كذاب !

كلمة قاسية هزتني و أربكتني حتى كدت معها أوقع هاتفي من يدي ...
لها الحق بنعتي بهذه الصفة .. ألم أعدها ألا أرحل بدون علمها ثم رحلت ؟؟؟
لكن لماذا تأثرت ْ هي كثيرا من ذلك ؟؟
ماذا كان يفرق لديها ... بقائي من رحيلي ؟؟
أم تظنني سأبقى أرعاها و أدللها كما كنت في السابق ، فيما هي زوجة لأخي !

الخائنان !

كنت في سيارتي في طريقي إلى الشقة الصغيرة التي استأجرتها ، و دفعت مبلغا لا بأس به لأجل ذلك ، على الرغم من نقودي المحدودة التي تتضاءل يوما بعد يوم .

بحثت جاهدا عن وظيفة في هذه البلدة ، و كلما صادفت أعلانا عن وظيفة شاغرة في الصحف بادرت بالاتصال ، رغم أنني لا استوفي شيئا من الشروط المطلوبة ...

كانت أيام سبعة قد انقضت منذ وصولي إلى هذه البلدة ، و هي فترة قصيرة طبعا ، إلا أنني شعرت بملل و وحدة قاتلين ... و فكرت في العودة إلى مزرعة نديم !

إنني أشعر بأن أهل نديم هم أهلي ... و إن لهم حق واجب علي ... و علي تأديته ...

لذا ، فإنني غادرت الشقة ، ذهبت إليهم ... في اليوم التالي .

عندما وصلت ، كانت ابنة نديم هي أول من التقيت به ...

الفتاة كانت جالسة بين مجموعة من الصناديق الخشبية ، منهمكة في إصلاح و تجبير كسورها بالمطرقة و المسامير !

ألقيت التحية فلم تسمعني ، فعدت أحيي بصوت مرتفع فانتبهت لي ...

رمت الفتاة بالمطرقة جانبا و نهضت واقفة و قالت :

" مرحبا بك أيها السيد النبيل ... "

هبطت ببصري أرضا و قلت :

" كيف أحوالكم ؟ "

" الحمد لله . ماذا عنك ؟ "

" بخير سيدتي . ... هل العم إلياس موجود ؟ "

" خالي ذهب لجلب بعض الأشياء ... سيعود قريبا ... تفضل "

و أرادت مني أن اتبعها إلى المنزل ، لكنني قلت :

" سوف أنتظر العم ... إذا لم يكن في ذلك ما يزعجكما ؟ "

قالت :

" لا بأس ، أهلا بك ... سوف أخبر والدتي عن مقدمك "


و ذهبت مسرعة إلى المنزل ...

أنا جعلت أتأمل طابور الصناديق المكسورة التي تنتظر دورها في التجبير !

إنها مهمة شاقة لا تناسب المرأة !

أليس كذلك ؟؟

بعد قليل أتت السيدة الأم مع ابنتها ، ترحب بي بحرارة و كأنها تعرفني منذ زمن !

شعرت بالخجل من ذلك ، و لكن يبدو أنه وضع مألوف لدى هذه العائلة الغريبة !

قلت و أنا أنظر ناحية الصناديق :

" دعاني أتولى ذلك "

طبعا السيدتان اعترضتا ألا أنني قلت :

" ريثما يعود العم إلياس "


و رغم أنها المرة الأولى التي أقوم فيها باستخدام المطرقة و المسامير ، ألا أنني أتقنت العمل !

في الواقع ، شعرت بالخزي من نفسي ... فأنا عاطل عن العمل أتسكع في المدن و الشوارع ، بينما تقوم فتاة شابة في العشرينات بإصلاح كسور صناديق خشبية ، و قطف الثمار ، و حمل الصناديق الثقيلة ، و الحرث و الزرع و ما إلى ذلك ...

أمر مخز بالفعل !

بعد قليل وصل العم إلياس و ما أن رآني حتى أسرع نحوي يريد أخذ المطرقة مني يدي ...

قلت :

" مرحبا أيها العم الطيب ! لا تقلق ... إنه عمل يسعدني كثيرا ! "


اعتقد أنه شعر بالخجل ، و رحب بي بحرارة تفوق حرارة ترحيب الأخريين ، و تمتم بعبارات الشكر و بسيل من الدعوات و الأماني !

أنهيت عملي خلال ساعة ... أمطرني الجميع بكلمات الشكر اللانهائية ... شعرت حينها بأنني شخص ذو قيمة و أهمية و قدرة على العمل و إفادة الآخرين ... بعد شهور التفاهة و البطالة و التشتت التي قضيتها ...


قال العجوز :

" أعطاك الله القوة و الصحة يا بني ، آمل أن تكون قد وفقت في العثور على وظيفة تلائمك ؟؟ "

قلت :

" ليس بعد ! "

قال :

" إذن ؟؟ "

قلت :

" هل ... أجد عندكم عملا مقابل المأوى و الطعام فقط ، إلى أن أجد وظيفة ملائمة ؟؟ "