( قال الراوي ) ولما اشتهر قتل تبع في اليمن تواصل الخبر إلى صنعاء وعدن هاجت الرجال وكثر القيل والقال وكان للملك تبع ابن عم من الامراء المشاهير يقال له عمران القصير وكان شديد الباس قوي المراس فلما بلغته تلك الاخبار صمم على غزو بنو قيس بعسكر جرار فجمع العساكر والجنود وفرق الرايات والبنود وركب في مائة الف مقاتل وجد في قطع المراحل قاصدا بلاد الشام بكل سرعه واهتمام ولما بلغ كليب هذه الاخبار استعد للحرب والقتال وخرج للقائه بالفرسان والابطال وقد دبر كليبا فخا لليمانيين ليحترقوا دون قتال فهم متمرسون بالقتال واصحاب همم و بطش ولما التقى الجيشان أمر كليب بأشعال النيران و بهذا سقط اليمانييون في فخ الغدر للمرة الثانية دون قتالو لكن تبقى من الفرسان من قاوم النيران و تقدم الفوارس إلى ساحة الميدان وأخذ ينشطهم بالكلام على قتال الاخصام فهاجت الشجعان وتبادرت للضرب والطعان وكان الامير كليب أول العسكر كانه الاسد الغضنفر وعلى راسه البيارق والسناجق ثم التقت الرجال بالرجال واشتعلت بين الفريقين نيران الحرب والقتال حتى عظمت الاهوال فلله در الامير كليبب بطل الابطال ومافعل في ذلك اليوم من الفعال فانه هجم هجوم الاسود وانطبق على العساكر والجنود بقلب أقوى من الجلمود فبادر فرسان الكفاح وخطف المهج والارواح ومازال الدم يبذل والرجال تقتل إلى ان ولى النهار وأقبل بالاعتكار فافترقت العساكر عن بعضها البعض وباتوا في تلك الارض وعند الصباح رجعوا إلى الحرب والكفاح فبرز الامير عمران إلى ساحة الميدان فصال وجال وطلب براز الامير والابطال فأراد كليب أن يبرز اليه فمانعه حجابه وقالوا أيها الملك أن فينا ابطالا وفرسانا تستطيع ان تحاربه ثم برز اليه فارس من الصناديد يقال له ميمون بن الرشيد فالتقاه الامير عمران بقلب أقوى من الصوان ولم تكن الا ساعه من الزمان حتى استظهر عمران وطعن ميمون بالرمح فوقع قتيل وفي دمه جديل فأخذ سلبه وحصانه ثم قوم سنانه وتقدم إلى معركة الحرب وقال اين فرسان الطعن والضرب اليوم تبان الفروسيه وتعرف شجاعة اليمنيه فبرز اليه آخر فأذاقه الموت الاحمر ومازالت تبرز اليه الرجال وهو يجندلها على بساط الرمال حتى قتل سبعه من الابطال وقد هلك من التعب وكانوا من اكابر السادات قد اشتهروا في الحرب والغارات واستمر القتال على هذا المنوال مدة تسعة ايام وهم في أبرز واقتحام وفي اليوم العاشر خرج الامير مرة لقتال عمران ولما صار في الميدان تقنطر عن ظهر الحصان فأدركه ابنه همام وجاء به إلى الخيام فعند ذلك برز إلى عمران الامير جساس وصدمه بقوة قلب وشدة بأس غير أنه لم ينجح في قتاله حيث هرب جساس مدبرا ورجع عند المساء عربه ونزاله فوقعت هيبة الامير عمران في قلوب الفرسان والشجعان فاستعظم كليب ذلك الامر واشتعل قلبه بلهب الجمر وقال ما لزيد الا عمر فاذا كان الصباح بارزته في معركة الكفاح لانه طغى وتجبر وقتل منا كل أسد غضنفر وبات تلك الليله وهو في غم شديد وقلق ماعليه من مزيد فما أقبل الصباح ركب كليب الحصان واعتقل بالسيف والسنان وبرز لساحة الميدان لقتل الامير عمران الذي قد اثخن بالجراح جراء المعارك السابقة الذي برز في ذلك اليوم وهو ينادي أين الابطال الصناديد لايبرز الا كليب المحتال الذي قتل تبع بالغدر والاحتيال فما تم كلامه حتى صار الامير كليب قدامه وصدمه صدمة منكرة أشد من صدمات عنترة فقال له عمران من تكون من الفرسان فقال له أيها التيس أني ملك على بني قيس فسوف ترى مني ضربا يفك الحديد ويذهب أبصار الفرسان لما غدرت تبع بالحيله مع ابنة عمك الجليله فقال كليب أما علمت ياقرنان بأن الرجال عند أغراضها نسوان وأني ما غدرت الملك تبع الا لغدره وقلة حياه وكثرة شره فأنه قتل والدي وكان عوني ومساعدي وحق هذا الذي أوجب ذلك اليوم سألحقك به وأسقيك كأس المهالك فلما سمع عمران من كليب هذا الكلام اشتد بينهم الخصام فكانا تارة يتقدمان وتارة يتأخران كأنهما أسدان درغامان فانبهرت من قتالهما الفرسان وأحدقت اليهما الابصار من اليمين واليسار واستمر على ذلك الحال إلى قرب الزوال حتى تعجب عمران من ثبات كليب أمامه لانه كان يظن أنه لايوجد في الدنيا من يقدر أن يقف قدامه فعند ذلك قاربه وفاجاه وطعنه بالرمح قاصدا هلاكه وفناه فخلى كليب من الطعنه فراحت خايبه بعد ماكنت صايبه ثم هجم كليب وقال خذها ياعمران من فارس الميدان وليث الحرب والطعان وضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض وحسان عليه غراب البين وبعد ذلك حملت العساكر على بعضها وتقاتلت بالسيوف والخناجر فكثر القتل والجراح وجرى الدم وساح وزعقت النفوس والارواح من ضرب السيوف وطعن الرماح وكان بعد مقتل الامير عمران أن تضعضعت من عساكر اليمن الاركان وقتل منهم أكثر من عشرة آلاف نفر وغنم غنائم عظيمه لها قددر وقيمه و فدخل القصر بالعز والنصر فاجتمع بابنة عمه الجليله وباقي سادات القبيله وطاب له الوقت وزال عنه المقت ثم بعد ذلك بعشرة شهور تم بناء القصر المذكور فكان من عجائب الزمان والاوان لانه في غاية الانفاق ولاسيما البستان فانه كان كفردوس الجنان فيه من جميع الاشجار والفواكه والاثمار والمياه الغزيرة والزهور الكثيره حتى أعجب كليب به وانعم على بانيه وفرشه بالفراش الفاخر الذي يبهر النواظر ويحير العقول وجعل أبوابه وشبابيكه من الذهب ورصعها بأنواع الجواهر المنتخب ثم نقل ابنة عمه الجليله اليه وكانت قد ولدت سبعة بنات مثل البدور الكالعات فربتهن بالدلال والعز والاقبال فاتفق له ذات يوم من الايام أن زاره مرة أبن اخيه كليب في جماعة من بني الاعجام وبعد أن دار بينهم الكلام قال مرة يأبن أخي كثرت عليك الرجال والاغنام لسبب كثرة المواشي الازدحام فمرادي الان أن أرحل عنك بأنعامي ورجالي وباقي أموالي ولاشك بأننا في هذا الرحيل والانتقال تتحسن بنا الاحوال ونحصل على راحة البال فقال كليب أفعل ياعمي ماتحب وأنزل في أي مكان تريد قرب الديار فان البلاد بلادنا ونحن ملوك الاقطار