أنا مستاءة بشكل لا يمكنكم تصوّره !
سأتزوج بعد ثلاثة أسابيع من سامر ، فيما يقف وليد إلى جانبي ليعتني بي أثناء ابتعاد أمي عني ...
ثلاثة أمور جعلتني في غاية التوتر خصوصا هذا اليوم ، و آخر شيء كنت لأتقبله هو كلمات السخرية من دانة التي ترددها منتقدة إياي ...
لم أحتمل كل ذلك و بدأت بالبكاء بشكل غريب !
هم يجلسون الآن معا يودعون بعضهم البعض و أنا قابعة هنا أبلل المناديل بالدموع المالحة المتدفقة بغزارة ...
أريد أن أبقى مع والديّ قبل رحيلهما !
ليت وليد يختفي !
ليتني أنا من يختفي !
ليتكم أنتم أيضا تختفون !
سمعت صوت والدتي تناديني ، من خلف الباب المغلق ...
" نعم أمي "
والدتي فتحت الباب و دخلت قبل أن تدع لي الفرصة لمسح دموعي ، و التي و إن مسحتها لا أسهل عليها من أن ترى آثارها مطبوعة على وجهي ...
أمي نظرت إلى بقلق و حيرة و قالت :
" و بعد ؟؟ ما نهاية حكايتك هذه ؟؟ ما بك يا رغد أخبريني ؟؟ "
" لا شيء أمي "
" إذن ... لم تحبسين نفسك في غرفتك و تسبحين في بركة الدموع هذه ؟؟ "
قلت بانفعال :
" لا شيء أمي لا شيء ... لا شيء ... لا شيء ... "
و انخرطت في البكاء باستسلام ...
لم أقاوم أو أواري أي دمعة تحدتني بالظهور ... بكيت بحرقة ... لم أعهدها من قبل ... لم أكن أشعر بمثل هذه الأشياء تتحرك في صدري قبل الآن ... لكنني أشعر الآن بصرخة كبيرة تود الانطلاق رغما عني ... إنني منهارة و أريد من يواسيني ...
من يسندني ... من يساعدني ... من ينقذني مما أنا مقبلة عليه ...
من ؟
من ؟؟
أمي أقبلت نحوي ، و مسحت بيدها الحنونة على رأسي و ربتت على كتفي بلطف
قالت :
" بنيتي ... أخبريني ما بك ... إنني قلقة عليك و لا أريد السفر قبل أن أطمئن ... ما بك ؟؟ مم أنت مستاءة ؟ "
أنظر إلى أمي ، فأرى في عينيها عالما كبيرا محيرا ... أرى فيها أكواما من القلق و الخوف ... و الخشية و الاضطراب ...
ليتك يا أمي تدخلين إلى أعماقي و ترين بنفسك ...
أترين يا أمي ؟؟
إنني لا أريد أن تسافري و تتركيني ...
أيقلقك ذلك ؟؟
إنني لا أريد الزواج من سامر ...
أيفجعك ذلك ؟؟
إنني أريد أن استعيد وليد ...
أيذهلك ذلك ؟؟
إنني أريد أن تعود أمي للحياة ...
أيقتلك ذلك ؟؟
إنني أموت ببطء يا والدتي ...
أيرضيك ذلك ؟؟
أموت و أنا لم أحي َ بعد ...
لم أولد بعد !
أترين كل ذلك يا أمي ؟؟
" لا شيء أمي ... لا شيء ... "
برقت دموع في عيني والدتي لتأثرها بحالتي هذه ، و الدموع في عين أمي هي شيء لا أحتمله مطلقا... مطلقا
مسحت دموعي بسرعة و قلت :
" أمي ... لا شيء صدقيني ، أنا فقط متأثرة لسفركما ، فهي أول مرة في حياتي تبتعدان فيها عني ... لا أتصور حياتي بدونكما "
والدتي ضمتني إلى صدرها و قالت :
" ستعيشين حياتك بسعادة و راحة مرضية ... لا تقلقي ... فابني سيعتني بك جيدا كما نفعل نحن ... الله قسم هكذا "
رفعت رأسي و نظرت إليها بشيء من الحيرة ... فكلماتها بدت غامضة ، فقالت هي:
" و الآن عزيزتي ... ألن تأتي لمجالسة والدك ؟ إن هي إلا فترة قصيرة ثم نسافر ! "
أجبت بإذعان :
" بلى "
و استدركت :
" وليد معكم ؟؟ "
قالت :
" بالتأكيد ... "
طبعا هو معهم ! أين يمكن أن يكون ؟؟
أخذت حجابي و سرت نحو المرآة لارتدائه ، و هالني منظر عيني الحمراوين و جفوني المتورمة !
تركت الحجاب جانبا و مضيت لأغسل وجهي ...
عندما خرجت من دورة المياه وجدت أمي تنتظرني ...
قالت :
" هيا عزيزتي ... "
ارتديت حجابي على عجل و أقبلت نحوها ...
قالت :
" سيسير كل شيء على ما يرام ، و إن احتجت شيئا لا تترددي في طلبه من دانة أو وليد أو سامر ... سنبقى على اتصال دائم "
بعدها ذهبنا إلى غرفة المعيشة ...
كانوا جميعهم مندمجين في الأحاديث المختلفة ، و ما أن رأونا حتى قال سامر :
" تعالي رغد ! كنا نوصي الكبير و العروس بك خيرا ! "
والدي قال موجها حديثه إلي و هو يبتسم بابتهاج :
" أهلا بالعزيزة المدللة ! تعالي و اجلسي قرب أبيك ليرتوي منك قبل السفر "
سرت ُ كالآلة نحو المقعد الذي يجلس عليه أبي و جلست إلى جواره ، ففتح ذراعه و أحاطني بها ...
قال :
" ما بك صغيرتي ؟ على الوجبات لست معنا ، و في الجلسات لا تشركينا ! ألن تشتاقي لشيبتي هذه ؟؟ "
سامر ضحك ، و دانة نظرت إلى السقف باستنكار ... و أمي ابتسمت ، أما الكائن الأخير فلم ألتفت نحوه لأعرف ما فعل !
قلت :
" بلى ... كثيرا جدا ! خذاني معكما ! "
قال سامر مداعبا :
" و أنا أيضا ! "
قالت دانة :
" ماذا عنّي ؟؟ "
قلت :
" نتركك مع المغرور ! "
ضحك من ضحك ، أما صوت وليد ـ و الذي كان خفيفا و مع هذا تمكنت مجسات أذني من التقاطه ـ فجاء في الكلمتين التاليتين :
" تقصدينني أنا ؟؟ "
و أجبرني سؤاله على الالتفات إليه ...
لقد كان ينظر إلي بغرابة ...
لم أرد عليه ، بل التفت إلى أبي
و دانة تولت الإيضاح بنفسها إذ قالت :
" بل تقصد خطيبي ... فهي لا تطيقه و تنعته بالمغرور دوما "
الآن أنا التفت إلى دانة و قلت بصوت حاد :
" على الأقل ... خير من الكذابين "
بعض الصمت خيم علينا لبعض الوقت ...
و بعض الندم شعرت ُ به لبعض الوقت !
قال أبي :
" و من الكذابون بعد يا ترى ؟؟ "
قلت :
" بعض معارفي يا أبي ! لا يطاقون ! ... "
و الآن تكلم وليد و قال :
" المغرورون ، و الكذابون ، و الخونة كذلك ... كلهم لا يطاقون ! "
التفت إلى وليد و قلت :
" من تقصد ؟؟ "
قال :
" بعض معارفي يا ابنة عمي ... لا يطاقون ! "
بدا كل هذا سخف ! أليس كذلك ؟؟
قال سامر :
" دعونا من هذا ... و لنعد إلى موضوعنا .. لدينا عروسان ، بالتالي موكبا زفاف ... أبي و وليد ، من سيقود موكب من ؟؟ دعونا نحدد الآن "
قلت أنا بسرعة :
" أنا أريد أبي "
التفت سامر نحو دانة و قال :
" إذن أنت مع وليد "
دانة نظرت إلى وليد و قالت :
" إذن يجب أن تستأجر سيارة فخمة من أجلي ! أفخم من سيارة سامر ! "
والدتي ضحكت و قالت :
" يا لتفكيركن العجيب يا فتيات هذا الزمن ! "
قالت دانة :
" لن أقبل بسيارة قديمة كهذه ! "
و وجهت كلامها إلى وليد قائلة :
" لم لا تستبدل سيارتك يا وليد ؟؟ لقد عثى عليها الدهر ! "
قال وليد :
" سأفعل ... عندما تتحسن الأحوال ! "
الأحوال بالتأكيد يقصد بها الأحوال المادية !
و لكن هل ابن عمي هذا ضئيل المال ؟؟ ألم يذهب للدراسة في الخارج ؟ لا بد أن لديه شهادة عظيمة تمكنه من احتلال وظيفة مرموقة ... ذات دخل محترم !
مثل سامر !
لا أدري ما كان يقصد بتحسن الأحوال هذه !
وليد قال :
" أ لديك دراسة هذه الفترة ؟ "
طبعا كان يقصدني ! لكنني تظاهرت بأنني لم أنتبه !
لذا قال والدي :
" نعم لمدة خمسة أيام قبل إجازة العيد ... ، ستأخذها للجامعة خلال هذه الأيام "
قال وليد :
" حسنا ، أهناك أي تغيير في مواعيدك ؟؟ "
الكل ينظر إلي بانتظار جوابي !
قلت بنفور :
" لا ، و لكنني أفكر في عدم الذهاب هذه الأيام "
قال وليد :
" لم ؟؟ "
قلت باستياء :
" ليس من شأنك "
بعض الصمت سكن الغرفة تلاه صوت أبي :
" لم لا تودين الذهاب رغد ؟؟ "
قلت :
" لا أريد ترك دانة وحيدة معظم النهار "
دانة نظرت إلي بتشكك و قالت :
" لا تكترثي بشأني ! سأقضي الوقت في إعداد الطعام و العناية بالمنزل ! "
ثم أضافت بجرأة :
" و التنزه مع نوّار ! "
قالت أمي :
" على ذكر الطعام ... ماذا عن كعكتك يا دانة ؟؟ "
قامت دانة و قالت :
" آه نعم ... سأحضرها لكم الآن ... "
و ذهبت إلى المطبخ ، فقمت أنا و لحقت بها ...
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 14 (0 من الأعضاء و 14 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)