صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 4 من 477

الموضوع: رغـد : أنـت لــي (كتـير حلـوة)

العرض المتطور


  1. #1

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array


    ~ ~ ~ ~ ~

    لقد كانت مفاجأة هزّت كياننا جميعا ...

    عاطف وجيه، هو والد عمّار القذر، الذي قتلته بيدي قبل تسع سنين ..

    و عاطف هذا ، كان رجلا شديد الثراء و يملك العديد من الأملاك ... و من بينها مصنع كبير كان يضاهي معظم مصانع المدينة الساحلية، و هو مصنع لم تلمسه يد الحرب، كما فعلت بمصانع أخرى ، منها مصنع والدي السابق ...

    حقيقة، كان حدثا مزلزلا شل ّ حركتنا و أفكارنا طوال عدّة أيام...

    و الفتاة الفقيرة التي ارتبطت بها ، و التي قبلت بي على حالي و عللي ، و فتحت قلبها و بيتها و كل ما لديها من أجلي، و التي كنت أفكر بالانسحاب من حياتها من أجل رغد... أصبحت الآن..مالكة لثروة كبيرة !

    يا للأيام ...

    يا للزمن .. الذي يؤرجحنا و مصائرنا إيابا و ذهابا... علوا و هبوطا... مستقبلا و ماض ٍ !

    كان يفترض عليها السفر إلى المدينة الساحلية من أجل إتمام الإجراءات اللازمة شخصيا.. و استلام نصيبها العظيم من تلك الثروة...

    و كان علي أنا ترتيب الأمور من أجل هذه الرحلة، إلى المدينة الساحلية، مدينتي الأصلية، و التي لم أزرها منذ زمن..

    " هل تصدّق يا وليد ؟؟ إنني لا أكاد أصدّق ! كأنه حلم ! آخر شيء كنت أتوقعه في الوجود على الإطلاق..هو أن أرث شيئا و من ثروة عمّي الذي لم أره في حياتي غير بضع مرّات عابرة ! "

    قالت ذلك ، و هي بين التصديق و التكذيب.. تشع عيناها فرحا و ابتهاجا..

    قلت :

    " سبحان الله ! "

    أروى، مدت يديها و أمسكت بيدي و قالت :

    " شدّ على يدي ّ بقوّة يا وليد ! دعني أحس بالألم لأتأكّد من أنها حقيقة "

    ابتسمت لها و قلت :

    " إنها حقيقة مذهلة ! صدّقي يا أروى ! أصبحت ِ ثرية ! "

    أروى نظرت إلي بسعادة، و اغرورقت عيناها بالدمع، ثم ارتمت في حضني ...

    " ضمّني بقوّة يا وليد.. فأنا أريد أن أشعر بأنها الحقيقة..بأنني لا أحلم..بأنني في الواقع..وبأنك معي ! "

    أحطتها بذراعي مشجعا ..و مؤكدا لها ما أعجز أنا نفسي عن تصديقه... و مكررا :

    " سبحان الله...سبحان الله "

    أغمضت عيني، و نحن متعانقان، و سبحت في بحر الذكرى البعيدة... استعرض شريط حياتي و المفاجآت التي اختزنها القدر لي ، و صدمني بها مرة تلو أخرى ...

    قالت أروى :

    " ماذا سنفعل الآن؟؟ "

    " لا أعرف ! لازلنا في أول الطريق ! "

    ابتعدت أروى عن صدري قليلا، و نظرت إلي مطولا، و ابتسمت و قالت :

    " لا حاجة للقلق..ما دمت معي "

    ابتسمت لها، فعادت و غمرت رأسها في صدري بارتياح...

    أما أنا فأغمضت عيني في ألم...و مرارة ..في حيرة و ضياع.. ماذا سأفعل الآن؟؟ ماذا ينتظرني بعد ؟؟ ماذا تخبئين لي أيتها الأقدار ؟؟

    و عندما فتحتهما..لمحت عينين حمراوين..ملأتهما الدموع..تنظران إلي بألم، مطلتين من فتحة الباب.. و ما أن رأيتهما ..حتى انسحبت صاحبتهما مبتعدة .. تاركة إياي في بحر من الضياع..

    لم استطع البقاء مكاني لحظة بعد.. أبعدت أروى عني قليلا و قلت :

    " دعيني أذهب لترتيب بعض الأمور.. من أجل السفر "

    أروى ابتسمت و قالت :

    " و أنا أيضا سأرتب بعض أموري... لا أدري كم سنغيب هناك ! "


    و تركتها و تسللت نحو غرفة رغد..

    طرقت الباب مرارا لكنها لم تجبني، و حين هممت بالانصراف رأيت مقبض الباب يتحرك أخيرا...

    في الداخل، وجدت رغد غارقة في الدموع المريرة..فتصدّع فؤادي و طار عقلي خوفا عليها...

    " ما بك صغيرتي؟؟ ماذا حصل ؟"

    رمتني رغد بنظرة ثاقبة .. لم يكفها تمزيق أحشائي بل و صهرت الجدار الذي خلفي من حدّتها...

    " رغد !؟ "

    قالت :

    " متى ستسافران ؟ "

    قلت :

    " خلال أيام معدودة "

    قالت :

    " هل يجب أن تذهب أنت ؟ "

    استغربت سؤالها و أجبت :

    " طبعا ! فأروى ستكون بحاجة إلي بالتأكيد ! "

    قالت بنبرة حزينة :

    " و أنا ؟ "

    نظرت إليها بتعجّب ، و قلت :

    " بالطبع ستكونين معنا ! "

    رغد لم تعقّب، بل أحنت رأسها للأسفل بحزن...

    اقتربت منها أكثر ، ثم قلت :

    " رغد ! و هل تظنين أنني سأترك هنا و أذهب ؟؟ "

    رغد رفعت رأسها و نظرت إلي نظرة جعلت قواي تخور فجأة ...

    قلت بصوت ضعيف واهن :

    " أرجوك يا رغد.. ماذا تقصدين ؟ أخبريني بلسانك فلغة العيون هذه ..ترسلني إلى الجنون "

    قالت رغد :

    " ستصبحان ثريين ! "

    ثم أضافت :

    " هنيئا لكما ! "

    و غطت وجهها بيديها كلتيهما و بكت بكاء ً مؤلما...

    " أرجوك يا رغد، لم كل هذا ؟؟ ماذا يجول برأسك الآن ؟؟ "

    رغد قالت و هي على وضعها هذا :

    " دعني وحدي "

    لم أقبل، قلت مصرا :

    " ما بك الآن ؟ أخبريني أرجوك ؟؟ "

    أزاحت رغد يديها و رمقتني بنفس الناظرة ، و قالت :

    " أريد الذهاب إلى خالتي ! هلا ّ أخذتني إلى هناك ؟ "



    رتبنا الأمور للسفر برا ، أنا و رغد و أروى و الخالة ليندا ، فيما ظل العم إلياس في المزرعة، يهتم بأمورها بمساعدة الأشخاص الذين عيّنتهم أنا للعمل عندنا قبل مدّة.

    خطة سفرنا كانت تقتضي منا التعريج على المدينة الصناعية أولا ، من أجل زيارة عائلة أم حسام، كما ترغب رغد و تلح، و من ثم الذهاب إلى المدينة الساحلية.

    في السيارة، كانت أروى تجلس على المقعد المجاور لي، و كنا نتبادل الأحاديث معظم الوقت، بينما يخيم صمت غريب على المقعدين الخلفيين، رغد و الخالة !

    الخالة سرعان ما غلبها النعاس فنامت، أما الصغيرة الحبيبة، فكلما ألقيت نظرة عبر المرآة إليها وجدتها تحدّق بي بحدّة ! و كلما حاولت إشراكها في الحديث معنا ردت ردا مقتضبا سريعا ، باترا !

    المشوار إلى المدينة الصناعية المنكوبة لم يكن طويلا، لكن الشارع كان خاليا من أية سيارات، الأمر الذي يثير الوجل في قلوب عابريه !

    عبرنا على نفس محطة الوقود التي بتنا عندها تلك الليلة.. و نحن مشردون في العراء !

    المحطة كانت مهجورة، و البقالة مقفلة... المكان ساكن و هادىء ، لا يحركه شيء غير الريح الخفيفة تعبث بأشياء مرمية على الأرض ...

    كم كان يومنا مأساويا...

    خففت السرعة، و جعلت أراقب ما حولي و أستعرض شريط الذكريات... لقد نجونا بأعجوبة ! سبحان الله ...

    " وليد .. "

    كان هذا صوت رغد، تناديني بوجل.. و كأن الذكرى أثارت في قلبها الفزع... التفت إليها فوجدتها تكاد تلتصق بمقعدي ! و علامات التوتر و الخوف مستعمرة تقاسيم وجهها الدائري...

    قلت مشجعا :

    " نجونا.. بفضل الله .."

    و سبحنا في بحر عميق من الهدوء الموحش ...

    تابعنا طريقنا ، و الذكرى تجول في رأسينا... هنا مشينا حفاة.. هنا ركضنا... هنا وقفنا... هنا حملت رغد... هنا وقعت رغد ... هنا أصيبت رغد ! آه ..ما كان أفظع ذلك الجرح ! ...
    و هنا ...
    هنا ...
    ماذا تتوقعون هنا ؟؟
    إنها سيارتي !

    " وليد ! "

    نادتني رغد و هي ترى سيارتي القديمة واقفة إلى جانب الطريق ، مع سيارات أخرى في نفس المكان !

    أوقفت السيارة ، و أخذت أتفرج على سيارتي القديمة هناك !

    التفت إلى رغد فوجدتها تنظر إلي ...

    يا للأيام ! بل يا للشهور ! أما زالت سيارتي القديمة واقفة في انتظار عودتي في مكانها !

    فتحت الباب و هممت بالنزول ، ناو الذهاب و تفحصها عن كثب !

    " إلى أين وليد ؟؟ "

    سألني رغد ، قلت :

    " سألقي نظرة ! "

    و قبل أن أخرج كانت رغد قد فتحت بابها و سبقتني !

    وقفت إلى جانبها ، و قلت :

    " سأتفحصها عن قرب ! "

    " سآتي معك "

    و طبعا لا داعي لأن اعترض !

    ذهبنا إلى السيارة و فتحت الأبواب الغير موصدة، و تفحصت ما بالداخل ...و رغد إلى جانبي..

    " كما هي ! لم يتغير شيء ! أ رأيت يا رغد ؟؟ "

    لم تعقّب ، بل ظلت تتفحصها بعينيها ، و ربما تستعيد الذكرى المرعبة ..

    ركبت مقعدي الأمامي ، فأسرعت هي لركوب المقعد المجاور...و أغلقت الباب.



    " كما هي ! رغد .. أتصدّقين ذلك ! سبحان الله ! "

    رغد قالت :

    " هيا بنا..ننطلق للخلف، و نعود من حيث أتينا تلك الليلة، و نعود بالزمان للوراء، و ننسى ما حصل انطلاقا من هذه النقطة ! "

    ابتسمت و قلت :

    " يا ليت ... "

    و تنهّدت و أضفت :

    " يا ليتنا بعدما وصلنا إلى هذه النقطة، رجعنا للوراء ، و رجع كل شيء كما كان... "

    و أسندت رأسي إلى مسند المقعد.. و أغمضت عيني ...

    لست أريد العودة للوراء بضعة أشهر، بل تسع سنين ، بل عشر... بل 15 ...
    إلى ذلك اليوم الذي اقتحمت فيه مخلوقة صغيرة حياتي فجأة ! و ملأتها صراخا ، و بكاء ، و دموعا.. و ألما...

    فتحت عيني و التفت إلى رغد، فوجدتها تنظر إلي بقلق..

    إنها هي ذاتها... المخلوقة التي غزت عالمي منذ سنين .. ذاتها التي تجلس قربي الآن ، لا يفصلني عنها سوى بضع بوصات...

    تنظر إلي نظرتها للعالم بأسره، و أمثّل بالنسبة لها كل الناس...

    " رغد .. "

    " نعم ؟ "

    " كيف تشعرين الآن ؟؟ "

    قالت :

    " الآن الآن ؟"

    " نعم الآن ! ؟ "

    ابتسمت و قالت :

    " بالسرور ! "

    عجبا ! أمر هذه الصغيرة كله محيّر !


    بعد ذلك، أغلقت أبواب السيارة، و ودعناها على أمل العودة لها ذات يوم، و تابعنا مشوارنا نحو المدينة...

    ما إن أطللنا على مشارفها، حتى رأينا الدمار و الخراب يعشش على شوارعها و أجوائها...

    اضطررت لسلك طرق ملتوية و معقّدة لأصل إلى قلبها...

    المباني المتهدّمة ، الأشجار المحترقة، الشوارع المدمّرة، و الأشياء المبعثرة هنا و هناك ...

    كلها ، مناظر تثير الرعب في قلب الصخر...

    عبرنا أخيرا على الشارع المؤدي إلى منزلنا... و آه من ألم المنظر .. آه بعد ألف آه و آه...

    بيتنا.. كتلة من الفحم الأسود... محاطة بطبقة من الرماد و الغبار...

    تحوّل ذلك المنزل الصغير الهادئ، الحبيب .. إلى شبح ميت.. لا أثر فيه و لا معلم من معالم الحياة و الروح...

    " يا إلهي ! "

    قالت رغد ذلك ، و وضعت يدها على وجهها لتحاشي رؤية المنظر المؤلم...
    و تخفي الدموع التي ساحت على الجانبين.. رثاء و عزاء ...

    لم أستطع أن أمر من هنا مرور الكرام ، أوقفت سيارتي عند الباب ، المكان الذي اعتدت أن أوقف سيارتي فيه.. و نظرت من حولي ...

    شعرت باختناق شديد في صدري، و كأن الغبار و الرماد قد سدّت حويصلاته ، و منعت جزيئات الهواء من الدخول...

    مع ذلك، لم أتمالك منع نفسي من المضي قدما...

    فتحت الباب، وقلت :

    " سألقي نظرة"

    و التفت إلى رغد.. كانت لا تزال تخفي وجهها خلف يديها...

    قلت :

    " رغد.. أتأتين ؟؟ "

    أردتها أن تأتي معي.. شيء حي يتحرك معي في سكون ذلك الشبح الميت، أردت أن أشعر ببعض الحياة.. ببعض الأمان..بأن هناك من لا زال حيا معي .. رغم موت من مات.. و فناء من فني...

    أروى قالت :

    " سآتي معك ! "

    رغد بسرعة أبعدت يديها عن وجهها و فتحت الباب !

    خالتي الأخرى أيضا تبعتنا... و سرنا نحن الأربعة نحو الداخل...

    الأبواب كانت مفتوحة، كما تركناها أنا و دانة ليلة هروبنا ...

    سرنا ندوس على الرماد، و نتنفس الغبار.. و رائحة الخراب و الوحشة... تقرصنا الذكريات و تصفعنا المناظر المؤسفة، و تحني ظهورنا الحسرة على ما كان و ما لم يعد...

    رغد أمسكت بيدي، و كلما سرنا خطوة شدت ضغطها علي.. و كلما رأت شيئا أغمضت عينيها بقوّة و عصرت الدموع المتجمعة في محجريها...

    حتى إذا ما بلغنا الردهة المؤدية إلى غرفة والدي ّ ، حررت يدي من بين أصابعها، و هرولت نحو الباب و فتحته باندفاع...

    " أمي... أبي ... "

    حينها فقط، أدركت كم كنت مجنونا حين سمحت للفضول بالتغلب علي ... و وقفت عند المنزل...

    اقتحمت رغد الغرفة و هي تهتف

    " أمي .. أبي .. "

    و انهارت على السرير ، تحضن الوسائد و تبكي بحرارة و مرارة .. بكاء عاليا صدّع الحجر ... و أدمع الجدران.. و زلزل الأرض...

    " أنا أنتظركما ! لماذا لا تعودان ؟ أي حج هذا الذي لا يعود الحجيج فيه من بيت الله ! .. الله ! يا الله .. أنت ترى بيتي الآن ! أنت رب البيت و أنا لا بيت لي... و أنت رب الناس و أنا لا ناس لي ! أتاك جميع الآباء و الأمهات.. و أنا لا أب لي و لا أم ! يا رب.. لا أب لي و لا أم ! يتّمتني مرتين يا رب .. مرتين يا رب .. مرتين أفقد فيهما أعظم ما أعطيتني إياه .. بل أربع مرّات ! أمان و أبان ! أربع أيتام في بيت خرب محروق ! "

    كيف احتمل أنا ..وليد .. كلاما كهذا من رغد ؟؟

    انهرت باكيا معها بلا شعور... و أي شعور يبقى للمرء و هو يرى ما نراه...؟
    حسبنا الله و نعم الوكيل ...

    من وسادة إلى وسادة، و من زاوية إلى زاوية، و من شيء إلى شيء، أخذت صغيرتي تتنقل و هي تهتف

    " أمي .. أبي "

    تفتش حطام الخزائن، و تستخرج الخرق المحروقة المتبقية من ملابسهما و تحضنها و تقبّلها و تصرخ .. و قلبي يصرخ معها .. و تتمزق، و قلبي يتمزّق معها .. و تنهار و قلبي ينهار معها أيما انهيار...

    " يكفي رغد.. بالله عليك، دعينا نرحل "

    أبت رغد الحراك، بل زاد تشبثها حتى ببقايا الستائر.. و شباك النوافذ..

    أروى و الخالة بكتا لبكاء رغد، و وقفتا في الخارج في حزن و أسف على ما حلّ ببيتنا.. و بوالدينا..

    رغد ، أقبلت فجأة نحو الأدراج الموجودة أسفل المرآة.. و أخذت تفتح الواحدا تلو الآخر... و تستخرج أشياء أمي ، ما تبقى منها و تضم ما تضم، و تقبّل ما تقبّل ، و تضع في حقيبتها ما تضع..

    " هنا كانت أمي تجلس كل يوم تسرّح شعرها ! "
    " وليد انظر ! هذا سوار أمي المفضل ! "
    " وليد هل تعتقد أنها قد تغضب إن احتفظت به !؟"
    " أريد أن آخذ هذا معي !، و هذا .. و هذا و هذا و هذا ! "
    " وليد ..لا أريد أن أخرج من هنا ! ليتني كنت هنا و احترقت قبل رحيلهما "

    و مرة أخرى أسمعها تدعو على نفسها بالموت.. هتفت متوسلا :

    " يكفي يا رغد ، هيا نغادر المكان أرجوك فلم أعد أحتمل المزيد "

    اقتربت منها و أمسكت بذراعها و أرغمتها على الخروج من الغرفة، رغم مقاومتها..

    كانت رغد تبكي بكاءا شديدا ، و استمرّت في نوبتها هذه و نحن واقفان عند الباب، لا توافق على التزحزح عنه خطوة بعد...

    " رغد .. صغيرتي ... "

    ناديتها بأتعس صوت صدر من حنجرتي الكئيبة...على الإطلاق..

    نظرت إلي و قالت بأسى :

    " من بقي لي بعدهما؟ من بقي لي ؟ "

    قلت :

    " أنا يا رغد .. لك و معك دائما..أنا يا رغد.. أنا ... "

    رغد نظرت إلي نظرة حزينة قاتلة، و فكها الأسفل يرتجف من البكاء.. و الدموع تقطر منه ...

    " رغد ... "

    " وليد ... ضمّني "

    وقفت كالأبله ، لا أفهم و لا أفكر و لا أتصرف !

    قالت و فكها لا يزال ترتجف :

    " ضمّني .. ألست أبي و أمي الآن ؟ ألست من بقي لي ؟ "

رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array



  • #3

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array

    الحلقة الرابعة والثلاثون
    *********






    لأنني كنت أريد أن أبتعد عنه، و عن أروى التي تقترب منه أكثر يوما بعد يوم، و لأنني أصبحت بإحباط شديد بعد نزول الثروة المفاجئة على أروى، و تعلّقها أكثر و أكثر بوليد، رفضت متابعة سفري معه...

    لم أعد أحتمل المزيد، إن الذي ينبض بداخلي هو قلب و ليس محرك سيارات! لا أحتمل رؤية أروى معه، أختنق كلما أبصرتها عيني، أريدها أن تتحول إلى خربشة مرسومة بقلم الرصاص، حتى أمحوها من الوجود تماما بممحاة فتّاكة!

    وليد ، و أروى و أمها، و أفراد عائلة خالتي ، كانوا جميعا يقفون ناظرين إلي، و أنا أكرر :

    " سأبقى هنا بقية عمري "

    وليد وقف أولا صامتا، ذلك الصمت الذي يستلزمه استيعاب الأمور، ثم قال :

    " مستحيل ! "

    نشبت مشادة فيما بيننا، وتدخلت خالتي، و حسام و نهلة، واقفين إلى صفي، يطلبون من وليد تركي معهم..إلا أن وليد قال بغضب :

    " هيا يا رغد فأنا متعب ما يكفي و أريد أن أرتاح "

    بدأت العبرات تتناثر من مقلتي على مرأى من الجميع، و رقت قلوب أقاربي لي، و ساورتهم الشكوك بأنني غير مرتاحة مع ، أو لا ألقى معاملة حسنة من قبل وليد !

    قالت خالتي :

    " دعها تبات عندنا الليلة على الأقل، و غدا نناقش الأمر "

    قال وليد :

    " رجاء ً يا خالتي أم حسام، إنه أمر مفروغ منه "

    قالت خالتي :

    " و لكنها تريد البقاء هنا ! هل ستأخذها قهرا ؟ "

    قال وليد :

    " نعم إذا لزم الأمر "

    و هي جملة رنت في الأجواء و أخرست الجميع، و أقلقتهم !

    حتى أنا، ( ابتلعت ) دموعي و حملقت فيه بدهشة منها !

    يأخذني معه رغما عني ؟ يمسك بي قهرا و يشدني بالقوة، أو يحملني على ذراعيه عنوة، و يحبسني في السيارة !

    تبدو فكرة مضحكة ! و مثيرة أيضا !
    و لكن يا لسخافتي ! كيف تتسلل فكرة غبية كهذه إلى رأسي في لحظة كهذه !

    حسام قال منفعلا :

    " ماذا تعني ؟؟كيف تجرؤ !؟ "

    رمقه وليد بنظرة غاضبة و قال بحدة :

    " لا تتدخّل أنت "

    قال حسام مستاء :

    " كيف لا ؟ أ نسيت أنها ابنة خالتي ؟ نحن أولى برعايتها منك فأمي لا تزال حية أطال الله في عمرها "

    تدخّل أبو حسام قائلا :

    " ليس هذا وقت التحدّث بهذا الشأن "

    التفت إليه حسام و قال :

    " بلى يا والدي، كان يجب أن تحضر إلى هنا منذ شهور ، لولا الحظر الذي أعاق تحركنا "

    وليد تحدّث بنفاذ صبر قائلا :

    " هل تعتقد أنني سأقبل بهذا ؟ "

    حسام قال حانقا :

    " ليست مسألة تقبل أم لا تقبل ! هذا ما يجب أن يحدث شئت أم أبيت، كما و أنها رغبة رغد "

    و التفت إلي، طالبا التأييد، كما التفت إلي وليد و الجميع !
    قلت بتحد:

    " نعم، أريد العيش هنا مع خالتي "

    وجه وليد تحوّل إلى كتلة من النار... الأوداج التي تجانب عنقه و جبينه انتفخت لحد يخيل للمرء إنها على وشك الانفجار !
    عيناه تقذفان حمما بركانية حامية !
    رباه !
    كم هو مرعب ! يكاد شعر رأسي يخترق حجابي و يشع من رأسي كالشمس السوداء !

    قال :

    " و أنا، لن أبتعد عن هذا المكان خطوة واحدة إلا و أنت معي "

    في لحظة حاسمة مرعبة هذه، يتسلل تعليق غبي من ابنة خالتي الصغرى، حين تقول :

    " إذن .. نم معنا ! "

    جميعنا نظرنا إلى سارة نظرة مستهجنة، تلتها نظرة تفكير، تلتها نظرة استحسان !
    قال خالتي :

    " تبدو فكرة جيّدة ! لم لا تقضون هذه الليلة معنا ؟ "

    وليد اعترض مباشرة، و كذلك أروى ... و بعد نقاش قصير، نظر إلي وليد و قال :

    " لهذه الليلة فقط "

    معلنا بذلك موافقته على المبيت في بيت خالتي، و إصراره على عدم الخروج من الباب إلا و أنا معه !

    يا لهذا الوليد ! من يظن نفسه ؟؟ أبي ؟ أمي ؟ خطيبي ؟؟
    لو كان كذلك، ما تركني تائهة وسط دموعي في بيتنا المحروق، بحاجة لحضن يضمني و يد تربّت على كتفي، و وقف كالجبل الجليدي، يتفرّج علي ...

    أخرجت لنهلة كل ما كبته في صدري طوال تلك الشهور...حتى أثقلت صدرها و رأسها، و نامت و تركتني أخاطب نفسي!

    كذلك نام الجميع، و مضى الوقت... و أنا في عجز كلي عن النوم، و وليد يلعب فوق جفني ّ ، لذا نهضت عن السرير، و ذهبت إلى الطابق السفلي، بحثا عن وليد !
    كنت أدرك أنني لن أتمكن من النوم و لن يهدأ لي بال حتى أراه...

    لمحته جالسا في نفس المكان الذي كان يجلس فيه أثناء ( شجارنا ) و كان يبدو غارقا في التفكير العميق...

    انسحبت بحذر، إذ إنني لم أكن أريد الظهور أمامه.. فظهوري سيفتح باب للمشادة !
    لكني، بعدما رأيته، أستطيع أن أنام قريرة العين !
    ( نوما هنيئا..يا وليد قلبي ! )
    جملة أكررها كل ليلة قبيل نومي , مخاطبة بها صورة وليد المحفورة في جفنيّ...
    و التي أعجز عن محوها و لو اقتلعت جفني من جذورهما...





    ~ ~ ~ ~




  • #4

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array



    وافقت كارها على قضاء الليلة في بيت أبي حسام، و لم أنم غير ساعتين، لأن أفكاري كانت تعبث بدماغي طوال الوقت.

    ماذا إن قررت صغيرتي البقاء هنا ؟
    أتعتقد هي أنني سأسمح بهذا ؟؟
    مطلقا يا رغد مطلقا .. و إن كان آخر عمل في حياتي، فأنا لن أدعك تبتعدين عني...
    ما كدت أصدّق، أنك ِ تحررت ِ من أخي... الطيور.. يجب أن تعود إلى أعشاشها...
    مهما ابتعدت، و مهما حلّقت...
    مهما حدث و مهما يحدث يا رغد.. أنت ِ فتاتي أنا...

    تناولنا فطورنا في وقت متأخر، الرجال في مكان و النساء في مكان آخر... و حين فرغنا منه، طلبت أم حسام أن تتحدّث معي حديثا مطوّلا، فجلسنا أنا و هي، و ابنتها الصغيرة في غرفة المجلس... و كنت أعلم مسبقا عن أي شيء سيدور الحديث !

    " وليد يا بني.. إن ما مرّت به رغد لهي تجربة عنيفة، احترق بيتها، و تشردت ، ثم مات والداها، ثم انفصلت عن خطيبها، و عاشت في مكان غريب مع أناس غرباء ! هذا كثير على فتاة صغيرة يا بني ! "

    التزمت الصمت في انتظار التتمة

    " إنه لمن الخطأ جعلها تستمر في العيش هناك، إنها بحاجة إلى رعاية (أمومية و أبوية).. لذلك يجب أن تبقى معنا "

    هزت رأسي اعتراضا مباشرة... فقالت أم حسام :

    " لم لا ؟ "

    " لا يمكنني تركها هنا "

    " و لكن لماذا ؟ إنه المكان الطبيعي الذي يجب أن تكون فيه بعدما فقدت والديك، مع خالتها و عائلة خالتها، التي تربت بينهم منذ طفولتها"

    قلت مستنكرا :

    " لا يمكن ذلك يا أم حسام، الموضوع منته "

    استاءت أم حسام و قالت :

    " لماذا ؟ أترى تصرّفك حكيما ؟؟ تعيش معك أنت، ابن عمّها الغريب، و زوجته و أمها الأجنبيتين، و تترك خالتها و ابنتي خالتها !؟ "

    وقفت من شدة الانزعاج من كلامها ... كيف تصفني بالغريب ؟؟

    " أنا ابن عمّها و لست بالرجل الغريب "

    " و ابن عمّها ماذا يعني ؟ لو كان سامر لكان الأمر مختلفا .. بل إنه حتى مع سامر لا يمكنها العيش بعدما انفصلا . أنت لست محرما لها يا وليد "

    استفزّتني الجملة، فقلت بغضب:

    " و لا حسام و لا أباه ! "

    أم حسام ابتسمت ابتسامة خفيفة و هي تقول :

    " لكنني هنا ! "

    " و إن ْ ؟ ... أروى و أمها أيضا هناك "

    " لا مجال للمقارنة ! إنهما شخصان غريبان ، و أنا خالة رغد ، يعني أمها "

    قلت بنفاذ صبر :

    " لكنك لست ( المحرم ) هنا ! لن يغيّر وجودك و ابنتيك شيئا ! "

    أم حسا صمتت برهة ثم قالت :

    " إن كانت المشكلة في ذلك، فحلّها موجود، و إن كان سابقا لأوانه "

    الجملة دقّت نواقيس الخطر في رأسي، فقلت بحذر و بطء :

    " ماذا ... تقصدين ؟ "

    أم حسام قالت :

    " كان يحلم بالزواج منها منذ سنين، فإن هي وافقت على ذلك، أصبح حسام و رغد زوجين يعيشان معا في بيت واحد ! "

    كنت أتوقع أن تقول ذلك ، و أخشاه.. اضطربت و تبدّلت تعبيرات وجهي ، و استدرت فورا مغادرا الغرفة

    حين بلغت الباب سمعتها تناديني :

    " وليد ! إلى أين ! ؟ "

    استدرت إليها و النار مشتعلة من عيني و صدري، لم أكن أريد أن أفقد أعصابي لحظتها و أمام أم حسام.. لكنني صرخت :

    " سآخذها و نغادر فورا "

    و تابعت طريقي دون الاستجابة إلى نداءاتها من خلفي

    و من أمامي، رأيت حسام، واقفا على مقربة، ينتظر نتاج اللقاء الودي بيني و بين أمه

    لما رآني في حال يوحي للناظر بشدة انفعالي، و رأى أمه مقبلة من بعدي تناديني ، سأل بقلق :

    " ماذا حصل ؟ "

    لم يجب أينا، الجواب الذي كان بحوزتي لحظتها هي لكمة عنيفة توشك على الانطلاق من يدي رغما عني، كبتها عنوة حتى لا أزيد الموقف سوء ً

    التفت ّ الآن إلى الصغيرة سارة و طلبت منها استدعاء رغد و أروى و الخالة ليندا

    " اخبريهن بأننا سنغادر الآن "

    و ركضت الفتاة إلى حيث كن ّ يجلسن .. في إحدى الغرف .

    أم حسام قالت :

    " وليد ! يهديك الله يا بني ، ما أنت فاعل ؟ "

    أجبت بحنق :

    " راحل مع عائلتي ، و شكرا لكم على استضافتنا و جزيتم خيرا "

    حسام خاطب أمّه :

    " هل أخبرتِه ؟ "

    أجابت :

    " نعم ، و لكن ... "

    و نظرت إلي، فحذا هو حذوها ، و قال :

    " هل أخبرتك أمي عني و عن رغد ؟ "

    اكتفيت هذه المرّة بنظرة حادة فقأت بها عينيه...

    بدا مترددا، لكنه قال :

    " منذ زمن كنت أفكّر في ... "

    و هذه المرّة صرخت في وجهه بشدّة :

    " لا تفكّر في شيء و ابق حيث أنت "

    الاثنان تبادلا النظرات المتعجّبة ... و المستنكرة

    ثم نطق حسام :

    " و لتبق رغد معي أيضا، فأنا أرغب في الزواج منها بأسرع ما يمكن، و بما أنك هنا.. يمكننا أن ... "

    و في هذه المرة، و بأسرع ما يمكن ، و بعد انفلات أعصابي تماما، تفجرت اللكمة الدفينة في يدي، نحو وجه حسام ، بعنف و قسوة...

    ربما الصدمة مما فعلتـُه فاجأت حسام أكثر من الضربة نفسها، فوقف متسمرا محملقا في ّ في دهشة و ذهول !

    كنت لا أزال أشعر بشحنة في يدي بحاجة إلى التفريغ ! و ليتني أفرغتها فورا في أي شي.. حسام، الجدار، الأرض ، الشجر، الحجر ، الحديد ... أي شيء.. و لا أن أكبتها لذلك الوقت... ...

    عادت سارة، و معها أروى و أمها
    نقلت نظري بين الثلاث و لم أكد أسأل ، إذ أن الصغيرة قالت :

    " رغد تقول : ارحلوا ، فهي لن تأتي معكم أبدا ! "

    تحدّثت أروى الآن قائلة :

    " إنها مصرّة على البقاء هنا و اعتقد، أنها تشعر بالراحة و السعادة مع خالتها و ابنتيها ! "

    و استدارت إلى أمها متممة :

    " أليس كذلك أمي ؟ "

    قالت خالتي ليندا :

    " بلى، مسكينة ، لقد مرّت بظروف صعبة جدا، لم لا تتركها هنا لبعض الوقت يا وليد ؟ "

    عند هذا الحد، و ثار البركان...
    الجميع من حولي يقفون إلى صفها ضدّي، الكل يطلب مني ترك رغد هنا.. و يرى أنه التصرف السليم، و قد يكون كذلك، و قد يصدر من إنسان عاقل ، أما أنا..في هذه اللحظة فمجنون، و حين يتعلّق الأمر برغد فأنا أجن المجانين...

    سألت الصغيرة سارة :

    " أين هي ؟ "

    أشارت إلى الغرفة التي كانت النساء يجلسن فيها

    قلت :

    " أ أستطيع الدخول ؟ "

    فنظرت إلي الصغيرة سارة ببلاهة ، أشحت بأنظاري عنها و نظرت إلى أروى محوّلا السؤال إليها ، و كررت :

    " أ أستطيع الدخول ؟ "

    قالت أروى :

    " أجل ... "

    و سرت ُ نحو الغرفة ، و أنا أنادى بصوت عال مسموع :

    " رغد ... رغد "

    حتى أنبهها و ابنة خالتها إلى قدومي..
    طرقت الباب، ثم فتحته بنفسي، و أنا مستمر في النداء...
    الجميع تبعني، و رموني بنظرات مختلفة المعاني، لا تهمني، كما لا يهمكم سردها هنا
    وجدت صغيرتي واقفة و إلى جانبها ابنة خالتها، و على وجهيهما بدا التوتر و القلق...

    قلت :

    " رغد، هيا بنا ... "

    هزّت رأسها اعتراضا و ممانعة ، فقلت بصوت جعلته أكثر حدّة و خشونة :

    " رغد ، هيا بنا، سنرحل فورا "

    رغد تكلّمت قائلة :

    " لن أرحل معكم ، اذهبوا و اتركوني و شأني "

    رفعت صوتي أكثر و قلت بلهجة الإنذار الأخير :

    " رغد، أقول هيا بنا ، لأنه حان وقت الرحيل، و أنا لن أخرج من هنا إلا و أنت معي "

    قالت رغد بتحد ٍ :

    " لن أذهب ! "

    في هذه اللحظة، استخدمت بقايا الشحنة المكبوتة في يدي ..التي حدّثتكم عنها.. على حبيبة قلبي ، رغد
    أسرعت نحوها، و أمسكت بذراعها بعنف، و شددتها رغما عنها و أجبرتها على السير معي نحو الباب ...
    من حولي كان الجميع يهتف و يستنكر و يعترض ، و لكنني أبعدت ُ كل من حاول اعتراض طريقي بعنف، و دفعت حسام دفعة قوية صفعته بالجدار
    أم حسام حاولت استيقافي و صرخت في وجهي ، و مدّت رغد ذراعها الأخرى و تشبثت بخالتها، و بابنة خالتها ، و بكل شيء...إلا أنني سحبتها من بين أيديهم بقسوة
    أروى و أمها حاولتا ثنيي عما أقدمت عليه فكان نصيبها زجرة قوية مرعبة فجّرتها في وجهيهما كالقنبلة...
    نحو المخرج سرت و لحق بي حسام و البقية من بعده فأنذرته :

    " عن طريقي ابتعد لأنني لا أريد أن تصيبك كسور أنت في غنى عنها "

    " من تظن نفسك !؟ اترك ابنة خالتي و إلا .. "

    استخرجت المفتاح من جيبي و فتحت باب السيارة المجاور لمقعد السائق، و دفعت رغد عنوة إلى الداخل ، و أقفلته من بعدها .

    و الآن.. علي ّ أن ألقّن حسام درسا ، ليعرف جزاء من يتجرّأ على خطبة حبيبتي منّي ...

    كنت أنوي إيساعه ضربا، إلا أن تدخّل من حولي جعلني أكتفي ببعض اللكمات التي لا تسمن و لا تغني من جوع، و لا تخمد بركانا جنونيا ثار في داخلي بلا هوادة .
    وسط المعمة و البلبلة و الصراخ و الهتاف، و استغاثة رغد و ضرباتها المتتالية لنافذة السيارة ، و الفوضى التي عمّت الأجواء، التفت أنا إلى أروى و الخالة ليندا و هتفت بقوة :

    " ماذا تنتظران ؟ هيا إلى السيارة "

    و توجّهت إليها باندفاع، فركبتها و فتحت الأقفال لتركب الاثنتان، و أوصدها مجددا، و أنطلقت بسرعة ...

    قطعنا مسافة طويلة، و نحن في صمت يشوبه صوت محرّك السيارة، و صوت الهواء المتدفق من فتحة نافذتي الضيقة، و صوت بكاء رغد المتواصل...

    لم يتجرّأ أحد على النطق بكلمة واحدة... فقد كنا جميعا في ذهول مما حصل..

    لم أتخيّل نفسي... أقسو على صغيرتي بهذا الشكل..ولكن .. جن جنوني لفكرة أنها باقية مع حسام، أو صائرة إليه...

    و إن كان آخر عمل في حياتي، فأنا لن أسمح لأحد بأخذ رغد منّي مهما كان..و مهما كانت الظروف.. و مصيرك يا رغد لي أنا...


    " أما اكتفيت ِ بكاء ً ؟ هيا توقّفي فلا جدوى من هذر الدموع ... "

    قلت ذلك بأسلوب جاف ، جعل أروى تمد يدها من خلفي، و تلامس كتفي قاصدة أن أصمت و أدع رغد و شأنها...
    صمت ّ فترة لا بأس بها، بعدها فقدت أي قدرة لي على التركيز في القيادة، و أنا أرى رغد مستمرة في البكاء إلى جانبي...
    أوقفت السيارة على جانب الطريق، و التفت إليها ...
    كانت تسند رأسها إلى النافذة، في وضع تخشع له قلوب الجبابرة..فكيف بقلب وليد ؟؟

    " صغيرتي ... "

    ألقت علي نظرة إحباط و خيبة أمل أوشكت معها أن أستدير و أعود أدراجي و أوصلها إلى بيت خالتها ... إلا أنني تمالكت نفسي ...

    " رغد ... أنا آسف ... "

    لم تعر جملتي أية أهمية، و ظلت على ما كانت عليه...

    " أرجوك يا رغد.. قدّري موقفي، لا أستطيع تركك في مدينة و أسافر أنا إلى أخرى ! إنك تحت مسؤوليتي و لا يمكنني الابتعاد عنك ليلة واحدة "

    لم أر منها أي تجاوب، مددت يدي بعد تردد و أمسكت ُ بيدها ، فسحبت يدها بقوة و غضب :

    " اتركني ... "

    قلت :

    " لا أستطيع أن أتركك في أي مكان ... "

    رغد أجابت بانفعال :

    " و أنا لا أريد الذهاب معك ! أهو جبر ؟ أهو تسلّط ؟ لا أريد السفر معك ... أعدني إلى خالتي .. أعدني إلى خالتي .. "

    و أجهشت بكاء قويا ...

    قلت أنا :

    " سنعود لزيارتها حين ننهي مهمتنا ، و سنبقى هناك القدر الذي تريدين "

    صرخت رغد :

    " أريد العيش معهم مدى الحياة ! ألا تفهم ذلك ؟ "

    اشتط غضبي من هذه الجملة، فأمسكت بيدها مجددا و شددت قبضتي عليها و قلت بحدة و أنا أضغط على أسناني كأني أمزّق حقيقة أكرهها بين نابي ّ :

    " لن أدع لك الفرصة لتحقيق ما يدور برأسك.. و أقسم يا رغد.. أقسم بأنه ستمضي سنون خمس على الأقل، قبل أن أسمح لأي رجل بالزواج منك .. و إن كان ابن خالتك يطمع بك، فلينتظر هو بالذات عشر سنوات حتى أسمح له بطرح الفكرة ، و إن تجرأ على إعادة عرضه ثانية قبل ذلك .. فوالذي لم يخلق في داخلي قلبين اثنين، لأقننه درسا يُنسيه حروف اسمه ... و دون ذلك، لن يبعدك شيء عني ّ غير الموت.. الموت و الموت فقط "

    لم أدرك تماما خطورة ما تفوّهت به ، إلا بعد أن رأيت رغد تحملق بي بذهول شديد، و قد تبخّرت الدموع التي كانت تجري على وجنتيها.. و ألجم حديثي لسانها و منعها حتى عن التأوّه من شدة قبضي على يدها...
    ربما أكون قد كسرت أحد عظامها أو حرّكت أحد مفاصلها .. لقد كنت أضغط بقوة شديدة... أصابت عضلات يدي أنا بالإعياء...
    سكون تام خيّم علينا، ما عاد هناك صوت للمحرك، و لا للهواء ، و لا لرغد، و لا لأي شيء آخر..
    حررت يد رغد من قبضتي، فرأيتها محمرّة.. و بالتأكيد مؤلمة...
    إلا أن رغد لم يظهر عليها الألم، و لم تسحب يدها بعيدا عني ، كما لم ترفع عينيها المذهولتين عن عيني ...






    ~~~~~~~~






  • صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 22 (0 من الأعضاء و 22 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. لا تعـوّدني على [ قـربك ] كثـير
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 05:13 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1