رأيت أشدَّ كَمَداً من آمرأة من بني شَيبان قُتِل ابنها وأبوها وزَوجُها وأمّها وعَمَّتها وخالتُها معِ الضَّحّاك الحَرُورِيّ فما رأيتُها قطُّ ضاحكةً ولا مُتَبَسِّمَةَ حتى فارقت الدنيا وقالت ترثيهم‏:‏ مَنْ لِقَلْبٍ شَفَّه الحَزَنُ ولنَفْس ما لها سَكَن مَعْشر قضَوْا نُحوبهم كل ما قد قدَّموا حَسَن صَبَرُوا عند السّيُوف فلم يَنْكلُوا عنها ولا جَبُنُوا فِتْيةٌ باعُوا نًفوسَهُم لا وَرَبِّ البَيْتِ ما غُبِنُوا فأصاب القومُ ما طَلَبوا مِنَّةً ما بعدها مِنَن وقال عبدُ الله بن ثَعلبة يَرْثي ولداً له‏:‏ أأخْضِب رَأسي أم أطَيِّبُ مَفْرِقي ورَأْسُك مَرْموسٌ وأنتَ سلِيبُ نَسِيبُك من أمْسى يُناجِيك طَرْفُه وليس لمن تحت التراب نَسِيب غَرِيبٌ وأطْرافُ البُيوت تُكِنّه ألاَ كلّ مَن تحت التراب غريب قال العُتْبِيّ - محمدُ بن عُبيد الله - يرثِي ابنا له‏:‏ أَضْحَتْ بخدي للدُّموع رُسُومُ أسَفاً عليك وفي الفؤاد كُلُومُ والصَّبْر يُحمد في المَوَاطن كلِّها إلاّ عليك فإنّه مَذْمُوم خَرج أعرابيّ هارباً من الطاعون فبينما هو سائر إذْ لدغته أفعَى فمات فقال أبوه يَرْثيه‏:‏ طافَ يَبْغِي نَجْوَة مِنْ هَلاَكٍ فَهَلَكْ كلُّ شيءٍ قاتِلٌ حين تَلْقى أجلَك لما قَتل عبد الله المأمون أخاه محمدَ بنَ زبيدة أرسلت أمه زُبيدة بنت جَعْفر إلى أبي العَتاهية أن يقول أبياتاً على لسانها للمأمون فقال‏:‏ ألا إن رَيْبَ الدّهر يُدْنىِ ويًبْعِد وللدَّهْرِ أيَّام تُذَمّ وتُحْمَدُ أَقول لرَحيب الدَّهر إن ذَهبتْ يدٌ فقد بَقِيتْ والحمدُ للهّ لِي يَد إذا بَقِيَ المأمونُ لِي فالرَّشِيدُ لِي وليِ جَعْفَرٌ لم يَهْلِكَا ومحمّد وكَتبت إليه من قوله‏:‏ لخير إمام مِن خَير مَعْشَر وأكرم بَسَّام على عُودِ مِنْبَرِ كَتبتُ وَعينىِ تستهلُّ دُموعُها إليْك ابن يَعْلي من دمُوعي ومحْجري فُجِعْنا بأدنىَ الناس مِنك قَرَابةً ومَن زلَّ عن كِبْدي فقَلّ تَصبُّري أتىَ طاهرٌ لا طهَّر الله طاهراً وما طاهرٌ في فِعْله بمُطَهَّر فأبْرزَني مَكْشوفَة الوَجْه حاسِراً وأنْهَب أمْوالِي وخَرَّب أدْوُرِي وعَزَّ على هارونَ ما قد لَقِيتُه وما نابني مِن ناقِص الخَلْق أعْوَرِ ذلك الوقت وقَبِلتْ منه ما وجّه ‏"‏ به ‏"‏ إليها‏.‏ فلما صارتْ إليه بعد ذلك قال لها‏:‏ مَن قائل الأبيات قالت‏:‏ أبو العَتاهية قال‏:‏ وبكم أمرْتِ له فقالت‏:‏ بعشرين ألفَ دِرْهم قال المأمون‏:‏ وقد أمرنا له بمثل ذلك‏.‏ واعتذر إليها من قَتْل أخيه محمد وقال ‏"‏ لها ‏"‏‏:‏ لستُ صاحبَه ولا قاتِلَه‏.‏ فقالت‏:‏ يا أميرَ المؤمنين إنّ لكما يوماً تَجْتمعان فيه وأرْجو أنْ يَغْفِر اللهّ لكما إن شاء الله‏.‏ أبُو شَأس يَرثي ابنه شأسا‏:‏ ورَبيَّتُ شأساً لِرَيْب الزمان فلله تَرْبيتي والنَّصبْ فلَيتَك يا شأسُ فيمن بَقِي وكنتُ مكانَك فيمنْ ذَهَب ‏"‏ من رثى إخوته الرِّياشي قال‏:‏ صَلَّى مُتَمِّم بن نوَيْرة الصُّبح مع أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله تعالى عنه ثم أنشد‏:‏ نِعْم القَتِيلُ - إذا الرِّياحُ تَنَاوَحَتْ بين البيُوت - قَتَلْت يا بنَ الأزْور أدعَوْتَه بالله - ثم قَتَلْتَه لو هو دَعاكَ بِذِمَّة لم يَغْدِر لا يُضْمِر الفَحْشاءَ تحت رِدَائه حلْوٌ شمائلُه عَفِيفٌ المِئزَر قال‏:‏ ثمّ بكى حتى سالت عَينُه العَوْراء‏.‏ قال أبو بَكر‏:‏ مَا دعوتُه ولا قتلتُه‏.‏ وقال مُتَمِّم‏:‏ ومُسْتَضْحِكٍ منّي أدّعى كَمصيبتي وليس أخو الشَّجْو الحَزِين بضاحكِ يَقُول أتَبكي مِن قُبُور رأيتَها لِقَبْر بأطْراف المَلاَ فالدَّكادك فقلتُ له إنّ الأسى يَبْعَث الأسىَ فَدَعني فَهذِي كلُّها قَبْرُ مالك وقال مُتَمّم يَرْثي أخاه مالكاً وهي التي تُسمَّى أمَّ المَراثي‏:‏ لَعَمْرِي وما دَهْرِي بتأبين هالكٍ ولا جَزَع ممّا أَلمّ فَأوْجَعَا لقد غَيَّب اْلمِنْهَالُ تحت رِدَائه فَتىً غَيرَ مبطَانِ العَشِيّات أَرْوعَا تَراه كنَصْل السّيف يهتز للنَّدَى إذا لم تَجد عند امرىء السَّوء مَطْمَعا فَعَيْنىّ هلا تَبْكيان لمالكٍ إذا هَزَّت الرِّيحْ الكَنِيفَ المُرفَّعا وأرملَة تَمْشي بأَشْعَثَ مُحْثَل كَفَرْخ الحُبَاري ريشهُ قد تَمَزَّعا وما كان وَقّافا إذا الْخَيْل