أموالكم لِعِلْمِنا بحالنا وحالكم ويكون أبْغضَها إلينا وأحبَّها إليكم أنْ نُعْفِيكم‏.‏ فقال ابنُ عباس‏:‏ لو وَلينا أحْسنّا المُواساة وما ابتُلينا بالأَثرة ثمِ لم نَغشم الحيّ ولم نَشْتُم الميت ولستُم بأجود منّا أكُفّا ولا أكرَمَ أَنْفُسا ولا أصْون لأعراض المروءة ونحن والله أعطَى الآخرًة منكم للدُنيا وأعطَى في الحق منكم في الباطل وأعْطَى على التقوى منكم على الهوى والقَسْمُ بالسوية والعَدْلُ في الرعية يأتيان على المُنى والأمل‏.‏ ما رِضَاكم مِنَّا بالكَفَاف‏!‏ فلو رَضيتم به منَّا لم تَرْض أنفسنا به لكم والكَفَاف رِضَا مَن لا حقَّ له فلا تُبَخِّلونا حتى تَسْألونا ولا تَلْفِظونا حتى تَذُوقونا‏.‏ أبو عثمان الحِزَاميّ قال‏:‏ اجتمعت بنو هاشم عند مُعاوية فأقبل عليهم فقال‏:‏ يا بني هاشم واللهّ إنّ خَيْري لكم لمَمنْوح وإنّ بابي لكم لمفتوح فلا يَقْطع خَيْري عنكمٍ عِلّةٌ ولا يُوصِد بابي دونكم مَسألة ولما نظرتُ في أمري وأمركم رأيتُ أمراً مُختلفا إنكم لَتَرَون أنكم أحقُّ بما في يدي منّي وإذا أعطيتُم عطيَّة فيها قضاءُ حقّكم قًلتم‏:‏ أَعطانا دون حَقّنا وقَصرَّ بنا عن قَدْرنا فصِرْتُ كالمَسْلوب المَسْلوب لا حَمْدَ له وهذا مع إنصاف قائلكم وإسعاف سائلكم‏.‏ قال‏:‏ فأقبل عليه ابنُ عبَّاس فقال‏:‏ واللهّ ما مَنَحْتنا شيئاً حتى سألناه ولا فَتحت لنا باباً حتى قَرَعْناه ولئن قطعتَ عنَّا خيرَكَ لله أوسع منك ولئن أَغلقت دوننا لنكُفّن أنسفَنا عنك‏.‏ وأما هدا المالُ فليس لك منه إلا ما لِرَجُل من المًسلمين ولنا في كتاب الله حَقّان‏:‏ حَق في الغنيمة وحقٌّ في الفَيء فالغنيمَةُ ما غَلبنا عليها والفَيء ما اجتنيناه‏.‏ ولولا حقُنا في هذا المال لم يَاتك منَّا زائر يَحمله خُفّ ولا حافر أكفَاك أم أَزِيدك قال‏:‏ كَفاني فإنك لا تُهَرّ ولا تنبح‏.‏ وقال يوماً مُعاوية وعنده ابنُ عبّاس‏:‏ إذا جاءت هاشمٌ بقَدِيمها وحَدِيثها وجاءت بنو أميَّة بأَحْلامها وسِياستها وبنو أسد بن عبد العُزّي بِرِفادتها ودِيَاتها وبنو عبد الدّار بحجابها ولوائها وبنو مَخزوم بأموالها وأَفعالها وبنو تَيْم بصدِّيقها وجَوادها وبنو عديّ بفاروقها ومُتفكرها وبنو سَهْم بأرائها ودَهائها وبنو جُمح بشَرفها وأنفتها وبنو عامر بن لؤيّ بفارسها وقَريعها فمن ذا يُجلي في مِضْمارها ويَجْري إلى غايتها ما تقول يا بنَ عبَّاس قال‏:‏ أقول‏:‏ ليس حَيٌّ يَفْخرون بأمرِ إلا وإلى جَنْبهم مَنْ يَشْركهم إلا قُريشاً فإنهم يَفْخرون بالنبوة التيِ لا يُشارَكون فيها ولا يُساوَوْن بها ولا يُدْفعون عنها وأشْهد أن الله لم يجعل محمداَ من قُريش إلا وقُرِيشٌ خَيْرُ البرية ولم يَجْعله في بني عبد المُطلب إلا وهم خَيْر بني هاشم ما نُريد أن نفخر عليكم إلا بما تَفْخرون به إن بنا فُتِح الأمر وبنا يُخْتم ولك مُلْك مُعجَّل ولنا مُؤجّل فإِن يكن ملْكُكم قبل مُلكنا فليس بعد مُلْكنا مُلْك لأنّا أهلُ العاقبة والعاقبةُ للمتقين أبو مِخْنف قال‏:‏ حَجّ عمرو بنُ العاص فَمَرّ بعبد اللهّ بن عباس فَحَسَده مكانه وما رأى من هَيْبة النَّاس له ومَوْقِعَه من قُلوبهم فقال له‏:‏ يا بن عبّاس مالك إذا رَأيتني وليَّتني القَصَرة وكانّ بين عينيك دَبْرة وإذا كنتَ في مَلأ من الناس كُنْتَ الهَوْهاة الهُمزَة‏!‏ فقال ابنُ عبّاس‏:‏ لأنك من اللئام الفجرة ولقريش الكرامٍ البَررة لا يَنْطِقون بِباطل جَهِلوه ولا يَكْتًمون حقّاً عَلِموه وهم أعظمُ الناس أحْلاما وأرفع الناس أَعْلاما‏.‏ دخلتَ في قُريش ولستَ منها فأنت الساقطُ بين فِراشين لا في بني هاشم رَحْلُك ولا في بني عَبد شمس راحلتُك فأنت الأثيم الزنيم الضَّالّ المُضِلّ حَمَلَك مُعاوية على رِقاب الناس فأنت تَسْطو بحِلْمه وتَسْمو بكَرَمه‏.‏ فقال عمرو‏:‏ أما والله إني لَمَسْرور بك فهل يَنفعني عندك قال ابنُ عباس‏:‏ حيث مال الحقُّ مِلْنا وحيثُ سَلَكَ قصَدْنا‏.‏ المدائني قال‏:‏ قام عمرو بن العاص في مَوْسم من مَواسم العرب فأطْرى مُعاوية بنَ أبي سفيان وبني أُمية وتناول بني هاشم وذكر مَشاهده بصِفِّين واجتمعت قُريش فأقبل عبدُ الله بن عبَّاس