غير أهلها فإن الحوائج تطلب بالرجاء وتدرك بالقضاء‏.‏ وقال‏:‏ مفتاح نجح الحاجة الصبر على طول المدة ومغلاقها اعتراض الكسل دونها‏.‏ قال الشاعر‏:‏ إني رأيت وفي الأيام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثر وقل من جد في أمر يحاوله فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ومن أمثال العرب في هذا‏:‏ من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له‏.‏ أخذ الشاعر هذا المعنى فقال‏:‏ إن الأمور إذا انسدت مسالكها فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجا لا تيأسن وإن طالت مطالبة إذ تضايق أمر أن ترى فرجا أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا وقال خالد بن صفوان‏:‏ فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها وأشد من المصيبة سوء وقالوا‏:‏ صاحب الحاجة مبهوت وطلب الحوائج كلها تعزير‏.‏ وقالت الحكماء‏:‏ لا تطلب حاجتك من كذاب فإنه يقر بها بالقول ويبعدها بالفعل ولا من أحمق فإنه يريد نفعك فيضرك ولا من رجل له آكلة من جهة رجل فإنه لا يؤثر حاجتك على أكلته‏.‏ وقال دعبل بن علي الخزاعي‏:‏ جئتك مسترفداً بلا سبب إليك إلا بحرمة الأدب فاقض ذمامي فإنني رجل غير ملح عليك في الطلب وقال شبيب بن شيبة‏:‏ إني لأعرف أمراً لا يتلاقى به اثنان إلا وجب النجح بينهما‏.‏ قيل له‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ العقل فإن العاقل لا يسأل ما لا يمكن ولا يرد عما يمكن‏.‏ وقال الشاعر‏:‏ أتيتك لا أدلي بقربى ولا يد إليك سوى أني بجودك واثق فإن تولني عرفاً أكن لك شاكراً وإن قلت لي عذراً أقل أنت صادق وقال الحسن بن هانئ‏:‏ فإن تولني منك الجميل فأهله وإلا فإني عاذر وشكور لعمرك ما أخلقت وجهاً بذلته إليك ولا عرضته للمعاير فتى وفرت أيدي المكارم عرضه عليه وخلت ماله غير وافر ودخل محمد بن واسع على بعض الأمراء فقال‏:‏ أتيتك في حاجة فإن شئت قضيتها وكنا كريمين وإن شئت لم تقضها وكنا لئيمين‏.‏ أراد إن قضيتها كنت أنت كريماً بقضائها وكنت أنا كريما بسؤالك إياها لأني وضعت الطلبة في موضعها‏.‏ فإن لم تقضها كنت أنت لئيماً بمنعك وكنت أنا لئيما بسوء اختياري لك‏.‏ وسرق حبيب هذا المعنى فقال‏:‏ عياش إنك للئيم وإنني إذ صرت موضع طلبي للئيم ودخل سوار القاضي على عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فقال‏:‏ أصلح الله الأمير‏:‏ لنا حاجة والعذر فيها مقدم خفيف معناها مضاعفة الأجر فإن تقضها فالحمد لله وحده وإن عاق مقدور ففي أوسع العذر قال له‏:‏ ما حاجتك أبا عبد الله قال‏:‏ كتاب لي إن رأى الأمير - أكرمه الله - أن ينفذه في خاصته كتبه إلى موسى بن عبد الملك في تعجيل أرزاقي‏.‏ قال‏:‏ أو غير ذلك أبا عبد الله نعجلها لك من مالنا وإذا وددت كنت مخيراً بين أن تأخذ أو ترد‏.‏ فأنشد سوار يقول‏:‏ وكفك حين ترى المجتدي ن أندى من الليلة الماطرة وكلبك آنس بالمعتفين من الأم بابنتها الزائرة ودخل أبو حازم الأعرج على بعض أهل السلطان فقال‏:‏ أتيتك في حاجة رفعتها إلى الله فبلك فإن يأذن الله لك في قضائها قضيتها وحمدناك وإن لم يأذن في قضائها لم تقضها وعذرناك‏.‏ وفي بعض الحديث‏:‏ اطلبوا الحوائج عن حسان الوجوه‏.‏ أخذه الطائي فنظمه في شعره فقال‏:‏ قد تأولت فيك قول رسول ال له إذا قال مفصحاً إفصاحاً إن طلبتم حوائجاً عند قوم فتنقوا لها الوجوه الصباحا فلعمري لقد تنقيت وجهاً ما به خاب من أراد النجاحا قال المنصور لرجل دخل عليه‏:‏ سل حاجتك قال‏:‏ يبقيك الله يا أمير المؤمنين‏.‏ قال‏:‏ سل حاجتك فإنك لست تقدر على مثل هذا المقام في كل حين‏.‏ قال‏:‏ والله يا أمير المؤمنين ما أستقصر عمرك ولا أخاف بخلك ولا أغتنم مالك وإن عطاءك لشرف وإن سؤالك لزين وما بامرئ بذل إليك وجهه نقض ولا شين فوصله وأحسن إليه‏.‏ من أمثالهم في هذا‏:‏ أنجز حر ما وعد‏.‏ وقالوا‏:‏ وعد الكريم نقد ووعد اللئيم تسويف‏.‏ وقال الزهري‏:‏ حقيق على من أورق بوعد أن يثمر بفعل‏.‏ وقال المغيرة‏:‏ من أخر حاجة فقد ضمنها‏.‏ وقال الموبذان الفارسي‏:‏ الوعد السحابة والإنجاز المطر‏.‏ وقال غيره‏:‏ المواعيد رؤوس الحوائج والإنجاز أبدانها‏.‏ وقال عبد الله بن عمر رحمه الله‏:‏ خلف الوعد ثلث النفاق وصدق الوعد ثلث الإيمان وما ظنك بشيء جعله الله تعالى مدحة في كتابه وفخراً لأنبيائه فقال تعالى‏:‏ ‏"‏ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ‏"‏‏.‏ وذكر جبار بن سلمى عامر بن الطفيل فقال‏:‏ كان والله إذا وعد الخير وفى وإذا أوعد بالشر أخلف وهو القائل‏:‏ ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ويأمن مني صولة