ثم دخلت سنة خمس وستين

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليلة
فمن ذلك ما كان من أمر التوابين وشخوصهم للطلب بدم الحسين بن علي إلى عبيد الله بن زياد.
قال هشام: قال أبو مخنف: حدثني أبو يوسف، عن عبد الله بن عوف الأحمري، قال: بعث سليمان بن صرد إلى وجوه أصحابه حين أراد الشخوص وذلك في سنة خمس وستين، فأتوه، فلما استهل الهلال هلال شهر بيع الآخر، خرج في وجوه أصحابه، وقد كان واعد أصحابه عامة للخروج في تلك الليلة للمعسكر بالنخيلة فخرج حتى أتى عسكره، فدار في الناس ووجوه أصحابه، فلم يعجبه عدة الناس، فبعث حكيم بن منقذ الكندي في خيل، وبعث الوليد بن غصين الكناني في خيل، وقال: اذهبا حتى تدخلا الكوفة فناديا: يا لثارات الحسين! وابلغا المسجد الأعظم فناديا بذلك، فخرجا، وكانا أول خلق الله دعوا: يا لثارات الحسين! قال: فأقبل حكيم بن منقذ الكندي في خيل والوليد بن غصين في خيل، حتى مرا ببني كثير، وإن رجلًا من بني كثير من الأزد يقال له عبد الله بن خازم مع امرأته سهلة بنت سبرة بن عمرو من بني كثير، وكانت من أجمل الناس وأحبهم إليه، سمع الصوت: يا لثارات الحسين! وما هو ممن كان يأتيهم، ولا استجاب لهم. فوثب إلى ثيابه فلبسها، ودعا بسلاحه، وأمر بإسراج فرسه، فقالت له امرأته: ويحك! أجننت! قال: لا والله، ولكني سمعت داعي الله، فأنا مجيبه، أنا طالبٌ بدم هذا الرجل حتى أموت، أو يقضي الله من أمري ما هو أحب إليه، فقالت له: إلى من تدع بنيك هذا؟ قال: إلى الله وحده لا شريك له؛ اللهم إني أستودعك أهلي وولدي، اللهم احفظني فيهم؛ وكان ابنه ذلك يدعى عزره، فبقي حتى قتل بعد مع مصعب بن الزبير؛ وخرج حتى لحق بهم، فقعدت امرأته تبكيه واجتمع إليها نساؤها، ومضى مع القوم، وطافت تلك الليلة الخيل بالكوفة، حتى جاءوا المسجد بعد العتمة، وفيه ناسٌ كثير يصلون، فنادوا: يا لثارات الحسين! وفيهم أبو عزة القابضي وكرب بن نمران يصلي، فقال: يا لثارات الحسين! أين جماعة القوم؟ قيل: بالنخيلة، فخرج حتى أتى أهله، فأخذ سلاحه، ودعا بفرسه ليركبه، فجاءته ابنته الرواع - وكانت تحت ثبيت بن مرثد القابضي. فقالت: يا أبت، ما لي أراك قد تقلدت سيفك، ولبست سلاحك! فقال لها: يا بنية، إن أباك يفر من ذنبه إلى ربه، فأخذت تنتحب وتبكي، وجاءه أصهاره وبنو عمه، فودعهم، ثم خرج فلحق بالقوم؛ قال: فلم يصبح سليمان بن صرد حتى أتاه نحوٌ ممن كان في عسكره حين دخله؛ قال: ثم دعا بديوانه لينظر فيه إلى عدة من بايعه حتى أصبح، فوجدهم ستة عشر ألفًا، فقال: سبحان الله! ما وافانا إلا أربعة آلاف من ستة عشر ألفًا.
قال أبو مخنف: عن عطية بن الحارث، عن حميد بن مسلم، قال: قلت لسليمان بن صرد: إن المختار والله يثبط الناس عنك، إني كنت عنده أول ثلاث، فسمعت نفرًا من أصحابه يقولون: قد كملنا ألفي رجل؛ فقال: وهب أن ذلك كان؛ فأقام عنا عشرة آلاف، أما هؤلاء بمؤمنين! أما يخافون الله! أما يذكرون الله، وما أعطونا من أنفسنا من العهود والمواثيق ليجاهدن ولينصرن! فأقام بالنخيلة ثلاثًا يبعث ثقاته من أصحابه إلى من تخلف عنه يذكرهم الله وما أعطوه من أنفسهم، فخرج إليه نحوٌ من ألف رجل، فقام المسيب بن نجبة إلى سليمان بن صرد، فقال: رحمك الله، إنه لا ينفعك الكاره، ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية، فلا ننتظرن أحدًا، واكمش في أمرك. قال: فإنك والله لنعما رأيت! فقام سليمان بن صرد في الناس متوكئًا على قوس له عربية. فقال: أيها الناس، من كان إنما أخرجته إرادة وجه الله وثواب الآخرة فذلك منا ونحن منه، فرحمة الله عليه حيًا وميتًا، ومن كان إنما يريد الدنيا وحرثها فوالله ما نأتي فيئًا نستفيئه، ولا غنيمةً نغنمها، ما خلا رضوان الله رب العالمين، وما معنا من ذهب ولا فضة، ولا خز ولا حرير، وما هي إلا سيوفنا في عواتقنا، ورماحنا في أكفنا، وزادٌ قدر البلغة إلى لقاء عدونا، فمن كان غير هذا ينوي فلا يصحبنا.
فقم صخير بن حذيفة بن هلال بن مالك المزني، فقال: آتاك الله رشدك، ولقاك حجتك؛ والله الذي لا إله غيره ما لنا خيرٌ في صحبة من الدنيا همته ونيته. أيها الناس، إنما أخرجتنا التوبة من ذنبنا، والطلب بدم من نبينا، ليس معنا دينارٌ ولا درهم، إنما نقدم على حد السيوف وأطراف الرماح؛ فتنادى الناس من كل جانب: إنا لا نطلب الدنيا، وليس لها خرجنا.
قال أبو مخنف: عن إسماعيل بن يزيد الأزدي، عن السري بن كعب الأزدي، قال: أتينا صاحبنا عبد الله بن سعد بن نفيل نودعه، قال: فقام فقمنا معه، فدخل على سليمان ودخلنا معه، وقد أجمع سليمان بالمسير، فأشار عليه عبد الله بن سعد بن نفيل أن يسير إلى عبيد الله بن زياد، فقال هو ورءوس أصحابه: الرأي ما أشار به عبد الله بن سعد بن نفيل أن نسير إلى عبيد الله بن زياد قاتل صاحبنا، ومن قبله أتينا، فقال له عبد الله بن سعد وعنده رءوس أصحابه جلوس حوله: إني قد رأيت إن يكن صوابًا فالله وفق، وإن يكن ليس بصواب فمن قبلي، فإني ما آلوكم ونفسي نصحًا؛ خطأ كان أم صوابًا، إنما خرجنا نطلب بدم الحسين، وقتلة الحسين كلهم بالكوفة، منهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، ورءوس الأرباع وأشراف القبائل، فأنى نذهب ها هنا وندع الأقتال والأوتار! فقال سليمان بن صرد: فماذا ترون؟ فقالوا: والله لقد جاء برأيٍ، وإن ما ذكر لكما ذكر، والله ما نلقى من قتلة الحسين إن نحن مضينا نحو الشام غير ابن زياد، وما طلبتنا إلا ها هنا بالمصر؛ فقال سليمان بن صرد: لكن أنا ما أرى ذلك لكم، إن الذي قتل صاحبكم، وعبأ الجنود إليه، وقال: لا أمان له عندي دون أن يستسلم فأمضي فيه حكمي هذا الفاسق ابن الفاسق ابن مرجانة، عبيد الله بن زياد؛ فسيروا إلى عدوكم على اسم الله؛ فإن يظهركم الله عليه رجونا أن يكون من بعده أهون شوكةً منه، ورجونا أن يدين لكم من وراءكم من أهل مصركم في عافية، فتنظرون إلى كل من شرك في دم الحسين فتقاتلونه ولا تغشموا، وإن تستشهدوا فإنما قاتلتم المحلين، وما عند الله خيرٌ للأبرار والصديقين؛ إني لأحب أن تجعلوا حدكم وشوكتكم بأول المحلين القاسطين. والله لو قاتلتم غدًا أهل مصركم ما عدم رجلٌ أن يرى رجلًا قد قتل أخاه وأباه وحميمه، أو رجلًا لم يكن يريد قتله؛ فاستخيروا الله وسيروا. فتهيأ الناس للشخوص. قال: وبلغ عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة خروج ابن صرد وأصحابه، فنظرا في أمرهما، فرأيا أن يأتياهم فيعرضا عليهم الإقامة، وأن تكون أيديهم واحدةً، فإن أبوا إلا الشخوص سألوهم النظرة حتى يعبوا معهم جيشًا فيقاتلوا عدوهم بكثفٍ وحدٍّ؛ فبعث عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة سويد بن عبد الرحمن إلى سليمان ابن صرد، فقال له: إن عبد الله وإبراهيم يقولان: إنا نريد أن نجيئك الآن لأمر عسى أن يجعل لنا ولك فيه صلاحًا؛ فقال: قل لهما فليأتيانا، وقال سليمان لرفاعة بن شداد البجلي: قم أنت فأحسن تعبئة الناس؛ فإن هذين الرجلين قد بعثا بكيت وكيت، فدعا رءوس أصحابه فجلسوا حوله فلم يمكثوا إلا ساعةً حتى جاء عبد الله بن يزيد في أشراف أهل الكوفة والشرط وكثير من المقاتلة، وإبراهيم بن محمد بن طلحة في جماعة من أصحابه، فقال عبد الله بن يزيد لكل رجل معروف قد علم أنه قد شرك في دم الحسين: لا تصحبني إليهم مخافة أن ينظروا إليه فيعدوا عليه؛ وكان عمر بن سعد تلك الأيام التي كان سليمان معسكرًا فيها بالنخيلة لا يبيت إلا في قصر الإمارة مع عبد الله بن يزيد مخافة أن يأتيه القوم في داره، ويذمروا عليه في بيته وهو فاعل لا يعلم فيقتل. وقال عبد الله بن يزيد: يا عمرو بن حريث، إن أنا أبطأت عنك فصل بالناس الظهر.
فلما انتهى عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد إلى سليمان بن صرد دخلا عليه، فحمد الله عبد الله بن يزيد وأثنى عليه ثم قال: إن المسلم أخو المسلم لا يخونه، ولا يغشه، وأنتم إخواننا، وأهل بلدنا، وأحب أهل مصر خلقه الله إلينا، فلا تفجعونا بأنفسكم، ولا تستبدوا علينا برأيكم، ولا تنقصوا عددنا بخروجكم من جماعتنا؛ أقيموا معنا حتى نتيسر ونتهيأ، فإذا علمنا أن عدونا قد شارف بلدنا خرجنا إليهم بجماعتنا فقاتلناهم. وتكلم إبراهيم بن محمد بنحو من هذا الكلام. قال: فحمد الله سليمان بن صرد وأثنى عليه ثم قال لهما: إني قد علمت أنكما قد محضتما في النصيحة، واجتهدتما في المشورة، فنحن بالله وله، وقد خرجنا لأمر، ونحن نسأل الله العزيمة على الرشد والتسديد لأصوبه، ولا نرانا إلا شاخصين إن شاء الله ذلك. فقال عبد الله بن يزيد: فأقيموا حتى نعبىء معكم جيشًا كثيفًا، فتلقوا عدوكم بكثف وجمع وحدٍّ. فقال سليمان: تنصرفون، ونرى فيما بيننا، وسيأتيكم إن شاء الله رأيٌ.
قال أبو مخنف: عن عبد الجبار - يعني ابن عباس الهمداني - عن عون ابن أبي جحيفة السوائي، قال: ثم إن عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد ابن طلحة عرضا على سليمان أن يقيم معهما حتى يلقوا جموع أهل الشأم على أن يخصاه وأصحابه بخراج جوخي خاصة لهم دون الناس، فقال لهما سليمان: إنا ليس للدنيا خرجنا؛ وإنما فعلا ذلك لما قد كان بلغهما من إقبال عبيد الله بن زياد نحو العراق. وانصرف إبراهيم بن محمد وعبد الله بن يزيد إلى الكوفة، وأجمع القوم على الشخوص واستقبال ابن زياد، ونظروا فإذا شيعتهم من أهل البصرة لم يوافوهم لميعادهم ولا أهل المدائن، فأقبل ناس من أصحابه يلزمونهم، فقال سليمان: لا تلزموهم فإني لا أراهم إلا سيسرعون إليكم، لو قد انتهى إليهم خبركم وحين مسيركم، ولا أراهم خلفهم ولا أقعدهم إلا قلة النفقة وسوء العدة، فأقيموا ليتيسروا ويتجهزوا ويلحقوا بكم وبهم قوة، وما أسرع القوم في آثاركم. قال: ثم إن سليمان بن صرد قام في الناس خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإن الله قد علم ما تنوون، وما خرجتم تطلبون، وإن للدنيا تجارًا، وللآخرة تجارًا، فأما تاجر الآخرة فساعٍ إليها، منتصب بتطلابها، لا يشتري بها ثمنًا، لا يرى إلا قائمًا وقاعدًا، وراكعًا وساجدًا، لا يطلب ذهبًا ولا فضة، ولا دنيا ولا لذة، وأما تاجر الدنيا فمكبٌّ عليها، راتع فيها، لا يبتغي بها بدلًا؛ فعليكم يرحمكم الله في وجهكم هذا بطول الصلاة في جوف الليل، وبذكر الله كثيرًا على كل حال، وتقربوا إلى الله جل ذكره بكل خير قدرتم عليه، حتى تلقوا هذا العدو والمحل القاسط فتجاهدوه، فإن تتوسلوا إلى ربكم بشيء هو أعظم عنده ثوابًا من الجهاد والصلاة؛ فإن الجهاد سنام العمل. جعلنا الله وإياكم من العباد الصالحين، المجاهدين الصابرين على اللأواء! وإنا مدلجون الليلة من منزلنا هذا إن شاء الله فادلجوا.
فادلج عشية الجمعة لخمس مضين من شهر بيع الآخر سنة خمس وستين للهجرة.
قال: فلما خرج سليمان وأصحابه من النخيلة دعا سليمان بن صرد حكيم ابن منقذ فنادى في الناس: ألا لا يتبين رجل منكم دون دير الأعور. فبات الناس بدير الأعور، وتخلف عنه ناسٌ كثير، ثم سار حتى نزل الأقساس؛ أقساس مالك على شاطىء الفرات، فعرض الناس، فسقط منهم نحوٌ من ألف رجل، فقال ابن صرد: ما أحب أن من تخلف عنكم معكم، ولو خرجوا معكم ما زادوكم إلا خبالًا؛ إن الله عز وجل كره انبعاثهم فثبطهم، وخصكم بفضل ذلك، فاحمدوا ربكم. ثم خرج من منزله ذلك دلجةً، فصبحوا قبر الحسين، فأقاموا به ليلةً ويومًا يصلون عليه، ويستغفرون له؛ قال: فلما انتهى الناس إلى قبر الحسين صاحوا صيحةً واحدة، وبكوا؛ فما رئي يومٌ كان أكثر باكيًا منه.
قال أبو مخنف: وقد حدث عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الرحمن ابن غزية، قال: لما انتهينا إلى قبر الحسين رضي الله عنه بكى الناس بأجمعهم، وسمعت جل الناس يتمنون أنهم كانوا أصيبوا معه؛ فقال سليمان: اللهم ارحم حسينًا الشهيد ابن الشهيد، المهدي ابن المهدي، الصديق ابن الصديق، اللهم إنا نشهدك أنا على دينهم وسبيلهم، وأعداء قاتليهم، وأولياء محبيهم. ثم انصرف ونزل، ونزل أصحابه.
قال أبو مخنف: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، قال: لما انتهى سليمان بن صرد وأصحابه إلى قبر الحسين نادوا صيحةً واحدةً: يا رب إنا قد خذلنا ابن بنت نبينا، فاغفر لنا ما مضى منا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وارحم حسينًا وأصحابه الشهداء الصديقين، وإنا نشهدك يا رب أنا على مثل ما قتلوا عليه، فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين؛ قال: فأقاموا عنده يومًا وليلة يصلون عليه ويبكون ويتضرعون؛ فما انفك الناس من يومهم ذلك يترحمون عليه وعلى أصحابه، حتى صلوا الغداة من الغد عند قبره، وزادهم ذلك حنقًا. ثم ركبوا، فأمر سليمان الناس بالمسير، فجعل الرجل لا يمضي حتى يأتي قبر الحسين فيقوم عليه، فيترحم عليه، ويستغفر له، قال: فوالله لرأيتهم ازدحموا على قبره أكثر من ازدحام الناس على الحجر الأسود.
قال: ووقف سليمان عند قبره، فكلما دعا له قوم وترحموا عليه قال لهم المسيب بن نجبة وسلمان بن صرد: الحقوا بإخوانكم رحمكم الله! فما زال كذلك حتى بقي نحو من ثلاثين من أصحابه، فأحاط سليمان بالقبر هو وأصحابه، فقال سليمان: الحمد لله الذي لو شاء أكرمنا بالشهادة مع الحسين، اللهم إذ حرمتناها معه فلا تحرمناها فيه بعده.
وقال عبد الله بن وال: أما والله إني لأظن حسينًا وأباه وأخاه أفضل أمة محمد وسيلةً عند يوم القيامة، أفما عجبتم لما ابتليت به هذه الأمة منهم! إنهم قتلوا اثنين، وأشفوا بالثالث على القتل؛ قال: يقول المسيب بن نجبة: فأنا من قتلهم ومن كان على رأيهم بريءٌ، إياهم أعادي وأقاتل. قال: فأحسن الرءوس كلهم المنطق، وكان المثنى بن مخربة صاحب أحد الرءوس والأشراف، فساءني حيث لم أسمعه تكلم مع القوم بنحو ما تكلموا به؛ قال: فوالله ما لبث أن تكلم بكلمات ما كن بدون كلام أحد من القوم، فقال: إن الله جعل هؤلاء الذين ذكرتم بمكانهم من نبيهم أفضل ممن هو دون نبيهم، وقد قتلهم قوم نحن لهم أعداء، ومنهم براء، وقد خرجنا من الديار والأهلين والأموال إرادة استئصال من قتلهم؛ فوالله لو أن القتال فيهم بمغرب الشمس أو بمنقطع التراب يحق علينا طلبه حتى نناله، فإن ذلك هو الغنم، وهي الشهادة التي ثوابها الجنة، فقلنا له: صدقت وأصبت ووفقت.
قال: ثم إن سليمان بن صرد سار من موضع قبر الحسين وسرنا معه، فأخذنا على الحصاصة، ثم على الأنبار، ثم على الصدود، ثم على القيارة.
قال أبو مخنف: عن الحارث بن حصيرة وغيره: إن سليمان بعث على مقدمته كريب بن يزيد الحميري.
قال أبو مخنف: حدثني الحصين بن يزيد، عن السري بن كعب، قال: خرجنا مع رجال الحي نشيعهم، فلما انتهينا إلى قبر الحسين وانصرف سليمان بن صرد وأصحابه عن القبر، ولزموا الطريق، استقدمهم عبد الله ابن عوف بن الأحمر على فرس له مهلوب كميت مربوع، يتأكل تأ: لًا، وهو يرتجز ويقول:
خرجن يلمعن بنا أرسالا ** عوابسًا يحملننا أبطالا
نريد أن نلقي به الأقتالا ** القاسطين الغدر الضلالا
وقد رفضنا الأهل والأموالا ** والخفرات البيض والحجالا
نرضي به ذا النعم المفضالا