الفصل العشرون: في العلوم العددية و أولها الأرتماطيقي و هو معرفة خواص الأعداد من حيث التأليف إما على التوالي أو بالتضعيف مثل أن الأعداد إذا توالت متفاضلة بعدد واحد فإن جمع الطرفين منها مساو لجمع كل عددين بعدهما من الطرفين بعدد واحد و مثل ضعف الواسطة إن كانت عدة تلك الأعداد فردا مثل الأفراد على تواليها و الأزواج على تواليها و مثل أن الأعداد إذا توالت على نسبة واحدة يكون أولها نصف ثانيها وثانيها نصف ثالثها الخ، أو يكون أولها ثلث ثانيها و ثانيها ثلث ثالثها الخ فإن ضرب الطرفين أحدهما في الآخر كضرب كل عددين بعدهما من الطرفين بعدد واحد أحدهما في الآخر. و مثل مربع الواسطة إن كانت العدة فردا و ذلك مثل أعداد زوج الزوج المتوالية من اثنين فأربعة فثمانية فستة عشر و مثل ما يحدث من الخواص العددية في وضع المثلثات العددية و المربعات و المخمسات والمسدسات إذا وضعت متتالية في سطورها بأن تجمع من الواحد إلى العدد الأخير فتكون مثلثة. و تتوالى المثلثات هكذا في سطر تحت الأضلاع ثم تزيد على كل مثلث ثلث الضلع الذي قبله فتكون مربعة. و تزيد على كل مربع مثلث الضلع الذي قبلة فتكون مخمسة و هلم جرا. و تتوالى الأشكال على توالى الأضلاع و يحدث جدول ذو طول و عرض. ففي عرضه الأعداد على تواليها ثم المثلثات على تواليها ثم المربعات ثم المخمسات الخ و في طوله كل عدد و أشكاله بالغا ما بلغ و تحدث في جمعها و قسمة بعضها على بعض طولا و عرضا خواص غريبة استقرت منها و تقررت في دواوينهم مسائلها كذلك ما يحدث للزوج و الفرد و زوج الزوج و زوج الفرد و زوج الزوج و الفرد فإن لكل منها خواص مختصة به تضمنها هذا الفن و ليست في غيره. و هذا الفن أول أجزاء التعاليم و أثبتها و يدخل في براهين الحساب. و للحكماء المتقدمين و المتأخرين فيه تآليف، و أكثرهم يدرجونه في التعاليم و لا يفردونه بالتآليف. فعل ذلك ابن سينا في كتاب الشفاء و النجاة و غيره من المتقدمين. و أما المتأخرون فهو عندهم مهجور إذ هو غير متداول و منفعته في البراهين لا في الحساب فهجروه لذلك بعد أن استخلصوا زبدته في البراهين الحسابية كما فعله ابن البناء في كتاب رفع الحجاب و غيره و الله سبحانه و تعالى أعلم. و من فروع علم العدد صناعة الحساب. و هي صناعة علمية في حساب الأعداد بالضم و التفريق. فالضم يكون في الأعداد بالأفراد و هو الجمع. و بالتضعيف تضاعف عددا بآحاد عدد آخر و هذا هو الضرب و التفريق أيضا يكون في الأعداد إما بالإفراد مثل إزالة عدد من عدد و صرفه الباقي و هو الطرح أو تفصيل عدد بأجزاء متساوية تكون عدتها محصلة و هو القسمة. و سواء كان هذا الضم و التفريق في الصحيح من العب أو الكسر. و معنى الكسر نسبة عدد إلى عدد و تلك النسبة تسمى كسرا. و كذلك يكون بالضم و التفريق في الجذور و معناها العد الذي يضرب في مثله فيكون منه العدد المربع. فإن تلك الجذور أيضا يدخلها الضم و التفريق و هذه الصناعة حادثة احتيج إليها للحساب في المعاملات ألف الناس فيها كثيرا و تداولوها في الأمصار بالتعليم للولدان. و من أحسن التعليم عندهم الابتداء بها لأنها معارف متضحة و براهين منتظمة فينشأ عنها في الغالب عقل مضيء درب على الصواب. و قد قال من أخذ نفسه بتعليم الحساب أول أمره إنه يغلب عليه الصدق لما في الحساب من صحة المباني و مناقشة النفس فيصير ذلك خلقا و يتعود الصدق و يلازمه مذهبا. و من أحسن التآليف المبسوطة فيها لهذا العهد بالمغرب كتاب الحصار الصغير. و لابن البناء المراكشي فيه تلخيص ضابط لقوانين أعماله مفيد ثم شرحه بكتاب سماه رفع الحجاب و هو مستغلق على المبتدئ بما فيه من البراهين الوثيقة المباني. و هو كتاب جليل القدر أدركنا المشيخة تعظمه و هو كتاب جدير بذلك. و ساوق فيه المؤلف رحمه الله كتاب فقه الحساب، لابن منعم و الكامل للأحدب، و لخص براهينها و غيرها عن اصطلاح الحروف فيها إلى علل معنوية ظاهرة، هي سر الإشارة بالحروف و زبدتها. و هي كلها مستغلقة و إنما جاءه الاستغلاق من طريق البرهان ببيان علوم التعاليم لأن مسائلها و أعمالها واضحة كلها. و إذا قصد شرحها فإنما هو إعطاء العلل في تلك الأعمال. و في ذلك من العسر على الفهم ما لا يوجد في أعمال المسائل فتأمله. و الله يهدي بنوره من يشاء و هو القوي المتين. و من فروعه الجبر و المقابلة. و هي صناعة تستخرج بها العدد المجهول من قبل المعلوم المفروض إذا كان بينهما نسبة تقتضي ذلك. فاصطلحوا فيها على أن جعلوا للمجهولات مراتب من طريق التضعيف بالضرب. أولها العدد لأنه به يتعين المطلوب المجهول باستخراجه من نسبة المجهول إليه و ثانيها الشيء لأن كل مجهول فهو من جهة إبهامه شيء و هو أيضا جذر لما يلزم من تضعيفه في المرتبة الثانية و ثالثها المال و هو أمر مبهم و ما بعد ذلك فعلى نسبة الأس في المضروبين. ثم يقع العمل المفروض في المسألة فتخرج إلى معادلة بين مختلفين أو أكثر من هذه الأجناس فيقابلون بعضها ببعض و يجبرون ما فيها من الكسر حتى يصير صحيحا. و يحطون المراتب إلى أقل الأسوس إن أمكن حتى يصير إلى الثلاثة التي عليها مدار الجبر عندهم و هي العدد و الشيء و المال. فإن كانت المعادلة بين، واحد و واحد تعين فالمال و الجذر يزول إبهامه بمعادلة العدد و يتعين. و المال و إن عادل الجذور فيتعين بعدتها. و إن كانت المعادلة بين واحد و اثنين أخرجه العمل الهندسي من طريق تفصيل الضرب في الاثنين و هي مبهمة فيعنيها ذلك الضرب المفصل. و لا يمكن المعادلة بين اثنين و اثنين. و أكثر ما انتهت المعادلة بينهم إلى ست مسائل لأن المعادلة بين عدد و جذر و مال مفردة أو مركبة تجيء ستة. و أول من كتب في هذا الفن أبو عبد الله الخوارزمي و بعده أبو كامل شجاع بن أسلم، و جاء الناس على أثره فيه. و كتابه في مسائله الست من أحسن الكتب الموضوعة فيه. و شرحه كثير من أهل الأندلس فأجادوا و من أحسن شروحاته كتاب القرشي. و قد بلغنا أن بعض أئمة التعاليم من أهل المشرق أنهى المعاملات إلى أكثر من هذه الستة الأجناس، و بلغها إلى فوق العشرين و استخرج لها كلها أعمالا و أتبعه ببراهين هندسية. و الله يزيد في الخلق ما يشاء سبحانه و تعالى. و من فروعه أيضا العاملات. و هو تصريف الحساب في معاملات المدن في البياعات و المساحات و الزكوات و سائر ما يغرض فيه العدد من المعاملات يصرف في صناعتنا ذلك الحساب في المجهول و المعلوم و الكسر والصحيح و الجذور و غيرها. و الغرض من تكثير المسائل المفروضة فيها حصول المران و الدربة بتكرار العمل حتى ترسخ الملكة في صناعة الحساب. و لأهل الصناعة الحسابية من أهل الأندلس تآليف فيها متعددة من أشهرها معاملات الزهراوي و ابن السمح و أبي مسلم بن خلدون من تلميذ مسلمة المجريطي وأمثالهم. و من فروعه أيضا الفرائض. و هي صناعة حسابية في تصحيح السهام لذوي الفروض في الوراثات إذا تعددت و هلك بعض الوارثين و انكسرت سهامه على ورثته أو زادت الفروض عند اجتماعها و تزاحمها على المال كله أو كان في الفريضة إقرار و إنكار من بعض الورثة فتحتاج في ذلك كله إلى عمل يعين به سهام الفريضة من كم تصح و سهام الورثة من كل بطن مصححا حتى تكون حظوظ الوارثين من المال على نسبة سهامهم من جملة سهام الفريضة. فيدخلها من صناعة الحساب جزء كبير من صحيحه و كسرة و جذره و معلومه و مجهوله و ترتب على ترتيب أبواب الفرائض الفقهية و مسائلها. فتشتمل حينئذ هذه الصناعة على جزء من الفقه و هو أحكام الوراثة من الفروض و العول و الإقرار و الإنكار و الوصايا و التدبير و غير ذلك من مسائلها و على جزء من الحساب و هو تصحيح السهمان باعتبار الحكم الفقهي و هي من أجل العلوم. و قد يورد أهلها أحاديث نبوية تشهد بفضلها مثل الفرائض ثلث العلم و أنها أول ما يرفع من العلوم و غير ذلك. و عندي أن ظواهر تلك الأحاديث كلها إنما هي في الفرائض العينية كما تقدم لا فرائض الوراثات فإنها أقل من أن تكون في كميتها ثلث العلم. و أما الفرائض العينية فكثيرة و قد ألف الناس في هذا الفن قديما و حديثا و أوعبوا و من أحسن التآليف فيه على مذهب مالك رحمه الله كتاب ابن ثابت و مختصر القاضي أبي القاسم الحوفي و كتاب ابن المنمر و الجعدي و الصردي و غيرهم. لكن الفضل للحوفي فكتابه مقدم على جميعها. و قد شرحه من شيوخنا أبو عبد الله محمد بن سليمان الشطي كبير مشيخة فاس فأوضح و أوعب. و لإمام الحرمين فيها تآليف على مذهب الشافعي تشهد باتساع باعه في العلوم، و رسوخ قدمه، و كذا للحنفية والحنابلة. و مقامات الناس في العلوم مختلفة. و الله يهدي من يشاء بمنه و كرمه لا رب سواه.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 6 (0 من الأعضاء و 6 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)