فضيلة العفو والترغيب فيه

كان للمأمون خادم وهو صاحب وضوئه فبينما هو يصب الماء على يديه إذ سقط الإناء من يده فاغتاظ المأمون عليه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الله يقول‏:‏ ‏"‏ والكاظمين الغيظ ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ قد كظمت غيظي عنك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ والعافين عن الناس ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ قد عفوت عنك‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ والله يحب المحسنين ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ اذهب فأنت حر‏.‏ أمر عمر عبد العزيز بعقوبة رجل فقال له رجاء بن حيوة‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الله قد فعل ما تحب من الظفر فافعل ما يحبه من العفو‏.‏ الأصمعي قال‏:‏ عزم عبد الله بن علي على قتل بني أمية بالحجاز فقال له عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم‏:‏ إذا أسرعت بالقتل في أكفائك فمن تباهي بسلطانك فاعف يعف الله عنك‏.‏ دخل ابن خريم على المهدي وقد عتب على بعض أهل الشام وأراد أن يغزيهم جيشاً فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين عليك بالعفو عن الذنب والتجاوز عن المسيء فلأن تطيعك العرب طاعة محبة خير لك من أن تطيعك طاعة خوف‏.‏ أمر المهدي بضرب عنق رجل فقام إليه ابن السماك فقال‏:‏ إن هذا الرجل لا يجب عليه ضرب العنق قال‏:‏ فما يجب عليه قال‏:‏ تعفو عنه فإن كان من أجر كان لك دوني وإن كان وزر كان علي دونك‏.‏ فخلى سبيله‏.‏ كلم الشعبي ابن هبيرة في قوم حبسهم فقال‏:‏ إن كنت حبستهم بباطل فالحق يطلقهم وإن كنت حبستهم بحق فالعفو يسعهم‏.‏ العتبي قال‏:‏ وقعت دماء بين حيين من قريش فأقبل أبو سفيان فما بقي أحد واضع رأسه غلا رفعه فقال‏:‏ ما معشر قريش هل لكم في الحق أو فيما هو أفضل من الحق قالوا‏:‏ وهل شيء أفضل من الحق قال‏:‏ نعم العفو فتهادن القوم واصطلحوا‏.‏ وقال هزيم بن أبي طحمة ليزيد بن عاتكة بعد ظفره بيزيد بن المهلب‏:‏ ما ظلم أحد ظلمك ولا نصر نصرك فهل لك في الثالثة نقلها قال‏:‏ وما هي قال ولا عفا عفوك‏.‏ وقال المبارك بن فضالة‏:‏ كنت عند أبي جعفر جالساً في السماط إذ أمر برجل أن يقتل فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ إذا كان يوم القيامة نادى مناد بين يدي الله‏:‏ ألا من كانت له عند الله يد فليتقدم فلا يتقدم إلا من عفا عن مذنب‏.‏ فأمر بإطلاقه‏.‏ وقال النبي ‏:‏ ‏"‏ أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب ‏"‏ وتقول العرب في أمثالها‏:‏ ملكت فأسجح وارحم ترحم وكما تدين تدان ومن بر يوماً بر به‏.‏ بعد الهمة وشرف النفس دخل نافع بن جبيرة بن مطعم على الوليد وعليه كساء غليظ وخفان جاسيان فسلم وجلس فلم يعرفه الوليد فقال لخادم بين يديه‏:‏ سل هذا الشيخ من هو‏.‏ فسأله فقال له‏:‏ اعزب فعاد إلى الوليد فأخبره فقال‏:‏ عد إليه واسأله فعاد إليه فقال له مثل ذلك‏.‏ فضحك الوليد وقال له‏:‏ من أنت قال‏:‏ نافع بن جبير بن مطعم‏.‏ وقال زياد بن ظبيان لابنه عبيد الله ألا أوصي بك الأمير زياداً قال‏:‏ يا أبت إذا لم يكن للحي إلا وصية فالحي هو الميت‏.‏ وقال معاوية لعمرو بن سعيد‏:‏ إلى من أوصى بك أبوك قال‏:‏ إن أبي أوصى إلي ولم يوص بي قال وبما أوصى إليك قال‏:‏ أن لا يفقد إخوانه منه إلا وجهه‏.‏ وقال مالك بن مسمع لعبيد الله بن زياد بن ظبيان‏:‏ ما في كنانتي سهم أنا به أوثق مني بك قال‏:‏ وإني لفي كنانتك‏!‏ أما والله لئن كنت فيها قائماً لأطولنها ولئن كنت فيها قاعداً لأخرقنها‏.‏ وقال يزيد بن المهلب‏:‏ ما رأيت أشرف نفساً من الفرزدق هجاني ملكاً ومدحني سوقة‏.‏ وقدم عبيد الله بن زياد بن ظبيان على عتاب بن ورقاء الرياحي - وهو والي خراسان - فأعطاه عشرين ألفاً فقال له‏:‏ والله ما أحسنت فأحمدك ولا أسأت فألومك وإنك لأقرب البعداء وأحب البغضاء‏.‏ وعبيد الله بن زياد بن ظبيان هذا هو القائل‏:‏ والله ما ندمت على شيء قط ندمي على عبد الملك بن مروان إذ أتيته برأس مصعب بن الزبير فخر لله ساجداً أن لا أكون قد ضربت عنقه فأكون قد قتلت ملكين من ملوك العرب في يوم واحد‏.‏ ومن أشرف الناس همة عقيل بن علفة المري‏.‏ وكان أعرابياً يسكن البادية وكان تصهر إليه الخلفاء وخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته لأحد أولاده فقال له‏:‏ جنبني هجناء ولدك‏.‏ وقال عمر بن عبد العزيز لرجل من بني أمية كان له أخوال في بني مرة‏:‏ قبح الله شبهاً غلب عليك من بني مرة‏.‏ فبلغ ذلك عقيل بن علفة فأقبل إليه فقال له قبل أن يبتدئه بالسلام‏:‏ بلغني يا أمير المؤمنين أنك غضبت على رجل من بني عمك له أخوال في بني مرة فقلت‏:‏ قبح الله شبهاً غلب عليك من بني مرة وأنا أقول قبح الله ألأم الطرفين ثم انصرف‏.‏ فقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ من رأى أعجب من هذا الشيخ الذي أقبل من البادية ليست له حاجة إلا شتمنا ثم انصرف فقال له رجل من بني مرة‏:‏ والله يا أمير المؤمنين ما شتمك وما شتم إلا نفسه وقومه نحن والله ألأم الطرفين‏.‏ أبو حاتم السجستاني عن محمد بن عبد الله العتبي قال‏:‏ سمعت أبي يحدث عن أبي عمرو المري قال‏:‏ كان بنو عقيل بن علفة بن مرة