قال أبو مخنف: فحدثني المحلمي، قال: انتهوا إلينا في أول وقت العصر، فصلى بنا صالح العصر، ثم عبانا لهم فاقتتلنا كأشد قتال اقتتله قوم قط، وجعلنا والله نرى الظفر يحمل الرجل منا على العشرة منهم فيهزمهم، وعلى العشرين فكذلك، وجعلت خليهم لا تثبت لخيلنا.
فلما رأى أميراهم ذلك ترجلا وأمرا جل من معهما فترجل، فعند ذلك جعلنا لا نقدر منهم على الذي نريد، إذا حملنا عليهم استقبلنا رجالتهم بالرماح، ونضحتنا رماتهم بالنبل، وخيلهم تطاردنا في خلال ذلك، فقاتلناهم إلى المساء حتى حال الليل بيننا وبينهم، وقد أفشوا فينا الجراحة، وأفشيناها فيهم، وقد قتلوا منا نحوًا من ثلاثين رجلًا، وقتلنا منهم أكثر من سبعين، ووالله ما أمسينا حتى كرهناهم وكرهونا، فوقفنا مقابلهم ما يقدمون علينا وما نقدم عليهم، فلما أمسوا رجعوا إلى عسكرهم، ورجعنا إلى عسكرنا فصلينا وتروحنا وأكلنا من الكسر. ثم إن صالحًا دعا شبيبًا وروءس أصحابه فقال: يا أخلائي، ماذا ترون؟ فقال شبيب: أرى أنا قد لقينا هؤلاء القوم فقاتلناهم، وقد اعتصموا بخندقهم، فلا أرى أن نقيم عليهم، فقال صالح: وأنا أرى ذلك، فخرجوا من تحت ليلتهم سائرين، فمضوا حتى قطعوا أرض الجزيرة، ثم دخلوا أرض الموصل فساروا فيها حتى قطعوها ومضوا حتى قطعوا الدسكرة. فلما بلغ ذلك الحجاج سرح إليهم الحارث بن عميرة بن ذي المشعار الهمداني في ثلاثة آلاف رجل من أهل الكوفة، ألف من المقاتلة الأولى، وألفين من الفرض الذي فرض لهم الحجاج. فسار حتى إذا دنا من الدسكرة خرج صالح بن مسرح نحو جلولاء وخانقين، وأتبعه الحارث ابن عميرة حتى انتهى إلى قرية يقال لها المدبج من أرض الموصل على تخوم ما بينها وبين أرض جوخى، وصالح يومئذ في تسعين رجلا، فعبي الحارث ابن عميرة يومئذ أصحابه، وجعل على ميمنته أبا الرواغ الشاكري، وعلى ميسرته الزبير بن الأروح التميمي، ثم شد عليهم - وذلك بعد العصر وقد جعل أصحابه ثلاثة كراديس؛ فهو في كردوس، وشبيب في كردوس في ميمنته، وسويد بن سليم في كردوس في الميسرة، في كل كردوس منهم ثلاثون رجلا فلما شد عليهم الحارث بن عميرة في جماعة أصحابه انكشف سويد ابن سليم، وثبت صالح وثبت صالح بن مسرح فقتل، وضارب شبيب حتى صرع، فوقع رجالة، فشد عليهم فانكشفوا، فجاء حتى انتهى إلى موقف صالح ابن مسرح فأصابه قتيلا، فنادى: إلى يا معشر المسلمين؛ فلاذوا به، فقال لأصحابه: ليعجل كل واحد منكم ظهره إلى ظهره صاحبه، وليطاعن عدوه إذا أقدم عليه حتى ندخل هذا الحصن، ونرى رأينا، ففعلوا ذلك حتى دخلوا الحصن وهم سبعون رجلا بشبيب، وأحاط بهم الحارث بن عميرة ممسيًا، وقال لأصحابه: احرقوا الباب، فإذا صار حمرًا فدعوه فإنهم لا يقدرون على أن يخرجوا منه حتى نصبحهم فنقتلهم، ففعلوا ذلك بالباب، ثم انصرفوا إلى عسكرهم، فأشرف شبيب عليهم وطائفة من أصحابه، فقال بعض أولئك الفرض: يا بني الزواني، ألم يخزكم الله! فقالوا: يافساق، نعم تقاتلوننا لقتالنا إياكم إذ أعماكم الله عن الحق الذي نحن عليه، فما عذركم عند الله في الفري على أمهاتنا! فقال له حلماؤهم إنما هذا من قول شباب فينا سفهاء، والله ما يعجبنا قولهم ولا نستحله. وقال شبيب لأصحابه: يا هؤلاء، ما تنظرون! فو الله لئن صبحكم هؤلاء غدوة إنه لهلاككم، فقالوا له: مرنا بأمرك، فقال لهم: إن الليل أخفى للويل، بايعوني ومن شئم منكم، ثم اخرجوا بنا حتى نشد عليهم في عسكرهم، فإنهم لذلك منكم آمنون، وأنا أرجوا أن ينصركم الله عليهم. قالوا: فابسط يدك فلنبايعك، فبايعوه، ثم جاءوا ليخرجوا، وقد صار بابهم جمرًا، فأتوا باللبود فبلوها بالماء، ثم ألقوها على الجمر، ثم قطعوا عليها، فلم يشعر الحارث بن عميرة ولا أهل العسكر إلا وشبيب وأصحابه يضربونهم بالسيوف في جوف عسكرهم، فضارب الحارث حتى صرع، واحتمله أصحابه وانهزموا، وخلوا لهم العسكر وما فيه، ومضوا حتى نزلوا المدائن، فكان ذلك الجيش أول جيش هزمه شبيب، وأصيب صالح بن مسرح يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من جمادى الأولى من سنته.
خبر دخول شبيب الكوفة وما كان من أمره مع الحجاج

وفي هذه السنة دخل الكوفة ومعه زوجته عزالة.
ذكر الخبر عن دخوله الكوفة وما كان من أمره وأمر الحجاج بها والسبب الذي دعا شبيبا إلى ذلك

وكان السبب في ذلك - فيما ذكر هشام، عن أبي مخنف، عن عبد الله ابن علقمة، عن قبيصة بن عبد الرحمن الخشعمي - أن شبيبًا لما قتل صالح بن مسرح بالمدبج وبايعه أصحاب صالح، ارتفع إلى أرض الموصل فلقى سلامة بن سيار بن المضاء التيمي تيم شيبان، فدعاه إلى الخروج معه، وكان يعرفه قبل ذلك إذ كانا في الديوان والمغازي، فاشترط عليه سلامة أن ينتخب ثلاثين فارسًا، ثم لا يغيب عنه إلا ثلاث ليال عددًا. ففعل، فانتخب ثلاثين فارسًا، فانطلق بهم نحو عنزة، وإنما أرادهم ليشفي نفسه منهم لقتلهم أخاه فضالة، وذلك أن فضالة كان خرج قبل ذلك في ثمانية عشر نفسًا حتى نزل ماء يقال له الشجرة من أرض الجبال عليه أثلة عظيمة، وعليه عنزة، فلما رأته عنزة قال بعضهم لبعض: نقتلهم ثم نغدو بهم إلى الأمير فنعطي ونجى، فأجمعوا على ذلك، فقال بنو نصر أخواله: لعمر الله لا نساعدكم على قتل ولدنا. فنهضت عنزة إليهم فقاتلوهم فقتلوهم، وأتوا برءوسهم عبد الملك بن مروان، فلذلك أنزلهم بانقيا، وفرض لهم، ولم تكن لهم فرائض قبل ذلك إلا قليلة، فقال سلامة بن سيار، أخو فضالة يذكر قتل أخيه وخذلان أخواله إياه:
وما خلت أخوال الفتى يسلمونه ** لوقع السلاح قبل ما فعلت نصر
قال: وكان خروج أخيه فضالة قبل خروج صالح بن مسرح وشبيب. فلما بايع سلامة شبيبًا اشترط عليه هذا الشرط، فخرج في ثلاثين فارسًا حتى انتهى إلى عنزة، فجعل يقتل المحلة منهم بعد المحلة حتى انتهى إلى فريق منهم فيهم خالته، وقد أكبت على ابن لها وهو غلام حين احتلم، فقالت وأخرجت ثديها إليه: أنشدك برحم هذا يا سلامة! فقال: لا والله، ما رأيت فضالة مذ أناخ بعمر الشجرة - يعني أخاه - لتقومن عنه، أو لأجمعن حافتك بالرمح، فقامت عن ابنها عند ذلك فقتله. قال أبو مخنف: فحدثني المفضل بن بكر من بني تيم بن شيبان أن شبيبًا أقبل في أصحابه نحو راذان. فلما سمعت به طائفة من بني تيم ابن شيبان خرجوا هرابًا منه، ومعهم ناس من غيرهم قليل، فأقبلوا حتى نزلوا دير خرزاد إلى جنب حولايا، وهم نحو من ثلاثة آلاف، وشبيب في نحو من سبعين رجلا أو يزيدون قليلا، فنزل بهم؛ فهابوه وتحصنوا منه، ثم إن شبيبًا سرى في اثني عشر فارسًا من أصحابه إلى أمه، وكانت في سفح ساتيد ما نازلة في مظلة من مظال الأعراب: فقال: لأتين بأمي فلأجعلنها في عسكري فلا تفارقني أبدًا حتى أموت أو تموت. وخرج رجلان من بني تيم بن شيبان تخوفا على أنفسهما فنزلا من الدير، فلحقا بجماعة من قومهما وهم نزول بالجال منهم على مسيرة ساعة من النهار، وخرج شبيب، في أولئك الرهط في أولهم وهم اثنا عشر، يريد أمه بالسفح، فإذا هو بجماعة من بني تيم بن شيبان غارين في أموالهم مقيمين، لا يرون أن شبيبًا يمر بهم لمكانهم الذي هم به، ولا يشعر بهم، فحمل عليهم في فرسانه تلك، فقتل منهم ثلاثين شيخًا؛ فيهم حوثرة بن أسد ووبرة بن عاصم الذان كانا نزلا من الدير، فلحقا بالجبال. ومضى شبيب إلى أمه فحملها من السفح، فأقبل بها، وأشرف رجل من أصحاب الدير من بكر بن وائل على أصحاب شبيب، وقد استخلف شبيب أخاه على أصحابه مصاد بن يزيد، ويقال لذلك الرجل الذي أشرف عليهم سلام بن حيان، فقال لهم: يا قوم، القرآن بيننا وبينكم. ألم تسمعوا قول الله: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه " قالوا: بلى، قال لهم: فكفوا عنا حتى نصبح، ثم نخرج إليكم على أمان لنا منكم، لكيلا تعرضوا لنا بشئ نكرهه حتى تعرضوا علينا أمركم هذا، فإن نحن قبلناه حرمت عليكم أموالنا ودماؤنا، وكنا لكم إخوانًا وإن نحن لم نقبله رددتمونا إلى مأمننا، ثم رأيتم رأيكم فيما بيننا وبينكم؛ قالوا لهم: فهذا لكم. فلما أصبحوا خرجوا إليهم، فعرض عليهم أصحاب شبيب قولهم، ووصفوا لهم أمرهم، فقبلوا ذلك كله، وخالطوهم ونزلوا إليهم، فدخل بعضهم إلى بعض، وجاء شبيب وقد اصطلحوا، فأخبره أصحابه خبرهم، فقال: أصبتم ووفقتم وأحسنتم. ثم إن شبيبًا ارتحل فخرجت معه طائفة وأقامت طائفة جانحة، وخرج يومئذ معه إبراهيم بن حجر المحلمي أبو الصقير كان مع بني تيم بن شيبان نازلًا فيهم، ومضى شبيب في أداني أرض الموصل وتخوم أرض جوخى، ثم ارتفع نحو أذربيجان، وأقبل سفيان بن أبي العالية الخشعمي في خيل قد كان أمر أن يدخل بها طبرستان، فأمر بالقفول، فأقبل راجعًا في نحو من ألف فارس، فصالح صاحب طبرستان. قال أبو مخنف: فحدثني عبد الله بن علقمة عن سفيان بن أبي العالية الخثعمي أن كتاب الحجاج أتاه: أما بعد، فسر حتى تنزل الدسكرة فيمن معك، ثم أقيم حتى يأتيك جيش الحارث بن عميرة الهمداني بن ذي المشعار، وهو الذي قتل صالح بن مسرح وخيل المناظر، ثم سر إلى شبيب حتى تناجزه، فلما أتاه الكتاب أقبل حتى نزل الدسكرة، ونودي في جيش الحارث بن عميرة بالكوفة والمدائن: أن برئت الذمة من رجل من جيش الحارث بن عميرة لم يواف سفيان بن أبي العالية بالدسكرة
قال: فخرجوا حتى أتوه، وأتته خيل المناظر، وكانوا خمسمائة، عليهم سورة بن أبجر التميمي من بني أبان بن دارم، فوافوه إلا نحوًا من خمسين رجلا تخلفوا عنه، وبعث إلى سفيان بن أبي العالية ألا تبرح العسكر حتى آتيك. فعجل سفيان فارتحل في طلب شبيب، فلحقه بخانقين في سفح جبل على ميمنته خازم بن سفيان الخثعمي من بني عمر بن شهران، وعلى ميسرته عدي بن عميرة الشيباني، وأصحر لهم شبيب، ثم ارتفع عنهم حتى كأنه يكره لقاءه، وقد أكن له أخاه مصادًا معه خمسون في هزم من الأرض، فلما رأوه جمع أصحابه ثم مضى في سفح الجبل مشرفًا فقالوا: هرب عدو الله فاتبعوه، فقال لهم عدي بن عميرة الشيباني: أيها الناس، لا تعجلوا عليهم حتى نضرب في الأرض ونسير بها، فإن يكونوا قد أكمنوا لنا كمينًا كنا قد حذرناه، وإلا فإن طلبهم لن يفوتنا. فلم يسمع منه الناس، وأسرعوا في آثارهم. فلما رأى شبيب أنهم قد جازوا الكمين عطف عليهم ولما رأى الكمين أن قد جاوزهم خرجوا إليهم، فحمل عليهم شبيب من أمامهم، وصاح بهم الكمين من ورائهم، فلم يقاتلهم أحد، وكانت الهزيمة، فثبت ابن أبي العالية في نحو من مائتي رجل، فقاتلهم قتالا شديدًا حسنًا؛ حتى ظن أنه انتصف من شبيب وأصحابه، فقال سويد بن سليم لأصحابه: أمنكم أحد يعرف أمير القوم ابن أبي العالية؟ فو الله لئن عرفته لأجهدن نفسي في قتله، فقال شبيب: أنا من أعرف الناس به، أما ترى صاحب الفرس الأغر الذي دونه المرامية! فإنه ذلك، فإن كنت تريده فأمهله قليلًا، ثم قال: يا قعنب، اخرج في عشرين فأتهم من ورائهم فخرج قعنب في عشرين فارتفع عليهم. فلما رأوه يريد أن يأتيهم من ورائهم جعلوا يتنقضون ويتسسللون، وحمل سويد بن سليم على سفيان بن أبي العالية فطاعنه، فلم تصنع رمحاهما شيئًا، ثم اضطربا بسيفهما ثم اعتنق كل منهما صاحبه، فوقعا إلى الأرض يعتركان؛ ثم تحاجزوا وحمل عليهم شبيب فانكشفوا، وأتى سفيان غلام له يقال له غزوان، فنزل عن برذونة، وقال: اركب يا مولاي، فركب سفيان، وأحاط به أصحاب شبيب، فقاتل دونه غزوان فقتل، وكانت معه رايته. وأقبل سفيان بن أبي العالية حتى انتهى إلى بابل مهروذ، فنزل بها، وكتب إلى الحجاج: أما بعد، فإني أخبر الأمير أصلحه الله أني أتبعت هذه المارقة حتى لحقتهم بخانقين فقاتلتهم، فضرب الله وجوههم، ونصرنا عليهم، فبينا نحن كذلك إذ أتاهم قوم كانوا غيبًا عنهم، فحملوا على الناس فهزموهم، فنزلت في رجال من أهل الدين والصبر فقاتلتهم، حتى خررت بين القتلى، فحملت مرتثًا، فأتى بي بابل مهروذ، فهأنذا بها والجند الذين وجههم إلى الأمير وافوا إلا سورة بن أبجر فإنه لم يأتني ولم يشهد معي حتى إذا نزلت بابل مهروذ أتاني يقول ما لا أعرف، ويعتذر بغير العذر والسلام. فلما قرأ الحجاج الكتاب قال: من صنع كما صنع هذا، وأبلى كما أبلى فقد أحسن. ثم كتب إليه: أما بعد: فقد أحسنت البلاء، وقضيت الذي عليك، فإذا خف عنك الوجع فأقبل مأجورًا إلى أهلك والسلام.
وكتب إلى سورة بن أبحر: أما بعد فيا بن أم سورة، ما كنت خليقًا أن تجترئ على ترك عهدي وخذلان جندي، فإذا أتاك كتابي فابعث رجلا ممن معك صليبًا إلى الخيل التي بالمدائن، فلينتخب منهم خمسمائة رجل، ثم ليقدم بهم عليك، ثم سر بهم حتى تلقى هذه المارقة. واحزم في أمرك، وكد عدوك، فإن أفضل أمر الحرب حسن المكيدة. والسلام. فلما أتى سورة كتاب الحجاج بعث عدي بن عميرة إلى المدائن. وكان بها ألف فارس، فانتخب منهم خمسمائة، ثم دخل على عبد الله بن أبي عصيفير - وهو أمير المدائن في إمارته الأولى - فسلم عليه، فأجازه بألف درهم، وحمله على فرس، وكساه أثوابًا. ثم إنه خرج من عنده، فأقبل بأصحابه حتى قدم بهم على سورة بن أبجر ببابل مهروذ، فخرج في طلب شبيب، وشبيب يجول في جوخى وسورة في طلبه، فجاء شبيب حتى انتهى إلى المدائن فتحصن منه أهل المدائن وتحرزوا. وهي أبنية المدائن الأولى، فدخل المدائن، فأصاب بها دواب جند كثيرة فقتل من ظهر له ولم يدخلوا البيوت. فأتى فقيل له: هذا سورة بن أبجر قد أقبل إليك. فخرج في أصحابه حتى انتهى إلى النهروان، فنزلوا به وتوضئوا وصلوا، ثم أتوا مصارع إخوانهم الذين قتلهم علي بن أبي طالب عليه السلام، فاستغفروا لإخوانهم، وتبرءوا من علي وأصحابه، وبكوا فأطالوا البكاء، ثم خرجوا فقطعوا جسر النهروان، فنزلوا من جانبه الشرقي، وجاء سورة حتى نزل بقطراثا، وجاءته عيونه فأخبرته بمنزل شبيب بالنهروان، فدعا رءوس أصحابه فقال: إنهم قلما يلقون مصحرين أو على ظهر إلا انتصفوا منكم، وظهروا عليكم، وقد حدثت أنهم لا يزيدون على مائة رجل إلا قليلا، وقد رأيت أن أنتخبكم فأسير في ثلثمائة رجل منكم من أقويائكم وشجعانكم فآتيهم الآن إذ هم آمنون لبياتكم؛ فو الله إلى لأرجو أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم الذين صرعوا منهم بالنهروان من قبل فقالوا: اصنع ما أحببت. فاستعمل على عسكره حازم بن قدامة الخثعمي، وانتخب من أصحابه ثلثمائة رجل من أهل القوة والجلد الشجاعة، ثم أقبل بهم نحو النهروان، وبات شبيب وقد أذكى الحرس، فلما دنا أصحاب سورة منهم نذروا بهم، فاستووا على خيولهم وتعبوا تعبيتهم. فلما انتهى إليهم سورة وأصحابه أصابوهم قد حذروا واستعدوا فحمل عليهم سورة وأصحابه فثبتوا لهم، وضاربوهم حتى صد عنهم سورة وأصحابه، ثم صاح شبيب بأصحابه، فحمل عليهم حتى تركوا له العرصة، وحملوا عليهم معه، وجعل شبيب يضرب ويقول:
من ينك العير ينك نياكا ** جندلتان اصطكتا اصطكاكا