دواعي البدع وأذلت رقاب الجبارين ولم ينفكوا كذلك ما جروا مع ريح دولتنا وأقاموا في ظل دعوتنا واعتصموا بحبل طاعتنا التي أعز الله بها ذلتهم ورفع بها ضعتهم وجعلهم بها أرباباً في أقطار الأرضين وملوكاً على رقاب العالمين بعد لباس الذل وقناع الخوف وإطباق البلاء ومحالفة الأسى وجهد البأس والضر. فظاهر عليهم لباس كرامتك وأنزلهم في حدائق نعمتك ثم اعرف لهم حتى طاعتهم ووسيلة دالتهم وماتة سابقتهم وحرمة مناصحتهم بالإحسان إليهم والتوسعة عليهم والإثابة لمحسنهم والإقالة لمسيئهم. أي بني: ثم عليك العامة فاستدع رضاها بالعدل عليها واستجلب مودتها بالإنصاف لها وتحسن بذلك لربك وتزين به في عين رعيتك واجعل عمال القدر وولاة الحجج مقدمة بين يدي عملك ونصفة منك لرعيتك وذلك أن تأمر قاضي كل بلد وخيار أهل كل مصر أن يختاروا لأنفسهم رجلاً توليه أمرهم وتجعل العدل حاكماً بينه وبينهم فإن أحسن حمدت وإن أساء عذرت هؤلاء عمال القدر وولاة الحجج. فلا يضيعن عليك ما في ذلك - إذا انتشر في الآفاق وسبق إلى الأسماع - من انعقاد ألسنة المرجفين وكبت قلوب الحاسدين وإطفاء نيران الحروب وسلامة عواقب الأمور. ولا ينفكن في ظل كرامتك نازلاً وبعراً حبلك متعلقاً رجلان: أحدهما كريمة من كرائم رجالات العرب وأعلام بيوتات الشرف له أدب فاضل وحلم راجح ودين صحيح. والآخر له دين غير مغمور وموضع مدخول بصير بتقلب الكلام وتصريف الرأي وإيحاء الأدب ووضع الكتب عالم بحالات الحروب وتصاريف الخطوب يضع آداباً نافعة وآثاراً باقية من تجميل محاسنك وتحسين أمرك وتحلية ذكرك فتستشيره في حربك وتدخله في أمرك فرجل أصبته كذلك فهو يأوي إلى محلتي ويرعى في خضرة جناني: ولا تدع أن تختار لك من فقهاء البلدان وخيار الأمصار أقواماً يكونون جيرانك وسمارك وأهل مشاورتك فيما تورد وأصحاب مناظرتك فيما تصدر. فسر على بركة الله أصحبك الله من عونه وتوفيقه دليلاً يهدي إلى الصواب قلبك وهادياً ينطق بالحق لسانك. وكتب في شهر ربيع الآخرة سنة سبعين ومائة ببغداد.
باب في مداراة العدو
في كتاب للهند: إن العدو الشديد الذي لا تقوى له لا ترد بأسه عنك بمثل الخشوع والخضوع له كما أن الحشيش إنما يسلم من الريح العاصفة بلينه وانثنائه معها. وقالوا: أزفن للقرد في دولته. أخذه الشاعر فقال: لا تعبدن صنماً في فاقة نزلت وازفن بلا حرج للقرد في زمنه وقال أحمد بن يوسف الكاتب: إذا لم تقدر أن تعض يد عدوك فقبلها. وقال سابق البلوي: وداهن إذا ما خفت يوماً مسلطاً عليك ولن يحتال من لا يداهن وقالت الحكماء: رأس العقل مغافصة الفرصة عند إمكانها والانصراف عما لا سبيل إليه. وقال الشاعر: بلاء ليس يشبهه بلاء عداوة غير ذي حسب ودين يبيحك منه عرضاً لم يصنه ويرتع منك في عرض مصون إن أبدى لك المودة قالت الحكماء: احذر الموتور ولا تطمئن إليه وكن أشد ما تكون حذراً منه ألطف ما يكون مداخلة لك. فإنما السلامة من العدو بتباعدك منه وانقباضك عنه وعند الأنس إليه والثقة به تمكنه من مقاتلك. وقالوا: لا تطمئن إلى العدو إن أبدى لك المقاربة وإن بسط لك وجهه وخفض لك جناحه فإنه يتربص بك الدوائر ويضمر لك الغوائل ولا يرتجى صلاحاً إلا في فسادك ولا رفعة إلا بسقوط جاهك. كما قال الأخطل: بني أمية إني ناصح لكم فلا يبيتن فيكم آمناً زفر واتخذوه عدواً إن شاهده وما تغيب من أخلاقه دعر إن الضغينة تلقاها وإن قدمت كالعر يكمن حيناً ثم ينتشر وفي كتاب الهند: الحازم يحذر عدوه على كل حال يحذر المواثبة إن قرب والمعاودة إن بعد والكمين إن انكشف والاستطراد إن ولى والكرة إن فر. وأوصى بعض الحكماء ملكاً فقال: لا يكونن العدو الذي كشف لك عن عداوته بأخوف عندك من الظنين الذي يستتر لك بمخاتلته فإنه ربما تخوف الرجل السم الذي هو أقتل الأشياء وقتله الماء الذي هو محيي الأشياء وربما تخوف أن تقتله الملوك التي تملكه ثم تقتله العبيد التي يملكها. ولم يقل أحد في العدو المندمل
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)