تتمه
حرت و لم أجد تعقيبا ملائما ... و ربما صمتي أحبط سامر ... ففقد حماسه للمتابعة بعد بضع جمل ...
حينما وصلنا إلى المنزل ، وجدنا والدي ّ و وليد يجلسون في الفناء الخارجي ، حول الطاولة الصغيرة القريبة من الشجرة الطويلة ، بجانب الباب الداخلي ...
كان الجو جميلا ... و العصافير تغرد بحماس على أغصان الشجرة ... و الدخان يتصاعد من أقداح الشاي الموزعة على الطاولة ...
سامر كان يمسك بيدي ، ثم أطلقها و سار نحوهم بسرعة ...
" شاي أم وليد ! أين نصيبي ؟؟ "
و انضم إليهم ...
ألقيت نظرة على وليد فرأيته ينظر نحوي و لكن سرعان ما بدد نظراته نحو الفراغ ... لم يكن يريد النظر إلي ...
علي أن أنصرف قبل أن ينهض مغادرا ظانا بأنني سأنضم إليهم ...
توجهت نحو الباب و دخلت إلى الداخل ...
كنت بالفعل أتمنى أن أشاركهم ! و لكن لو فعلت ... فبالتأكيد سيغادر وليد ...
ما أن دخلت حتى وصلتني رائحة الكعك الشهية ! و سرت إلى المطبخ !
" دانه ! رائحة كعكتك زكية جدا ! دعيني أتذوقها ! "
" عدت ِ أخيرا ! لا يا عزيزتي ! هذه لنوّار و نوّار فقط ! "
" و هل سيأكل الكعكة كاملة ! مسكين ! كيف سيلعب إذا انفجرت معدته ؟ "
نظرت إلي ّ بانزعاج و صرخت :
" رغد ... انصرفي فورا ! "
ضحكت و خرجت ، متوجهة إلى غرفتي حيث وضعت حقيبتي و عباءتي ، و وقفت أمام المرآة أتأمل وجهي ...
لم يكن الإفلات من محاصرة نهلة سهلا ... أي حكاية لي مع وليد ؟؟؟ ما أكثر الحكايات !
أريد أن أنضم إليهم !
على الأقل ... سأراقبهم من النافذة !
و بسرعة خرجت من غرفتي قاصدة الذهاب إلى النافذة المشرفة على الفناء الأمامي ... حيث هم يجلسون ...
من تتوقعون صادفت في طريقي ؟؟
نعم وليد !
دخل للتو ... و حينما رآني توقف برهة ... ثم سار مغيرا طريقه ...
ربما كان يود القدوم من ناحيتي إلا أنه غير مساره و انعطف ناحية المطبخ ...
أ لهذا الحد لا يريد أن يراني أو حتى يمر من ممر أقف أنا فيه ؟؟
" وليد "
ناديته بألم ... إذ أن تصرفه هذا جرحني ...
لم يلتف إلي ، و رد ببرود :
" نعم ؟ "
تحشرج صوتي في حنجرتي ... و بصعوبة نطقت ، فجاء صوتي خفيفا ضعيفا لم أتوقع أنه سمعه ... لكنه سمعه !
" أريد أن أتحدث إليك "
" خيرا ؟ "
كل هذا و هو مدير ظهره إلي ... أمر ضايقني كثيرا ...
" وليد ... أنا أحدثك ! أنظر نحوي ! "
استدار وليد بتردد ، و نظر إلى عيني نظرة سريعة ثم طارت أنظاره بعيدا عني ...
كم آلمني ذلك ...
قلت :
" لماذا لا تود التحدث معي ؟؟ "
بدا مضطربا ثم قال :
" تفضلي ... قولي ما عندك "
و تنهد بضيق ...
قلت بمرارة :
" إذا كنت لا تود الاستماع إلي ... و لم يعد يهمك أمري ... فلا داعي لقول شيء "
وليد التزم الصمت ...
ثم و بعد أن طال الصمت بنا ، استدار راغبا في الانصراف ...
أنا جن جنوني من إهماله لي بهذا الشكل ... و أسرعت نحوه و قبضت على يده و قلت بحدة و مرارة :
" انتظر ... "
وليد سحب يده و استدار نحوي بغضب ... و رأيت النار تشتعل في عينيه ... كان مرعبا جدا ...
الدموع تغلبت علي الجفون ... و تحررت من قيودها و شقت طريقها بإصرار و شموخ على الخدين ...
وليد توتّر ... و تلفت يمنة و يسرة ... ثم قال :
" لماذا تبكين الآن ؟؟ "
قلت بعدما أغمضت عيني أعصر دموعها ... ثم فتحتهما :
" لماذا لم تعد تهتم بي ؟ لماذا تتحاشاني ؟ لماذا تعاملني بهذه الطريقة القاسية و كأنني لا أعني لك شيئا ؟؟ "
الرعب ... و الذعر و الهلع ... أمور أثارتها نظراته الحادة المخيفة التي رماني بها بقسوة ... قبل أن يضربني بكلماته التالية :
" يا ابنة عمي ... لقد كبرت ِ و لم تعودي الطفلة المدللة التي كنتُ أرعاها ... أنت ِ الآن امرأة بالغة ... و على وشك الزواج ... لدي حدود معك ِ لا يجوز تخطيها ... و لديك سامر ... ليهتم بأمرك من الآن فصاعدا "
و تركني ... و سار مبتعدا إلى الناحية التي كان يريد سلكها قبل ظهوري أمامه ...
اختفى وليد ... و اختفت معه آمال واهية كانت تراودني ... وليد الذي تركني قبل تسع سنين ، لم يعد حتى الآن ..
مسحت بقايا دموعي و آثارها ... و خرجت إلى حيث كان والدي ّ و سامر يجلسون حول الطاولة ...
أقبلت نحوهم فوقف سامر مبتسما يزيح الكرسي المجاور له إلى الوراء ليفسح المجال لي للجلوس ...
سامر ... كان دائما يعاملني بلطف و اهتمام بالغ ، و يسعى لإرضائي و إسعادي بشتى الوسائل ...
اقتربت من سامر و نقلت بصري منه ، و إلى والديّ ، ثم إلى أكواب الشاي و الدخان الصاعد من بعضها ... ثم إلى الخاتم المطوق لإصبعي منذ سنين ... ثم إلى عيني سامر اللتين تراقباني بمحبة و اهتمام ... ثم قلت :
" سامر ... لقد اقتنعت ... سنحتفل مع دانه "
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 85 (0 من الأعضاء و 85 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)