الساعة الثامنة مساء... انتهى وقتُ الزيارة... و أتت ْ إحدى موظفات المستشفى لتنبيهنا لذلك... و أنا واقفٌ إلى جوار رغد... و الخالة قد وصلتْ قبل قليل، و سيف قد غادر.

نظرتُ إلى رغد نظرة متردّدة ثم قلتُ :


" ستبقى الخالة برفقتكِ... اعتمدي عليها في أي شيء تريدينه و إذا احتجتما لي اتصلا في الحال "


ظهر الاهتمام على قسمات وجه رغد و قالتْ :


" إلى أين ستذهب ؟ "


أجبتُ بلطف :


" إلى البيت... إذ أنه لا يمكنني البقاء أكثر "


و هنا رأينا رغد تستوي جالسة... و تقول معترضة و وجهها يصفر ّ قلقاً :


" هل ستتركني وحدي ؟ "


تبادلتُ و الخالة النظرات ثمّ قلتُ :


" لا ... ستبقى خالتي معك "


و إذا برغد تهتف :


" أخرجني من هنا "


وضعها ينذر بأنها على وشك الثوران... لم استطع قول شيء فقالتْ الخالة :


" يهديك الله يا بنيّتي كيف يُخرجكِ هكذا ؟ "


لكنّ رغد لم تكن تمزح... بل أبعدتْ اللحاف و أرادتْ النهوض فأسرعتُ باعتراضها و أنا أقول:


" أوه كلا... أرجوكِ لا تتحرّكي "


فصاحتْ مرتاعة:


" كيف تذهب و تتركني؟ ألا ترى ما أنا فيه يا وليد؟ ألا ترى هذا ؟؟ "


قلتُ بهلع:


" حسناً حسناً ... سوف لن أذهب لكن أرجوك لا تنفعلي مجدداً... ابقـَي مكانك "


و أنا أعيد إسنادها إلى الوسادة... و أتنهد ثم أمسح زخات العرق التي نبتتْ على جبيني و أضغط على صدغي لأخفـّف الصداع الذي تفاقم لحظتها... ثمّ أجلس على طرف السرير باستسلام...


لابد أن التوتر و الضيق كانا فاضحين جداً على وجهي... للدرجة التي صعقتني رغد عندها بقول :


" ماذا ؟ هل ضقتَ ذرعاً بي ؟ إذن ارم ِ بي من هذه النافذة و أرح نفسك "


لا ! ليس من جديد... توقــّـفي عن جنونك يا رغد أرجوكِ كفى... كفى...


زحفتُ نحوها و قلتُ بألم و ما بي من بقايا طاقة تحتمل المزيد:


" ما الذي تقولينه يا رغد؟؟ أرجوك هذا يكفي "


قالتْ صارخةً :


" ألا ترى حالتي هذه؟؟ كيف تفكّر في الذهاب و تركي؟ ألا تشعر بما أنا فيه ؟ "


إنّكِ أنتِ من لا يشعر بما أنا فيه يا رغد...


قلتُ :


" لا لم أفكّر في ترككِ ، و لكن نظام المستشفى لا يسمح ببقاء رجل برفقةِ مريضة في قسم السيدات. حتّى لو كان أباها. لذلك طلبتُ من الخالة مرافقتك"


لكن رغد لم يعجبها هذا و أصرّتْ على أن أبقى معها تلك الليلة، و لم تكن حالتها تسمح بأن أتجاهل إصرارها...


و رغم الحرج الشديد الذي واجهته و أنا أطلب من المسؤولين السماح لي بالبقاء هذه الليلة مع المريضة و المرافقة... تعاطفا ً مع حالتها النفسية، رضختُ لرغبة رغد و تكبّلتُ العناء و قضيتُ الليلة الثانية ساهراً إلى جوار صغيرتي... تاركاً أروى تبات وحيدة في المنزل الكبير...