وكان عاصم بن الحدثان عالماً ذكياً وكان رأس الخوارج بالبصرة وربما جاءه الرسول منهم من وهم إذا كسروا الجفون أكارم صبر وحين تحلل الأزرار يغشون حومات المنون وإنها في الله عند نفوسهم لصغار يمشون بالخطي لا يثنيهم والقوم إذ ركبوا الرماح تجار فقال له الفرزدق: ويحك! اكتم هذا لا يسمعه النساخون فيخرجوا علينا بحقوقهم. فقال أبوه: يا فرزدق هو شاعر المؤمنين وأنت شاعر الكافرين. ونظير هذا مما يشجع الجبان قول عنترة الفوارس: بكرت تخوفني الحتوف كأنني أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل فأجبتها إن المنية منهل لا بد أن أسقى بكأس المنهل فاقني حياءك لا أبالك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل ومن أحسن ما قالوه في الصبر قول نهشل بن حري بن ضمرة النهشلي: ويوم كأن المصطلين بحره وإن لم تكن نار وقوف على جمر صبرنا له حتى يبوخ وإنما تفرج أيام الكريهة بالصبر وأحسن من هذا عندي قول حبيب: فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت إخمصيك الحشر وأحسن من هذا القول: يستعذبون مناياهم كأنهم لا يخرجون من الدنيا إذا قتلوا وقوله في هذا المعنى: قوم إذا لبسوا الحديد حسبتهم لم يحسبوا أن المنية تخلق انظر فحيث ترى السيوف لوامعاً أبدا ففوق رؤوسهم تتألق وقال الحجاج بن حكيم: شهدن مع النبي مسومات حنيناً وهي دامية الحوامي ووقعة راهط شهدت وحلت سنابكهن بالبلد الحرام تعرض للطعان إذا التقينا خدوداً لا تعرض للطام أخذه من قولهم: ضربة بسيف في عز خير من لطمة في ذل. ومن أحسن ما وصفت به رجال الحرب قول الشاعر: رويداً بني شيبان بعض وعيدكم تلاقوا غدا خيلي على سفوان تلاقوا جياداً لا تحيد عن الوغى إذا ما غدت في المأزق المتداني إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم لأية حرب أم بأي مكان قوم إذا نزل الغريب بدارهم تركوه رب صواهل وقيان وإذا دعوتهم ليوم كريهة سدوا شعاع الشمس بالفرسان لا ينكتون الأرض عند سؤالهم لتطلب العلات بالعيدان بل يسفرون وجوههم فترى لها عند السؤال كأحسن الألوان ومن أحسن المحدثين تشبيها في الحرب مسلم بن الوليد الأنصاري في قوله ليزيد بن مزيد: تلقى المنية في أمثال عدتها كالسيل يقذف جلموداً بجلمود بجود بالنفس إذ ظن الجواد بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود وقوله أيضاً: موف على مهج في يوم ذي رهج كأنه أجل يسعى إلى أمل ينال بالرفق ما تعيا الرجال به كالموت مستعجلاً يأتي على مهل وقال أبو العتاهية: كأنك عند الكر في الحرب إنما تفر عن السلم الذي من ورائكا كأن المنايا ليس تجري لدى الوغى إذا التقت الأبطال إلا برائكا وقد علمت سلامة أن سيفي كريه كلما دعيت نزال أحادثه بصقل كل يوم وأعجمه بهامات الرجال وقال أبو محلم السعدي: تقول وصكت وجهها بيمينها أبعلي هذا بالرحى المتقاعس فقلت لها لا تعجلي وتبيني بلائي إذا التفت علي الفوارس ألست أرد القرن يركب ردعه وفيهن سنان ذو غرارين نائس إذا هاب أقوام تقحمت غمرة يهاب حمياها الألد المداعس لعمر أبيك الخير إني لخادم لضيفي وإني إن ركبت لفارس وقال آخر يمدح المهلب بالصبر: وإذا جددت فكل شيء نافع وإذا حددت فكل شيء ضائر وإذا أتاك مهلبي في الوغى في كفه سيف فنعم الناصر ومن قولنا في القائد أبي العباس في الحرب: نفسي فداؤك والأبطال واقفة والموت يقسم في أرواحها النقما ومن قولنا في وصف الحرب: سيوف يقيل الموت تحت ظباتها لها في الكلى طعم وبين الكلى شرب إذا اصطفت الرايات حمراً متونها ذرائبها تهفو فيهفو لها القلب ولم تنطق الأبطال إلا بفعلها فألسنها عجم وأفعالها عرب إذا ما التقوا في مأزق وتعانقوا فلقياهم طعن وتقبيلهم ضرب ومن قولنا في رجال الحرب وأن الوغى قد أخذت من أجسامهم فهي مثل السيوف في رقتها وصلابتها: سيف تقلد مثله عطف القضيب على القضيب هذا تجز به الرقا ب وذا تجز به الخطوب ومن قولنا أيضا: تراه في الوغى سيفاً صقيلا يقلب صفحتي سيف صقيل ومن قولنا أيضاً: سيف عليه نجاد سيف مثله في حده للمفسدين صلاح ومن قولنا أيضاً في الحرب وذكر القائد: تبختر في قميص من دلاص وترفل في رداء من نجاد كأنك للحرب رضيع ثدى غذتك بكل داهية نآد فكم هذا التمني للمنايا وكم هذا التجلد للجلاد لئن عرف الجهاد بكل عام فإنك طول دهرك في جهاد وإنك حين أبت بكل سعد كمثل الروح آب إلى الفوائد رأينا السيف مرتدياً بسيف وعاينا الجواد على الجواد وقد وصفن الحرب بتشبيه عجيب لم يتقدم إليه ومعنى بديع لا نظير له وذلك قولنا: وجيش كظهر اليم تنفحه الصبا يعب عبوباً من قنا وقنابل فتنزل أولاه وليس بنازل وترحل أخراه وليس براحل ومعترك ضنك تعاطت كماته كؤوس دماء من كلى ومفاصل يديرونها راحاً مني الروح بينهم ببيض رقاق أو بسمر ذوابل وتسمعهم أم المنية وسطها غناء صليل البيض تحت المناصل وصل يحن الإلف من بغضه شوقاً إلى الهجران
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)