قال هشام: فحدثني بهذا الحديث أبو مخنف وعوانة الكلبي، قال: لما جيء برأس جبلة بن زحر إلى الحجاج حمله على رمحين ثم قال: يا أهل الشام، أبشروا؛ هذا أول الفتح، لا والله ما كانت فتنة قط فخبت حتى يقتل فيها عظيم من عظماء أهل اليمن، وهذا من عظمائهم. ثم خرجوا ذات يوم فخرج رجل من أهل الشام يدعوا إلى المبارزة، فخرج إليه الحجاج ابن جارية، فحمل عليه، فطعنه فأذاره وحمل أصحابه فاستنقذوه، فإذا هو رجل من خثعمة يقال له أبو الدرداء فقال الحجاج بن جارية: أما إني لم أعرفه حتى وقع، ولو عرفته ما بارزته ما أحب أن يصاب من قومي مثله. وخرج عبد الرحمن بن عوف الرؤاسي أبو حميد فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه ابن عم له من أهل الشام، فاضطربا بسيفيهما، فقال كل واحد منهما: أنا الغلام الكلابي، فقال كل واحد منهما لصاحبه: من أنت؟ فلما تساءلا تحاجزا. وخرج عبد الله بن رزام الحارثي إلى كتيبة الحجاج، وقال: اخرجوا لي رجلا رجلا، فأخرج إليه رجل، فقتله ثم فعل ذلك ثلاثة أيام، يقتل كل يوم رجلًا، حتى إذا كان اليوم الرابع أقبل، فقالوا: قد جاء لا جاء الله به! فدعا إلى المبارزة، فقال الحجاج للجراح: اخرج إليه، فخرج إليه، فقال له عبد الله بن رزام - وكان له صديقًا: ويحك يا جراح! ما أخرجك إلي! قال: قد ابتليت بك، قال: فهل لك في خير؟ قال: ما هو؟ قال: أنهزم لك فترجع إلى الحجاج وقد أحسنت عنده وحمدك، وأما أنا فإني أحتمل مقالة الناس في إنهزامي عنك حبًا لسلامتك، فإني لا أحب أن أقتل من قومي مثلك؛ قال: فافعل، فحمل عليه فأخذ يستطرد له - وكان الحارثي قد قطعت لهاته، وكان يعطش كثيرًا، وكان معه غلامه له معه إدواة من ماء، فكلما عطش سقاه الغلام - فاطرد له الحارثي، وحمل عليه الجراح حملة بجد لا يريد إلا قتله، فصاح به غلامه: إن الرجل جاد في قتلك! فعطف عليه فضربه بالعمود على رأسه فصرعه، فقال لغلامه: إنضح على وجهه من ماء الإدواة، واسقه؛ ففعل ذلك به، فقال: يا جراح، بئسما ما جزيتني، أردت بك العافية وأردت أن تزريني المنية! فقال: لم أرد ذلك، فقال: انطلق فقد تركتك للقرابة والعشيرة. قال محمد بن عمر الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن صالح بن كيسان، قال: قال سعيد الحرشي: أنا في صف القتال يومئذ إذ خرج رجل من أهل العراق، يقال له: قدامة بن الحريش التميمين فوقف بين الصفين، فقال: يا معشر جرامقة أهل الشام، إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، فإن أبيتم فليخرج إلي رجل، فخرج إليه رجل من أهل الشام فقتله، حتى قتل أربعة، فلما رأى ذلك الحجاج أمر مناديًا فنادى: لا يخرج إلى هذا الكلب أحد، قال: فكف الناس. قال سعيد الحبشي: فدنوت من الحجاج فقلت: أصلح الله الأمير! إنك رأيت ألا يخرج إلى هذا الكلب أحد، وإنما هلك من هلك من هؤلاء النفر بآجالهم، ولهذا الرجل آجل، وأرجو أن يكون قد حضر، فأذن لأصحابي الذين قدموا معي فليخرج إليه رجل منهم، فقال الحجاج: إن هذا الكلب لم يزل هذا له عادة وقد أرعب الناس، وقد أذنت لأصحابك، فمن أحب أن يقوم فليقم. فرجع سعيد الحرشي إلى أصحابه فأعلمهم، فلما نادى ذلك الرجل بالبراز برز إليه رجل من أصحاب الحرشي، فقتله قدامة، فشق ذلك على سعيد، وثقل عليه لكلامه الحجاج، ثم نادى قدامة: من يبارز؟ فدنا سعيد من الحجاج، فقال: أصلح الله الأمير! إئذن لي في الخروج إلى هذا الكلب. فقال: وعندك ذلك؟ قال سعيد: نعم، أنا كما تحب؛ فقال الحجاج: أرني سيفك، فأعطاه إياه، فقال الحجاج: معي سيف أثقل من هذا، فأمر له بالسيف، فأعطاه إياه، فقال الحجاج - ونظر إلى سعيد فقال: ما أجود درعك وأقوى فرسك! ولا أدري كيف تكون مع هذا الكلب! قال سعيد: أرجو أن يظفرني الله به؛ قال الحجاج: اخرج على بركة الله. قال سعيد: فخرجت إليه، فلما دنوت منه، قال: قف يا عدو الله، فوقفت، فسرني ذلك منه، فقال: إختر إما أن تمكني فأضربك ثلاثًا، وإما أن أمكنك فتضربني ثلاثًا، ثم تمكنني. قلت: أمكني، فوضع صدره على قربوسه ثم قال: إضرب، فجمعت يدي على سيفي، ثم ضربت على المغفر متمكنًا، فلم يصنع شيئًا، فساءني ذلك من سيفي ومن ضربتي، ثم أجمع رأيي أن أضربه على أصل العاتق، فإما أن أقطع وإما أن أوهن يده عن ضربته، فضربته فلم أصنع شيئًا؛ فساءني ذلك ومن غاب عني ممن هو في ناحية العسكر حين بلغه ما فعلت، والثالثة كذلك. ثم اخترط سيفًا ثم قال: أمكني، فأمكنته، فضربني ضربةً صرعني منها، ثم نزل عن فرسه وجلس على صدري، وانتزع من خفيه خنجرًا أو سكينًا فوضعها على حلقي يريد ذبحي، فقلت له: أنشدك الله! فإنك لست مصيبًا من قتلي الشرف والذكر مثل ما أنت مصيب من تركي، قال: ومن أنت؟ قلت: سعيد الحرشي، قال: أولى يا عدو الله! فانطلق فأعلم صاحبك ما لقيت. قال سعيد: فانطلقت أسعى حتى أنتهيت إلى الحجاج، فقال: كيف رأيت! فقلت: الأمير كان أعلم بالأمر. رجع الحديث إلى الحديث أبي مخنف، عن أبي يزيد، قال: وكان أبو البختري الطائي وسعيد بن جبير يقولان: " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابًا مؤجلًا " إلى آخر الآية، ثم يحملان حتى يواقعا الصف. قال أبو المخارق: قاتلناهم مائة يوم سواء أعدها عدًا. قال: نزلنا دير الجماجم مع ابن محمد غداة الثلاثاء ليلة مضت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين، وهزمنا يوم الأربعاء بأربع عشرة مضت من جمادى الآخرة عند إمتداد الضحى ومتوع النهار، وما كنا قط أجرأ عليهم ولا هم أهون علينا منهم في ذلك اليوم. قال: خرجنا إليهم وخرجوا إلينا يوم الأربعاء، لأربع عشرة مضت من جمادى الآخرة، فقاتلناهم عامة النهار أحسن قتال قاتلناهموه قط، ونحن أمنون من الهزيمة، عالون بالقوم، إذ خرج سفيان بن الأبرد الكلبي في الخيل من قبل ميمنة أصحابه، حتى دنا من الأبرد بن قرة التميمي، وهو على ميسرة عبد الرحمن بن محمد، فوالله ما قاتله كبير كبير قتال حتى انهزم، فأنكرها الناس منه، وكان شجاعًا ولم يكن الفرار له بعادة، فظن الناس أنه قد كان أومن، وصولح على أن ينهزم بالناس، فلما فعلها تقوضت الصفوف من نحوه، وركب الناس وجوههم وأخذوا في كل وجه، وصعد عبد الرحمن بن محمد المنبر، فأخذ ينادي الناس: عباد الله، إلي أنا ابن محمد؛ فأتاه عبد الله بن رزام الحارثي، فوقف تحت منبره، وجاء عبد الله بن ذؤاب السلمي في خيل له، فوقف منه قريبًا، وثبت حتى دنا منه أهل الشام، فأخذت نبلهم تحوزه، فقال: يا بن رزام، احمل على هذه الرجال والخيل، فحمل عليهم حتى أمعنوا. ثم جاءت خيل لهم أخرى ورجال، فقال: احمل عليهم يا بن ذؤاب، فحمل عليهم حتى أمعنوا، وثتب لا يبرح منبره، ودخل أهل الشام العسكر، فكبروا، فصعد إليه عبد الله بن يزيد بن المغفل الأزدي - وكانت مليكة ابنة أخيه امرأة عبد الرحمن - فقال: إنزل، فإني أخاف عليك إن لم تنزل أن تؤسر، ولعلك إن انصرفت أن تجمع لهم جمعًا يهلكهم الله به بعد اليوم. فنزل وخلى أهل العراق العسكر، وانهزموا لا يلوون على شيء، ومضا عبد الرحمن بن محمد مع ابن جعدة بن هبيرة ومعه أناس من أهل بيته؛ حتى إذا حاذوا قرية بني جعدة بالفلوجة دعوا بمعبر، فعبروا فيه، فانتهى إليهم بسطام بن مصقلة، فقال: هل في السفينة عبد الرحمن بن محمد؟ فلم يكلموه، وظن أنه فيهم، فقال: " لا وألت نفس عليها تحاذر "
ضرم قيس على البلا ** د حتى إذا اضطرمت أجذما
ثم جاء حتى انتهى إلى بيته وعليه السلاح وهو على فرسه لم ينزل عنه، فخرجت إليه ابنته فالتزمها، وخرج إليه أهله يبكون، فأوصاهم بوصية وقال: لا تبكوا، أرأيتم إن لم أترككم، كم عسيت أن أبقى معكم حتى أموت! وإن أنا مت فإن الذي رزقكم الآن حي لا يموت، وسيرزقكم بعد وفاتي كما رزقكم في حياتي؛ ثم ودع أهله وخرج من الكوفة. قال أبو مخنف: فحدثني الكلبي محمد بن السائد، أنهم لما هزموا ارتفاع النهار حين امتد ومتع، قال: جئت أشتد ومعي الرمح والسيف والترس حتى بلغت أهلي من يومي، ما ألقيت شيئًا من سلاحي، فقال الحجاج: اتركوهم فليتبدلوا ولا تتبعوهم، ونادى المنادي من رجع فهو آمن. ورجع محمد بن مروان إلى الموصل، وعبد الله بن عبد الملك إلى الشام بعد الوقعة، وخليا الحجاج والعراق، وجاء الحجاج حتى دخل الكوفة، وأجلس مصقلة ابن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه، وكان خطيبًا فقال: إشتم كل امرئ بما فيه ممن كنا أحسنا إليه، فاشتمه بقلة شكره، ولؤم عهده؛ ومن علمت منه عيبًا فعبه بما فيه، وصغر إليه نفسه. وكان لا يبايعه أحد إلا قال له: أتشهد أنك قد كفرت؟ فإذا قال: نعم، بايعه وإلا قتله، فجاء إليه رجل من خثعم ق كان معتزلًا للناس جميعًا من وراء الفرات، فسأله عن حاله فقال: ما زلت معتزلًا وراء هذه النطفة، منتظرًا أمر الناس حتى ظهرت، فأتيتك لأبايعك مع الناس؛ قال: أمتربص! أتشهد أنك كافر؟ قال: بئس الرجل أنا إن كنت عبدت الله ثمانين سنة ثم أشهد على نفسي بالكفر؛ قال: إذًا أقتلك؛ قال: وإن قتلتني فوالله ما بقي من عمري إلا ظمء حمار، وإني لأنتظر الموت صباح مساء، قال: اضربوا عنقه، فضربت عنقه، فزعموا أنه لم يبقى حوله قرشي ولا شامي ولا أحد من الحزبين إلا رحمه ورثى له من القتل.
ودعا بكميل بن زياد النخعي فقال له: أنت المقتص من عثمان أمير المؤمنين؟ قد كنت أحب أن أجد عليك سبيلًا، فقال: والله ماأدري على أينا أشد غضبًا؟ عليه حين أقاد من نفسه، أم على حين عفوت عنه؟ ثم قال: أيها الرجل من ثقيف، لا تصرف عن أنيابك، ولا تهدم على تهدم الكثيب، ولا تكثر كثران الذئب، والله ما بقي من عمري إلا ظمء الحمار، فإنه يشرب غدوة ويموت عشية، ويشرب عشية ويموت غدوة، اقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله، وبعد القتل الحساب، قال الحجاج إن الحجة عليك، قال: ذلك إن كان القضاء إليك، قال: بلى كنت فيمن قتل عثمان، وخلعت أمير المؤمنين، اقتلوه. فقدم فقتل، قتله أبو الجهم بم كنانة الكلبي من بني عامر بن عوف، ابن عم منثور بن جمهور. وأتى بآخر من بعده، فقال الحجاج: إني أرى رجلًا ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر، فقال: أخادعي عن نفسي! أنا أكفر أهل الأرض، واكفر من فرعون ذي الأوتاد، فضحك الحجاج وخلى سبيله. وأقام بالكوفة شهرًا، وعزل أهل الشام عن بيوت أهل الكوفة
هزيمة ابن الأشعث وأصحابه في وقعة مسكن

وفي هذه السنة كانت الوقعة بمسكن بين الحجاج وابن الأشعث بعدما انهزم من دير الجماجم.
ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة وعن صفتها
قال هشام: حدثني أبو مخنف، عن أبي يزيد السكسكي، قال: خرج محمد بن سعيد بن أبي وقاص بعد وقعة الجماجم حتى نزل المدائن، واجتمع إليه ناس كثير، وخرج عبيد الله بن عبد الرحمن بن شمرة بن حبيب بن عبد شمس القرشي حتى أتى البصرة وبها أيوب بن الحكم بن أبي عقيل، ابن عم الحجاج، فأخذها، وخرج عبد الرحمن بن محمد حتى قدم البصرة وهو بها، فاجتمع الناس إلى عبد الرحمن ونزل، فأقبل عبيد الله حينئذ إلى ابن محمد بن الأشعث، وقال له: إني لم أرد فراقك، وإنما أخذتها لك. وخرج الحجاج فبدأ بالمدائن، فأقام عليها خمسًا حتى هيأ الرجال في المعابر، فلما بلغ محمد بن سعد عبورهم إليهم خرجوا حتى لحقوا بابن الأشعث جميعًا. وأقبل نحو الحجاج، فخرج الناس معه إلى مسكن على دجيل، وأتاه أهل الكوفة والفلول من الأطراف، وتلاوم الناس على الفرار، وبايع أكثرهم بسطام بن مصقلة على الموت، وخندق عبد الرحمن على أصحابه، وبشق الماء من جانب، فجعل القتال من وجه واحد، وقدم عليه خالد بن جرير بن عبد الله القسري من خراسان في ناس من بعث الكوفة، فاقتتلوا خمس عشرة ليلة من شعبان أشد القتال حتى قتل زياد بن غنيم القيني، وكان على مسالح الحجاج، فهده ذلك واصحابه هدًا شديدًا.
قال أبو مخنف: حدثني أبو جهضم الأزدي، قال: بات الحجاج ليله كله يسير فينا يقول لنا: إنكم أهل الطاعة، وهم أهل المعصية، وأنتم تسعون في رضوان الله، وهم يسعون في سخط الله، وعادة الله عندكم فيهم حسنة؛ ما صدقتموهم في موطن قط ولا صبرتم إلا أعقبكم الله النصر عليهم والظفر بهم؛ قأصبحوا إليهم عادين جادين، فإني لست أشك في النصر إن شاء الله.
قال: فأصبحنا، وقد عبأنا في السحر، فباكرناهم فقاتلناهم أشد قتال قاتلناهموه قط، وقد جاءنا عبد الملك بن المهلب مجففًا، وقد كشفت خيل سفيان بن الأبرد، فقال له الحجاج: ضم إليك يا عبد الملك هذا النشر لعلي أحمل عليهم، ففعل، محمل الناس من كل جانب، فانهزم أهل العراق أيضًا، وقتل أبو البختري الطائي وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وقالا قبل أن يقتلا: إن الفرار كل ساعة بنا لقبيح. فأصيبا. قال: ومشى بسطام بن مصقلة الشيباني في أربعة آلاف من أهل الحفاظ من أهل المصرين، فكسروا جفون السيوف، وقال لهم ابن مصقلة: لو كنا إذا فررنا بأنفسنا من الموت نجونا منه فررنا، ولكنا قد علمنا أنه نازل بنا عما قليل، فأين المحيد عما لابد منه! يا قوم إنكم محقون، فقاتلوا على الحق، والله لو لم تكونوا على الحق لكان موت في عز خيرًا من حياة في ذل. فقاتل هو وأصحابه قتالًا شديدًا كشفوا فيه أهل الشام مرارًا، حتى قال الحجاج: علي بالرماة لايقاتلهم غيرهم، فلنا جاءتهم الرماة وأحاط بهم الناس من كل جانب قتلوا إلا قليلًا، وأخذ بكير بن ربيعة بن ثروان الضبي أسيرًا، فأتى به الحجاج فقتله. قال أبو مخنف: فحدثني أبو الجهضم، قال: جئت بأسير كان الحجاج يعرفه بالبأس، فقال الحجاج: يا أهل الشام، إنه من صنع الله لكم أن هذا غلام من الغلمان جاء بفارس أهل العراق أسيرًا، اضرب عنقه، فقتله. قال: ومضى ابن الأشعث والفل من المنهزمين معه نحو سجستان فأتبعهم الحجاج عمارة بن تميم اللخمي ومعه ابنه محمد بن الحجاج وعمارة أمير على القوم؛ فسار عمارة بن تميم إلى عبد الرحمن فأدركه بالسوس، فقاتله ساعة من نهار، ثم إنه انهزم هو وأصحابه فمضوا حتى أتوا سابور، واجتمعت إلى عبد الرحمن بن محمد الأكراد مع من كان من الفلول، فقاتلهم عمارة بن تميم قتالًا شديدًا على العقبة حتى جرح عمارة وكثير من أصحابه، ثم انهزم عمارة وأصحابه وخلوا لهم عن العقبة، ومضى عبد الرحمن مر بكرمان. قال الواقدي: كانت وقعة الزاوية بالبصرة في المحرم سنة ثلاث وثمانين. قال أبو مخنف: حدثني سيف الله بن بشر العجلي، من المنخل بن حابس العبدي، قال: لما دخل عبد الرحمن بن محمد كرمان تلقاه عمرو بن لقيط العبدي - وكان عامله فيها - فهيأ له نزلًا فنزل، فقال له شيخ من عبد القيس يقال له معقل: والله لقد بلغنا عنك يا بن الأشعث أن قد كنت جبانًا، فقال عبد الرحمن: والله ما جبنت، والله لقد دلفت الرجال بالرجال، ولففت الخيل بالخيل، ولقد قاتلت فارسًا، وقاتلت راجلًا، وما انهزمت، ولا تركت العرصة للقوم في موطن حتى لا أجد مقاتلًا ولا أرى معي مقاتلًا، ولكني زاولت ملكًا مؤجلًا. ثم إنه مضى بمن معه حتى فوز في مفازة كرمان. قال أبو مخنف: فحدثني هشام بن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي، قال: لما مضى ابن محمد في مفازة كرمان وأتبعه أهل الشام دخل بعض أهل الشام قصرًا في المفازة، فإذا فيه كتاب قد كتبه بعض أهل الكوفة من شعر أبي جدة اليشكري، وهي قصيدة طويلة:
أيا لهفًا ويا حزنًا جميعًا ** ويا حر الفؤاد لما لقينا!
تركنا الدين والدنيا جميعًا ** وأسلمنا الحلال والبنينا
فما كنا أناسًا أهل دين ** فنصبر في البلاء إذا ابتلينا
وما كنا أناسًا أهل دينًا ** فنمنعها ولو لم نرج دينا
تركنا دورنا لطغام عك ** وأنباط القرى والأشعرينا