أَكمَل الناس كمالاً وَحُسْناً فتَزَايدت فيها العَرب والمَوالى وكانت العَرب تَزيد فيها على العَصبيَّة والموالى تزيد فيها على الوَلاء حتى بَلّغتها العربُ عِشرين ألفاً ثم تزايدوا فيها حتى بَلَّغوها تسعين ألفاً فأقبل رجلٌ من الخوارج من عبد القَيْس من خَلْفها بالسيفِ فضرَب عُنقها فأخذوه ورَفَعوه إلى قَطريّ بن الفُجاءة فقالوا‏:‏ يا أمير المُؤمنين إن هذا استهلك تَسْعين ألفاً من بَيْت المال وقَتل أَمَة من إماء المؤمنين فقال له‏:‏ ما تقول قال‏:‏ يا أمير المؤمنين إني رأيتُ هؤلاء الإسماعيلية والإسحاقية‏.‏ قد تنازعوا عليها حتى ارتفعت الأصوات وِاحمرّت الحَدق فلم يَبْق إلاّ الخَبْط بالسّيوف فرأيتُ أَنَّ تسعينَ أَلفاً في جَنب ما خشِيت من الفِتنة بين المسلمين هَيّنة‏.‏ فقال قطريّ‏:‏ خَلُّوا عنه عَينْ من عُيون الله أصابتها‏.‏ قالوا‏:‏ فأَقِدْ منه قال‏:‏ لا أُقيد من وَزَعَة الله ثم قَدِم هذا العَبْديّ بعد ذلك البَصرةَ وأتى المُنذَر بن الجارود قال أبو عُبيدة‏:‏ مَرّ عبد الله بن الأهتم بقوم من الموالي وهم يتذاكرون النَّحو فقال‏:‏ لئن أصلحتموه إنَّكم لأولُ مَنْ أفسده‏.‏ قال أبو عُبيدة‏:‏ ليته سَمِع لحن صَفْوان وحاقان ومُؤمّل بن خاقان‏.‏ الأصمعيّ قال‏:‏ قَدِمَ أبو مَهْدِيَّة الأعرابي من البادية فقال له رجل‏:‏ أبا مَهْدِية أتَتَوضأون بالبادية قال‏:‏ والله يا بن أخي لقد كُنّا نتوضأ فيكفينا التَّوضُّؤ الواحد الثلاثة الأيام والأربعة حتى دخلت علينا هذه الحمراء يعني المَوَالي فَجَعَلت تًلِيق أَستاهها بالماء كما تُلاق الدَّوَاة‏.‏ ونظرَ رجلٌ من الأعراب إلى رجل من الموالي يَسْتَنْجي بماء كثير فقال له‏:‏ إلى كَم تَغْسِلها ويلك‏!‏ أَتُريد أن تَشْرَب بها سَوِيقاً وكان عَقِيل بن عُلَّفة المريَّ أشدَّ الناس حَمِيَّة في العرب وكان ساكناً في البادية وكان يصْهِر إليه الخلفاء‏.‏ وقال لعبد الملك بن مَرْوَان إذ خطب إليه ابنته الجَرْباء‏:‏ جَنِّبْني هُجْناء وَلدك‏.‏ وهو القائل‏:‏ كُنَّا بني غَيْظٍ رجالاً فأَصْبَحت بنو مالك غَيْظاً وصِرْنا لمالك لحَى اللَهُ دهراً ذَعْذَعَ المال كُلَّه وسوَّدَ أَشْباه الإماء العَوَارك وقال ابن أبي لَيلى‏:‏ قال لي عيسى بنُ موسى وكان جائراً شديد العَصَبيّة‏.‏ مَن كان فَقيه البَصْرة قلتُ‏:‏ الحسنُ بن أبي الحسن قال‏:‏ ثمّ مَن قلت‏:‏ محمد بن سيرين قال‏:‏ فما هما قلت‏:‏ مَوْليان قال‏:‏ فمَن كان فقيه مكة قلت‏:‏ عَطاء بن أبي رَباح ومُجاهد بن جَبْر وسَعِيد بن جُبير وسُليمان بن يسار قال‏:‏ فما هؤلاء قلتُ‏:‏ موإلى قال‏:‏ فمن فقهاء المدينة قلت‏:‏ زَيْد بن أَسْلم ومحمد ابن المُنكدر ونافع بن أبي نَجيح قال‏:‏ فما هؤلاء قلت‏:‏ مَوالى‏.‏ فتغيّر لونه ثم قال‏:‏ فمن أفقه أهل قُباء قلتُ‏:‏ رَبيعة الرأي وابن الزّناد قال‏:‏ فما كانا قلت‏:‏ من الموالي‏.‏ فاربدّ وجهه ثم قال‏:‏ فمَن كان فقيه اليمن قلت‏:‏ طاووس وابنه وهَمّام بن مُنبّه قال‏:‏ فما هؤلاء قلت‏:‏ من الموالي‏.‏ فانتفخت أوداجُه وانتصب قاعداً ثم قال‏:‏ فمن كان فقيه خُراسان قلت‏:‏ عطاء بن عبد الله الخُرِاساني قال‏:‏ فما كان عطاء هذا قلت‏:‏ مَولى‏.‏ فازداد وجهُه تربّداً واسودّ اسوداداً حتى خِفْته ثم قال‏:‏ فمَن كان فقيه الشام قلت‏:‏ مَكْحول قال‏:‏ فما كان مكحول هذا قلت‏:‏ مولى‏.‏ فازداد تغيظاً وحَنقاً ثم قال‏:‏ فمَن كان فقيه الجزيرة قلت‏:‏ ميمون بن مِهْران قال فما كان قلت‏:‏ مولى‏.‏ قال‏:‏ فتنفَّس الصُّعداء ثم قال‏:‏ فمَن كان فقيه الكوفة قال‏:‏ فوالله لولا خوفه لقلت‏:‏ الحَكم بن عُيَينة وَعمَّار بن أبي سليمان ولكن رأيتُ فيه الشرَّ فقلت‏:‏ إبراهيم والشَّعبي قال‏:‏ فما كانا قلتُ عَربيَّان قال‏:‏