رجع الحديث إلى حديث سيف، عن محمد وطلحة. قالا: فأصبح طلحة والزّبير وبيت مالمال والحرس في أيديهما، والناس مععنما، ومن لم يكن معهما مغمور مستسرّ، وبعثا حين أصبحا بأن حكيمًا في الجمع، فبعثت: لا تحبسا عثمان ودعاه. ففعلا، فخرج عثمان فمضى لطلبته، وأصبح حكيم بن جبلة في خيله على رجل فيمن تبعه من عبد القيس ومن نزع إليهم من أفناء ربيعة، ثمّ وجّهوا نحو دار الرزق وهو يقول: لست بأخيه إن لم أنصره، وجعل يشتم عائشة رضي الله عنه، فسمعته امرأة من قومه فقالت: يابن الخبيثة. أنت أولى بذلك! فطعنها فتقلها، فغضبت عبد القيس إلّا من كان اغتمر منهم، فقالوا: فعلت بالأمس وعدت لمثل ذلك اليوم! والله لندعنّك حتى يقيدك الله. فرجعوا وتركوه، ومضى حكيم بن جبلة فيمن غزا معه عثمان بن عفان وحصره من نزّاع القبائل كلها، وعرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة، فاجتمعوا إليه، فانتهى بهم إلى الزابوقة عند دار الرزق، وقالت عائشة: لا تقتلوا إلّا من قاتلكم، ونادوا من لم يكن من قتلة عثمان رضي الله عنه فليكفف عنا، فإنا لا نريد إلا قتله معثمان ولا نبدأ أحدًا، فأنشب حكيم القتال ولم يرع للمنادى، فقال طلحة والزّبير: الحمد الله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة، اللهمّ لا تبق منهم أحدًا، وأقد منهم اليوم فاقتلهم. فجادّ وهم القتال فاقتتلوا أشدّ قتال ومعه أربعة قواد، فكان حكيم بحيال طلحة، وذريج بحيال الزبير، وابن المحرّش بحيال عبد الرحمن بن عتاب، وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فزحف طلحة لحكم وهو في ثلثمائة رجل، وجعل حكيم يضرب بالسيف ويقول:
أضربهم باليابس ** ضرب غلام عابس
من الحياة آيس ** في الغرفات نافس
فضرب رجل رجله فقطعها، فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه، فأصاب جسده فصرعه، فأتاه حتى قتله، ثم أتّكأ عليه وقال:
يا فخذ لن تراعى ** إنّ معي ذراعي
أحمى بها كراعي وقال وهو يرتجز:
ليس علي أن أوت عار ** والعار في الناس هو الفرار
والمجد لا يفضحه الدمار
فأتى عليه رجل وهو رثيث، رأسه على الآخر، فقال: مالك يا حكيم؟ قال: قتلت، قال من قتلك؟ قال: وسادتي؛ فاحتمله فضمّه في سعين من أصحابه، فتكلم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رجل، وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتع، مويقول: إنا خلّفنا هذين وقد بايعا عليًّا وأعطياه الطاعة، ثم أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان، فففرّقا بيننا، ونحن أهل دار وجوار. اللهمّ إنهما لم يريدا عثمان. فنادى مناد: يا خبيث، جزعت حين عضّك نكال الله عز وجل إلى كلام من نصّبك وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم، وفرّقتم من الجماعة، وأصبتم من الدماء، ونلتم من الدنيا! فدق وبال الله عز وجل وانتقامه، وأقيموا فيمن أنتم.
وقتل ذريح ومن معه، وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجئوا إلى قومهم، ونادى منادي الزبير وطلحة بالبصرة: ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم. فجيء بهم كما يجاء بالكلاب، فقتلوا فما أفلت منهم من أهل البصرة جميعًا إلّا حرقوص بن زهير؛ فإنّ بني سعد منعوه، وكان من بني سعد، فمسّهم في ذلك أمر شديد، وضربوا لهم فيه أجلًا وخشنّوا صدور بني سعد وإنّهم لعثمانية حتى قالوا: نعتزل؛ وغضبت عبد القسيس حين غضبت سعد لمن قتل منهم بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم طاعة علي، فأمرا للنّاس بأعطياتهم وأرزاقهم وحقوقهم، وفضّلا بالفضل أهل السمع والطاعة. فخرجت عبد القيس وكثير من بكر بن وائل حين زووا عنهم الفضلو، فبادروا إلى بيت المال، وأكبّ عليهم الناس فأصابوا منهم، وخرج القوم حتى نزلوا على طريق علي، وأقام طلحة والزّبير ليس معهما بالبصرة ثأر إلّا حرقوص، وكتبوا إلى أهل الشأم بما صنعوا وصاروا إليه: إنا خرجنا لوضع مالحرب، وإقامة كتاب الله عز وجل بإقامة حدوده في الشريف والوضيع والكثير والقليل، حتى يكون الله عز وجل هو الذي يردّنا عن ذلك، فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم؛ وخالفنا شرارهم ونزّاعهم، فردّونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا: نأخذ أمّ المؤمنين رهينة؛ أن أمرتهم بالحقّ وحثّتهم عليه. فأعطاهم الله عز وجل سنّة المسلمين مرّة بعد مرّة، حتى إذا لم يبق حجّة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين فخرجوا إلى مضاجعهم فلم يفلت منهم مخبر إلّا حرقوص بن زهير، والله سبحانه مقيده إن شاء الله. وكانوا كما وصف الله عز وجل؛ وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلّا نهضتم بمثل ما نهضنا به؛ فنلقى الله عز وجل وتلقونه وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا.
وبعثوا به مع سيّار العجلي، وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله مع رجل من بني عمرو بن أسد يدعى مظفّر بنم معرَض. وكتبوا إلى أهل المدينة معابن قدامة القشيري، فدسّه إلى أهل المدينة.
وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى أهل الكوفة مع رسولهم: أمّا بعد فإني أذكركم الله عز وجل والإسلام، أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه، اتقوا الله واعتصموا بحبله، وكونوا مع كتابه، فإنا قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حدوده، فأجابنا الصالحون إلى ذلك؛ واسقبلنا من لا خير فيه بالسلاح، وقالوا: لنتبعنّكم عثمان، ليزيدوا الحدود تعطيلًا، فعاندوا فشهدوا علينا بالكفر وقالوا لنا لامنكر، فقرأنا عليهم: " ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ". فأذعن لي بعضهم، واختلفوا بينهم، فتركناهم وذلك، فلم يمنع ذلك من كان ممنهم على رأيه الأوّل من وضع مالسلاح في أصحابي، وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلّا قاتلوني حتى منعني الله عز وجل بالصّالحين، فردّ كيدهم في نحورهم، فمكثنا ستّا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حدوده - وهو حقن الدماء أن تهراق دون من قد حلّ دمه - فأبوا واحتجوا بأشياء، فاصطلحنا عليها، فخافوا وغدروا وخانوا، فجمع عز وجل لعثمان رضي الله عنه ثأرهم، فأقادهم فلم يفلت منهم إلّا رجل، وأرد أنا ه، ومنعنا منهم بعمير ابن مرثد ومرثد بن قيس، ونفر من قيس، ونفر من الرباب والأزد.
فالزموا الرضا إلّا عن قتلة عثمان بن عفان حتى يأخذ الله حقّه، ولا تخاصموا الخائنين ولا تمنعوهم، ولا ترضوا بذوي حدود الله فتكونوا من الظالمين.
فكتبت إلى رجال بأسمائهم. فثبّطوا الناس عن منع هؤلاء القوم ونصرتهم واجلسوا في بيتوتكم؛ فإنّ هؤلاء القوم لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن عفان رضي الله عنه، وفرّقوا بين جماعة الأمة، وخالفوا الكتاب والسنّة، حتى شهدوا علينا فيما أمرناهم به، وحثثناهم عليه من إقامة كتاب الله وإقامة حدوده بالكفر، وقالوا لنا المنكر، فأنكر ذلك الصالحون وعظّموا ما قالوا، وقالوا لنا المنكر، فأنكر ذلك الصالحون وعظّموا ما قالوا، وقالوا: ما رضيتم أن قتلتم الإمام حتى خرجتم على زوجة نبيكموأئمة المسلمين! فعزموا وعثمان بن حني مععم على من أطاعهم من جهّال الناس وغوغائهم على زطّهم وسيابجهم، فلذنا منهم بطائفة من الفسطاط؛ فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يومًا ندعوهم إلى الحقّ وألّا يحولوا بيننا وبين الحقّ فغدروا وخانوا فلم نقايسهم، واحتجّوا ببيعة طلحة والزّبير؛ فأبردوا بريدًا فجاءهم بالحجّة فلم يعرفوا الحقّ، ولم يصبروا عليه؛ فغادوني في الغلس ليقتلوني؛ والذي يحاربهم غيري، فلم يبرحوا حتى بلغوا سدّة بيتي ومعهم هاد يهديهم إلي، فوجدوا نفرًا على باب بيتي؛ منهمعمير بن مرثد، ومرثد بن قيس، ويزيد بن عبد الله بن مرثد؛ ونفر من قيس، ونفر من الرباب والأزد، فدارت عليهم الرحا، فأطاف بهم المسلمون فقتلوهم، وجمع الله عز وجل كلمة أهل البصرة على ما أجمع عليه الزبير وطلحة؛ فإذا قتلنا بثأرنا وسعنا العذر. وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلايين. وكتب عبيد بن كعب في جمادى.
حدثنا معمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن عامر بن حفص، عن أشياخه، قال: ضرب عن حكيم بن جبلة رجل من الحدّان يقال له صخيم، فمال رأسه، فتعلّق بجلده، فصار وجههه في قفاه. قال ابن المثني الحدّاني: الذي قتل حكيمًا يزيد بن الأسحم الحداني، وجد حكيم قتيلًا بين يزيد بن الأسحم وكعب بن الأسحم، وهما مقتولان.
حدثني عمر، قال: حدثني أبو الحسن، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن أبي المليح، قال: لما قتل حكيم بن جبلة أرادوا أن يقتلوا عثمان بن حنيف، فقال: ما شئتم، أما إن سهل بن حنيف وال على المدينة، وإن قتلتموني انتصر. فخلّوا سبيله. واختلفوا في الصلاة، فأمّرت عائشة رضي الله عنها عبد الله ابن الزبير فصلّى بالناس، وأراد الزبير أن يعطي الناس أرزاقهم ويقسم ما في بيت المال، فقال عبد الله ابنه: إن ارتزق الناس تفرّقوا. واصطلحوا على عبد الرحمن بن أبي بكر، فصيّروه على بيت المال.
حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن علي، عن أبي بكر الهذلي، عن الجارود بن أبي سبرة، قال: لمّا كانت الليلة التي أخذ فيها عثمان بن حنيف، وفي رحبة مدينة الرزق طعام يرتزقه الناس، فأراد عبد الله أن يرزقه أصحابه وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان، فقال: لست أخاف الله إن لم أنصره، فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل وأكثرهم عبد القيس، فأتي ابن الزبير مدينة الرزق، فقال: مالك يا حكيم؟ قال: نريد أن نرتزق من هذا الطعام، وأن تخلّوا عثمان فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي، والله لو أجد أعوانًا عليكم أخبطكم بهم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم، ولقد أصبحتم وإنّ دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا، أما تخافون الله عز وجل! بم تستحلون سفك الدماء! قال: بدم عثمان ابن عفان، قال: فالّذين قتلتموهم قتلوا عثمان! أما تخافون مقت الله؟ فقال له عبد الله بن الزبير: لا نرزقكم من هذا الطعام، ولا نخلي سبيل عثمان ابن حنيف حتى يخلع عليًّا، قال حكيم: اللهمّ إنك حكم عدل فاشهد. وقال لأصحابه: إنّي لست في شكّ من قتال هؤلاء، فمن كان في شكّ فلينصرف. وقاتلهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وضرب رجل ساق حكيم فأخذ حكيم ساقه فرماه بها، فأصاب عنقه فصرعه ووقذه ثم حبا إليه فقتله واتّكأ عليه، فمرّ به رجل فقال: من قتلك؟ قال: وسادتي، وقتل سبعون رجلًا من عبد القيس. قال الهذلي: قال حكيم حين قطعت رجله:
أقول لما جدّ بي زماعي ** للرّجل يا رجلي لن تراعي
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)