العزيز رضي اللهّ عنه‏:‏ قد غَيّب الدَّافنون اللحدَ إذ دَفَنُوا بدَيْرِ سِمْعان قِسْطاس المَوازينِ من لم يَكُنْ همُّه عَيْنًا يُفجِّرها ولا النَخيلَ ولا رَكْضَ البَراذِين ظَلُّوا على قَبْره يَسْتغْفِرون له وقد يَقُولون ثاراتٍ لنا العبَرُ يُقَبِّلون تُرابا فوق أعْظُمه كما يُقَبًل في المَحجُوجة الحَجَر لله أرضٌ أجَنَّته ضَريحتُها وكيف يُدْفن في المَلْحُودة القَمَر إنّ المَنابر لا تَعْتاض عن مَلِك إليه يشخصُ فوق المِنْبر البَصر وقال جريرٌ يرثي عمرَ بنَ عبد العزيز‏:‏ يَنْعَى النُّعاة أميرَ المُؤمنين لنَا يا خير منْ حَجّ بيتَ الله واعتمرا حُمِّلتَ أمراً عظيماً فاصْطَبرتَ له وقُمْتَ فيه بأمْرِ اللهّ يا عُمَرا فالشمسُ طالعةٌ ليستْ بكاسفةٍ تَبْكي عليك نُجوم الليل والقمرا وقال جرير يَرْثي الوليدَ بن عبد الملك‏:‏ إنّ الخَلِيفة قد وَارَتْ شمائلَه غَبْراءُ مَلْحُودةٌ في جُولها زَوَرُ أمْسى بنو وقد جَلَّت مُصِيبتهم مثلَ النُجُوم هَوَى من بينها القَمَر كانوا جَميعاً فلم يَدْفَع مَنَّيتَه عبدُ العزيز ولا روْحٌ ولا عُمَر وقال غيره يرثي قَيْس بن عاصم المنقريّ‏:‏ فما كان قيسٌ هُلْكُه هُلْكُ واحدٍ ولكنّه بُنْيان قَوْم تَهدَّما وقال أبو عَطَاء السِّنْدي يَرْثي يزيد بن عمر بن هُبَيرة لما قُتل بوَاسط‏:‏ ألا إنّ عيناً لم تجُد يومَ واسطٍ عليكَ بِجَارِي دمْعِها لَجَمُودُ عَشِيّةَ راحَ الدَّافِنُون وشُقِّقتْ جُيوب بأيدي مأتم وخُدود فإن تك مَهْجُورَ الفِناء فربما أقام به بعد الوُفود وُفود وإنك لم تَبْعد على متعهِّد بَلى إنّ مَن تحت التراب بَعيد وقال منصور النَّمري يَرْثي يزيد بن مَزْيد‏:‏ مَتى يَبْرُد الحُزْن الذي في فُؤاديا أبا خالدٍ من بعد أن لا تَلاَقِيَا أبا خالدٍ ما كان أدهَى مُصِيبةً أصابت مَعدًا يومَ أصْبَحْت ثاويا لَعَمْرِي لئن سُرّ الأعادي وأظهَروا شَمَاتاً لقد سُّرُوا برَبْعِكَ خالِيا وأوْتار أقْوَام لَدَيْكَ لَوَيْتَها وزُرْتَ بها الأجْداثَ وهِي كما هيا نُعَزِّي أميرً المؤمنين ورَهْطَه بسَيْفٍ لهم ما كان في الحَرْب نابيا على مِثْل ما لاقَى يزيدُ بن مَزْيد عليه المَنايا فالْقَ إن كنْتَ لاقِيا سأبكيكَ ما فاضت دموعي فإن تَغِضْ فَحَسْبُكَ منّي ما تّجنّ الجَوانِحُ كأن لم يَمُتْ حَيٌّ سِواك ولم تَقُم على أحدٍ إلا عليكً النَّوائح لئن حَسُنت فيك المَرَاثي وذِكْرُها لقد حَسُنَت من قبلُ فيك المَدَائحُ فما أنا مِن رُزْءٍ وإنْ جلَّ جازعٌ ولا بسُرورٍ بعد مَوْتك فارِح وقال زِياد الأعجم يرثي المُغيرة بن المهلًب‏:‏ إنَ الشَّجاعهَ والسَّماحةَ ضُمَنا قَبْرًا بِمَرْوَ على الطَّريق الواضِح فإذا مَرَرْتَ بقبره فاعقرْ به كُومَ الهِجَان وكل طِرْفٍ سابح ‏"‏ وانضح جوانبَ قَبْره بدمائها فلقد يكون أخا دَم وذَبائح ‏"‏ والآن لما كنْتَ أكملَ مَنْ مَشىَ وافتر نابُكَ عن شَبًاةِ القارِح وتَكامَلَت فيك المروءةُ كلُّها وَأعَنْتَ ذلك بالفَعَال الصَالح للمهلًبي من مَرْثيته للمتوكل‏:‏ لا حُزْنَ إلا أراه دُونَ ما أَجدُ وهَلْ كمن فَقَدَتْ عَيْناي مَفتَقَدُ لا يَبْعدَنْ هالكٌ كانت مَنِيته كما هَوَى من غِطاء الزُّبْية الأسد هلاَّ أَتَتْهُ أعاديه مُجاهرةً والحَربُ تَسْعَر والأبطال تَجْتلد فخَر فوق سرَير المُلْكِ مُنْجدلاً لم يَحْمه مُلكُه لما آنقضىَ الأمد قد كان أنصارُه يَحْمُون حَوْزتَه وللردىَ دون أرْصاد الفَتَى رَصَد وأصْبَح الناس فَوْضىَ يَعْجَبون له لَيثاً صريعاً تَنَزَّى حوله النَّقَد علَتْكَ أسيافُ من لا دونه أحدٌ وليسَ فوقك إلا الواحد الصمد جاءُوا عظيماً لدُنيا يَسْعدون بها فقد شَقُوا بالذي جاءُوا وما سَعِدوا ضَجَّت نِساؤًك بعد العزَ حين رأتْ خدًّا كريماً عليه قارِت جَسِد أضحى شهيدُ بني العبّاس مَوْعِظةً لكلّ ذي عِزّة في رأسه صَيَد خَليفةٌ لم ينل ما ناله أحدٌ ولم يكن مثله رُوِح ولا جَسَد كم في أديمك من فَوْهاء هادرة من الجَوَائف يَغْلى فوقها الزَّبَد إذا بَكيتُ فإنّ الدمع مُنْهملٌ وإن رَثيتُ فإنَ القولَ مُطَرد قد كنتُ أسرف في مالي ويُخْلِف لي فعلَّمتْني الليالي كيف أقْتَصِد ‏"‏ إذا قُرَيْشَ أرادوا شَدِّ مُلكهمُ بغير قَحْطان لم يَبْرَح به أوَد ‏"‏ من الألى وَهَبوا للمَجد أنْفًسَم فما يبالون ما نَالوا إذا حُمدوا قد وتُر الناسُ طرًّا ثم صَمَتُوا حتى كأنَّ الذي يَبْلونه رَشَد وقال آخر‏:‏ وِفتًى كأنّ جَبينَه بَدْرُ الدُّجا قامت عليه نَوَادِبٌ ورَوَامِس غرَسَ الفَسِيلَ مُؤَمّلاً لِبَقائه فنَما الفَسِيلُ ومات عنه الغارس وقال الأسود بن يَعْفُر‏.‏ ماذا أؤَمِّلُ بعد آل مُحَرق تَرَكُوا منازلَهم وبَعد إيَادِ أهل الخَوَرْنَقِ والسَّدير وبارقٍ والقَصْر ذي الشّرفات مِن سِنْداد نَزَلوا بأَنقِرة يَسِيلُ عليهمُ ماءُ الفرات يَجىء مِن أطواد جَرَت الرِّياحُ على محلِّ دِيارهم فكأنما كانوا عَلَى مِيعاد ولقد غَنُوا فيها بأنعِم عِيشةٍ في ظِل مُلْكٍ ثابتِ الأوتاد وإذا النَّعيم وكلًّ ما يلْهَى به يوماَ يصِيرُ إلى بِلًى ونَفَاد يا حار ما طَلَعت شمسٌ ولا غَرَبتْ إلا تُقَرَبُ آجالا لميعاد هل نحن إلا كأرْواح يُمر بها تحت التراب وأجسادٌ كأجساد لما مات أسماء بن خارجة الفَزَاري قال الحجاج‏:‏ ذلك رجل عاش ما شاء ومات حين شاء‏.‏ وقال فيه الشاعر‏:‏ إذا مات ابن خارجةَ بنِ زَيْدٍ فلا مَطَرَتْ على الأرض السماءُ ولا جاء البَريدُ بغُنْم جَيْشٍ ولا حُمِلت على الطهر النساء فَيَومٌ منْك خيرٌ من رِجالٍ كثيرٍ عندهم نَعَمٌ وَشَاء وقال مسلم بن الوليد الأنصاري‏:‏ أمَسْعود هل غادَاكَ يومٌ بفَرْحَةٍ وأمْسَيْتَ لم تَعْرِضْ لها التَّرَحَاتُ وهل نحْنُ إلاّ أنفسٌ مُستعارةٌ تَمر بهما الرَّوَحات والغدوات بكيتَ وأَعْطَتْكَ البكاءَ مُصيبة مَضَتْ وَهْيَ فَرد ما لها أخَوَات كأنك فيها لم تَكن تَعْرِفُ العَزَا ولم تَتعمَّد