يحولُ بين الحقّ وأهله من الطّمع. فخرج المنصورُ فَجَلس ناحية من المَسجد وأرسل إلى الرجل يدعوه فصلّى رَكْعتين واستَلم الركن وأَقبل مع الرسول فسلّم عليه بالخلافة فقال المنصورُ: ما الذي سمعتًك تذكُر من ظُهور الفَساد والبغي في الأرض وما الذي يحَول بين الحقّ وأهله من الطّمع فوالله لقد حَشَوْتَ مسامعي ما أرْمَضني. فقال: إنْ أمَنتني يا أميرَ المؤمنين أعلمتك بالأمور من أصولها وإلاّ احتجرتُ منك واقتصرتُ على نفسي فلي فيها شاغِل. قال: فأنتَ آمنٌ على نفسك فقُل. فقال: يا أميرَ المؤمنين إنَّ الذي دخله الطمعُ وحال بينه وبين ما ظَهر في الأرض من الفساد والبغي لأنت فقال: فكيف ذلك وَيْحك! يَدْخلُني الطمع والصفراء والبَيضاء في قَبْضتي والحًلْو والحامض عندي قال: وهل دَخل أحدٌ من الطمع ما دَخلك إنَّ الله استرْعاك أمرَ عِباده وأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجَمْع أموالهم وجعلتَ بينك وبينهم حجاباً من الجَصّ والآجُرّ وأبواباً من الحديد وحًرّاساً معهم السّلاح ثم سجنتَ نفسك عنهم فيها وبَعثتَ عُمَّالك في جباياتِ الأموال وجَمْعها " وقوّيتهم بالرجال والسلاح والكُراع " وأَمرت أن لا يدخل عليك أحدٌ من الرجال إلا فلانٌ وفلانٌ نفراً سميتهم ولم تَأْمر بإيصال المَظلوم ولا الملْهوف ولا الجائع العارِي " ولا الضَّعيف الفقير " إليك ولا أحدٌ إلا وله في هذا المال حقّ فلما رآك هؤلاء النفرُ الذين استَخْلصتهم لنفسك وآثرتَهم على رعيّتك وأمرِتَ أن لا يُحجبوا دونك تَجْبي الأموالَ وتَجمعها قالوا: هذا قد خان الله فما لنا لا نخونه فإئتمروا أنْ لا يصلَ إليك من عِلْم أخبار الناس شْيءٌ إلا ما أرادوا ولا يَخْرُجَ لك عاملٌ " فيُخالفَ أمرهم " إلا خَوّنوه عندك ونفَوْه حتى تسقطَ منزلتُه فلما انتشر ذلك عنك وعَنهم أَعْظَمهم الناسُ وهابوهم وصانَعُوهم فكان أولَ من صانَعهم عُمّالُك بالهدايا والأموال لِيَقْووا بها على ظُلم رعيّتك ثم فعل ذلك ذوو المقْدرة والثروة من رعيّتك لينالوا ظُلْم مَن دونهم فامتلأت بلادُ الله بالطّمع ظُلْماً وبَغْياً وفساداً وصار هؤلاء القومُ شركاءك في سُلْطانك وأنت غافل فإن جاء مُتظلِّم حِيل بينك وبينه. فإنْ أراد رَفْع قِصّته إليك عند ظُهورك وَجدك قد نَهَيْت عن ذلك ووقفت للناس رجلاً يَنْظر في مَظالمهم فإن جاء ذلك المتظلِّم فبَلغ بطانتَك خبرُه سألوِا صاحبَ المظالم أن لا يَرْفع مَظلَمتَه إليك " فإن المتظلَّم منه له بهم حُرْمة فأجابهم خوفاَ منهم " فلا يَزال المظلوِمُ يَختلف إليه ويَلُوذ به ويَشْكو ويَسْتغيث وهو يَدْفعه فإذا أجْهد وأحْرج ثم ظَهرْت صَرخ بين يديك فيُضرب ضرباً مُبرِّحاً يكون نَكالاً لغيره وأنت تَنظر فما تُنْكِر فما بَقاء الإسلام " على هذا " وقد كنتُ يا أمير المؤمنين أًسافر إلى الصِّين فقدِمتها مرَّةً وقد أُصيب ملكُها بسَمْعه فَبكى بًكاءَ شديداً فحّثه جُلساؤه على الصَبر فقال أما إني لستُ أَبكي للبليّة النازٍلة بي ولكني أبْكي لمظلوم يصرُخ بالباب فلا أَسمع صوتَه. ثم قال: أمَا إذ قد ذهب سَمْعي فإنّ بَصري لم يَذْهب نادُوا في النّاس أن لا يَلْبس ثوباً أحمرَ إلا مُتظلِّم. ثم كان يركب الفيلَ طَرَفي النهار وينظُر هل يَرى مظلوماً. فهذا يا أمير المؤمنين مُشرك بالله بلغتْ رأفته بالمُشركين هذا المبلغ وأنت مُؤمن بالله من أهل بيت نبيّه لا تَغْلبك رأفتك بالمُسلمين على شُحّ نفسك فإن كنتَ إنما تَجمع المال لولدك فقد أراك الله عِبَراً في الطِّفل يَسقط من بَطن أمه مالَه على الأرض مال وما من مال إلا ودونه يدٌ شَحيحة تَحْويه فما يَزال الله يلطف بذلك الطفل حتى تعْظُم رغبة الناس إليه ولستَ الذي تُعطي بل الله الذي يعطيِ من يشاء ما يشاء
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 14 (0 من الأعضاء و 14 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)