بين الله سبحانه وتعالى أهمية بر الوالدين والإحسان إليهما حيث قال تبارك وتعالى

(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا
فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ
وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً[ (الإسراء:24)

النبي صلى الله عليه
واسلم أن طاعة الله من طاعة الوالدين وأن رضا الرب من رضا الوالدين كما أخرج الطبراني
في المعجم الكبير وحسنه الألباني عن أبي هريرة عن النبي أنه قال:

" طاعة الله طاعة الوالد ومعصية الله معصية الوالد "

كما أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه واسلم أن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله
تعالى كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ:

الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"
ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقد دعا عليه النبي كما أخرج مسلم في
الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"

وأخبر النبي صلى الله عليه واسلم أن بر الوالدين من أسباب زيادة العمر لا نقصه كما
أخرج أحمد في المسند عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "
وأخرج ابن ماجه في السنن عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا"
وأخرج الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن وصححه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أنه قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واسلم يَقُولُ:
"الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ "

قال المباكفوري : قَوْلُهُ : ( الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ) قَالَ الْقَاضِي : أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا
وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ
مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ , وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنَّ لِلْجَنَّةِ أَبْوَابًا وَأَحْسَنُهَا دُخُولًا أَوْسَطُهَا , وَإِنَّ
سَبَبَ دُخُولِ ذَلِكَ الْبَابِ الْأَوْسَطِ هُوَ مُحَافَظَةُ حُقُوقِ الْوَالِدِ ( فَأَضِعْ ) فِعْلَ أَمْرٍ مِنْ الْإِضَاعَةِ
( ذَلِكَ الْبَابَ ) بِتَرْكِ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ ( أَوْ اِحْفَظْهُ ) أَيْ دَاوِمْ عَلَى تَحْصِيلِهِ.

بل أخبر أن الولد ملك لأبيه كما أخرج أبو داود عَنْ عبد الله عمرو أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَإِنَّ وَالِدِي يَحْتَاجُ مَالِي فقَالَ النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ إِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ
أَوْلَادِكُمْ "
ونبه إلى أن حق الأم كبير كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبُوكَ "
بل جعل طاعة الوالدين من الجهاد كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن
عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ :أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ قَالَ نَعَمْ ! قَالَ "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ "
وصح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:
" ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ
وَالدَّيُّوثُ وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى "

فأين الذين يعقون آباءهم من هذه الأحاديث بل أين الذين يؤذونهم بالقول والفعل منها بل
إن بعضاً منهم ممن نزع الله من قلبه الرحمة يتعرضون لآبائهم بالسب والشتم والأذية
بل ويزيد بعض من لا خوف من الله يحجزهم فينهال على أبيه وأمه فيضربهما بيده شل الله
يمينه ووالله إن هذا من أعظم العقوق وأفجر الفجور وأقبح الجرائم ولو لا أنا سمعنا وسمع
غيرنا بهذا لما كنا نصدق أن ولداً يرفع يده على أبيه أو أمه .

ولربما سمعتم بمن وصل به العقوق إلى أن يفضل زوجته على أبيه أو أمه ولربما بلغ به
الضيق بهما على كبرهما بأن يدخلهما دار العجزة والمسنين وربما أدخلهما إلى
المستشفى للعلاج ثم لم يرجع إليهما كما قد سمعنا ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله
فأي خير يرجوه في الدنيا والآخرة هذا الابن العاق لوالديه ووالله إن مثل هذا لا يفلح فهو
معرَّض لعقوبة الله تعالى له في دنياه قبل أخراه فيبتليه بالمصائب في حياته ويعجل له
العقوبة فلا يموت إلا وهو قد لقي نتيجة عقوقه وهذا مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه
وسلم "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي
الْآخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ "

ومع كثرة هذه الأحاديث وتتابعها إلا أننا نجد كثيراً من المسلمين هداهم الله للصواب
لا يحسنون بر آبائهم وأمهاتهم بل وللأسف الشديد وما يندى له جبين العاقل الرشيد
يؤذون آباءهم وأمهاتهم ويعقونهم فلا هم أحسنوا إليهم ولا هم كفوا شرهم عنهم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فأي قطيعة للرحم أشد من العقوق وأي بغي أشد من إيذاء الوالدين أو أحدهما والاعتداء
عليهما .فاحذر أيها العاق من عقوبة الله العاجلة لك واحذر مكره بك ولا تغتر بقوتك وشبابك
مقابل ضعفهما وقلة حيلتهما فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .

اسأل الله الكريم أن يرزقني وإياكم بر الوالدين، وأن يبعدني وإياكم عن عقوقهما
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

د/ أحمد بن عمر بازمول


تم نقل الموضوع للفائد وربي يوفق الجميع