إلى الصَّيام فأنا صائم قال‏:‏ صَوْم في مثل هذا اليوم على حَرّ قال‏:‏ صُمْت ليوم هو أحرُّ منه قال‏:‏ فأفطر اليوم وصُم غداً قال‏:‏ ويَضْمن لي الأميرُ أن أعيشَ إلى غد قال‏:‏ ليس ذلك إلي قال‏:‏ فكيف تَسألني عاجلًا بآجل ليس إليه سَبيل قال‏:‏ طَعام طَيّب قال‏:‏ والله ما طَيَّبَه خَبَّازك ولا طَبَّاخك ولكن طَيِّبَته العافية قال الحجاج‏:‏ تالله ما رأيت كاليوم أخرجوه عنِّي‏.‏ أبو الفَضل الرّياشي قال‏:‏ أنشدنا أعرابي‏:‏ أباكية رُزَينةٌ أن أتاها نَعِيٌ أم يكون لها اصطبارُ إذا ما أهْلُ وُدّي وَدَعُوني وراحوا والأكُف بها غُبار وغُودِر أَعْظُمي في لَحْدِ قَبْر تَعاورُه الجَنَائبُ والقِطَار تَظَل الريح عاصفةً عليه ويَرْعَىِ حوله اللهقُ النَّوَار فَذَاكَ النَّأي لا الهِجْران حَوْلاً وحَولاً ثم تَجْتمع الدِّيار وهذا نظير قول لَيْلَى الأخْيَلِية‏:‏ لعَمْرُكَ ما الهِجْران أنْ تَشْحطَ النًوَى ولكِنَّما الهجْران ما غيب القَبْرُ ونظيرُ قول الخنساء‏:‏ حسْبُ الخَلِيلَين كَوْنُ الأرض بينهما هذا عليها وهذا تَحْتها رِممَا وأنشد لآخرً‏:‏ الرياشي قال‏:‏ مرَ عمرُ بن الخطَّاب بالجَبّانة فإذا هو بأعرابي فقال له‏:‏ ما تصْنع هُنا يا أعرابيّ في هذه الدِّيار المُوحشة قال‏:‏ وَديعة لي هاهنا يا أمير المؤمنين قال‏:‏ ما وَديعتك قال‏:‏ بنُي لي دَفنتُه فأنا أخرجُ إليه كلّ يوم أنْدُبه قال‏:‏ فانْدُبه حتى أسمَع فأنشأ يقول‏:‏ يا غائباً ما يَؤوب مِن سَفَره عاجَلَهُ موتُه على صِغَرِهْ يا قُرة العَينْ كأسا كُنتَ لي سَكَناً في طول ليلي نعم وفي قصره شَرِبْتَ كأساً أبوك شاربُها لا بد يوماً له على كبره يَشْرَبها والأَنَامُ كُلُّهمُ من كان في بدوه وفي حضره فالحمدُ للهّ لا شريك له الموت في حكمه وفي قدره قد قُسِّم العُمر في العباد فما يقْدِر خَلْقٌ يَزِيد في عُمُره قولهم في المدح ذَكر أعرابيّ قوماً عُبِّادا فقال‏:‏ تَركوا والله النعيم ليتنعَّموا لهم عَبرات مُتدافعة وزفرَات مُتتابعة لا تَراهم إلا في وَجْه وَجيه عند اللهّ‏.‏ وذكر أعرابي قوماً فقال‏:‏ أدبتهم الحِكْمَة وأحْكمتهم التجارب فلم تَغُرهم السلامة المنْطوية على الهلَكة ورَحل عنهم التسْويفُ الذي به قَطع الناسُ مسافة آجالهم فَذَلَت ألسنتُهم بالوَعد وانبسطت أيديهم بالوَجْد فأحْسنوا المقال وشَفعوه بالفَعال‏.‏ وسُئل أعرابيّ عن قَومه فقالت‏:‏ كانوا إِذا اصطفِّوا سَفرت بينهم السهام وإذا تصافَحُوا بالسُّيوف فغَرت المنايا أفواهَها فرُبّ يوْم عارم قد أحْسَنوا أدبه أو حَرْب عَبُوس قد ضاحكَتْها أسنّتهم إِنما قوْميِ البَحر ما ألقمْته التَقَم‏.‏ وذكر أعرابيّ قوماً فقال‏:‏ ما رأيتُ أسرَع إلى داع بلَيْلٍ على فرس حسِيب وَجَمَل نَجَيب منهم ثم لا ينتظر الأولُ السابقُ الآخرً اللاحق‏.‏ وذكر أعرابيّ قوماً فقال‏:‏ جَعلوا أموالهم مناديل أعراضهم فالخيرُ بهم زائد والمعروف لهم شاهد فيُعطونها بطيبة أنفُسهم إذا طُلبت إليهم ويباشرون المَعروف بإشراق الوُجوه إذا بُغي لديهم‏.‏ وذكر أعرابيّ قوماً فقال‏:‏ واللهّ ما نالوا شيئَاً بأطراف أناملهم إلا وَطِئناه بأخماص أقدامنا وإن أقصى هِمهم لأدنى فَعالنا‏.‏ وذَكرَ أعرابيّ أميراً فقال‏:‏ إذا وَلى لم يُطابق بين جُفونه وأرسل العُيون على عيونه فهو غائب عنهم شاهد معهم فالمُحْسن راج والمُسيء خائف‏.‏ ودَخل أعرابي على رجل من الوُلاة فقال‏:‏ أصلح الله الأمير اجعلني زِماماً من أزمتّك لم التي تَجُر بها الأعداء فإن مِسْعر حَرب ورَكْاب نُجب شديد على الأعداء لَينٌّ على الأصدقاء مُنْطَوِي الحَصِيلة قليل الثَّمِيلة نوميِ غِرَار قد غَذَتني الحربُ بأفاويقها وحَلبتُ الدَّهر أشطُرَه ولا تَمْنعك عني الدَمامة فإنّ من تحتها شَهامة‏.‏ وذكر أعرابي رجلاً ببراعة المنطق فقال‏:‏ كان والله بارع المنطق جَزْل الألفاظ عربيّ اللّسان فَصِيح البَيان رَقيق حواشي الكلام بَلِيلِ الرِّيق قليل الحَرَكات ساكِنِ الإشارات وذكر أعرابي رجلاً فقال‏:‏ رأيتُ رجلاً له حِلْم وأناة يُحَدَثك الحديث على مَقاطعه ويُنشدك الشعر على مَدَارجه فلا تسمع له لحناً ولا إحالة لعُتْبىٍ قال‏:‏ ذَكر أعرابي قوماً فقال‏:‏ آلتْ سُيوفهم ألاّ تَقْضي ديناً عليهم ولا تُضَيّع حقَا لهم فما اخِذ منم مَرْدود إليهم وما أخذوا مَتْرُوك لهم‏.‏ ومَدَح أعرابيّ رجلاً فقال‏:‏ ما رأيتُ عيناً قطّ أخرًق لظُلْمة الليل مِن عينه ولَحْظة أشْبَه بِلَهيب النار من لَحْظته له هِزَة كهِزَّة السِّيف إذا طرِب وجُرْأة كجرأة الليث إذا غَضِب‏.‏ ومَدح أعرابي رجلاً فقال‏:‏ كان الفَهْمُ منه ذا أذنينِ والجواب ذا لِسانين لم أر أحداً أرْثَق لخَلل الرأي منه بَعِيد مَسافة العقل ومَراد الطَّرف إنما يَرْمي بهمَّته حيث أشار إليه الكرم‏.‏ ومدحِ أعرابي رجلاً فقال‏:‏ ذاك والله فَسِيح النّسب مُسْتَحكم الأدب من أيّ أقطاره أتيته انتهى إليك بكرم فَعال وحُسْن مَقال‏.‏ ومدحِ أعرابيّ رجلاً فقال‏:‏ كانت ظُلْمة ليله كضَوْء نهاره آمراً بإرشاد وناهياً عن فساد لحديث السّوء غيرَ مُنْقاد وقال أعرابي‏:‏ إنّ فلاناً خُلِقت نعم للسانه قَبل أن يًخْلق لسانُه لها فما تَراه الدهرَ إلاّ وكأنّه لا غِنى له عنك وإن كُنت إليه أحْوَج إذا أذنبت إليه غَفَر وكأنّه المُذنب وإذا أسأتَ إليه أحسن وكأنّه المُسيء‏.‏ وذكر أعرابي رجلاً فقال‏:‏ اشترى والله عِرْضه من الأذى فلو كانت الدنيا له فأنفقها لرَأى بعدها عليه حُقوقاً وكان مِنْهاجاً للأمور المُشْكلة إذا تَناجز الناسُ باللاّئمة‏.‏ ومدح أعرابيّ رجلاً فقال‏:‏ كان والله يَغْسِل من العار وُجوهاً مُسْوَدَّة ويفْتحِ من الرأي عُيوناً مُنْسَدًة‏.‏ وذكر أعرابي رجلاً فقالت‏:‏ ذاك والله يَنْفَع سِلْمه ولا يَسْتمِرّ ظُلْمه إن قالت فَعل وإن وَلي عَدَل‏.‏ ومدح أعراب رجلاً فقال‏:‏ ذاك والله يُعْنَى في طَلب المَكارم