المتهدد وإني وإن أوعدته أو وعدته ليكذب إيعادي ويصدق موعدي وقال ابن أبي حازم: وإلا فقل لا تسترح وترح بها لئلا يقول الناس إنك كاذب ولو لم يكن في خلف الوعد إلا قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " لكفى. وقال عمر بن الحارث: كانوا يفعلون ولا يقولون ثم صاروا يقولون ويفعلون ثم صاروا يقولون ولا يفعلون ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون: فزعم أنهم ضنوا بالكذب فضلاً عن الصدق. وفي هذا المعنى يقول الحسن بن هانئ: قال لي ترضى بوعد كاذب قلت إن لم يك شحم فنفش ومثله قول عباس بن الأحنف ويقال إنه لمسلم بن الوليد صريع الغواني: ما ضر من شغل الفؤاد ببخله لو كان عللني بوعد كاذب صبراً عليك فما أرى لي حيلة إلا التمسك بالرجاء الخائب سأموت من كمد وتبقى حاجتي فيما لديك وما لها من طالب قال عبد الرحمن بن أم الحكم لعبد الملك بن مروان في مواعيد وعدها إياه فمطله بها: نحن إلى الفعل أحوج منا إلى القول وأنت بالإنجاز أولى منك بالمطل. واعلم أنك لا تستحق الشكر إلا بإنجازك الوعد واستتمامك المعروف. القاسم بن معن المسعودي قال: قلت لعيسى بن موسى أيها الأمير ما انتفعت بك مذ عرفتك ولا أوصلت لي خيراً مذ صحبتك. قال: ألم أكلم لك أمير المؤمنين في كذا وسألته لك كذا قال: قلت: بلى فهل استنجزت ما وعدت واستتممت ما بدأت قال: حال من دون ذلك أمور قاطعة وأحوال عاذرة. قلت: أيها الأمير فما زدت على أنها نبهت العجز من رقدته وأثرت الحزن من ربضته إن الوعد إذا لم يشفه إنجاز يحققه كان كلفظ لا معنى له وجسم لا روح فيه. وقال عبد الصمد بن الفضل الرقاشي لخالد بن ديسم عامل الري. أخالد إن الري قد أجحفت بنا وضاق علينا رحبها ومعاشها وقد أطعمتنا منك يوماً سحابة أضاءت لنا برقاً وأبطأ رشاشها فلا غيمها يصحو فييئس طامعاً ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها وقال سعيد بن سلم: وعد أبي بشاراً العقيلي حين مدحه بالقصيدة التي يقول فيها: صدت بخد وجلت عن خد ثم انثنت كالنفس المرتد فكتب إليه بشار بالغد: ما زال ما منيتني من همي والوعد غم فأرح من غمي فقال له أبي: يا أبا معاذ هلا استنجحت الحاجة بدون الوعيد فإذ لم تفعل فتربص ثلاثاً وثلاثاً فإني والله ما رضيت بالوعد حتى سمعت الأبرش الكلبي يقول لهشام: يا أمير المؤمنين لا تصنع إلي معروفاً حتى تعدني فإنه لم يأتني منك سيب على غير وعد وإلا هان علي قدره وقل مني شكره. قال له هشام: لئن قلت ذلك لقد قاله سيد أهلك أبو مسلم الخولاني: إن أوقع المعروف في القلوب وأبرده على الأكباد معروف منتظر بوعد لا يكدره المظل. وكان يحيى بن خالد بن برمك لا يقضي حاجة إلا بوعد ويقول: من لم يبت على سرور لم يجد للصنيعة طعماً. وقالوا: الخلف ألأم من البخل لأنه من لم يفعل المعروف لزمه ذم اللؤم وحده ومن وعد وأخلف لزمه ثلاث مذمات: ذم اللؤم وذم الخلف وذم الكذب. قال زياد الأعجم: لله درك من فتى ولو كنت تفعل ما تقول لا خير في كذب الجوا د وحبذا صدق البخيل استبطأ حبيب الطائي الحسن بن وعيب في عدة وعدها إياه فكتب إليه أبياتاً يستعجله بها. فبعث إليه بألف درهم وكتب إليه: فخذ القليل وكن كمن لم يسأل ونكون نحن كأننا لم نفعل وقال عبد الله بن مالك الخزاعي: دخلت على أمير المؤمنين المهدي وعنده ابن دأب وهو ينشد قول الشماخ: وأشعث قد قد السفار قميصه يجر شواء بالعصا غير منضج دعوت إلى ما نابني فأجابني كريم من الفتيان غير مزلج فتى يملأ الشيزي ويروي سنانه ويضرب في رأس الكمي المدجج فتي ليس بالراضي بأدنى معيشة ولا في بيوت الحي بالمتولج فرفع رأس إلي المهدي وقال: هذه صفتك أبا العباس فقلت: بك نلتها يا أمير المؤمنين. فضحك إلي وقال: هل تنشد من الشعر شيئاً قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فأنشدني. فأنشدته قول السموأل: وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل إذا المرء أعيته المروءة يافعاً فمطلبها كهلاً عليه ثقيل تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل يقرب حب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطول وما مات منا سيد حتف أنفه ولا طل منا حيث كان قتيل تسيل على حد السيوف نفوسنا وليست على غير السيوف تسيل وننكر إن شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القول حين نقول فنحن كماء المزن ما في نصابنا كهام ولا فينا يعد بخيل وأسيافنا في كل شرق ومغرب بها من قراع الدارعين فلول فقال: أحسنت! اجلس بهذا بلغتم سل حاجتك فقلت: يا أمير المؤمنين تكتب لي في العطاء ثلاثين رجلاً من أهلي قال: نعم فرض علي إذا وعدت. فقلت يا أمير المؤمنين إنك متمكن من القدرة وليس دونك حاجز عن الفعل فما معنى العدة فنظر إلى بن دأب كأنه يريد منه كلاماً في فضل الموعد. فقال ابن دأب: حلاوة الفعل بوعد ينجز لا خير في
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)