و مما يراعى في البلاد إلى الساحلية التي على البحر أن تكون في جبل أو تكون بين أمة من الأمم موفورة العدد تكون صريخاً للمدينة متى طرقها. طارق من العدو و السبب في ذلك أن المدينة إذا كانت حاضرة البحر و لم يكن بساحتها عمران للقبائل أهل العصبيات و لا موضعها متوعر من الجبل كانت في غرة للبيات و سهل طروقها في الأساطيل البحرية على عدوها و تحيفه لها لما يأمن من وجود الصريخ لها. و أن الحضر المتعودين للدعة قد صاروا عيالاً و خرجوا عن حكم المقاتلة. و هذه كالإسكندرية من المشرق و طرابلس من المغرب و بونة و سلا.

و متى كانت القبائل و العصائب موطنين بقربها بحيث يبلغهم الصريخ و النعير و كانت متوعرة المسالك على من يرومها باختطاطها في هضاب الجبال و على أسنمتها كان لها بذلك منعة من العدو و يئسوا من طروقها لما يكابدونه من وعرها و ما يتوقعونه من إجابة صريخها كما في سبتة و بجاية و بلد القل على صغرها فافهم ذلك و اعتبره في اختصاص الإسكندرية باسم الثغر من لدن الدولة العباسية مع أن الدعوة من ورائها ببرقة و أفريقية. و إنما اعتبر في ذلك المخافة المتوقعة فيها من البحر لسهولة وضعها و لذلك و الله أعلم كان طروق العدو للاسكندرية و طرابلس في الملة مرات متعددة و الله تعالى أعلم.