( قال الراوي ) ولما فرغ الملك تبع من هذه الملحمه وسمع كليب ما فيها من الاخبار المتقدمة والمتأخرة تعجب غاية العجب وقال لست أعفو عن قطع رأسك وأخماد انفاسك لأنك افتريت وظلمت وتعديت ثم أجابه بهذا القصيد على سبيل التهكم والتهديد :
يقول كليب قهار الأعادي كلا أشد من ضرب الهادي أنا قد صرت هذا اليوم حاكم أتاني السعد مع نيل المراد أيا تبع الينا قد جيت عاجل قتلت أبي وخربت البلاد فما أبقيت قيمة للأمارة وقد البستهم ثوب السواد هتكت الأرض ياتبع بفعلك وصيرت الأنام لك أعادي جعلت رجالن تشبه نسانا وأذللت الأمارة في البلاد فوالله ثم والله ثم والله اله خالق كل البوادي فلست براجع عن قطع رأسك ولو ملكتني كل البوادي
( قال الراوي ) فلما فرغ الأمير كليب من كلامه وفهم تبع فحوى قصده ومرامه قال كليب لابد من قطع رأسك يامهان ولكن أسألك لماذا قتلت أبي غدرا وما بالميدان فقال تبع أذا كان لابد من ذلك يافارس المعارك فأمهلني ساعة حتى أخبرك عن قتل أبيك وأتودع من هذه الدنيا قليلا ثم أبدى حزنا وعويلا وأشار يقول من فؤادي متبول وعمر السامعين يطول :
قال الملك تبع حسان ظلمني دهري دون الناس ياأبن ربيعه يامخدوم أنت أمير شديد الباس طويل الباع بيوم نزاع عفيف شجاع ثقيل الراس تسألني عن قتل أبيك فكل بنايه لها أساس فلما جيت لأرض الشام أتى للقانا كل الناس أتاني كل أكابر قيس وكل أمير لدي باس الا أبوك فقد خالف ولم يفعل كباقي الناس فزاد الغيظ بوسط القلب أمر بشنقه للحراس وهذا بأمر الله مكتوب فوق جبينه بأعلى الراس وأنا بقيت بهذا اليوم وحيد فريد بلا أيناس أريد العفو عما جنيت بحياة عمك مع جساس أني كنت زعيم القوم وحمي نافذ بين الناس فما أتاني وعد الله بطل العزم وظني حساس دعتني الجليله بالحيله وغابت عني كل الناس وهذ أمر الله محتوم وامر نافذ فوق الناس
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من هذا الشعر والنظام قال له كليب لابد من قتلك بحد الحسام حتى ترتاح الناس من شرك وتأمن عاقبة غدرك ثم ضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قتيلا( سقط التبع اليماني صريعا قتله كليبا غدرا وما لكان لكليب ان يواجه التبع لانه من اقوى الفرسان العرب الا بالمكر والغدربعد ما تسلح كليبا بالدرع والخوذة واستل السيف وقتل التبع حسان بحد الحسام عندما كان سكران وفي دمه جديلا فلما راته الجليله قد مات زاد بها الافراح واعتنقت ابن عمها وقبلته وقالت له مثلك من تكون الفرسان ياليث الميدان فشكرها كليب وهن ها بسلامتها وزاد في أعزازها وكرامتها ثم خرج من المخدع وأعلم الفرسان بقتل الملك تبع وقال لهم لقد بلغنا المراد فكونوا على حذر واستعداد لامتلاك البلاد فقالوا نحن بين يديك ولانبخل بأرواحنا عليك .
كان قتل التبع بمثابة انتصار ولكن لم يذق كليبا طعم الانتصار لانه قد غدر بالتبع وقد دخوا قصره بالخديعة لانهم يعرفون قوة التبع ورابطة جأئشه و صلابته و قوة وعدد فرسانه في ساحات القتال لم يستطع أحد مواجهته وجها بوجه الا بالمكر والحيلة والغدر
( قال الراوي ) فكانت أكثر أهل الشام تكره التبع لظلمه وجوره وتتمنى هلاكه فاجتمعت العساكر والاعيان وطلبوا من كليب الامان وانهم يكونوا له من جملة الرعايا والغلمان على طول الزمان فأجاجبهم كليب إلى ذلك الطلب ورفع عنهم السيف الاحدب ووعدهم بالجميل والخيرات وسمح لهم بخراج عشر سنوات فدعوا له بطول العمر ودوام العز والنصر ثم اجتمعت بنو مرة واكابر العشائر وقواد العساكر والبسوه تاجا مرصعا بالجواهر ثم اجلسوه على كرسي المملكه وجلس بقربه وزير الميمنه وهو نبهان وزير تبع حسان ووقفت أمامه الحجاب والامراء والنواب فحكم معاملا الناس بالجود والكرم ومنصفا المظلوم ممن ظلم وفي الليله الثانيه اجتمعت سادات القبيله وزفوا عليه ابنة عمه الجليله وقد كنا ذكرنا في أول السيرة عن أوصاف هذه السيدة الخطيرة وم احتوت عليه من الحسن والجمال والفضل والكمال فاعتنقا اعتناق الاحباب وزال عنهما الغم والاكتئاب وباتا في حظ وانشراح إلى وقت الصباح وفي اليوم الثاني وردت اليه المدائح والتهاني واشتهر ذكره في البلدان وهابته ملوك الزمان .
( قال الراوي ) وكانت الجليله قد طلبت من كليب أن يبني لها قصرا من أجمل القصور وينشىء فيه بستان يحوي جميع أنواع الزهور فأجابها إلى ذلك ووعدها ببناء قصر لا مثيل له في جميع المماليك ثم انه نزل إلى الديوان وجمع الوزراء والاعيان وأعلمهم بذلك الشان فقال له الوزير نبهان أعلم ياملك الزمان انه لايوجد في هذه الايام من يقدر أن يبني لك ذلك القصر طبق المرام الا معمر المختص بالريان ملك مصر لانه هو المشهور ببناء القصور الحسان وهو الذي عمر قصر تبع حسان فأرسل كليب أريد منك أن تبني لي قصر من القصور الحسان لايوجد مثله في جميع المدن والبلدان ويكون له جنينه جميله المنظر تحتوي على جميع الاشجار والخضر فان اتقنت الصنعه طبق المرغوب نلت المقصود والمطلوب فأجابه بالسمع والطاعه وباشر في بناء القصر في تلك الساعه .