الصحيح. فقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع و ضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل مع ما لها من المضار في العمران الإنساني بما تبعث من عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين أتفاقا لا يرجع إلى تعليل و لا تحقيق فيلهج بذلك من لا معرفة له و يظن اطراد الصدق في سائر أحكامها و ليس كذلك. فيقع في رد الأشياء إلى غير خالقها. ثم ما ينشأ عنها كثيرا في الدول من توقع القواطع و ما يبعث عليه ذلك التوقع من تطاول الأعداء و المتربصين بالدولة إلى الفتك و الثورة. و قد شاهدنا من ذلك كثيرا فينبغي أن تحظر هذه الصناعة على جميع أهل العمران لما ينشأ عنها من المضار في الدين و الدول، و لا يقدح في ذلك كون وجودها طبيعيا للبشر بمقتضى مداركهم و علومهم. فالخير و الشر طبيعتان موجودتان في العالم لا يمكن نزعهما و إنما يتعلق التكليف بأسباب حصولهما فيتعين السعي في اكتساب الخير بأسبابه و دفع أسباب الشر و المضار. هذا هو الواجب على من عرف مفاسد هذا العلم و مضاره. و ليعلم من ذلك أنها و إن كانت صحيحة في نفسها فلا يمكن أحدا من أهل الملة تحصيل علمها و لا ملكتها بل إن نظر فيها ناظر و ظن الإحاطة بها فهو في غاية القصور في نفس الأمر. فإن الشريعة لما حظرت النظر فيها فقد الاجتماع من أهل العمران لقراءتها و التحليق لتعليمها و صار المولع بها من الناس و هم الأقل و أقل من الأقل إنما يطالع كتبها و مقالاتها في كسر بيته متسترا عن الناس و تحت ربقة الجمهور مع تشغب الصناعة و كثرة فروعها و اعتياصها على الفهم فكيف يحصل منها على طائل ؟ و نحن نجد الفقه الذي عم نفعه دينا و دنيا و سهلت مآخذه من الكتاب و السنة و عكف الجمهور على قراءته و تعليمه ثم بعد التحقيق و التجميع و طول المدارسة و كثرة المجالس و تعدها إنما يحذق فيه الواحد بعد الواحد في الأعصار و الأجيال. فكيف يعلم مهجور للشريعة مضروب دونه سد الخطر و التحريم مكتوم عن الجمهور صعب المآخذ محتاج بعد الممارسة و التحصيل لأصوله و فروعه إلى مزيد حدس و تخمين يكتنفان به من الناظر فأين التحصيل و الحذق فيه مع هذه كلها. و مدعى ذلك من الناس مردود على عقبه و لا شاهد له يقوم بذلك لغرابة الفن بين أهل الملة و قلة حملته فاعتبر ذلك يتبين لك صحة ما ذهبنا إليه. و الله أعلم بالغيب فلا يظهر على غيبه أحدا. و مما وقع في هذا المعنى لبعض أصحابنا من أهل العصر عندما غلب العرب عساكر السلطان أبي الحسن و حاصروه بالقيروان و كثر إرجاف الفريقين الأولياء و الأعداء و قال في ذلك أبو القاسم الروحي من شعراء أهل تونس: أستغفر الله كل حين قد ذهب العيش و الهناء أصبح في تونس و أمسي و الصبح لله و المساء الخوف و الجوع و المنايا يحدثها الهرج و الوباء و الناس في مرية و حرب و ما عسى ينفع المراء فأحمدي يرى عليا حل به الهلك و التواء و آخر قال سوف يأتي به إليكم صبا رخاء و الله من فوق ذا و هذا يقضي لعيديه ما يشاء يا راصد الخنس الجواري ما فعلت هذه السماء مطلتمونا و قد زعمتم أنكم اليوم أملياء مر خميس على خميس و جاء سبت و أربعاء و نصف شهر و عشر ثان و ثالث ضمه القضاء و لا نرى غير زور قول أذاك جهل أم ازدراء إنا إلى الله قد علمنا أن ليس يستدفع القضاء رضيت بالله لي إلها حسبكم البدر أو ذكاء ما هذه الأنجم السواري إلا عباديد أو إماء يقضى عليها و ليس تقضي و ما لها في الورى اقتضاء ضلت عقول ترى قديما ما شأنه الجرم و الفناء و حكمت في الوجود طبعا يحدثه الماء و الهواء لم تر حلوا إزاء مر تغذوهم تربة و ماء الله ربي و لست أدري ما الجوهر الفرد و الخلاء و لا الهيولى التي تنادي ما لي عن صورة عراء و لا وجود و لا انعدام و لا ثبوت و لا انتفاء و الكسب لم أدر فيه إلا ما جلب البيع و الشراء و إنما مذهبي و ديني ما كان للناس أولياء إذ لا فصول و لا أصول و لا جدال و لا رياء ما تبع الصدر و اقتفينا يا حبذا كان الاقتفاء كانوا كما يعلمون منهم و لم يكن ذلك الهذاء يا أشعري الزمان إني أشعرني الصيف و الشتاء لم أجز بالشر غير شر و الخير عن مثله جزاء و إنني إن أكن مطيعا فلست أعصى و لي رجاء و إنني تحت حكم بار أطاعه العرش و الثراء ليس انتصار بكم و لكن أتاحه الحكم و القضاء لو حدث الأشعري عمن له إلى رأيه انتماء لقال أخبرهم بأني مما يقولونه براء الفصل الثالث و الثلاثون: في انكار ثمرة الكيميا و استحالة وجودها و ما ينشأ من المفاسد عن انتحالها اعلم أن كثيرا من العاجزين عن معاشهم تحملهم المطامع على انتحال هذه الصنائع و يرون أنها أحد مذاهب المعاش و وجوهه و أن اقتناء المال منها أيسر و أسهل على مبتغيه فيرتكبون فيها من المتاعب و المشاق و معاناة الصعاب و عسف الحكام و خساره الأموال في النفقات زيادة على النيل من غرضه و العطب آخرا إذا ظهر على خيبة و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. و إنما أطمعهم في ذلك رؤية أن المعادن تستحيل و ينقلب بعضها إلى بعض للمادة المشتركة فيحاولون بالعلاج صيرورة الفضة ذهبا و النحاس و القصدير فضة و يحسبون أنها من ممكنات عالم الطبيعة و لهم في علاج ذلك طرق مختلفة لاختلاف مذاهبهم في التدبير و صورته و في المادة الموضوعة عندهم للعلاج المساة عندهم بالحجر المكرم هل هي العذرة أو الدم أو الشعر أو البيض أو كذا أو كذا مما سوى ذلك. و جملة التدبير عندهم بعد تعين المادة أن تمهى بالفهر على حجر صلد أملس و تسقى أثناء إمهائها بالماء و بعد أن يضاف إليها من العقاقير و الأدوية ما يناسب القصد منها و يوثر في انقلابها إلى المعدن المطلوب. ثم تجفف بالشمس من بعد السقي أو تطبخ بالنار أو تصعد أو تكلس لاستخراج مائها أو ترابها فإذا رضي بذلك كله من علاجها و تم تدبيره على ما اقتضته أصول صنعته حصل من ذلك كله تراب أو مائع يسمونه الإكسير و يزعمون أنه إذا ألقى على الفضة المحماة بالنار عادت ذهبا أو النحاس المحمى بالنار عاد فضة على ما قصد به في عمله. و يزعم المحققون منهم أن ذلك الإكسير مادة مركبة من العناصر الأربعة حصل فيها بذلك العلاج