المبادرة بالعمل الصالح ‏

قال الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ وَسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم وجَنة ‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ والسَّابِقُونَ السَّابِقونَ أُولئك المُقرًبًون ‏"‏‏.‏ وقال الحسن‏:‏ بادروا بالعمل الصالح قبل حُلول الأجل فإنّ لكم ما أَمضيتم لا ما أَبْقَيتم‏.‏ وقالوا‏:‏ ثلاثة لا أناة فيهن‏:‏ المُبادرة بالعمل الصالح ودفْن الميّت وإنكاح الكُفء‏.‏ وقال النبي ‏:‏ ابن آدم اْغتنم خمَساً قبل خَمْس‏:‏ شبابك قبل هَرَمك وصِحَّتك قبل سَقَمك وفَراغك قبل شُغلك وحياتَك قبل مَوْتِك وغِناك قبل فَقْرِك‏.‏ وقال الحسن‏:‏ ‏"‏ ابن آدم ‏"‏ صُمْ قبل أن لا تَقْدر على يومٍ تَصُومه كأنك إذا ظَمِئْت لمَ تَكُن رَوِيت وكأنك إذا رَوِيتْ لم تكن ظَمِئت‏.‏ وكان يزيد الرَّقاشيّ يقول‏:‏ يا يزيدُ مَن يَصُوم عنك أو يُصَلِّي لك أو يَتَرَضىَّ لك ربك إذا مِتّ وكان خالدُ بن مَعْدان يقول‏:‏ إذا أنتَ لم تَزْرَع وأَبصرْتَ حاصداً نَدِمْتَ عَلَى التَّفْريط في زَمن البَذْرِ وقال ابن المُبارك‏:‏ رَكِبْتُ مع محمد بن النَّضْر في سفينة فقلتُ‏:‏ بأي شيء أَسْتَخْرِج منه الكلامَ فقلتُ له‏:‏ ما تقول في الصَّوم في السفر فقال‏:‏ إنما هي المبادرة يا بن أخي‏.‏ فجاءني والله بفُتْيا غير فُتْيا إبراهيم والشعبي‏.‏ ومن قولنا في هذا المعنى‏:‏ بادرْ إلى التَّوْبِة الخَلْصَاء مُجْتهداً والموتُ وَيْحك لم يَمْدًد إليك يَدَا وأرقبْ من الله وَعْداً لَيْسَ يُخْلِفُه لا بُدَّ لله من إنجاز ما وَعَدَا وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصحابه‏:‏ فيم أنتم قالوا‏:‏ نَرْجُو ونَخاف قال‏:‏ مَن رجا شيئاً طَلَبَه ومن خافَ شيئاً هَرَب منه‏.‏ تَرْجُو النَّجَاةَ وَلم تَسْلُك مَسَالكها إنّ السَّفِينَةَ لا تَجْرِي عَلَى اليَبس وقال آخر‏:‏ اعمل وأنتَ من الدُنيا على حَذَر وآعلم بأنكَ بعد المَوْت مَبْعُوثُ واعلم بأنك ما قَدَمْت من عَمَل يُحْصىَ عَليك وما خَلَّفْتَ مَوْرُوث وقَدَّمَت عائشةُ رضي الله عنها إلى النبي صَحْفَة فيها خُبز شَعِير وقطعة من كَرش وقالت‏:‏ يا رسولَ الله ذَبَحْنا اليوم شاةً فما أَمسكنا منها غيرَ هذا فقال‏:‏ بل كلًّها أمسكتم غير هذا‏.‏ العجز عن العمل قال رجلٌ لمُؤرِّق العِجْلي‏:‏ أشكُو إليك نفسي إنها لا تُريد الصلاة ولا تَسْتَطيع الصبرَ على الصّيام قال‏:‏ بئس الثناء أثنيت به على نفسك فإذا ضعًفَت عن الخير فاضْعُف عن الشرّ فإنّ الشاعر قال‏:‏ احْزَنْ عَلى أَنكَ لا تَحْزَنُ ولا تُسئ إن كُنْتَ لا تُحْسِنُ واضعُفْ عن الشر كما تدَعى ضَعْفاً عن الخير وقد يُمْكِنُ وقال بكرُ بن عبد الله‏:‏ اجتهدوا في العملِ فإن قَصرًّ بكمِ ضْعْفٌ فأمسكوا عن المعاصي‏.‏ وقال الحسنُ رحمه الله‏:‏ من كان قوياً فَلْيعتمد على قُوته في طاعة الله ومَن كان ضعيفاً فلْيَكُفّ عن معاصي الله‏.‏ وقال عليُ ‏"‏ بن أبي طالب عليه السلام ‏"‏‏:‏ لا تَكُنْ كمن يَعْجِزُ عن شُكر ما أُوِتي ويَبْتَغي الزيادة فيما بَقى وينْهَى الناسَ ولا ينتهي‏.‏ وكان الحسنُ إذا وَعظ يقول‏:‏ يا لها موعظةً لو صادفت من القلوب حياةً أَسْمَع حَسِيساً ولا أَرَى أنيساً ما لهم تَفاقدوا عقولَهم فَرَاش نار وذُباب طَمَع‏.‏ وكان ابن السمّاك إذا فَرَغ من مَوْعظته يقول‏:‏ أَلْسِنَة تَصِف وقلوب تَعْرف وأعمال تخالِف‏.‏ وقال‏:‏ الحسنة نورٌ في القَلْب وقُوَّة وقال بعض الحُكماءِ‏:‏ يا أيُّها المشيَخَة الذين لم يَتْرًكوا الذنوب حتى تَرَكتْهُم الذُّنوب ثمّ ظَنُّوا أنّ تَرْكها لهم توبة وليتهم إذ ذهبتْ عنهم لم يَتَمَنَوا عَوْدَها إليهم‏.‏ وكان مالكُ بن دينار يقول‏:‏ ما أشدَّ فِطَامَ الكبير ويُنشد‏:‏ وتَرُوض عِرْسَك بعدما هَرِمَت ومن العَناء رياضة الهَرِم ومن حديث محمد بن وَضّاح قال‏:‏ إذا بلغَ الرجلُ أربعين سنة ولم يَتُب مَسح إبليسُ بيده على وجهه وقال‏:‏ بِأَبي وَجْهٌ لا أفْلَح أبداً‏.‏ قال الشاعر‏:‏ فإذا رأى إبليسُ غُرَّةَ وَجْهِه حَيا وقال فَديتُ من لا يُفْلِحُ وقال رجل للحسن‏:‏ أبا سعيد أردتُ أن أُصَلِّي فلم أستطع قال‏:‏ قَيَّدَتْكَ ذنوبك‏.‏ قولهم في الموت قال النبي لعمر بن الخطّاب رضوانُ الله عليه‏:‏ ما عندك من ذِكر الموت أبا حَفْص قال‏:‏ أُمْسي فما أرى أنّي أُصْبح وأُصبحِ فما أَرَى أني أُمْسي قال‏:‏ الأمر أَوْشك من ذلك أبا حَفْص أما إنّه يَخرُج عنّي نفسي فما أَرَى أنه يعود إليّ‏.‏ وقال عبد بن شَدَّاد‏:‏ أرى داعي الموت لا يُقْلِع و ‏"‏ أرى ‏"‏ مَن مَضى لا يَرْجع ومن بَقي فإليه يَنْزع‏.‏ وقال الحسن‏:‏ ابن آدم إنما أنت عَدَد فإذَا مضى يومُك فقد مَضى بعضُك‏.‏ وقال أبو العتاهية‏:‏ الناس في غَفَلاتهمِ ورَحى المَنية تَطْحَنُ وقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ مَن أكثر من ذِكر الموت اكتفي باليسير ومَنْ عَلِم أَنّ الكلام عمل قلِّ كلامُه إلاّ فيما يَنفع‏.‏ وكان أبو الدَّرداء إذا رأى جِنَازة قال‏:‏ اغدي فإنا رائحون أو روحي فإنا غادون‏.‏ وقال رجل للحسن‏:‏ مات فلانٌ فجأة فقال‏:‏ لو لم يَمُتْ فجأةً لَمَرِض فجأة ثم مات‏.‏ وقال يعقوب صلواتُ الله عليه للبَشِير الذي أتاه بقمِيص يوسف‏:‏ ما أَدْرِي ما أُثيبك به ولكن هوَن الله عليك سكراتِ الموت‏.‏ وقال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ لقد جَلستُ إلى جَرِير وهو يُملي على كاتبه‏:‏ وَدِّعْ أُمَامَةَ حَان منك رَحِيلُ ثم طلعت جِنَازَةٌ فَأمْسك وقال‏:‏ شَيَّبَتْني هذه الجنائز قلت‏:‏ فَلِم تَسُبّ الناسَ قال‏:‏ يَبْدَءوني ثم لا أعفو وأَعْتدي ولا أَبْتَدي‏.‏ ثم أنشد يقول‏:‏ تُرَوِّعنا الجنائزُ مُقْبِلات فَنَلْهُو حين تذْهبُ مُدْبراتِ كَرَوْعَة هَجْمَةٍ لمُغار سَبْعِ فلما غابَ عادتْ راتعات وقالوا‏:‏ مَن جعل الموتَ بين عَيْنيه لَهَا عما في يَدَيه‏.‏ وقالوا‏:‏ اتخذ نوحٌ بيتاً من خُصّ فقيل له‏:‏ لو بَنيتَ ما هو أحسن من هذا قال‏:‏ هذا كثيرٌ لمَن يموت‏.‏ وأحكم بيتٍ قالْته العربُ في وَصْف الموت بيتُ أُمية بن أبي الصَّلت حيث يقول‏:‏ يُوشِك مَنْ فَر مِنْ مِنيَّته في بَعْض غِراته يُوَافِقُهَا مَنْ لم يمُتْ غَبْطَةً يَمُت هَرَماً للموت كأسٌ والمرء ذائقها وقال إصْبَغ بن الفَرَج‏:‏ كان بنَجْران عابد يَصِيح في كلِّ يوم صَيحتين بهذه الأبيات‏:‏ قَطَعَ البقاء مَطالعُ الشمسِ