باب السودد

قيل لعَدِي بنِ حاتم‏:‏ ما السودد قال‏:‏ السيد الأحمق في مالِه الذَليل في عِرْضه المُطَّرِح لحِقده‏.‏ وقيل لقَيْس بن عاصم‏:‏ بمَ سَوَدك قومُك قال‏:‏ بكَفِّ الأذى وبَذْل النًدى ونَصْر المَوْلى‏.‏ وقال رجلٌ للأحنف بم سوَدك قومُك وما أنت بأشرفهم بَيتاً ولا أُصْبحهم وَجهاً ولا أحسنهم خُلُقاً قال‏:‏ بخِلاف ما فيك با بنَ أخي قال‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ بتركي من أَمْرك ما لا يَعْنِيني كما عناك من أَمْري ما لا يَعْنِيك‏.‏ وقال عمرُ بن الخطَاب رضي الله عنه لرجل‏:‏ مَن سيِّد قَوْمك قال‏:‏ أنا قال كذبت لو كنتَ كذلك لم تَقُلْه‏.‏ وقال ابن الكَلْبي‏:‏ قَدِم أوسُ بنُ حارثة بن لأم الطائي وحاتمِ بنُ عبد الله الطّائي على النُّعمان بن المُنذر فقال لإياس بن قَبِيصة الطائيّ‏:‏ أيهما أفْضل قال‏:‏ أبيتَ اللعنَ أيها الملك‏.‏ إنِّي من أحدهما ولكنْ سَلهما عن أَنْفسهما فإنهما يُخبرانك‏.‏ فدخل عليه أوسٌ فقال أنت أفضلُ أم حاتم فقال‏:‏ أبيتَ اللعن إنّ أدنى ولد حاتم أفضلُ مني ولو كنتُ أنا وولدي ومالي لحاتم لأنْهبَنَا في غَداة واحدة‏.‏ ثم دخل عليه حاتم فقال له‏:‏ أنت أفضلُ أم أَوس فقال‏:‏ أبيت اللعن إنّ أدنى وسأل عبدُ الملك بن مَروانَ روح بن زِنْباع عن مالك بن مِسْمع فقال‏:‏ لو غَضِب مالكٌ لغَضِب معه مائةُ ألف سيف لا يسأله واحدٌ منهم‏:‏ لم غضبتَ فقال عبدُ الملك‏:‏ هذا والله السودد‏.‏ أبو حاتم عن العُتبي قال‏:‏ أهدى ملكُ اليمن سبعَ جزائر إلى مكة وأوصى أن يَنحرها أعزُ قرشيّ بها فأتت وأبو سفيان عَروس بهند فقالت له هِنْد‏:‏ يا هذا لا تَشغلك النّساء عن هذه الأكرومة التي لعلّك أن تُسْبق إليها فقال لها‏:‏ يا هذه ذرِي زَوْجك وما اختار لنفسه فوالله لا نحرها أحدٌ إلا نحرتُه‏.‏ فكانت في عُقُلها حتى خرَج إليها بعد السابع فنَحرها‏.‏ ونظر رجلٌ إلى معاوية وهو غلام صغير فقال‏:‏ إني أظنّ أنّ هذا الغلام سيسود قومَه فسمعته أمه هِنْد فقالت‏:‏ ثكِلتُه إذاً إن لم يَسُد غيرَ قومه‏.‏ وقال الهيثم بن عَدِيِّ‏:‏ كانوا يقولون‏:‏ إذا كان الصبيّ سابل الغُرّة طويل الغُرْلة مُلتاث الإزْرَة فذاك الذي لا يُشكّ في سُودده‏.‏ ودخل ضَمْرة بن ضمْرة على النعمان بن المُنْذر وكانت به دَمامة شديدة فالتفت النعمانُ إلى أصحابه وقال‏:‏ تَسمع بالمُعيديّ خير من أن ترإه‏.‏ فقال‏:‏ أيها الملك إِنما المرء بأصغريه قلبِه ولسانه فإن قال قال ببَيان وإن قاتل قاتل بجَنَان قال‏:‏ صدقت وبحَقِّ سوّدك قومُك‏.‏ وقيل لعَرابة الأوسيّ‏:‏ بم سوَّدكَ قومُك قال‏:‏ بأربع خلال‏:‏ أَنْخَدع لهم في مالي وأذِلّ لهم في عِرْضي ولا أحْقِر صغيرَهم ولا أحسُد كبيرَهم‏.‏ وفي عَرابة الأوْسيّ يقول الشَّمَّاخ وهو ‏"‏ ابن ‏"‏ ضرِار‏:‏ رأيتُ عَرابة الأوْسي يَسمو إلى الخيْرَاتِ مُنقطع القَرينِ إذا ما رايةٌ رُفعت لمجْدٍ تلقاها عرَابة باليمين وقالوا‏:‏ يَسود الرجل بأربعة أشياء‏:‏ بالعَقل والأدب والعِلم والمال‏.‏ وكان سلم بنُ نوفل سيِّدَ بني كِنانة فوَثب رجلٌ على ابنه وابن أخيه فجَرَحهما فأُتي به فقال ‏"‏ له ‏"‏‏:‏ ما أمَنك من انتقامي قال‏:‏ فلِم سَوَّدْناك إذاً إلا أن تكْظم الغَيظ وتَحْلُم عن الجاهل وتحتمل المكروه فخلّى سبيلَه فقال فيه الشاعر‏:‏ يُسوَّد أقوام وليسوا بسادةٍ بل السيّد الصِّنديد سَلم بنُ نوفل وقال ابن الكلْبي‏:‏ قال لي خالدٌ العَنْبري‏:‏ ما تعُدُّون السُّودد قلت‏:‏ أمّا في الجاهليَّة فالرِّياسة وأما في الإسلام فالوِلاية وخَيْر من ذا وذاك التقوَى قال‏:‏ صدقت كان أبي يقول‏:‏ لم يُدْرِك الأوِّلُ الشرفَ إلا بالعقل ولم يُدْرِك الآخرُ إلاّ بما أَدْرَك به الأوّل قلتً له‏:‏ صدق أبوك إنما ساد الأحنف بن قيْس بحلْمه ومالك بن مِسْمَع بحُبّ العشيرة له وقتُيبة بن مُسلم بدَهائه وساد المُهَلّب بهذه الْخِلال كلّها‏.‏ الأصمعي قال‏:‏ قيل لأعرابيّ يقال له مُنْتَجع بن نَبْهان‏:‏ ما السَّميدع قال‏:‏ السيّد المُوَطّأ الأكناف‏.‏ وكان عمر بن الخطاب ‏"‏ رضي الله عنه ‏"‏ يُفْرش له فِراش في بَيْته في وَقْت خلافته فلا يجلس عليه أحد إلا العبَّاس بن عبد المطّلب وأبو سُفيان بن حَرْب‏.‏ وقال النبي لأبي سُفيان‏:‏ كل الصيد في جَوْف الفَرأ‏.‏ والفرأ‏:‏ الْحِمار الوَحْشي وهو مَهموز وجَمعه فِراء ومعناه‏:‏ أنه في الناس مثل الحمار الوحشي في الوحش‏.‏ ودخل عمرو بنُ العاص مكة فرَأى قوماً مِن قُريش قد تحلّقوا حَلقة فلما رَأوه رَموا بأبصارهم إليه فعَدل إليهم فقال‏:‏ أَحْسبَكم كنتم في شيء من