حَقيراً وذي نخْوَة فيها قد ردَّته ذليلاً وذي تاجٍ قد كَبَّتْه لليدين والفم. سُلطانها دُوَل وعيشها رَنْق وعذْبُها أجَاج وحُلْوًها مُرّ وغِذاؤها سِمَام وأسبابها رِمَام وقِطَافها سَلَع. حَيُّها بعَرَض مَوْت وصَحيحها بعَرَض سُقْم ومَنيعها بعَرَض اهتضام. مَلِيكها مَسْلوب وعزيزها مَغْلوب وصحيحها وسَليمها مَنْكوب وحائزها وجامعُها مَحْروب مع أنَ مِن وَرَاء ذلك سَكراتِ الموت وزَفَرَاته وهَوْل المُطّلع والوُقوف بين يَدَي الحَكَم العَدْل ليَجْزِيَ الذين أساءوا بما عملوا ويجْزيَ الذين أحسنوا بالحُسنى. ألستُم في مساكن منْ كان منكم أطولَ أعماراً وأوْضَح آثاراً وأعدَ عديداً وأكْثَفَ جُنُوداً وأعمَد عَتَاداً وأصول عِمَاداً! تُعَبِّدُوا للدُّنيا أيِّ تَعَبُّد وأثروها أفيَ إيثار وظَعنوا عنها بالكُرْه والصَغار! فهل بَلَغكم أنَّ الدُّنيا سَمَحَتْ لهم نَفْساً بِفِدْية وأغنَتْ عنهم فيما قد أملتهم به بخَطْب! بل أثقلتهم بالفَوَادح وضعْضَعتهم بالنوائب وعَفرتهم للمناخر وأعانَت عليهم رَيْبَ المَنون وأرهَقَتهم بالمصائب. وقد رأيتم تنكُّرها لمن دانَ لها وأثرها وأَخْلَد إليها حتى ظَعَنوا عنها لِفِراق الأبد إلى آخِر الأمَد. هل زؤَدَتهم إلا الشقاء وأَحَفَتهم إلا الضَّنْك أو نوَّرَت لهم إلا بالظلمة وأعْقَبتهم إلا النَّدامة! أفهذه تؤْثِرون أو على هذه تَحْرصون أو إليها تَطْمَئِنّون! يقوله الله تبارك وتعالى: " مَنْ كان يُرِيد الحياة الدُّنيا وزينَتها نُوَفِّ إليهم أعمالَهم فيها وهُم فيها لا يُبْخَسُون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرًة إلا النّارُ وحَبِطَ ما صَنَعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يَعْمَلون " فبئست الدَّار لمن لم يتَهمْها ولم يكن فيها على وَجَل منها. اعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بُدَّ فإنما هي كما نَعَتَ الله عزِّ وجلَّ: " لعب ولَهْوٌ وزينةٌ وتَفَاخُرٌ بينكم وتَكاثُرٌ في الأمْوَال والأولَاد " فاتَّعِظُوا فيها بالذين قال الله تعالى فيهم: أتْبنون بكل رِيعٍ آيةً تَعبثُون. وتَتَّخِذون مَصانع لَعلَّكم تَخْلُدُون وبالذين قالوا: مَنْ أشَدُّ مِناقوة. واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حُمِلُوا إلى قُبورهم فلا يُدْعون رُكْباناً وانْزلوا الأجداث فلا يُدْعون ضِيفاناً وجُعِل لهم من الضريح أكنان ومن التراب أكفان ومن الرًّفات جِيران فهم جيرة لا يُجيبون داعِياً ولا يمنعون ضَيماً. إن أخصَبوا لم يَفْرحوا وإن قَحِطوا لم يَقْنَطوا جَمْعٌ وهُمْ آحاد جيرَة وهم أبعاد مُتَناءون يُزارون ولا يزورون حُلماء قد ذَهَبت أضغانهم وجهلاء قد ماتت أحقادُهم لا يُخْشى فَجْعهم ولا يُرْجي دَفْعهم وهم! كمن لم يكن. قال الله تعالى: " فَتِلْك مَسَاكنُهم لم تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهم إلّاَ قَليلاً وكُنا نَحْنُ الوارثين " استبدلوا بظَهْر الأرْض بَطْناً وبالسَّعة ضيقاً وبالآل غُرْبة وبالنُّور ظُلْمة فجاءوها حُفاةً عُراةً فرَادى غير أنْ ظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة إلى خُلُود الأبد. يقول الله تبارك وتعالى: كما بَدَأْنَا أوِّلَ خَلْق نعِيدُه وَعْداً عَلَيْنا إنّا كًنّا فاعِلين. فاحذروا ما حَذّرَكم الله وانتفعوا بمواعظه واعتصموا بِحَبْلِهِ عَصَمنا الله وإياكم بطاعته ورَزَقنا وإياكم أداء حقه ثم نزل. خطبة لأبي حمزة بمكة خطبهم أبو حمزة الشَّارِي بمكة. فَصعِدَ المِنْبَر مًتَوكِّئاً على قوس عربية فَخَطب خُطْبة طويلة ثم قال: يأهل مكة تُعيِّرُونني بأصحابي تَزْعمون أنهم شَبَاب وهل كان أصحاب رسول الله إلاّ شبَاباً! نعم الشباب مُكْتَهلين عَمِيَة عن الشرّ أعيُنهم بَطِيئة عن الباطل أرجُلُهم. قد نظر الله إليهم في آناء الليل مُنْثنِيَة أصلابهم بمثَاني القرآن إذا مرّ أحدُهم بآية فيها ذِكر الجنّة بكي شوقاً إليها وإذا مرّ بآية فيها ذكر النار شَهَق شهقة كأن زَفير جهنَّم في أُذُنيه. قد وَصَلُوا كَلالَ ليلهم بكلال نهارهم أنْضَاء عِبادة قد أكلَت الأرضُ جباهَهم وأيديَهم ورُكَبهم. مُصْفَرّة ألوَانُهم ناحلة أجسامهم من كثرة الصِّيام وطُول القِيَام مُسْتَقِلّون لذلك فٍي جَنْبِ الله مُوفون بعهد الله مستنجزون لوعد اللهّ. إذا رأوا سِهام العدوّ قد فوِّقَت ورِمَاحه قد أُشْرِعَت وسُيُوفه قد انتضيَت وبَرَقَت الكتيبة ورَعدت بصواعق الموت استهانوا بوَعيد الكَتِيبة لوعد الله فَمضي الشاب منهم قُدماً حتى تَخْتَلِف رجلاًه على عُنق فرسه قد رُمِّلت محاسنُ وجهه بالدِّماء وعُفِّر جَبِينُه بالثرى وأسَرع إليه سِبَاعُ الأرْض وانْحَطت عليه طَيْرُ السّماء فكم من مُقْلة في مِنْقار طائر طالما بَكى صاحبُها من خَشْيَة الله وكم من كَفٍّ بانت عن مِعْصَمها طالما اعتمد عليها صاحبُها في سُجوده وكم من خَدّ عَتيق وَجبين رَقيق قد فُلِق بعَمَد الحديد. رحمة الله على تلك الأبدان وأدْخل أرْواحها في الجنان. ثم قال: الناس منّا ونحن منهم إلاّ عابدَ وَثَن أو كفرة أهْل الكتاب أو إماماً جائراً أو شادًّا على عَضُده. خطبة لأبي حمزة بالمدينة قال مالك بن أنس رحمه الله: خَطبنا أبو حمزة خطبة شكّك فيها المُستبصر وردَت المًرتاب قال: أُوصيكم بتَقْوى الله وطاعته والعَمل بكتابه وسُنّة نبيّه وصِلة الرَّحم وتَعْظيم ما صَغّرت الجبابرة من حق الله وتَصْغير ما عَظَّمت من الباطل وإماتة ما أحيوا من الجَوْر وإحياء ما أماتوا من الحُقوق وأَنْ يُطاع اللهّ ويُعمى العبادُ في طاعته فالطاعةُ لله ولأهل طاعة اللهّ ولا طاعةَ لمخلوق في مَعْصية الخالق. نَدْعوكم إلى كتاب الله
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)