باسطة وعطاء الله دونه مبذول فأما عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مما أخذ لها. العتبي قال: حدثنا طارق بن المبارك عن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة قال: جاءت دولة المسودة وأنا حديث السن كثير العيال متفرق المال فجعلت لا أنزل قبيلة من قبائل العرب إلا شعرت فيها فلما رأيت أمري لا يكتتم أتيت سليمان بن علي فاستأذنت عليه قرب المغرب فأذن لي وهو لا يعرفني فلما صرت إليه قلت: أصلحك الله لفظتني البلاد إليك ودلني فضلك عليك فإما قبلتني غانماً وإما رددتني سالماً قال: ومن أنت فانتسبت له فعرفني وقال: مرحباً اقعد فتكلم غانماً قلت: أصلحك الله إن الحرم اللاتي أنت أقرب الناس إليهن معنا وأولى الناس بهن بعدنا قد خفن بخوفنا ومن خاف خيف عليه قال: فاعتمد سليمان على يديه وسالت دموعه على خديه ثم قال: يا بن أخي يحقن الله دمك ويستر حرمك ويسلم مالك إن شاء الله ولو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلت. فلم أزل في جوار سليمان آمناً. وكتب سليمان إلى أبي العباس أمير المؤمنين: أما بعد يا أمير المؤمنين فإنا إنما حاربنا بني أمية على عقوقهم ولم نحاربهم على أرحامهم وقد دفت إلي منهم دافة. لم يشهروا سلاحاً ولم يكثروا جمعاً وقد أحسن الله إليك فأحسن فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لهم أماناً ويأمر بإنفاذه إلي فليفعل. فكتب لهم كتاباً منشوراً وأنفذه إلى سليمان بن علي في كل من لجأ إليه من بني أمية فكان ودخل عبد الملك بن صالح يوماً على الرشيد فلم يلبث في مجلسه أن التفت الرشيد فقال متمثلاً: أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد ثم قال: أما والله لكأني أنظر إلى شؤبؤبها قد همع وعارضها قد لمع وكأني بالوعيد قد وقع فأقلع عن براجم بلا معاصم وجماجم بلا غلاصم فمهلاً مهلاً فبي والله يسهل لكم الوعر. ويصفو لكم الكدر وألقت إليكم الأمور مقاليد أزمتها فالتدارك التدارك قبل حلول داهية خبوط باليد لبوط بالرجل. قال عبد الملك: أفذاً ما تكلمت أم توأماً يا أمير المؤمنين قال: بل فذاً قال اتق الله في ذي رحمك وفي رعيتك التي استرعاك الله ولا تجعل الكفر مكان الشكر ولا العقاب موضع الثواب فقد محضت لك النصيحة وأديت لك الطاعة وشددت أواخي ملكك بأثقل من ركني يلملم وتركت عدوك سبيلاً تتعاوره الأقدام فالله الله في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن وصلته إن الكتاب لنميمة واش وبغي باغ ينهش اللحم ويلغ في الدم فكم ليل تمام فيك كابدته ومقام ضيق فرجته وكنت كما قال الشاعر أخو بني كلاب: ومقام ضيق فرجته بلساني ومقامي وجدل لو يقوم الفيل أو فياله زل عن مثل مقامي وزجل والتفت الرشيد يوماً إلى عبد الملك بن صالح فقال: أكفراً بالنعمة وغدراً بالإمام قال: لقد بؤت إذاً بأعباء الندم وسعيت في استجلاب النقم وما ذلك يا أمير المؤمنين إلا بغي باغ نافسني فيك بقديم الولاية وحق القرابة يا أمير المؤمنين إنك خليفة الله ورسوله في أمته وأمينه على رعيته لك عليها فرض الطاعة وأداة النصيحة ولها عليك التثبت في حادثها والعدل في حكمها. فقال له هارون: تضع لي من لسانك وترفع علي من جنانك بحيث يحفظ الله لي عليك هذا قمامة كاتبك يخبرني بفعلك فقال عبد الملك: أحقاً يا قمامة قال: نعم لقد أردت قتل أمير المؤمنين والغدر به فقال عبد الملك: كيف لا يكذب علي من خلفي من بهتني في وجهي! قال الرشيد: هذا ابنك عبد الرحمن شاهد عليك قال: يا أمير المؤمنين هو بين مأمور أو عاق فإن كان مأموراً معذور وإن كان عاقاً فما أخاف من عقوقه أكثر. وقال له الرشيد يوماً وكان معتلاً عليه: أتبقون بالرقة قال: نعم ونبرغث قال له: يا بن الفاعلة ما حملك على أن سألتك عن مسألة فرددت علي في مسألتين وأمر به إلى الحبس. فلم يزل في حبسه حتى أطلقه الأمين. إبراهيم بن السندي قال: سمعت عبد الملك بن صالح يقول بعد إخراج المخلوع له من الحبس وذكر الرشيد وفعله به فقال: والله إن الملك لشيء ما نويته ولا تمنيته ولا نصبت له ولا أردته ولو أردته لكان إلي أسرع من الماء إلى الحدور ومن النار إلى يبس العرفج وإني لمأخوذ بما لم أجن ومسؤول عما لم أعرف ولكن حين رآني للملك قميناً وللخلافة خطيراً ورأي لي يداً تنالها إذا مدت وتبلغها إذا بسطت ونفساً تكمل لخصالها وتستحقها بفعالها - وإن كنت لم أجن تلك الخصال ولم أصطنع تلك الفعال ولم أترشح لها في السر ولا أشرت إليها في الجهر - ورآها تجن حنين الوالدة الوالهة وتميل ميل الهلوك خاف أن ترغب إلى خير مرغب وتنزع إلى أخصب منزع وعاقبني عقاب من سهر في طلبها وجهد في التماسها فإن كان إنما حسبني أني أصلح لها وتصلح لي وأليق بها وتليق لي فليس ذلك بذنب جنيته فأتوب منه ولا تطاولت له فأحط نفسي عنه وإن زعم أن لا صرف لعقابه ولا نجاة من عذابه إلا أن أخرج له من حد العلم والحلم والحزم فكما لا يستطيع المضياع أن يكون مصلحاً كذلك لا يستطيع العاقل أن يكون جاهلاً وسواء علي أعاقبني على علمي وحلمي أم عاقبتني على نسبي وسني وسواء علي عاقبتني على جمالي أو عاقبتني على محبة الناس لي ولو أردتها لأعجلته عن التفكير وشغلته عن التدبير ولما كان فيها من الخطب إلا اليسير. إبراهيم بن السندي قال: كنت أساير سعيد بن سلم حين قيل له: إن أمير المؤمنين قد غضب على رجاء بن أبي الضحاك وأمر بأخذ ماله فارتاع بذلك وجزع فقيل له: ما يروعك منه فوالله ما جعل الله بينكما نسباً ولا سبباً فقال: بلى النعمة نسب بين أهلها والطاعة سبب مؤكد بين الأولياء. وبعث بعض الملوك إلى رجل وجد عليه فلما مثل بين يديه قال: أيها الأمير إن الغضب شيطان فاستعذ بالله منه وإنما خلق العفو للمذنب والتجاوز للمسيء فلا تضق عما وسع الرعية من حلمك وعفوك. فعفا عنه وأطلق سبيله. ولما اتهم قتيبة بن مسلم أبا مجلز على بعض الأمر قال: أصلح الله الأمير تثبت فإن التثبت نصف العفو. قال الحجاج لرجل دخل عليه: أنت صاحب الكلمة قال: أبوء بالذنب وأستغفر الرب وأسأل العافية قال: قد عفونا عنك. وأرسل بعض الملوك في رجل أراد عقوبته فلما مثل بين يديه قال: أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلا نظرت في أمري نظر من برئي أحب إليه من سقمي وبراءتي أحب إليه من جرمي. وقال خالد بن عبد الله لسليمان بن عبد الملك حين وجد عليه: يا أمير المؤمنين إن القدرة تذهب الحفيظة وأنت تجل عن العقوبة ونحن مقرون بالذنب فإن تعف عني فأهل ذلك أنت وإن تعاقبني فأهل ذلك أنا. وأمر معاوية بن أبي سفيان بعقوبة روح بن زنباع فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تضع مني خسيسة أنت رفعتها أو تنقض مني مريرة أنت أبرمتها أو تشمت بي عدواً أنت وقمته إلا أتى حلمك وصفحك عن خطئي وجهلي فقال معاوية: خليا عنه إذا أراد الله أمراً يسره. وجد عبد الملك بن مروان على رجل فجفاه وأطرحه ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه شاحباً ناحلاً فقال له: مذ متى اعتللت فقال: ما مسني سقم ولكني جفوت نفسي إذ جفاني الأمير وآليت أن لا أرضى عنها حتى يرضى عني أمير المؤمنين. فأعاده إلى حسن رأيه. وقعد الحسن بن سهل لنعيم بن حازم فأقبل إليه حافياً حاسراً وهو يقول: ذنبي أعظم من السماء ذنبي أعظم من الأرض فقال الحسن: على رسلك أيها الرجل لا بأس عليك قد تقدمت لك طاعة وحدثت لك توبة وليس للذنب بينهما موضع ولئن وجد موضعاً فما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو. أذنب رجل من بني هاشم ذنباً إلى المأمون فعاتبه فيه فقال يا أمير المؤمنين من حمل مثل دالتي ولبس ثوب حرمتي ومت بمثل قرابتي اغتفر له فوق زلتي قال: صدقت يا بن عمي واعتذر رجل إلى المأمون من ذنب فقال: إني وإن كانت زلتي قد أحاطت بحرمتي فإن فضلك محيط بها وكرمك موقوف عليها. أخذه صريع الغواني فقال: إن كان ذنبي قد أحاط بحرمتي فأحط بذنبي عفوك المأمولا دخل يزيد بن عمر بن هبيرة على أبي جعفر المنصور بعدما كتب أمانه فقال: يا أمير المؤمنين إن إمارتكم بكر ودولتكم جديدة فأذيقوا الناس حلاوتها وجنبوهم مرارتها تخف على قلوبهم طاعتكم وتسرع إلى أنفسهم محبتكم وما زلت مستبطئاً لهذه الدعوة. فلما قام قال أبو جعفر: عجباً من كل من يأمر بقتل هذا! ثم قتله بعد ذلك غدراً. الهيثم بن عدي قال: لما انهزم عبد الله بن علي من الشام قدم على المنصور وفد منهم فتكلموا عنده ثم قام الحارث فقال: يا أمير
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)