كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبيد الله بن محفّز، عن أبيه، قال: إني لفي أوائل الجمهور، مدخلهم ساباط ومظلمها، وإني لفي أوائل الجمهور حين عبروا دجلة، ودخلوا المدائن؛ ولقد أصبت بها تمثالا لو قسم في بكر بن وائل لسدّ منهم مسداّ، عليه جوهر، فأدّيته؛ فما لبثنا بالمدائن إلّا قليلا حتى بلغنا أنّ الأعاجم قد جمعت لنا بجلولاء جمعا عظيما، وقدّموا عيالاتهم إلى الجبال، وحبسوا الأموال؛ فبعث إليهم سعد عمرو بن مالك بن عتبة بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وكان جند جلولاء اثنى عشر ألفا من المسلمين، على مقدّمتهم القعقاع بن عمرو، وكان قد خرج فيهم وجوه الناس وفرسانهم؛ فلما مرّوا ببابل مهروذ صالحه دهقانها، على أن يفرش له جريب أرض دراهم؛ ففعل وصالحه. ثم مضى حتى قدم عليهم بجلولاء، فوجدهم قد خندقوا وتحصنوا في خندقهم، ومعهم بيت مالهم، وتواثقوا وتعاهدوا بالنيران ألّا يفرّوا، ونزل المسلمون قريبا منهم، وجعلت الأمداد تقدم على المشركين كلّ يوم من حلوان، وجعل يمدّهم بكلّ من أمدّه من أهل الجبال، واستمدّ المسلمون سعدا فأمدّهم بمائتي فارس، ثم مائتين، ثم مائتين. ولما رأى أهل فارس أمداد المسلمين بادروا بقتال المسلمين. وعلى خيل المسلمين يومئذ طليحة بن فلان، أحد بنى عبد الدار، وعلى خيل الأعاجم خرّ زاذ بن خرّ هرمز - فاقتتلوا قتالا شديدا، لم يقاتلوا المسلمين مثله في موطن من المواطن، حتى أنفذوا النبل؛ وحتى أنفدوا النشّاب، وقصفوا الرماح حتى صاروا إلى السيوف والطّبرزينات. فكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهر؛ ولما حضرت الصلاة صلى الناس إيماء، حتى إذا كان بين الصلاتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها، فأقبل القعقاع بن عمرو على الناس، فقال: أهالتكم هذه؟ قالوا: نعم؛ نحن مكلّون وهم مريحون، والكالّ يخاف العجز إلا أن يعقب؛ فقال: إنا حاملون عليهم ومجادّوهم وغير كافّين ولا مقلعين حتى يحكم الله بيننا وبينهم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى تخالطوهم، ولا يكذبنّ أحد منكم. فحمل فانفرجوا، فما نهنه أحد عن باب الخندق، وألبسهم الليل رواقه، فأخذوا يمنة ويسرة؛ وجاء في الأمداد طليحة وقيس بن المكشوح وعمرو بن معد يكرب وحجر بن عدىّ، فوافقوهم قد تحاجزوا مع الليل، ونادى منادى القعقاع بن عمرو: أين تحاجزون وأميركم في الخندق! فتفارّ المشركون، وحمل المسلمون، فأدخل الخندق، فآتى فسطاطا فيه مرافق وثياب؛ وإذا فرش على إنسان فأنبشه، فإذا امرأة كالغزال في حسن الشمس، فأخذتها وثيابها، فأدّيت الثياب، وطلبت في الجارية حتى صارت إلىّ فاتخذتها أمّ ولد.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن حماد بن فلان البرجمىّ، عن أبيه، أنّ خارجة بن الصلت أصاب يومئذ ناقة من ذهب أو فضة موشحة بالدرّ والياقوت مثل الجفرة إذا وضعت على الأرض، وإذا عليها رجل من ذهب موشّح كذلك، فجاء بها وبه حتّى أدّاهما.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلّب وعمرو وسعيد والوليد بن عبد الله والمجالد وعقبة بن مكرم، قالوا: وأمر هاشم القعقاع بن عمرو بالطلب، فطلبهم حتى بلغ خانقين، ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الجبال، وقدم القعقاع حلوان، وذلك أنّ عمر كان كتب إلى سعد: إن هزم الله الجندين؛ جند مهران وجند الأنطاق، فقدّم القعقاع؛ حتى يكون بين السواد والجبل، على حدّ سوادكم. فنزل القعقاع بحلوان في جند من الأفناء ومن الحمراء، فلم يزل بها إلى أن تحوّل الناس من المدائن إلى الكوفة؛ فلما خرج سعد من المدائن إلى الكوفة لحق به القعقاع؛ واستعمل على الثغر قباذ - وكان من الحمراء، وأصله من خراسان - ونفّل منها من شهدها، وبعض من كان بالمدائن نائيا.
وقالوا - واشتركوا في ذلك: وكتبوا إلى عمر بفتح جلولاء وبنزول القعقاع حلوان واستأذنوه في إتباعهم، فأبى، وقال: لوددت أنّ بين السواد وبين الجبل سداّ لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم؛ حسبنا من الريف السواد، إنىّ آثرت سلامة المسلمين على الأنفال. قالوا: ولما بعث هاشم القعقاع في آثار القوم، أدرك مهران بخانقين، فقتله وأدرك الفيرزان فنزل، وتوقّل في الظراب، وخلّى فرسه، وأصاب القعقاع سبايا، فبعث بهم إلى هاشم من سباياهم، واقتسموهم فيما اقتسموا من الفئ، فاتّخذن، فولدن في المسلمين. وذلك السبي ينسب إلى جلولاء، فيقال: سبي جلولاء. ومن ذلك السبي أم الشعبي، وقعت لرجل من بني عبس، فولدت فمات عنها فخلف عليها شراحيل، فولدت له عامرا، ونشأ في بني عبس.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب، قالوا: واقتسم في جلولاء على كلّ فارس تسعة آلاف، تسعة آلاف؛ وتسعة من الدواب، ورجع هاشم بالأخماس إلى سعد.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: أفاء الله على المسلمين ما كان في عسكرهم بحلولاء وما كان عليهم، وكلّ دابة كانت معهم إلّا اليسير لم يفلتوا بشئ من الأموال، وولى قسم ذلك بين المسلمين سلمان بن ربيعة؛ فكانت إليه يومئذ الأقباض والأقسام، وكانت العرب تسمّيه لذلك سلمان الخيل؛ وذلك أنه كان يقسم لها ويقصّر بما دونها، وكانت العتاق عنده ثلاث طبقات، وبلغ سهم الفارس بجلولاء مثل سهمه بالمدائن.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وعمرو، عن الشعبي، قال: اقتسم الناس فئ جلولاء على ثلاثين ألف ألف، وكان الخمس ستة آلاف ألف.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة ومحمد والمهلب وسعيد، قالوا: ونفّل سعد من أخماس جلولاء من أعظم البلاء ممن شهدها ومن أعظم البلاء ممن كان نائيا بالمدائن، وبعث بالأخماس مع قضاعىّ ابن عمرو الدؤلي من الأذهاب والأوراق والآنية والثياب، وبعث بالسبي مع أبي مفزّر الأسود، فمضيا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن زهرة ومحمد بن عمرو، قالا: بعث الأخماس مع قضامىّ وأبى مفزّر، والحساب مع زياد ابن أبى سفيان، وكان الذي يكتب للناس ويدوّنهم، فلما قدموا على عمر كلم زياد عمر فيما جاء له، ووصف له، فقال عمر: هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل الذي كلمتني به؟ فقال: والله ما على الأرض شخص أهيب في صدري منك، فكيف لا أقوى على هذا من غيرك! فقام بالناس بما أصابوا وبما صنعوا، وبما تستأذنون فيه من الانسياح في البلاد. فقال عمر: هذا الخطيب المصقع، فقال: إنّ جندنا أطلقوا بالفعال لساننا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن زهرة ومحمد، عن أبي سلمة، قال: لما قدم على عمر بالأخماس من جلولاء، قال عمر: والله لا يجنه سقف بيت حتى أقسمه. فبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه في صحن المسجد، فلما أصبح جاء في الناس فكشف عن جلابيبه - وهي الأنطاع - فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى، فقال: عمر: والله ما ذاك يبكيني، وتالله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلّا ألقي بأسهم بينهم. وأشكل على عمر في أخماس القادسيّة حتى خطر عليه ما أفا الله - يعني من الخمس - فوضع ذلك في أهله، فأجرى خمس جلولاء مجرى خمس القادسيّة عن ملإ وتشاور وإجماع من المسلمين، ونفّل من ذلك بعض أهل المدينة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وسعيد وعمرو، قالوا: وجمع سعد من وراء المدائن، وأمر بالإحصاء فوجدهم بضعة وثلاثين ومائة ألف، ووجدهم بضعة وثلاثين ألف أهل بيت، ووجد قسمتهم ثلاثة لكلّ رجل منهم بأهلهم؛ فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن أقرّ الفلاحين على حالهم؛ إلّا من حارب أو هرب منك إلى عدوّك فأدركته، وأجر لهم ما أجريت للفلاحين قبلهم؛ وإذا كتبت إليك في قوم فأجروا أمثالهم مجراهم. فكتب إليه سعد فيمن لم يكن فلاحا فأجابه: أما من سوى الفلّاحين فذاك إليكم ما لم تغنموه - يعني تقتسموه - ومن ترك أرضه من أهل الحرب فخلّاها فهي لكم؛ فإن دعوتموهم وقبلتم منهم الجزاء ورددتموهم قبل قسمتها فذّمة؛ وإن لم تدعوهم ففئ لكم لمن أفاء الله ذلك عليه. وكان أحظى بفئ الأرض أهل جلولاء؛ استأثروا بفئ ما وراء النهروان، وشاركوا الناس فيما كان قبل ذلك، فأقرّوا الفلاحين ودعوا من لجّ، ووضعوا الخراج على الفلاحين وعلى من رجع وقبل الذمة، واستصفوا ما كان لآل كسرى ومن لجّ معهم فيئا لمن أفاء الله عليه، لا يجاز بيع شئ من ذلك فيما بين الجبل إلى الجبل من أرض العرب إلّا من أهله الذين أفاء الله عليهم، ولم يجيزوا بيع ذلك فيما بين الناس - يعني فيمن لم يفئه الله تعالى عليه ممن يعاملهم من لم يفئه الله عز وجل عليه - فأقرّه المسلمون؛ لم يقتمسوه؛ لأن قسمته لم تتأتّ لهم؛ فمن ذلك الآجام ومغيض المياه وما كان لمن قتل، والأرحاء؛ فكان بعض من يرقّ يسأل الولاة قسم ذلك؛ فيمنعهم من ذلك الجمهور، أبوا ذلك، فانتهوا إلى رأيهم ولم يجيبوا، وقالوا: لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لفعلنا؛ ولو كان طلب ذلك منهم عن ملإ لقسمها بينهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة بن الأعلم، عن ماهان، قال: لم يثبت أحد من أهل السواد على العهد فيما بينهم وبين أهل الأيام إلّا أهل قريات، أخذوها عنوة، كلهم نكث؛ ما خلا أولئك القريات، فلما دعوا إلى الرجوع صاروا ذمّة، وعليهم الجزاء، ولهم المنعة، إلا ما كان لآل كسرى ومن معهم، فإنه صافية فيما بين حلوان والعراق؛ وكان عمر قد رضى بالسّواد من الريف.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن ماهان، قال: كتبوا إلى عمر في الصوافى، فكتب إليهم: أن اعمدوا إلى الصوافى التي أصفاكموها الله، فوزّعوها على من أفاءها الله عليه؛ أربعة أخماس للجند، وخمس في مواضعه إلىّ، وإن أحبّوا أن ينزلوها فهو الذي لهم. فلما جعل ذلك إليهم رأوا ألّا يفترقوا في بلاد العجم، وأقرّوها حبيسا لهم يولونها من تراضوا عليه، ثم يقتسمونها في كلّ عام، ولا يولونها إلا من أجمعوا عليه بالرّضا، وكانوا لا يجمعون إلّا على الأمراء، كانوا بذلك في المدائن؛ وفي الكوفة حين تحوّلوا إلى الكوفة.