدم ولا يقاتل - رجاء أن يضجروا بمكانهم، وأن يجهدوا فينصرفوا، وكره قتالهم مخافة أن يلقى ما لقى من قبله. وطالهم لولا ماجعل الملك يستعجله وينهضه ويقدمه؛ حتى أقحمه؛ فملا نزل رستم النجف عادت عليه الرؤيا، فرأى ذلك الملك ومعه النبي وعمر، فأخذ الملك سلاح أهل فارس، فختمه، ثم دفعه إلى النبي فدفعه النبي إلى عمر. فأصبح رستم، فازداد حزنًا، فملا رأى الرفيل ذلك رغب في الإسلام؛ فكانت داعيته إلى اٌسلام، وعرف عمر أن القوم سيطاولونهم، فعهد إلى سعد وإلى المسلمين أن ينزلوا حدود أرضهم، وأن يطالوهم أبدًا حتى ينغضوهم، فنزلوا القادسية، وقد وطنوا أنفسهم على الصبر والمطاولة، وأبى الله إلا أن يتم نوره، فأقاموا واطمأنوا، فكانوا يغيرون على السواد، فانتسفوا ما حولهم فحووه وأعدوا للمطاولة؛ وعلى ذلك جاءوا، أو يفتح الله عليهم. وكان عمر يمدهم بالأسواق إلى ما يصيبون؛ فلما رأى ذلك الملك ورستم وعرفوا حالهم، وبلغهم عنهم فعلهم؛ علم أن القوم غير منتهين، وأنه إن أقام لم يتركوه؛ فرأى أن يشخص رستم، ورأى رستم أن ينزل بين العتيق والنجف، ثم يطالولهم مع المنازلة، ورأى أن ذلك أمثل ما هم فاعلون، حتى يصيبوا من الإحجام حاجتهم، أو تدور لهم سعود.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: وجعلت السرايا تطوف، ورستم بالنجف والجالنوس بين النجف والسيلحين وذو الحاجب بين رستم والجالنوس، والهرمزان ومهران على مجنبتيه، والبيرزان على ساقته وزاد بن بهيش صاحب فرات سريا على الرجالة؛ وكنارى على المجردة؛ وكان جنده مائة وعشرين ألفًا، وستين ألف متبوع مع الرجل الشاكرى، ومن الستين ألفًا خمسة عشر ألف شريف متبوع، وقد تسلسلوا وتقارنوا لتدور عليهم رحى الحرب.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن موسى بن طريف، قال: قال الناس لسعد: لقد ضاق بنا المكان؛ فأقدم، فزبر من كلمه بذلك، وقال: إذا كفيتم الرأى، فلا تكلفوا؛ فإنا لن نقدم إلا على رأى ذوى الرأى، فاسكتوا ما سكتنا عنكم وبعث طليحة وعمرًا في غير خيل كالطليعة، وخرج سواد وحمضية في مائة مائة؛ فأغاروا على النهرين؛ وقد كان سعدنها هما أن يمنعا، وبلغ رستم، فأرسل إليهم خيلًا، وبلغ سعدًا أن خيله قد وغلت: فدعا عاصم بم عمرو وجابرًا الأسدي، فأرسلهما في آثارهما يقتصانها، وسلكا طريقهما، وقال لعاصم: إن جمعكم قتال فأنت عليهم، فلقيهم بين النهرين وإصطيميا؛ وخيل أهل فارس محتوشتهم، يريدون تخلص ما بين أيديهم؛ وقد قال سواد لحمضية: أختر؛ إما أن تقيم لهم وأستاق الغنيمة، أو أقيم لهم وتستاق الغنيمة. قال: أقم لهم ونهنههم عنى، وأنا أبلغ لك الغنيمة؛ فأقام لهم سواد، وانجذب حمضية، فلقيه عاصم بن عمرو، فطن حمضية أنها خيل للأعاجم أخرى، فصد عنها منحرفًا؛ فلما تعارفوا ساقها؛ ومضى عاصم إلى سواد - وقد كان أهل فارس تنقذوا بعضها - فلما رأت الأعاجم عاصمًا هربوا، وتنقذ سواد ما كانوا ارتجعوا؛ فأتوا سعدًا بالفتح والغنائم والسلامة؛ وقد خرج طليحة وعمرو؛ فأما طليحة فأمره بعسكر رستم، وأما عمرو فأمره بعسكر الجالنوس؛ فخرج طليحة وحده، وخرج عمرو في عدة، فبعث قيس بن هبيرة في آثارهما؛ فقال: إن لقيت قتالًا فأنت عليهم - وأراد إذلال طليحة لمعصيته، وأما عمرو فقد أطاعه - فخرج حتى تلقى عمرًا، فسأله عن طليحة، فقال: لا علم لي به، فلما انتهينا إلى النجف من قبل الجوف، قال له قيس: ما تريد؟ قال: أريد أن أغير على أدنى عسكرهم؛ قال: في هؤلاء! قال: نعم، قال: لا أدعك والله وذاك! أتعرض المسلمين لما لا يطيقون قال: وما أنت وذاك! قال: إني أمرت عليك؛ ولو لم أكن أميرًا لم أدعك طليحة إذا اجتمعتم، فقال عمرو: والله يا قيس؛ إن زمانًا تكون على فيه أميرًا لزمان سوء! لأن أرجع عن دينكم هذا إلى ديني الذي كنت عليه وأقاتل عليه حتى أموت أحب إلى من أن تتأمر على ثانية. وقال: لئن عاد صاحبك الذي بعثك لمثلها لنفارقنه؛ قال: ذاك إليك بعد مرتك هذه، فرده؛ فرجعا إلى سعد بالخبر. وبأعلاج وأفراس، وشكاكل واحد منهما صاحبه؛ أما قيس فشكا عصيان عمرو، وأما عمرو، فشكا غلظة قيس، فقال سعد: يا عمرو، الخبر والسلامة أحب إلى من مصاب مائة بقتل ألف، أتعمد إلى حلبة فارس فتصاد مهم بمائة إن كنت لأراك أعلم بالحرب مماأرى. فقال: إن الأمر لكما قلت؛ وخرج طليحة حتى دخل عسكرهم في ليلة مقمرة، فتوسم فيه، فهتك أطناب بيت رجل عليه، واقتاد فرسه، ثم خرج حتى مر بعسكر ذي الحاجب، فهتك على رجل آخر بيته، وحل فرسه ثم دخل على الجالنوس عسكره فهتك على آخر بيته، وحل فرسه، ثم دخل على الجالنوس؛ فهتك على آخر بيته، وحل فرسه ثم حتى أتى الحرارة وخرج الذي كان بالنجف، والذي كان في عسكر ذي الحاجب فاتبعه الذي كان في عسكر الجالنوس، فكان أولهم لحاقًا به الجالنوس ثم الحاجبي، ثم النجفى؛ فأصاب الأولين، وأسر الآخر. وأتى به سعدًا فأخبره، وأسلم؛ فسماه سعد مسلمًا؛ ولزم طليحة؛ فكان معه في تلك المغازى كلها.