حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أن عون، قال: حدثنا الحسن، قال: أنبأني وثّاب - قال: وكان فيمن أدركه عتق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، قال: ورأيت بحلقة أثر طعنتين، كأنهما كتبان طعنهما يومئذ يوم الدار - قال: بعثني عثمان، فدعوت له الأشتر، فجاء - قال ابن عون: فأظنّه قال: فطرحت لأمير المؤمنين وسادة وله وسادة - فقال: يا أشتر؛ ما يريد الناس مني؟ قال: ثلاثًا ليس من إحداهن بدٌّ؛ قال: ما هنَّ؟ قال: يخبرونك بين أن تخلع لهم أمرهم فتقول: هذا أمركم فاختاروا له من شئتم، وبين أن تقصَّ من نفسك؛ فإن أبيت هاتين فإنّ القوم قاتلوك. فقال: أما من إحداهن بدٌّ! قال: ما من إحداهنّ بدٌّ، فقال: أمّا أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالًا سربلنيه الله عز وجل - قال: وقال غيره: والله لأن أقدَّم فتضرب عنقي أحبُّ إلي من أن أخلع قميصًاَ قمّصنيه الله وأترك أمّة محمد يعد وبعضها على بعض. قال ابن عون: وهذا أشبه بكلامه - وأمّا أن أقصّ من نفسي؛ فو الله لقد علمت أن صاحبي بين يدي قد كانا يعاقبان وما يقوم بدني بالقصاص، وأما أن تقتلوني، فو الله لئن قتلتموني لا تتحابّون بعدي أبدًا، ولا تصلّون جميعًا بعدي أبدًا، ولا تقاتلون بعدي عدوًّا جميعًا أبدًا. قال: فقام الأشتر فانطلق؛ فمكثنا أيامًا. قال: مثم جاء رويجل كأنه ذئب، فاطّلع من باب، ثم رجع وجاء محمد بن أبي بكر وثلاثة عشر حتى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه، وقال: ما أغني عنك معاوية، ما إغني عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتب! قال: أرسل لحيتي يا بن أخي، أرسل لحيتي. قال: وأنا رأيته استعدي رجلًا من القوم بعينه، فقام إليه بمشقص حتى وجأ به في رأسه. قلت: ثم مه؛ قال: تغاووا عليه حتى قتلوه.
وذكر الواقدي أنّ يحيى بن عبد العزيز حدثه عن جعفر بن محمود، عن محمد بن مسلمة، قال: خرجت في نفر من قومي إلى المصريين وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وسودان بن حمران المرادي، وعمرو بن الحمق الخزاعي - وقد كان هذا الاسم غلب حتى كان يقال: حبيس بن الحمق - وابن النِّباع. قال: فدخلت عليهم وهم في خباء لهم أربعتهم، ورأيت الناس لهم تبعًا، قال: فعظّمت حقّ عثمان وما في رقابهم من البيعة، وخوّفتهم بالفتنة، وأعلمتهم أنّ في قتله اختلافًا وأمرًا عظيمًا؛ فلا تكونوا أوّلأ من فتحه، وأنه ينزع عن هذه الخصال التي نقمتم منها عليه، وأنا ضامن لذلك. قال القوم: فإن لم ينزع؟ قال: قلت: فأمركم إليكم. قال: فانصرف القوم وهو راضون، فرجعت إلى عثمان، فقلت: أخلني فأخلاني، فقلت: الله الله يا عثمان في نفسك! إنّ هؤلاء القوم إنما قدموا يريدون دمك، وأنت ترى خذلان أصحابك لك؛ لا بل هم يقوّون عدوّك عليك. قال: فأعطاني الرضا، وجزاني خيرًا. قال: ثمّ خرجت من عنده، فأقمت ما شاء الله أن أقيم.
قال: وقد تكلّم عثمان برجوع المصريين، وذكر أنهم جاءوا لأمر، فبلغهم غيره فانصرفوا، فأردت أن آتيه فأعنِّفه بهما، ثم سكتّ فإذا قائل يقول: قد قدم المصريون وهم بالسُّويداء، قال: قلت: أحقُّ ما تقول؟ قال: نعم، قال: فأرسل إلي عثمان.
قال: وإذا الخير قد جاءه، وقد نزل القوم من ساعتهم ذا خشب، فقال: يا أباعبد الرحمن، هؤلاء القوم قد رجعوا، فما الرأي فيهم؟ قال: قلت: والله ما أردي؛ إلّا أني أظن أنهم لم يرجعوا لخير. قال: فارجع إليهم فارددهم، قال: قلت: لا والله ما أنا بفاعل، قال: ولم؟ قال: لأنّي ضمنت لهم أمورًا تزع عنها فلم تنزع عن حرف واحد منها. قال: فقال: الله المستعان.
قال: وخرجت وقدم القوم وحلوا بالأسواف، وحصروا عثمان.
قال: وجاءني عبد الرحمن بن عبديس ومع سودان بن حمران وصاحباه، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألم تعلم أنّك مكلّمتنا وراتنا وعمت أنّ صاحبنا نازعٌ عمّا نكره؟ فقلت بلى، قال: فإذا هم يخرجون إلي صحيفة صغيرة.
قال: وإذا قصبة من رصاص؛ فإذا هم يقولون: وجدنا جملًا من إبلالصدقة عليه غلام عثمان، فأخذنا متاعه ففتّشناه، فوجدنا فيه هذا الكتاب؛ فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أما بعد؛ فإذا قدم عليك عبد الرحمن ابن عديس فاجلده مائة جلدة، واحلق رأسه ولحيته، وأطل حبسه حتى يأتيك أمري؛ وعمرو بن الحمق فافعل به مثل ذلك، وسودان بن حمران مثل ذلك؛ وعروة بن النباع الليثي مثل ذلك. قال: فقلت: وما يدريكم أنّ عثمان كتب بهذا؟ قالوا: فيفتات مروان على عثمان بهذا! فهذا شرّ؛ فيخرج نفسه من هذا الأمر. ثم قالوا: انطلق معنا إليه، فقد كلمنا عليًّا، ووعدنا أن يكلّمه إذا صلى الظهر. وجئنا سعد بن أبي وقّاص، فقال: لا أدخل في أمركم. وجئنا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فقال مثل هذا؛ فقال محمد: فأين وعدكم علي؟ قالوا: وعدنا إذا صلى الظهر أن يدخل عليه.
قال محمد: فصليت مع علي، قال: ثم دخلت أنا وعلي عليه، فقلنا: إن هؤلاء المصريين بالبا، فأذن لهم - قال: ومروان عنده جالس - قال: فقال مروان: دعني جعلت فداك أكلّمهم! قال: فقال عثمان: فضّ الله فاك! اخرج عني؛ وما كلامك في هذا الأمر! قال: فخرج مروان، قال: وأقبل علي عليه - قالب: وقد أنهى المصريُّون إليه مثل الذي أنهوا إلي - قال: فجعل علي يخبره ما وجدوا في كتابهم. قال: فجعل يقسم بالله ما كتب ولا علم ولا شوور فيه. قال: فقال محمد بن مسلمة: والله إنه لصادق؛ ولكن هذا عمل مروان، فقال علي: فأدخلهم عليك؛ فليسمعوا عذرك، قال: ثم أقبل عثمان على علي، فقال: إنّ لي قرابة ورحمًا؛ والله إنه لصادق؛ ولكن هذا عمل مروان، فقال علي: فأدخلهم عليك؛ فليسمعوا عذرك، قال: ثم أقبل عثمان على علي، فقال: إنّ لي قرابة ورحمًا؛ والله لو كنت في هذه الحلقة لحللتها عنك؛ فاخرج إليهم، فكلِّمهم؛ فإنهم يسمعون منك. قال علي: والله ما أنا بفاعل؛ ولكن أدخلهم حتى تعتذر إليهم؛ قال: فادخلوا.
قال محمد بن مسلمة: فدخلوا يومئذ، فما سلّموا عليه بالخلافة، فعرفت أنه الشرّ بعينه؛ قالوا: سلام عليكم، فقلنا: وعليكم السلام، قال: فتكلَّم القوم وقد قدّموا في كلامهم ابن عديس، فذكر ما صنع ابن سعد بمصر، وذكر تحاملًا منه على المسلمين وأهل الذمّة، وذكر استئثارًا منه في غنائم المسلمين؛ فإذا قيل له في ذلك، قال: هذا كتاب أمير المؤمنين إلي، ثم ذكروا أشياء مما أحدث بالمدنية، وما خالف به صاحبيه. قال: فرحلنا من مصر ونحن لا نريد إلا دمك أو تنزع؛ مفردّنا علي ومحمد مبن مسلمة، وضمن لنا محمد النزوع عن كلّ ما تكلمنا فيه - ثم أقبلوا على محمد بن مسلمة، فقالوا: هل قلت ذاك لنا؟ قال محمد: فقلت: نعم - ثم رجعنا إلى بلادنا نستظهر بالله عز وجل عليك ويكونن حجة لنا بعد حجّة حتى إذا كنا بالبويب أخذنا غلامك فأخذنا كتابك وخاتمك إلى عبد الله بن سعد، تأمره فيه بجلد ظهورنا، والمثل بنا في أشعارنا وطول الحبس لنا؛ وهذا كتابك.
قال: فحمد الله عثمان وأنثى عليه، ثم قال: والله ما كتبت ولا أمرت، ولا شوورت ولا علمت. قال: فقلت وعلي جميعًا: قد صدق. قال: فاستراح إليها عثمان، فقال المصريون: فمن كتبه؟ قال: لا أدري، قال: أفيجترأ عليك فيبعث غلامك وجمل من صدقات لامسلمين، وينقش على خاتمك، ويكتب إلى عاملك بهذه الأمور العظام وأنت لا تعلم! قال: نعم، قالوا: فليس مثلك يلي، اخلع نفسك من هذا الأمر كما خلعك الله منه قال: لا أنزع قميصًا مألبسنيه الله عز وجل. مقال: وكثرت الأصوات واللغط، فما كنت أظنّ أنهم يخرجون حتى يواثبوه. قال: وقام علي فخرج، قال: فلمّا قام علي قمت، قال: وقال للمصريين: اخرجوا، فخرجوا. قال: ورجعت إلى منزلي ورجع علي إلى منزله، فما برحوا محاصريه حتى قتلوه.
قال محمد بن عمر: وحدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل، عن أبيه، عن سفيان بن أبي العوجاء، قال: قدم المصريّون القدمة الأولى، فكلتم عثمان محمد بن مسلمة، فخرج في خمسين راكبًا من الأنصار، فأتوهم بذي خشب فردّهم، ورجع القوم حتى إذا كانوا بالبويب، وجدوا غلامًا لعثمان معه كتاب إلى عبد الله بن سعد، فكرّوا، فانتهوا إلى المدينة، وقد تخلّف بها من الناس الأشتر موحيم بن جمبلة، فأتوا بالكتاب، فأنكر عثمان أن يكون كتبه، وقال: هذا مفتعل، قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك! قال: أجل؛ ولكنّه كتبه بغيرأمري، قالوا: فإنّ الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك؛ قال: أجل؛ ولكنه خرج بغير إذني، قالوا: فالجمل جملك، قال: أجل؛ ولكنه أخذ بغير علمي، قالوا: ما أنت إلّا صادق أو كاذب؛ فإن كنت كاذبًا فد استحققت مالخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها، وإن كنت صادقًا فقد استحققت أنتخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك؛ لأنه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يقتطع مثل هذا الأمر دونه لضعفه وغفلته. وقالوا له: إنّك ضربت رجالًا من أصحاب النبي وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحقّ عندما يستنكرون من أعمالك؛ فأقدمن نفسك من ضربته وأنت له ظالم، فقال: الإمام يخطىء ويصيب؛ فلا أقيد من نفسي؛ لأني لو أقدت كلّ من أصبته بخطإ آتي على نفسي؛ قالوا: إنك قد أحدثت أحداثًا عظامًا فاستحققت بها الخلع؛ فإذا كلّمت فيها أعطيت التوبة ثم عدت إليها وإلى مثلها، ثم تدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحق؛ ولامنا فيك محمد ابن مسلمة، وضمن لنا ما حدث من أمر، فأخفرته فتبرّأ منك، وقال: لا أدخل في أمره؛ فرجعنا أوّلأ مرة لنقطع محجّتك ونبلغ أقصى الإعذار إليك؛ نستظهر بالله عز وجل عليك؛ فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب. وزعمت أنه متب بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخطّ كاتبك وعليه خاتمك، فقد وقعت عليك بذلك التُّهمة القبيحة، مع ما بلونا منك قبل ذلك ممن الجور في الحكم والأثرة في القسم والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس، والإظهار للتوبة، ثمّ الرجوع إلى الخطيئة، ولقد رجعنا عنك وما كان لنا أن نرجع حتى نخلعك ونستبدل بك من أصحاب رسول الله من لم يحدث مثل مما جرّبنا منك، ولم يقع عليه من التُّهمة ما وقع عليك؛ فازدد خلافتنا؛ واعتزل أمرنا، فإنّ ذلك أسلم لنا منك، وأسلم لك منا.