تذكير الملوك بذمام متقدم

قال ثمامة بن أشرس للمأمون لما صارت إليه الخلافة‏:‏ إنه كان لي أملان‏:‏ أمل لك وأمل بك فأما أملي لك فقد بلغته وأما أملي بك فلا أدري ما يكون منك فيه قال‏:‏ يكون أفضل ما رجوت وأملت فجعله من سماره وخاصته‏.‏ الأصمعي قال‏:‏ لما مات يزيد بن عبد الملك وصارت الخلافة إلى هشام بن عبد الملك خر أصحابه سجوداً إلا الأبرش الكلبي فقال له‏:‏ يا أبرش ما منعك أن تسجد كما سجدوا قال‏:‏ يا أمير المؤمنين لأنك ذهبت عنا وتركتنا قال‏:‏ فإن ذهبت بك معي قال‏:‏ أو تفعل يا أمير المؤمنين قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فالآن طاب السجود ثم سجد‏.‏ ولما صارت الخلافة إلى أبي جعفر كتب إليه رجل من إخوانه‏:‏ إنا بطانتك الألى كنا نكابد ما نكابد ونرى فنعرف بالعدا وة والبعاد لمن نباعد ونبيت من شفق علي ك ربيئة والليل هاجد هذا أوان وفاء ما سبقت به منك المواعد وقال حبيب الشاعر في هذا المعنى‏:‏ وإن أولى الموالي أن تواسيه عند السرور لمن واساك في الحزن إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا من كان يألفهم في الموطن الخشن حسن التخلص من السلطان أبو الحسن المدائني قال‏:‏ كان العباس بن سهل والي المدينة لعبد الله بن الزبير فلما بايع الناس عبد الملك بن مروان ولى عثمان بن حيان المري وأمره بالغلظة على أهل الظنة فعرض يوماً بذكر الفتنة وأهلها فقال له قائل‏:‏ هذا العباس بن سهل على ما فيه كان مع ابن الزبير وعمل له فقال عثمان بن حيان‏:‏ ويلي عليه والله لأقتلنه قال العباس‏:‏ فبلغني ذلك فتغيبت حتى أضر بي التغيب فأتيت ناساً من جلسائه فقلت لهم‏:‏ ما لي أخاف وقد أمنني عبد الملك بن مروان فقالوا‏:‏ والله ما يذكرك إلا تغيظ عليك وقلما كلم على طعامه في ذنب إلا انبسط فلو تنكرت وحضرت عشاءه وكلمته‏.‏ قال‏:‏ ففعلت وقلت على طعامه وقد أتي بجفنة ضخمة ذات ثريد ولحم‏:‏ والله لكأني أنظر إلى جفنة حيان بن معبد والناس يتكاوسون عليها وهو يطوف في حاشيته يتفقد مصالحها يسحب أردية الخز حتى إن الحسك ليتعلق به فما يميطه ثم يؤتى بجفنة تهادى بين أربعة ما يستقلون بها إلا بمشقة وعناء وهذا بعد ما يفرغ الناس من الطعام ويتنحون عنه فيأتي الحاضر من أهله بالدنو والطارئ من أشراف قومه وما بأكثرهم من حاجة إلى الطعام وما هو إلا الفخر بالدنو من مائدته والمشاركة ليده قال‏:‏ هيه أنت رأيت ذلك قلت‏:‏ أجل والله قال لي‏:‏ ومن أنت قلت‏:‏ وأنا آمن قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ العباس بن سهل بن سعد الأنصاري قال‏:‏ مرحباً وأهلاً أهل الشرف والحق‏.‏ قال‏:‏ فلقد رأيتني بعد ذلك وما بالمدينة رجل أوجه مني عنده‏.‏ فقيل له بعد ذلك‏:‏ أنت رأيت ونزلنا ذلك الماء وغشينا وعليه عباءة ذكوانية فلقد جعلنا نذوده عن رحلنا مخافة أن يسرقه‏.‏ أبو حاتم قال‏:‏ حدثنا أبو عبيدة قال‏:‏ أخذ سراقة بن مرداس البارقي أسيراً يوم جبانة السبيع فقدم في الأسرى إلى المختار فقال سراقة‏:‏ امنن علي اليوم يا خير معد وخير من لبى وصلى وسجد فعفا عنه المختار وخلى سبيله‏.‏ ثم خرج مع إسحاق بن الأشعث فأتي به المختار أسيراً فقال له‏:‏ ألم أعف عنك وأمنن عليك أما والله لأقتلنك قال‏:‏ لا والله لا تفعل إن شاء الله قال‏:‏ ولم قال‏:‏ لأن أبي أخبرني أنك تفتح الشام حتى تهدم مدينة دمشق حجراً حجراً وأنا معك ثم أنشده‏:‏ خرجنا لا نرى الضعفاء شيئاً وكان خروجنا بطراً وحينا تراهم في مصفهم قليلاً وهم مثل الدبى لما التقينا فأسجح إذا قدرت فلو قدرنا لجرنا في الحكومة واعتدينا تقبل توبة مني فإني سأشكر إن جعلت النقد دينا قال‏:‏ فخلى سبيله‏.‏ ثم خرج إسحاق بن الأشعث ومعه سراقة فأخذ أسيراً وأتي به المختار فقال‏:‏ الحمد لله الذي أمكنني منك يا عدو الله هذه ثالثة فقال سراقة‏:‏ أما والله ما هؤلاء الذين أخذوني فأين هم لا أراهم إنا لما التقينا رأينا قوماً عليهم ثياب بيض وتحتهم خيل بلق تطيق بين السماء والأرض فقال المختار‏:‏ خلوا سبيله ليخبر الناس‏.‏ ثم دعا لقتاله فقال‏:‏ ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهماً مصمتات أري عيني ما لم ترأياه كلانا عالم بالترهات كفرت بوحيكم وجعلت نذراً علي قتالكم حتى الممات كان معن بن زائدة قد أمر بقتل جماعة من الأسرى فلما سقوا قال‏:‏ يا معن أتقتل ضيفانك فأمر معن بإطلاقهم‏.‏ لما أتي عمر بن الخطاب بالهرمزان أسيراً دعاه إلى الإسلام فأبى عليه فأمر بقتله فلما عرض عليه السيف قال‏:‏ لو أمرت يا أمير المؤمنين بشربة من ماء فهو خير من قتلي على الظمأ فأمر له بها فلما صار الإناء بيده قال‏:‏ أنا آمن حتى أشرب قال‏:‏ نعم‏.‏ فألقى الإناء من يده وقال‏:‏ الوفاء يا أمير المؤمنين نور أبلج قال‏:‏ لك التوقف حتى أنظر في أمرك ارفعا عنه السيف فلما رفع عنه قال‏:‏ الآن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله فقال له عمر‏:‏ ويحك‏!‏ أسلمت خير إسلام فما أخبرك قال‏:‏ خشيت يا أمير المؤمنين أن يقال أن إسلامي إنما كان جزعاً من الموت فقال عمر‏:‏ إن لفارس حلوماً بها استحقت ما كانت فيه من الملك‏.‏ ثم كان عمر يشاوره بعد ذلك في إخراج الجيوش إلى أرض فارس ويعمل برأيه‏.‏ لما أتي الحجاج بالأسرى الذين خرجوا مع ابن الأشعث أمر بقتلهم فقال رجل‏:‏ أصلح الله الأمير إن لي حرمة قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ ذكرت في عسكر ابن الأشعث فشتمت في أبويك فعرضت دونهما فقلت‏:‏ لا والله ما في نسبه مطعن فقولوا فيه ودعوا نسبه قال‏:‏ ومن يعلم ما ذكرت فالتفت إلى أقرب الأسرى إلي فقلت‏:‏ هذا يعمله قال له الحجاج‏:‏ ما تقول فيما يقول قال‏:‏ صدق أصلح الله الأمير وبر‏.‏ قال‏:‏ خلياً عن هذا لنصرته وعن هذا لحفظ شهادته‏.‏ عمرو بن بحر الجاحظ قال‏:‏ أتي روح بن حاتم برجل كان متلصصاً في طريق الرقاق فأمر بقتله فقال‏:‏ أصلح الله الأمير لي عندك يد بيضاء قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ إنك جئت يوماً إلى مجمع موالينا بني نهشل والمجلس محتفل فلم يتحفز لك أحد فقمت من مكاني حتى جلست فيه ولولا محض كرمك وشرف قدرك ونباهة أوليتك ما ذكرتك هذه عند مثل هذا قال ابن حاتم‏:‏ صدق وأمر بإطلاقه وولاه تلك الناحية وضمنه إياها‏.‏ ولما ظفر المأمون بأبي دلف وكان يقطع في الجبال أمر بضرب عنقه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين دعني أركع ركعتين قال‏:‏ افعل‏.‏ فركع وحبر أبياتاً ثم وقف بين يديه فقال‏:‏ بع