د. راغب السرجاني
تستعد أمة الإسلام لاستقبال نعمة عظمى من نِعم رب العالمين i.. نعمة لم يُختص بها فرد أو قبيلة.. بل هي تتنزَّل سنويًّا على سائر الأمة، والسعيد حقًّا من أحسن استقبالها.
تلك هي نعمة رمضان!!
كيف وصف رسول اللهتلك النعمة الغالية؟
لقد روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرةقال: لما حضر رمضان قال رسول الله: "قد جاءكم شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِمَ".
إن لرمضان في ميزان الإسلام ثقلاً خاصًّا؛ فما هو بالشهر العابر الذي يبدأ لينقضي.. بل هو ركن أساس من الأركان التي يرتفع فوقها بناء الإسلام الشامخ.. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان".
سيقوم رمضان بثلاثة أدوار عظيمة الأهمية في الأُمَّة، وهي: التنقية.. والتميُّز.. والتربية!
إنه ينقِّي صف المؤمنين من الشوائب.. ويميِّزُه عن غيره من الصفوف.. ثم هو أخيرًا يربِّي المؤمنين على أمور لا بد منها لكي تصلح أمتهم لقيادة العالمين.

رمضان وتنقية الأمة الإسلامية
يمثل رمضان اختبارًا مهمًّا.. تتم فيه وبعده تنقية الصف المسلم من الشوائب.. ولا يكون الاختبار حقيقيًّا إلا إذا كان صعبًا.. وكذلك اختبار رمضان الذي ترجع صعوبته إلى عدة أمور منها:

أنه فرض.. وطبيعة النفس الإنسانية أن تنفر من الفروض والتكاليف.
ومنها أنه شهر كامل متصل.. والأعذار فيه محدودة.
ومنها أنه خروج على المألوف.. بترك ما يعتاده الإنسان - بل يحتاج إليه - من الطعام والشراب والشهوة.
ولكن أصعب من كل ذلك أن تصوم صيامًا حقيقيًّا كما أراد الله.. فليست المسألة تركًا للطعام والشراب والشهوة فقط، ولكن الأمر أكبر من ذلك.. والاختبار أصعب من ذلك.. وهو أن يوجِّه رمضان حركة حياة الإنسان كلها (قولاً وعملاً وفكرًا وشعورًا وجوارح..) نحو مرضاة رب العالمين واجتناب محارمه.. وإلاّ فقد روى البخاري عن أبي هريرةقال: قال رسول الله: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه شرابه".

رمضان وتميز الأمة الإسلامية
يعتبر تخصيص شهر رمضان بالصيام تمييزًا للأمة الإسلامية التي أرادها الله في منزلة خاصة.. وسطًا.. شاهدةً على الناس؛ ذلك أن الرسولوالمسلمين في عامهم الأول بعد الهجرة كانوا يصومون عاشوراء مع اليهود.. وكان ذلك اليوم فريضة عليهم.. كما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِم النبيفرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟"

قالوا : يوم صالح، نجَّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى.
فقال رسول الله: "أنا أحق بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه.
فلما فُرض صيام شهر رمضان قالعن يوم عاشوراء: "من شاء صامه، ومن شاء تركه". فأصبح صيامه نافلة بعد ذلك.