عُثمان بنَ محمد بن سُفيان جالساً فأَخذ بيده ودخل على مُعاوية وهو يجود بنفسه فكلَّمه يزيدُ فلم يُكلِّمه فبكى يزيدُ وتَضَوَّر مُعاوية ساعةً ثم قال: أي بُنى إنّ أعظم ما أخافُ الله فيه ما كنتُ أصنع لك. يا بني إني خَرجْتُ مع رسول الله فكان إذا مضى لحاجته وتوضأ أصبّ الماء على يَدَيه فنَظَر إلى قميص لي قد انخرِق من عاتقي فقال لي: يا مُعاوية: ألا أكسُوك قميصاً قُلت: بلى فكَساني قميصاً لم ألبَسْه إلا لَبْسَةً واحدة وهو عندي واجتز ذات يوم فأخذتُ جُزازة شَعرِه وقُلامَة أظفاره فجعلتُ ذلك في قارُورة فإذا مِتِّ يا بُني فاغْسِلْني ثم اجعل ذلك الشّعر والأظفار في عَيْنَيَّ ومِنْخَري وفميِ ثم اجعل قميص رسول الله شِعَاراً من تحت كَفَني إن نَفَع شيء نفع هذا. لما احتُضِر عمرو بن العاص جمع بَنِيه فقال: يا بَني ما تغنون عني من أمر الله شيئاً قالوا: يا أبانا إنه الموت ولو كان غيرُه لَوَقَيْناكَ بأنفسنا فقال: أَسْنِدُوني فأسْنَدوه. ثم قال: اللهم إنك أمرتني فلم أأْتمر وزَجَرتني فلم أَزْدَجِر اللهم لا قَوِي فأنتصر ولا بَريء فأعتذر ولا مُسْتكبر بل مُسْتغفر أستغفرك وأتوب إليك لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين. فلم يَزَل يُكَرِّرها حتى مات. قال: وأخبرنا رجالٌ من أهل المدينة أنَّ عمرو بن العاص قال لبنيه عند موته: إنيِّ لستُ في الشرِّك الذي لو مِتُّ عليه أدْخِلْتُ النار ولا في الإسلام الذي لو مِتُّ عليْه أدخِلت الجنَة فمهما قَصَرْتُ فيه فإنِّي مُستَمْسِك بلا إله إلا اللهّ وقَبَض عليها يده وقُبض لوقته. فكانت يده تفْتَح تترَك فَتَنْقَبض. وقال لبَنِيه: إنْ أنا مِتُّ فلا تَبْكوا عليّ ولا يتبعني مادح ولا نائحٌ وشًنُّوا عليِّ التراب شَنًّا فليس جَنْبي الأيمن أولى بالتراب من الأيسر ولا تجعلوا في قَبري خَشبةً ولا حَجَراً وإذا وارَيْتموني فاقعدوا عند قَبري قَدْرَ نَحْر جَزُور وَتَفْصِيلها أسْتَأنس بكم. ===الجزع من الموت === الفُضَيل بن عِيَاض قال: ما جَزع أحدٌ من أصحابنا عند الموت ما جزع سُفْيان الثوريّ فقلنا: يا أبا عبد الله ما هذا الجَزَع أليس تَذْهَب إلى من عَبَدْته وفَرَرْت ببدنك إليه فقال: ويحكم! إني أسْلُك طريقاً لم أعرفه وأقْدم علِى ربٍّ لِم أره. ولما تُوُفِّي سعيدُ بن أبي الحسن وجد عليه أخوه الحسن وَجْداً شديداً فكُلِّم في ذلك فقال: ما رأيتُ الله جعل الحُزن عاراً على يَعْقوب. وقال صالح المًرِّي: دخلتُ على الحسن وهو في الموت وهو يُكثِر الاسترجاعَ فقال له ابنه: أمثْلك يَسترجع على الدنيا قال: يا بُني ما أسْتَرجع إلا على نفسي التي لم أُصَب بمثلها قَطًّ. ولما أمر معاوية بقتل حجْر بن الأدْبَر وأصحابه بَعث إليهم أكفانهمِ وأمر بأن تُفْتح قبورهم ويُقْتلوا عليها. فلما قُدِّم حُجْر بن الأدبر إلى السيف جزعِ جزَعاً شديداً فقيل له: أمثلُك يَجزعٍ من الموت فقال: وكيف لا أجزع وأرى سيفاً مشهوراً وكفناً منشوراً وقَبْراً مَحفوراً.
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)