فبايعه على خلع سليمان الحجاج بن يوسف وقتيبة، ثم هلك الوليد وقام سليمان بن عبد الملك، فخافه قتيبة. قال علي بن محمد: أخبرنا بشر بن عيسى والحسن بن رشيد وكليب ابن خلف. عن طفيل بن مرداس، وجبلة بن فروخ، عن محمد بن عزيز الكندي، وجبلة بن أبي رواد ومسلمة بن محارب، عن السكن بن قتادة؛ أن قتيبة لما أتاه موت الوليد بن عبد الملك وقيام سليمان. أشفق من سليمان لأنه كان يسعى في بيعة عبد العزيز بن الوليد مع الحجاج. وخاف أن بولي سليمان يزيد بن المهلب خراسان. قال: فكتب إليه كتابًا يهنئه بالخلافة، ويعزيه على الوليد، ويعلمه بلاءه وطاعته لعبد الملك والوليد، وأنه له على مثل ما كان لهما عليه من الطاعة والنصيحة إن لم يعزله عن خراسان. وكتب إليه كتابًا آخر يعلمه فيه فتوحه ونكايته وعظم قدره عند ملوك العجم، وهيبته في صدورهم، وعظم صوته فيهم، ويذم المهلب وآل المهلب، ويحلف بالله لئن استعمل يزيد على خراسان ليخلعنه. وكتب كتابًا ثالثًا في خلعه، وبعث بالكتب الثلاثة مع رجل من باهلة، وقال له: ادفع إليه هذا الكتاب. فإن كان يزيد بن المهلب حاضرًا، فقرأه ثم ألقاه إليه، فادفع إليه هذا الكتاب، فإن قرأه وألقاه إلى يزيد فادفع إليه هذا الكتاب، فإن قرأ الأول ولم يدفعه إلى يزيد فاحتبس الكتابين الآخرين. فقد قام رسول قتيبة فدخل على سليمان وعنده يزيد ين المهلب دفع إليه الكتاب، فقرأه، ثم ألقاه إلى يزيد، فدفع إليه كتابًا آخر فقرأه، ثم رمى به إلى يزيد، فأعطاه الكتاب الثالث، فقرأه فتمعر لونه، ثم دعا بطين فختمه ثم أمسكه بيده. وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى، فإنه قال - فيما حدثت عنه: كان في الكتاب الأول وقيعة في يزيد بن المهلب، وذكر غدره وكفره وقلة شكره، وكان في الثاني ثناء على يزيد، وفي الثالث: لئن لم تقرني على ما كنت عليه وتؤمني لأخلعنك خلع النعل، ولأملأنها عليك خيلا ورجالا. وقال أيضًا: لما قرأ سليمان الكتاب الثالث وضعه بين مثالين من المشل التي تحته ولم يحر في ذلك مرجوعًا. رجع الحديث إلى حديث علي بن محمد. قال: ثم أمر - يعني سليمان برسول قتيبة أن ينزل، فحول إلى دار الضيافة، فلما أمسى دعا به سليمان فأعطاه صرة فيها دنانير، فقال: هذه جائزتك. وهذا عهد صاحبك على خراسان فسر، وهذا رسولي معك بعهده. قال: فخرج الباهلي، وبعث معه سليمان رجلًا من عبد القيس، ثم أحد بني ليث يقال له صعصعة - أو مصعب - فلما كان بحلوان تلقاهم الناس بخلع قتيبة، فرجع العبدي، ودفع العهد إلى رسول قتيبة، وقد خلع؛ واضطرب الأمر، فدفع إليه عهده، فاستشار إخوته، فقالوا: لا يثق بك سليمان بعد هذا. قال علي: وحدثني بعض العنبريين، عن أشياخ منهم، أن توبة ابن أبي أسيد العنبري، قال: قدم صالح العراق، فوجهني إلى قتيبة ليطلعني طلع ما في يده، فصحبني رجل من بني أسد، فسألني عما خرجت فيه، فكاتمته أمري، فإنا لنسير إذ سنح لنا سانح؛ فنظر إلى رفيقي فقال: أراك في أمر جسيم وأنت تكتمني! فمضيت، فلما كنت بحلوان تلقاني الناس بقتل قتيبة. قال علي: وذكر أبو الذيال وكليب بن خلف وأبو علي الجوزجاني عن طفيل بن مرداس، وأبو الحسن الجثمي ومصعب بن حيان عن أخيه مقاتل بن حيان، وأبو مخنف وغيرهم، أن قتيبة لما هم بالخلع استشار إخوته، فقال له عبد الرحمن: اقطع بعثًا فوجه فيه كل من تخافه، ووجه قومًا إلى مرو، وسر حتى تنزل سمرقند، ثم قل لمن معك: من أحب المقام فله المواساة، ومن أراد الانصراف فغير مستكره ولا متبوع بسوء، فلا يقم معك إلا مناصح. وقال له عبد الله: اخلعه مكانك، وادع الناس إلى خلعه. فليس يختلف عليك رجلان. فأخذ برأي عبد الله، فخلع سليمان، ودعا الناس إلى خلعه، فقال للناس: إني قد جمعتكم من عين التمر وفيض البحر فضممت الأخ إلى أخيه، والولد إلى أبيه، وقسمت بينكم فيئكم، وأجريت عليكم أعطياتكم غير مكدرة ولا مؤخرة، وقد جربتم الولاة قبلي؛ أتاكم أمية فكتب إلى أمير المؤمنين إن خراج خراسان لا يقوم بمطبخي، ثم جاءكم أبو سعيد فدوم بكم ثلاث سنين لا تدرون أفي طاعة أنتم أم في معصية! لم يجب فيئًا، ولم ينكأ عدوًا، ثم جاءكم بنوه بعده؛ يزيد، فحل تباري إلى النساء، وإنما خليفتكم يزيد بن ثروان هبنقة القيسي قال: فلم يجبه أحد، فغضب فقال: لا أعز الله من نصرتم، والله لو اجتمعتم على عنز ما كسرتم قرنها، يا أهل السافلة - ولا أقول أهل العالية - يا أوباش الصدقة، جمعتكم كما تجمع إبل الصدقة من كل أوب يا معشر بكر بن وائل، يا أهل النفخ والكذب والبخل، بأي يوميكم تفخرون؟ بيوم حربكم، أن بيوم سلمكم! فوالله لأنا أعز منكم. يا أصحاب مسيلمة، يا بني ذميم - ولا أقول تميم - يا أهل الخور والقصف والغدر، كنتم تسمون الغدر في الجاهلية كيسان يا أصحاب سجاح، يا معشر عبد القيس القساة، تبدلتم بأبر النحل أعنة الخيل، يا معشر الأزد، تبدلتم بقلوس السفن أعنه الخيل الحصن؛ إن هذا لبدعة في الإسلام! والأعراب، وما الأعراب! لعنة الله على الأعراب! يا كناسة المصرين، جمعتكم من منابت الشيخ والفيصوم ومنابت القلقل، تركبون البقر والحمر في جزيرة ابن كاوان، حتى إذا جمعتكم كما تجمع قزع الخريف قلتم كيت وكيت! أما والله إني لابن أبيه! وأخو أخيه، أما والله لأعصبنكم عصب السلمة. إن حول الصليان الزمزمة يا أهل خراسان، هل تدرون من وليكم؟ وليكم يزيد بن ثروان. كأني بأمير مزجاء، وحكم قد جاءكم فغلبكم على فيئكم وأظلالكم. إن ها هنا نارًا ارموها أرم معكم، ارموا غرضكم الأقصى. قد استخلف عليكم أبو نافع ذو الودعات. إن الشام أب مبرور، وإن العراق أب مكفور. حتى متى يتبطح أهل الشام بأفنيتكم وظلال دياركم! يا أهل خراسان، انسبوني تجدوني عراقي الأم، عراقي الأب، عراقي المولد، عراقي الهوى والرأي والدين، وقد أصبحتم اليوم فيما ترون من الأمن والعافية قد فتح الله لكم البلاد، وآمن سبلكم، فالظعينة تخرج من مرو إلى بلخ بغير جواز، فاحمدوا الله على النعمة وسلوه الشكر والمزيد قال: ثم نزل فدخل منزله، فأتاه أهل بيته فقالوا: ما رأينا كاليوم قط، والله ما اقتصرت على أهل العالية وهم شعارك ودثارك، حتى تناولت بكرًا وهم أنصارك، ثم لم ترض بذلك حتى تناولت تميمًا وهم إخوتك، ثم لم ترض بذلك حتى تناولت الأزد وهم يدك! فقال: لما تكلمت فلم يجيبني أحد غضبت، فلم أدر ما قلت؛ إن أهل العالية كإبل الصدقة قد جمعت من كل أوب، وأما بكر فإنها أمة لا تمنع يد لامس وأما تميم فجمل أجرب، وأما عبد القيس فما يضرب العير بذنبه، وأما الأزد فأعلاج، شرار من خلق الله، لو ملكت أمرهم لو سمتهم قال: فغضب الناس وكرهوا خلع سليمان، وغضبت القبائل من شتم قتيبة، فأجمعوا على خلافه وخلعه، وكان أول من تكلم في ذلك الأزد، فأتوا حضين بن المنذر فقالوا: إن هذا قد دعا إلى ما دعا إليه من خلع الخليفة، وفيه فساد الدين والدنيا، ثم لم يرض بذلك حتى قصر بنا وشتمنا، فما ترى يا أبا حفص؟ وكان يكتني في الحرب بأبي ساسان، ويقال: كنيته أبو محمد - فقال لهم: حضين: مضر بخراسان تعدل هذه الثلاثة الأخماس؛ وتميم أكثر الخمسين، وهم فرسان خراسان، ولا يرضون أن يصير الأمر في غير مضر، فإن أخرجتموهم من الأمر أعانوا قتيبة؛ قالوا: إنه قد وتر بني تميم بقتل ابن الأهتم، قال: لا تنظروا إلي هذا فإنهم يتعصبون للمضربة، فانصرفوا رادين لرأي حضين، فأرادوا أن يولوا عبد الله بن حوذان الجهضمي، فأبى وتدافعوها، فرجعوا إلى حضين، فقالوا: قد تدافعنا الرياسة، فنحن نوليك أمرنا، وربيعة لا تخالفك، قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل؛ قالوا: ما ترى؟ قال: إن جعلتم هذه الرياسة في تميم تم أمركم؛ قالوا: فمن ترى من تميم؟ قال: ما أرى أحدًا غير وكيع، فقال حيان مولى بني شيبان: إن أحدًا لا يتقلد هذا الأمر فيصلي بحره، ويبذل دمه، ويتعرض للقتل، فإن قدم أمير أخذه بما جنى وكان المهنأ لغيره إلا هذا الأعرابي وكيع؛ فإنه مقدام لا يبالي ما ركب، ولا ينظر في عاقبة، وله عشيرة كثيرة تطيعه، وهو موتور يطلب قتيبة برياسته التي صرفها عنه وصيرها لضرار بن حصين بن زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي. فمشى الناس بعضهم إلى بعض سرًا، وقيل لقتيبة: ليس يفسد أمر الناس إلا حيان، فأراد أن يغتاله - وكان حيان يلاطف حشم الولاة فلا يخفون عنه شيئًا - قال: فدعا قتيبة رجلا فأمره بقتل حيان، وسمعه بعض الخدم، فأتى حيان فأخبره، فأرسل إليه يدعوه، فحذر وتمارض، وأتى الناس وكيعًا فسألوه أن يقوم بأمرهم؛ فقال: نعم، وتمثل قول الأشهب بن رميلة:
سأجني ما جنيت وإن ركني ** لمعتمد إلى نضد ركين
قال: وبخراسان يومئذ من المقاتلة من أهل البصرة من أهل العالية تسعة آلاف، وبكر سبعة آلاف، رئيسهم الحضين بن المنذر، وتميم عشرة آلاف عليهم ضرار بن حصين الضبي، وعبد القيس أربعة آلاف عليهم عبد الله بن علوان عوذي، والأزد عشرة آلاف رأسهم عبد الله أبو حوذان، ومن أهل الكوفة سبعة آلاف عليهم جهم بن زحر - أو عبيد الله بن علي - والموالي سبعة آلاف عليهم حيان - وحيان يقال إنه من الديلم، ويقال: إنه من خراسان، وإنما قيل له نبطي للكنته - فأرسل حيان إلى وكيع: أرأيت إن كففت عنك وأعنتك تجعل في جانب نهر بلخ وخراجه ما دمت حيا، وما دمت واليًا؟ قال: نعم، فقال للعجم: هؤلاء يقاتلون على غير دين، فدعوهم يقتل بعضهم بعضًا؛ قالوا: نعم، فبايعوا وكيعًا سرًا، فأتى ضرار بن حصين قتيبة، فقال: إن الناس يختلفون إلى وكيع، وهم يبايعونه - وكان وكيع يأتي منزل عبد الله بن مسلم الفقير فيشرب عنده - فقال عبد الله: هذا يحسد وكيعًا، وهذا الأمر باطل، هذا وكيع في بيتي يشرب ويسكر ويسلح في ثيابه؛ وهذا يزعم أنهم يبايعونه. قال: وجاء وكيع إلى قتيبة فقال: احذر ضرارًا فإني لا آمنه عليك، فأنزل قتيبة ذلك منهما على التحاسد. وتمارض وكيع ثم إن قتيبة دس ضرار بن سنان الضبي إلى وكيع فبايعه سرًا، فتبين لقتيبة أن الناس يبايعونه، فقال لضرار: قد كنت صدقتني، قال: إن لم أخبرك إلا يعلم، فأنزلت ذلك مني على الحسد، وقد قضيت الذي كان علي، قال: صدقت. وأرسل قتيبة إلى وكيع يدعوه فوجده رسول قتيبة قد طلى على رجله مغرةً، وعلى ساقه خرزًا وودعًا، وعنده رجلان من زهران يرقيان رجله، فقال له: أجب الأمير، قال: قد ترى ما برجلي. فرجع الرسول إلى قتيبة فأعاده إليه، قال: يقول لك: ائتني محمولًا على سرير، قال: لا أستطيع. قال قتيبة لشريك بن الصامت الباهلي أحد بني وائل - وكان على شرطته - ورجل من غني انطلقا إلى وكيع فأتياني به. فإن أبى فاضربا عنقه؛ ووجه معهما خيلا، ويقال: كان على شرطه بخراسان ورقاء بن نصر الباهلي. قال علي: قال أبو الذيال: قال ثمامة بن ناجذ العدوي: أرسل قتيبة إلى وكيع من يأتيه به، فقلت: أنا آتيك به أصلحك الله! فقال: ائتني به، فأتيت وكيعًا - وقد سبق إليه الخبر أن الخيل تأتيه - فلما رآني قال: يا ثمامة، ناد في الناس؛ فناديت: فكان أول من أتاه هريم بن أبي طحمة في ثمانية. قال: وقال الحسن بن رشيد الجوزجاني: أرسل قتيبة إلى وكيع. فقال هريم: أنا آتيك به، قال: فانطلق. قال هريم: فركبت برذوني مخافة أن يردني، فأتيت وكيعًا وقد خرج قال: وقال كليب بن خلف: أرسل قتيبة إلى وكيع شعبة بن ظهير أحد بني صخر بن نهشل، فأتاه، فقال: يا بن ظهير: لبث قليلًا تلحق الكتائب ثم دعا بسكين فقطع خرزًا كان على رجليه. ثم لبس سلاحه، وتمثل:
شدوا على سرتي لا تنقلف ** يوم لهمدان ويوم للصدف
وخرج وحده ونظر إليه نسوة فقلن: أبو مطرف وحده؛ فجاء هريم بن أبي طحمة في ثمانية، فيهم عميرة البريد بن ربيعة العجيفي. قال حمزة بن إبراهيم وغيره: إن وكيعًا خرج فتلقاه رجل، فقال: ممن أنت؟ قال: من بني أسد؛ قال: ما اسمك؟ قال: ضرغامة؛ قال: ابن من؟ قال: ابن ليث، قال: دونك هذه الراية. قال المفضل بن محمد الضبي: ودفع وكيع رايته إلى عقبة بن شهاب المازني؛ قال: ثم رجع إلى حديثهم، قالوا: فخرج وكيع وأمر غلمانه، فقال: اذهبوا بثقلي إلى بني العم، فقالوا: لا نعرف موضعهم، قال: انظروا رمحين مجموعين أحدهما فوق الآخر، فوقهما مخلاة، فهم بنو العم، قال: وكان في العسكر منهم خمسمائة؛ قال: فنادى وكيع في الناس، فأقبلوا أرسالا من كل وجه، فأقبل في الناس يقول:
قرم إذا حمل مكروهة ** شد الشراسيف لها الحزيم
وقال قوم: تمثل وكيع حين خرج:
أنخن بلقمان بن عاد فجسنه ** أريني سلاحي لن يطيروا بأعزل
واجتمع إلى قتيبة أهل بيته، وخواص من أصحابه وثقاته، فيهم إياس ابن بيهس بن عمرو، ابن عم قتيبة دنيا، وعبد الله بن وألان العدوي، وناس من رهطه، بني وائل. وأتاه حيان بن إياس العدوي في عشرة، فيهم عبد العزيز بن الحارث، قال: وأتاه ميسرة الجدلي - وكان شجاعًا - فقال: إن شئت أتيتك برأس وكيع، فقال: قف مكانك. وأمر قتيبة رجلا، فقال: ناد في الناس، أين بنو عامر؟ فنادى: أين بنو عامر؟ فقال محفن بن جزء الكلابي - وقد كان جفاهم: حيث وضعتهم؛ قال: ناد أذكركم الله والرحم! فنادى محفن: أنت قطعتها، قال: ناد لكم العتبي، فناداه محفن أو غيره: لا أقالنا الله إذا، فقال قتيبة:
يا نفس صبرًا على ما كان من ألم ** إذ لم أجد لفضول القوم أقرانا
ودعا بعمامة كانتأمه بعثت بها إليه، فاعتم بها، كان يعتم بها في الشدائد، ودعا بيرذون له مدرب، كان يتطير إليه في الزحوف، فقرب إليه ليركبه، فجعل يقمص حتى أعياه، فلما رأى ذلك عاد إلى سريره فقعد عليه وقال: دعوه؛ فإن هذا أمر يراد. وجاء حيان النبطي في العجم، فوقف وقتيبة واجد عليه، فوقف معه عبد الله بن مسلم، فقال عبد الله لحيان: احمل على هذين الطرفين، قال: لم يأن لذلك، فغضب عبد الله، وقال: ناولني قوسي، قال حيان: ليس هذا يوم قوس، فأرسل وكيع إلى حيان: أين ما وعدتني؟ فقال حيان لابنه: إذا رأيتني قد حولت قلنسوتي، ومضيت نحو عسكر وكيع. فمل بمن معك في العجم إلى. فوقف ابن حيان مع العجم، فلما حول حيان قلنسوته مالت الأعجام إلى عسكر وكيع، فكبر أصحابه، وبعث قتيبة أخاه صالحًا إلى الناس فرماه رجل من بني ضبة يقال له سليمان الزنجيرج - وهو الخرنوب، ويقال: بل رماه رجل من بلعم فأصاب هامته - فحمل إلى قتيبة ورأسه مائل، فوضع في مصلاه، فتحول قتيبة فجلس عنده ساعة، ثم تحول إلى سريره. قال: وقال أبو السري الأزدي: رمى صالحًا رجل من بني ضبة فأثقله، وطعنه زياد بن عبد الرحمن الأزدي، من بني شريك بن مالك قال: وقال أبو مخنف: حمل رجل من غنى علي الناس فرأى رجلا مجففًا فشبهه بجهم بن زحر بن قيس فطعنه، وقال:
إن غنيا أهل عز ومصدق ** إذا حاربوا والناس مفتتنونا
فإذا الذي طعن علج، وتهايج الناس، وأقبل عبد الرحمن بن مسلم نحوهم، فرماه أهل السوق والغوغاء، فقتلوه، وأحرق الناس موضعًا كانت فيه إبل لقتيبة ودوابه، ودنوا منه فقاتل عنه رجل من باهلة من بني وائل، فقال له قتيبة: انج بنفسك، فقال له: بئس ما جزيتك إذًا، وقد أطعمتني الجردق وألبستني النرمق قال: فدعا قتيبة بدابة، فأتى ببرذون فم يقر ليركبه، فقال: إن له لشأنًا؛ فلم يركبه. وجلس وجاء الناس حتى بلغوا الفسطاط، فخرج إياس بن بيهس وعبد الله بن وألان حين بلغ الناس الفسطاط وتركا قتيبة. وخرج عبد العزيز بن الحارث يطلب ابنه عمرًا - أو عمر - فلقيه الطائي فحذره، ووجد ابنه فأردفه. قال: وفطن قتيبة للهيثم بن المنخل وكان ممن يعين عليه، فقال:
أعلمه الرماية كل يوم ** فلما اشتد ساعده رماني
قال: وقتل معه إخوته عبد الرحمن وعبد الله وصالح وحصين وعبد الكريم، بنو مسلم، وقتل ابنه كثير بن قتيبة وناس من أهل بيتهن ونجا أخوه ضرار، استنقذه أخواله، وأمه غراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، وقال قوم: قتل عبد الكريم بن مسلم بقزوين. وقال أبو عبيدة: قال أبو مالك: قتلوا قتيبة سنة ست وتسعين، وقتل من بني مسلم أحد عشر رجلًا فصلبهم وكيع، سبعة منهم لصلب مسلم وأربعة من بني أبنائهم: قتيبة، وعبد الرحمن، وعبد الله الفقير، وعبيد الله، وصالح، وبشار، ومحمد بنو مسلم. وكثير بن قتيبة، ومغلس بن عبد الرحمن، لم ينج من صلب مسلم غير عمرو - وكان عامل الجوزجان - وضرار، وكانت أمه الغراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، فجاء أخواله فدفعوه حتى نحوه، ففي ذلك يقول الفرزدق:
عشية ما ود ابن غرة أنه ** له من سوانا إذ دعا أبوان
وضرب إياس بن عمرو - ابن أخي مسلم بن عمرو - على ترقوتة فعاش. قال: ولما غشى القوم الفسطاط قطعوا أطنابه. قال زهير: فقال جمهم ابن زحر لسعد: انزل، فحز رأسه، وقد أثخن جراحًا، فقال: أخاف أن تجول الخيل، قال: تخاف وأنا إلى جنبك! فنزل سعد فشق صوقعة الفسطاط؛ فاحتز رأسه، فقال حضين بن المنذر:
وإن ابن سعد وابن زحر تعاورا ** بسيفهما رأس الهمام المتوج
عشية جئنا بابن زحر وجئتم ** بأدغم مرقوم الذراعين ديزج
أصم غداني كأن جبينه ** لطاخة نقس في أديم ممجمج
قال: فلما قتل مسلمة يزيد بن المهلب استعمل على خراسان سعيد بن خذينبة بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، فحبس عمال يزيد، وحبس فيهم جهم بن زحر الجعنفي، وعلى عذابه رجل من باهلة، فقيل له: هذا قاتل قتيبة، فقتله في العذاب، فلامه سعيد، فقال: أمرتني أن أستخرج منه المال فعذبته فأتى على أجله. قال: وسقطت على قتيبة يوم قتل جارية له خوارزمية، فلما قتل خرجت، فأخذها بعد ذلك يزيد بن المهلب، فهي أم خليده. قال علي: قال حمزة بن إبراهيم وأبو اليقظان: لما قتل قتيبة صعد عمارة بن جنية الرياحي المنبر فتكلم فأكثر، فقال له وكيع: دعنا من قذرك هذرك، ثم تكلم وكيع فقال: مثلي ومثل قتيبة كما قال الأول: من ينك العير ينك نياكا أراد قتيبة أن يقتلني وأنا قتال.
قد جربوني ثم جربوني ** من غلوتين ومن المئين
حتى إذا شبت وشيبوني ** خلوا عناني وتنكبوني
أنا أبو مطرف قال: وأخبرنا أبو معاوية، عن طلحة بن إياس، قال: قال وكيع يوم قتل قتيبة:
أنا ابن خندف تنميني قبائلها ** للصالحات وعمي قيس عيلانا
ثم أخذ بلحيته ثم قال:
شيخ إذا حمل مكروهة ** شد الشراسف لها والحزيم
والله لأقتلن، ثم لأقتلن، ولأصلبن، ثم لأصلبن؛ إني والغ دمًا، إن مر زبانكم هذا ابن الزانية قد أغلى عليكم أسعاركم، والله ليصيرن القفيز في السوق غدًا بأربعة أو لأصلبنه، صلوا على نبيكم. ثم نزل. قال علي: وأخبرنا المفضل بن محمد وشيخ من بني تميم، ومسلمة بن محارب، قالوا: طلب وكيع رأس قتيبة وخاتمه، فقيل له: إن الأزد أخذته فخرج وكيع وهو يقول: ده درين، سعد القين:
في أي يومي من الموت أفر ** أيوم لم يقدر أم يوم قدر
لا خير في أحزم جياد القرع ** في أي يوم لم أرع ولم أرع
والله الذي لا إله غيره لا أبرح حتى أوتي بالرأس، أو يذهب برأسي مع رأس قتيبة. وجاء بخشب فقال: إن هذه الخيل لا بد لها من فرسان - يتهدد بالصلب - فقال له حضين: يا أبا مطرف، تؤتي به فاسكن وأتى حضين الأزد فقال: أحمقى أنتم! بايعناه وأعطيناه المقادة، وعرض نفسه، ثم تأخذون الرأس! أخرجوه لعنه الله من رأس! فجاءوا بالرأس فقالوا: يا أبا مطرف، إن هذا هو احتزه، فاشكمه؛ قال: نعم، فأعطاه ثلاثة آلاف، وبعث بالرأس مع سليط بن عبد الكريم الحنفي ورجال من القبائل وعليهم سلط، ولم يبعث من بني تميم أحدًا. قال: قال: أبو الذيال: كان فيمن ذهب بالرأس أنيف بن حسان أحد بني عدي. قال أبو مخنف: وفي وكيع لحيان النبطي بما كان أعطاه. قال: قال خريم بن أبي يحيى، عن أشياخ من قيس، قالوا: قال سليمان للهذيل ابن زفر حين وضع رأس قتيبة ورءوس أهل بيته بين يديه: هل ساءت هذا يا هذيل؟ قال: لو ساءني ساء قومًا كثيرًا؛ فكلمه خريم بن عمرو والقعتاع ابن خليد، فقال: ائذن في دفن رءوسهم، قال: نعم، وما أردت هذا كله. قال علي: قال أبو عبد الله السلمي، عن يزيد ني سويد، قال: قال رجل من عجم أهل خراسان: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة والله لو كان قتيبة من فمات فينا جعلناه في تابوت فكنا نستفتح به إذا غزونا، وما صنع أحد قط بخراسان ما صنع قتيبة، إلا أنه قد غدر، وذلك أن الحجاج كتب إليه أن اختلهم واقتلهم في الله. قال: وقال الحسن بن رشيد: قال الإصبهبذ لرجل: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب! قال: فأيهما كان أعظم عندكم وأهيب؟ قال: لو كان قتيبة بالمغرب بأقصى جحر به في الأرض مكبلا بالحديد، ويزيد معنا في بلادنا وال علينا لكان قتيبة أهيب في صدورنا وأعظم من يزيد.
قال علي: قال المفضل بن محمد الضبي جاء رجل إلى قتيبة يوم قتل وهو جالس، فقال: اليوم يقتل ملك العرب - وكان قتيبة عندهم ملك العرب - فقال له: اجلس. قال: وقال كليب بن خلف: حدثني رجل ممن كان مع وكيع حين قتل قتيبة، قال: أمر وكيع رجلا فنادى: لا يسلبن قتيل، فمر ابن عبيد الهجري على أبي الحجر الباهلي فسلبه، فبلغ وكيعًا فضرب عنقه. قال أبو عبيدة: قال عبد الله بن عمر، من تيم اللات: ركب وكيع ذات يوم، فأتوه بسكران، فأمر به فقتل، فقيل له: ليس عليه القتل، إنما عليه الحد، قال: لا أعاقب بالسياط، ولكني أعاقب بالسيف، فقال نهار بن توسعة:
وكنا نبكي من الباهلي ** فهذا الغداني شر وشر
وقال أيضًا:
ولما رأينا الباهلي ابن مسلم ** تجبر عمناه عضبًا مهندا
وقال الفرزدق يذكر وقعة وكيع:
ومنا الذي سل السيوف وشامها ** عشية باب القصر من فرغان
عشية لم تمنع بنيها قبيلة ** بعز عراقي ولا بيمان
عشية ما ود ابن غراء أنه ** له من سوانا إذ دعا أبوان
عشية لم تستر هوازن عامر ** ولا غطفان عورة ابن دخان
عشية ود الناس أنهم لنا ** عبيد إذ الجمعان يضطربان
رأوا جبلا يعلو الجبال إذا التقت ** رءوس كبيريهن ينتطحان
رجال على الإسلام إذ ما تجالدوا ** على الدين حتى شاع كل مكان
وحتى دعا في سور كل مدينة ** مناد ينادي فوقها بأذان
سيجزى وكيعًا بالجماعة إذ دعا ** إليها بسيف صارم وبنان
جزاء بأعمال الرجال كما جرى ** ببدر وباليرموك فئ جنان
وقال الفرزدق في ذلك أيضًا:
أتاني ورحلي بالمدينة وقعة ** لآل تميم أقعدت كل قائم
وقال علي: أخبرنا خريم بن أبي يحيى، عن بعض عمومته قال: أخبرني شيوخ من غسان قالوا: إنا لبثنية العقاب إذ نحن برجل يشبه الفيوج معه عصًا وجراب، قلنا: من أين أقبلت؟ قال: من خراسان؛ قلنا: فهل كان بها من خبر؟ قال: نعم، قتل قتيبة بن مسلم أمس، فتعجبنا لقوله، فلما رأى إنكارنا ذلك قال: أين ترونني الليلة من إفريقية؟ ومضى واتبعناه على خيولنا، فإذا شيء يسبق الطرف. وقال الطرماح:
لولا فوارس مذحج ابنه مذحج ** والأزد زعزع واستبيح العسكر
وتقطعت بهم البلاد ولم يوب ** منهم إلى أهل العراق مخبر
واستضلعت عقد الجماعة وازدري ** أمر الخليفة واستحل المنكر
قوم هم قتلوا قتيبة عنوة ** والخيل جانحة عليها العثير
بالمرج مرج الصين حيث تبينت ** مضر العراق من الأعز الأكبر!
إذ حالفت جزعًا ربيعة كلها ** وتفرقت مضر ومن يتمضر
وتقدمت أزد العراق ومذحج ** للموت يجمعها أبوها الأكبر
قحطان تضرب رأس كل مدحج ** تحمي بصائرهن إذ لا تبصر
والأزد تعلم أن تحت لوائها ** ملكًا قراسية وموت أحمر
فبعزنا نصر النبي محمد ** وبنا تثبت في دمشق المنبر
وقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلي:
كأن أبا حفص قتيبة لم يسر ** بجيش إلى جيش ولم يعل منبرا
ولم تخفق الرايات والقوم حوله ** وقوف ولم يشهد له الناس عسكرا
دعته المنايا فاستجاب لربه ** وراح إلى الجنات عفا مطهرا
فما رزئ الإسلام بعد محمد ** بمثل أبي حفص فبكيه عبهرا
وقال الأصم بن الحجاج يرثي قتيبة:
ألم يأن للأحياء أن يعرفوا لنا ** بلى نحن أولى الناس بالمجد والفخر
نقود تميمًا والموالي ومذحجا ** وأزد وعبد القيس والحي من بكر
نقتل من شئنا بعزة ملكنا ** ونجبر من شئنا على الخسف والقسر
سليمان كم من عسكر قد حوت لكم ** أسنتنا والمقربات بن تجري
وكم من حصون قد أبحنا منيعة ** ومن بلد سهل ومن جبل وعر
ومن بلدة لم يغزها الناس قبلنا ** غزونا نقود الخيل شهرًا إلى شهر
مرن على الغزو الجرور ووقرت ** على النفر حتى ما تهال من النفر
وحتى لو أن النار شبت وأكرهت ** على النار خاضت في الوغى لهب الجمر
تلاعب أطراف الأسنة والقنا ** بلباتها والموت في لجج خضر
بهن أبحنا كل مدينة ** من الشرك حتى جاوزت مطلع الفجر
ولو لم تعجلنا المنايا لجاوزت ** بنار دم ذي القرنين ذا الصخر والقطر
ولكن آجالًا قضين ومدة ** تناهى إليها الطيبون بنو عمرو
وفي هذه السنة عزل سليمان بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري عن مكة، وولاها طلحة بن داود الحضرمي. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم الصائفة، ففتح حصنًا يقال له حصن عوف. وفي هذه السنة توفي قرة بن شريك العبسي وهو أمير مصر في صفر في قول بعض أهل السير. وقال بعضهم: كان هلاك قرة في حياة الوليد في سنة خمس وتسعين في الشهر الذي هلك فيه الحجاج. وحج بالناس في هذه السنة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر. وكذلك قال الواقدي وغيره. وكان الأمير على المدينة في هذه السنة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعلى مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى حرب العراق وصلاتها يزيد بن المهلب، وعلى خراجها صالح بن عبد الرحمن وعلى البصرة سفيان بن عبد الله الكندي من قبل يزيد بن المهلب، وعلى قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة، وعلى قضاء الكوفة أبو بكر بن أبي موسى، وعلى حرب خراسان وكيع بن أبي سود.
ثم دخلت سنة سبع وتسعين
ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الأحداث
فمن ذلك ما كان من تجهيز سليمان بن عبد الملك الجيوش إلى القسطنطينية واستعماله ابنه داود بن سليمان على الصائفة، فافتتح حصن المرأة. وفيها غزا - فيما ذكر الواقدي - مسلمة بن عبد الملك أرض الروم. ففتح الحصن الذي كان فتحه الوضاح صاحب الوضاحية. وفيها غزا عمر بن هبيرة الفزاري في البحر أرض الروم، فشتا بها وفيها قتل عبد العزيز بن موسى بن نصير بالأندلس، وقدم برأسه على سليمان حبيب بن أبي عبيد الفهري.
ولاية يزيد بن المهلب على خراسان
وفيها ولى سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب خراسان.
ذكر الخبر عن سبب ولايته خراسان
وكان السبب في ذلك أن سليمان بن عبد الملك لما أفضت الخلافة إليه ولى يزيد بن المهلب حرب العراق والصلاة وخراجها. فذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، أن يزيد نظر لما ولاه سليمان ما ولاه من أمر العراق في أمر نفسه، فقال: إن العراق قد أخر بها الحجاج، وأنا اليوم رجاء أهل العراق، ومتى قدمتها وأخذت الناس بالخراج وعذبتهم عليه صرت مثل الحجاج أدخل على الناس الحرب، وأعيد عليهم تلك السجون التي قد عافاهم الله منها، ومتى لم آت سليمان بمثل ما جاء به الحجاج لم يقبل مني فأتى يزيد سليمان فقال: أدلك على رجل بصير بالخراج توليه إياه، فتكون أنت تأخذه به؟ صالح بن عبد الرحمن، مولى بني تميم فقال له: قد قبلنا رأيك، فأقبل يزيد إلى العراق. وحدثني عمر بن شيبة، قال: قال علي: كان صالح قدم العراق قبل قدوم يزيد، فنزل واسطًا. قال علي: فقال عباد بن أيوب: لما قدم يزيد خرج الناي يتلقونه، فقيل لصالح: هذا يزيد، وقد خرج الناس يتلقونه، فلم يخرج حتى قرب يزيد من المدينة، فخرج صالح، عليه دراعه ودبوسية صفراء صغيرة، بين يديه أربعمائة من أهل الشام، فلقى يزيد فسايره فلما دخل المدينة قال له صالح: قد فرغت لك هذه الديار - فأشار له إلى دار - فنزل يزيد، ومضى صالح إلى منزله، قال: وضيق صالح على يزيد فلم يملكه شيئًا، واتخذ يزيد ألف خوان يطعم الناس عليها، فأخذها صالح، فقال له يزيد: اكتب ثمنها على، واشتري متاعًا كثيرًا، وصك صكاكًا إلى صالح لباعتها منه، فلم ينفذه، فرجعوا إلى يزيد، فغضب وقال هذا عملي بنفسي، فلم يلبث أن جاء صالح، فأوسع له يزيد، فجلس وقال ليزيد: ما هذه الصكاك؟ الخراج لا يقوم لها، قد أنفذت لك منذ أيام صكًا بمائة ألف، وعجلت لك أرزاقك، وسألت مالًا للجند، فأعطيتك، فهذا لا يقوم له شيء، ولا يرضى أمير المؤمنين به، وتؤخذ به! فقال له يزيد: يا أبا الوليد، أجز هذه الصكاك هذه المرة، وضاحكه. قال: فإني أجيزها، فلا تكثرن على، قال: لا قال علي بن محمد: حدثنا مسلمة بن محارب وأبو العلاء التيمي والطفيل بن مرداس العمى وأبو حفص الأزدي عمن حدثه عن جهم ابن زحر بن قيس، والحسن بن رشيد عن سليمان بن كثير، وأبو الحسن الخراساني عن الكرماني، وعامر بن حفص وأبو مخنف عن عثمان ابن عمرو بن محصن الأزددي وزهير بن هنيد وغيرهم - وفي خبر بعضهم ما ليس في خبر بعض، فألفت ذلك - أن سليمان بن عبد الملك ولى يزيد ابن المهلب العراق ولم يوله خراسان، فقال سليمان بن عبد الملك لعبد الملك ابن المهلب وهو بالشام ويزيد بالعراق: كيف أنت يا عبد الملك إن وليتك خراسان؟ قال: يجدني أمير المؤمنين حيث يحب، ثم أعرض سليمان عن ذلك قال: وكتب عبد الملك بن المهلب إلى جرير بن يزيد الجهضمي وإلى رجال من خاصته: إن أمير المؤمنين عرض على ولاية خراسان فبلغ الخبر يزيد ين المهلب، وقد ضجر بالعراق، وقد ضيق عليه صالح ابن عبد الرحمن، فليس يصل معه إلى شيء، فدعا عبد الله بن الأهتم، فقال: إني أريدك لأمر قد أهمني، فأحب أن تكفينيه، قال: مرني بما أحببت، قال: أنا فيما ترى من الضيق، وقد أضجرني ذلك. وخراسان شاغرة برجلها، وقد بلغني أن أمير المؤمنين ذكرها لعبد الملك بن المهلب، فهل من حيلة؟ قال: نعم، سرحني إلى أمير المؤمنين، فإني أرجو أن آتيك بعهدك عليها، قال: فاكتم ما أخبرتك به. وكتب إلى سليمان كتابين: أحدهما يذكر له فيه أمر العراق. وأثنى فيه علي ابن الأهتم وذكر له علمه بها، ووجه ابن الأهتم وحمله على البريد، وأعطاه ثلاثين ألفًا. فسار سبعًا، فقدم بكتاب يزيد على سليمان، فدخل عليه وهو يتغذى، فجلس ناحية، فأتى بدجاجتين فأكلهما قال: فدخل ابن الأهتم فقال له سليمان: لك مجلس غير هذا تعودا إليه. ثم دعا به بعد ثالثة، فقال له سليمان: إن يزيد بن المهلب كتب إلي يذكر علمك بالعراق وبخراسان، ويثني عليك، فكيف علمك بها؟ قال: أنا أعلم الناس بها؛ بها ولدت، وبها نشأت، فلي بها وبأصلها خبر وعلم. قال: ما أحوج أمير المؤمنين إلى مثلك يشاوره في أمرها! فأشر على برجل أوليه خراسان؛ قال: أمير المؤمنين أعلم بمن يريد يولي، فإن ذكر منهم أحدًا أخبرته برأيي فيه، هل يصلح لها أو لا؛ قال: فسمى سليمان رجلًا من قريش؛ قال: يا أمير المؤمنين، ليس من رجال خراسان، قال: فعبد الملك بن المهلب، قال: لا، حتى عدد رجالًا، فكان في آخر من ذكر وكيع بن أبي سود، فقال: يا أمير المؤمنين، وكيع رجل شجاع صارم بئيس مقدام، وليس بصاحبها مع هذا، إنه لم يقد ثلثمائة قط فرأى لأحد عليه طاعة. قال: صدقت ويحك، فمن لها! قال: رجل أعلمه لم تسمه، قال: فمن هو؟ قال لا أبوح باسمه إلا أن يضمن لي أمير المؤمنين ستر ذلك، وأن يجيرني منه إن علم؛ قال: نعم، سمه من هو؟ قال: يزيد بن المهلب؛ قال: ذاك بالعراق، والمقام بها أحب إليه من المقام بخراسان، قال: قد علمت يا أمير المؤمنين، ولكن تكرهه على ذلك، فيستخلف على العراق رجلا ويسير؛ قال: أصبت الرأي فكتب عهد يزيد على خراسان، وكتب إليه كتابًا: إن ابن الأهتم كما ذكرت في عقله ودينه وفضله ورأيه. ودفع الكتاب وعهد يزيد إلى ابن الأهتم، فسار سبعًا، فقدم على يزيد فقال له: ما وراءك؟ قال: فأعطاه الكتاب، فقال: ويحك! أعندك خير؟ فأعطاه العهد، فأمر يزيد بالجهاز للمسير من ساعته، ودعا ابنه مخلدًا فقدمه إلى خراسان، قال: فسار من يومه، ثم سار يزيد واستخلف على واسط الجراح بن عبد الله الحكمي، واستعمل على البصرة عبد الله بن هلال الكلابي، وصير مروان ابن المهلب على أمواله وأموره بالبصرة، وكان أوثق إخوته عنده، ولمروان يقول أبو البهاء الإبادي:
رأيت أبا قبيصة كل يوم ** على العلات أكرمهم طباعا
إذا ما هم أبوا أن يستطيعوا ** جسيم الأمر يحمل ما استطاعا
وإن ضاقت صدورهم بأمر ** فضلتهم بذاك ندى وباعا
وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه قال في ذلك: حدثني أبو مالك أن وكيع بن أبي سود بعث بطاعته وبرأس قتيبة إلى سليمان، فوقع ذلك من سليمان كل موقع، فجعل يزيد بن المهلب لعبد الله بن الأهتم مائة ألف على أن ينقر وكيعًا عنده، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين! والله ما أحد أوجب شكرًا، ولا أعظم عندي يدًا من وكيع، لقد أدرك بثأري، وشفاني من عدوى، ولكن أمير المؤمنين أعظم وأوجب على حقًا، وإن النصيحة تلزمني لأمير المؤمنين؛ إن وكيعًا لم يجتمع له مائة عنان قط إلا حدث نفسه بغدرة؛ خامل في الجماعة، نابه في الفتنة، فقال: ما هو إذًا ممن نستعين به - وكانت قيس تزعم أن قتيبة لم يخلع - فاستعمل سليمان يزيد ابن المهلب على حرب العراق، وأمره إن أقامت قيس البينة أن قتيبة لم يخلع فينزع يدًا من طاعة، أن يقيد وكيعًا به. فغدر يزيد، فلم يعط عبد الله ابن الأهتم ما كان ضمن له، ووجه ابنه مخلد بن يزيد إلى وكيع، رجع الحديث إلى حديث علي. قال علي: أخبرنا أبو مخنف عن عثمان بن عمرو بن محصن، وأبو الحسن الخراساني عن الكرماني، قال: وجه يزيد ابنه مخلدًا إلى خراسان فقدم مخلد عمرو بن عبد الله بن سنان العتكي، ثم الصنابحي حين دنا من مرو، فلما قدمها أرسل إلى وكيع أن القني، فأبى، فأرسل إليه عمرو، يا أعرابي أحمق جلفًا جافيًا، وتثاقل وكيع عن الخروج، فأخرجه عمرو الأزدي، فلما بلغوا مخلدًا نزل الناس كلهم غير وكيع ومحمد بن حمران السعدي وعباد بن لقيط أحد بني قيس بن ثعلبة، فأنزلوهم، فلما قدم مرو حبس وكيعًا فعذبه، وأخذ أصحابه فعذبهم قبل قدوم أبيه. قال علي عن كليب بن خلف، قال: أخبرنا إدريس بن حنظلة، قال: لما قدم مخلد خراسان حبسني، فجاءني ابن الأهتم فقال لي: أتريد أن تنجو؟ قلت: نعم، قال: أخرج الكتب التي كتبها القعقاع بن خليد العبسي وخريم بن عمرو المري إلى قتيبة في خلع سليمان، فقلت له: يا بن الأهتم، إياي تخدع عن ديني! قال: فدعا بطومار وقال: إنك أحمق، فكتب كتبًا عن لسان القعقاع ورجال من قيس إلى قتيبة، أن الوليد بن عبد الملك قد مات، وسليمان باعث هذا المزوني على خراسان فاخلعه. فقلت: يا بن الأهتم تهلك والله نفسك! والله لئن دخلت عليه لأعلمنه أنك كتبتها. وفي هذه السنة شخص يزيد بن المهلب إلى خراسان أميرًا عليها، فذكر علي بن محمد، عن أبي السري المروزي الأزدي، عن عمه، قال: ولى وكيع سنة سبع وتسعين. قال علي: فذكر المفضل بن محمد عن أبيه، قال: أدنى يزيد أهل الشام وقومًا من أهل خراسان، فقال نهار بن توسعة:
وما كنا نؤمل من أمير ** كما كنا نؤمل من يزيد
فأخطأ ظننا فيه وقدما ** زهدنا في معاشرة الزهيد
إذا لم يعطنا نصفًا أمير ** مشينا نحوه مثل الأسود
فمهلًا يا يزيد أنب إلينا ** ودعنا من معاشرة العبيد
نجيئ فلا نرى إلا صدودا ** على أنا نسلم من بعيد
ونرجع خائبين بلا نوال ** فما بال التجهم والصدود!
قال علي: أخبرنا زياد بن الربيع، عن غالب القطان، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز واقفًا بعرفات من خلافة سليمان، وقد حج سليمان عامئذ وهو يقول لعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد: العجب لأمير المؤمنين، استعمل رجلا على أفضل ثغر للمسلمين! فقد بلغني عمن يقدم من التجار من ذلك الوجه أنه يعطي الجارية من جواريه مثل سهم ألف رجل. أما والله ما الله أراد بولايته - فعرفت أنه يعني يزيد والجهنية - فقلت: يشكر بلاءهم أيام الأزارقة.
قال: ووصل يزيد عبد الملك بن سلام السلولي فقال:
ما زال سيبك يا يزيد بحوبتي ** حتى ارتويت وجودكم لا ينكر
أنت الربيع إذا تكون خصاصة ** عاش السقيم به وعاش المقتر
عمت سحابته جميع بلادكم ** فرووا وأغدقهم سحاب ممطر
فسقاك ربك حيث كنت مخيلةً ** ريا سحائبها تروح وتبكر
وفي هذه السنة حج بالناس سليمان بن عبد الملك، حدثني بذلك أحمد ابن ثابت عمن ذكرهم، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر. وفيها عزل سليمان طلحة بن داود الحضرمي عن مكة، قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي مليكة. قال: لما صدر سليمان ابن عبد الملك من الحج عزل طلحة بن داود الحضرمي عن مكة، وكان عمله عليها ستتة أشهر، وولى عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها إلا خراسان فإن عاملها الحرب والخراج والصلاة يزيد بن المهلب. وكان خليفته على الكوفة - فيما قيل - حرملة بن عمير اللخمي أشهرًا، ثم عزله وولاها بشير بن حسان النهدي.
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
خبر محاصرة مسلمة بن عبد الملك القسطنطينية
فمن ذلك ما كان من توجيه سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة بن عبد الملك إلى القسطنطينية، وأمره أن يقيم عليها حتى يفتحها أو يأتيه، فشتا بها وصاف. فذكر محمد بن عمر أن ثور بن يزيد حدثه عن سليمان بن موسى، قال: لما دنا مسلمة من قسطنطينية أمر كل فارس أن يحمل على عجز فرسه مديين من طعام حتى يأتي به القسطنطينية، فأمر بالطعام فألقى فيه ناحية مثل الجبال، ثم قال للمسلمين لا تأكلوا منه شيئًا، أغيروا في أرضهم، وازدرعوا وعمل بيوتًا من خشب، فشتا فيها، وزرع الناس، ومكث ذلك الطعام في الصحراء لا يكنه شيء، والناس يأكلون مما أصابوا من الغارات ثم أكلوا من الزرع، فأقلم مسلمة بالقسطنطينية قاهرًا لأهلها، معه وجوه أهل الشام: خالد بن معدان وعبد الله بن أبي زكرياء الخزاعي، ومجاهد بن جبسر؛ حتى آتاه موت سليمان فقال القائل: تحمل مدييها ومديي مسلمة حدثني أحمد بن زهير، عن علي بن محمد، قال: فلما ولى سليمان غزا الروم فنزل دابق، وقدم مسلمة فهابه الروم، فشخص إليون من أرمينية، فقال لمسلمة: ابعث لي رجلا يكلمني، فبعث ابن هبيرة، فقال له ابن هبيرة: ما تعدون الأحمق فيكم؟ قال: الذي يملأ بطنه من كل شيء يجده، فقال له ابن هبيرة: إنا أصحاب دين، ومن ديننا طاعة أمرائنا تعجب؛ قال: صدقت كنا وأنتم نقاتل على الدين ونغضب له، فأما اليوم فإنا نقاتل على الغلبة والملك، نعطيك عن كل رأس دينارًا. فرجع ابن هبيرة إلى الروم من غده، وقال: أبا أن يرضى، أتيته وقد تغدى وملأ بطنه ونام، فانتبه وقد غلب عليه البلغم، فلم يدر ما قلت. وقالت البطارقة لإليون: إن صرفت عنا مسلمة ملكناك. فوثقوا له فأتى مسلمة فقال: قد علم القوم أنك لا تصدقهم القتال، وأنك تطاولهم ما دام الطعام عندك، ولو أحرقت الطعام أعطوا بأيديهم فأحرقه، فقوى العدو وضاق المسلمون حتى كادوا يهلكون، فكانوا على ذلك حتى مات سليمان. قال: وكان سليمان بن عبد الملك لما نزل دابق أعطى الله عهدًا ألا ينصرف حتى يدخل الجيش الذي وجهه إلى الروم القسطنطينية. قال: وهلك ملك الروم، فأتاه إليون فأخبره، وضمن له أن يدفع إليه أرض الروم، فوجه معه مسلمة حتى نزل بها، وجمع كل طعام حولها وحصر أهلها وأتاهم إليون فملكوه فكتب إلى مسلمة يخبره بالذي كان، ويسأله أن يدخل من الطعام ما يعيش به القوم، ويصدقونه بأن أمره وأمر مسلمة واحد، وأنهم في أمان من السباء والخروج من بلادهم وأن يأذن ليلة في حمل الطعام، وقد هيأ إليون السفن والرجال، فأذن له، فما بقى في تلك الحظائر إلا مالا يذكر؛ حمل في ليلة، وأصبح إليون محاربًا، وقد خدعه خديعة لو كان امرأة لعيب بها، فلقى الجند ما لم يلق جيش؛ حتى إن كان الرجل ليخاف أن يخرج من العسكر وحده، وأكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والورق، وكل شيء غير التراب، وسليمان مقيم بدابق، ونزل الشتاء فلم يقدر يمدهم حتى هلك سليمان.
مبايعة سليمان لابنه أيوب وليا للعهد
وفي هذه السنة بايع سليمان بن عبد الملك لابنه أيوب بن سليمان وجعله ولي عهده، فحدثني عمر بن شبة، عن علي بن محمد، قال: كان عبد الملك أخذ على الوليد وسليمان أن يبايعا لابن عاتكة ولمروان بن عبد الملك من بعده، قال: فحدثني طارق بن المبارك قال: مات مروان بن عبد الملك في خلافة سليمان منصرفة من مكة، فبايع سليمان حين مات مروان لأيوب، وأمسك عن يزيد وتربص به، ورجا أن يهلك، فهلك أيوب وهو ولي عهده. وفي هذه السنة فتحت مدينة الصقالبة، قال محمد بن عمر: أغارت برجان في سنة ثمان وتسعين على مسلمة بن عبد الملك وهو في قلة من الناس، فأمده سليمان بن عبد الملك بمسعدة - أو عمرو بن قيس - في جمع فمكرت بهم الصقالبة، ثم هزمهم الله بعد أن قتلوا شراحيل بن عبد ابن عبدة. وفي هذه السنة - فيما زعم الواقدي - غزا الوليد بن هشام وعمرو بن قيس، فأصيب ناس من أهل إنطاكية، وأصاب الوليد ناسًا من ضواحي الروم وأسر منهم بشرًا كثيرًا.
غزو جرجان وطبرستان
وفي هذه السنة غزا يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان، فذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، أن يزيد بن المهلب لما قدم خراسان أقام ثلاثة أشهر أو أربعة، ثم أقبل إلى دهستان وجرجان، وبعث ابنه مخلدا على خراسان، وجاء حتى نزل بدهستان، وكان أهلها طائفة من الترك، فأقام عليها، وحاصر أهلها معه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشام ووجوه من أهل خراسان والري، وهو في مائة ألف مقاتل سوى الموالي والمماليك والمتطوعين، فكانوا يخرجون فيقاتلون الناس، فلا يلبثهم الناس أن يهزموهم فيدخلون حصنهم، ثم يخرجون أحياناُ فيقاتلون فيشتد قتالهم وكان جهم وجمال ابنا زحر من يزيد بمكان، وكان يكرمهما، وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفى له لسان وبأس، غير أنه كان يفسد نفسه بالشراب، وكان لا يكثر غثيان يزيد وأهل بيته، وكأنه أيضًا حجزه عن ذلك ما رأى من حسن أثرهم على ابني زحر جهم وجمال. وكان إذا نادى المنادي: يا خيل الله اركبي وأبشري كان أول فارس من أهل العسكر يبدر إلى موقف البأس عند الروع محمد بن عبد الرحمن ب أبي سبرة، فنودي ذات يوم في الناس، فبدر الناس ابن أبي سبرة، فإنه لواقف على تل إذ مر به عثمان بن المفضل، فقال له: يا بن أبي سبرة، ما قدرت على أن أسبقك إلى الموقف قط، فقال: وما يغني ذلك عني، وأنتم ترشحون غلمان مذحج، وتجهلون حق ذوي الأسنان والتجارب والبلاء! فقال: أما إنك لو تريد ما قبلنا لم نعدل عنك ما أنت له أهل.
قال: وخرج الناس فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فحمل محمد بن أبي سبرة على تركي قد صد الناس عنه، فاختلفا ضربتين، فثبت سيف التركي في بيضة ابن أبي سبرة، وضربه ابن أبي سبرة فقتله، ثم أقبل وسيفه في يده يقطر دمًا، وسيف التركي في بيضته، فنظر الناس إلى أحسن منظر رأوه من فارس، ونظر يزيد إلى ائتلاق السيفين والبيضة والسلاح فقال: من هذا؟ فقالوا: ابن أبي سبرة، فقال: لله أبوه! أي رجل هو لولا إسرافه على نفسه! وخرج يزيد بعد ذلك يومًا وهو يرتاد مكانًا يدخل منه على القوم، فلم يشعر بشيء حتى هجم عليه جماعة من الترك - وكان معه وجوه الناس وفرسانهم، وكان في نحو من أربعمائة، والعدو في نحو من أربعة آلاف فقاتلهم ساعة، ثم قالوا ليزيد: أيها الأمير، انصرف ونحن نقاتل عنك، فأبى أن يفعل، وعشي القتال يومئذ بنفسه، وكان كأحدهم، وقاتل ابن أبي سبرة وابنا زحر والحجاج بن جارية الخثعمي وجل أصحابه فأحسنوا القتال، حتى إذا أرادوا الانصراف جعل الحجاج بن جارية عن الساقة، فكان يقاتل من وراءه حتى انتهى إلى الماء، وقد كانوا عطشوا فشربوا، وانصرف عنهم العدو، ولم يظفروا منهم بشيء، فقال سفيان ابن صفوان الخثعمي:
لولا ابن جارية الأغر جبينة ** لسقيت كأسًا مرة المتجرع
وحماك في فرسانه وخيوله ** حتى وردت الماء غير متعتع
ثم إنه ألح عليها وأنزل الجنود من كل جانب حولها، وقطع عنهم المواد، فلما جهدوا، وعجزوا عن قتال المسلمين، واشتد عليهم الحصار والبلاء. وبعث صول دهقان إلى يزيد: أني أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي، وأدفع إليك المدينة وما فيها وأهلها. فصالحه، وقبل منه، ووفى له، ودخل المدينة فأخذ ما كان فيها من الموال والكنوز ومن السبي شيئًا لا يحصى، وقتل أربعة عشر ألف تركي صبرًا، وكتب بذلك إلى سليمان بن عبد الملك.
ثم خرج حتى أتى جرجان، وقد كانوا يصالحون أهل الكوفة على مائة ألف، ومائتي ألف أحيانًا، وثلثمائة ألف، وصالحوا عليها، فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح، وهابوه وزادوه. واستخلف عليهم رجالًا من الأزد يقال له: أسد بن عبد الله، ودخل يزيد إلى الإصبهبذ في طبرستان فكان معه الفعلة يقطعون الشجر، ويصلحون الطرق، حتى انتهوا إليه، فنزل به فحصره وغلب على أرضه، وأخذ الإصهبذ يعرض على يزيد الصلح ويريده على ما كان يؤخذ منه، فيأبى رجالًا افتتاحها. فبعث ذات يوم أخاه أبا عيينة في أهل المصرين، فأصعد في الجبل إليهم، وقذ بعث الإصبهبذ إلى الديلم، فاستجاش بهم، فاقتتلوا. فحازهم المسلمون ساعة وكشفوهم، وخرج رأس الديلم يسأل المبارزة، فخرج إليه ابن أبي سبرة فقتله، فكانت هزيمتهم حتى انتهى المسلمون إلى فم الشعب؛ فذهبوا ليصعدوا فيه، وأشرف عليهم العدو يرشقونه بالنشاب، يرمونه بالحجارة، فانهزم الناس من فم الشعب من غير كبير قتال ولا قوة من عدوهم على إتباعهم وطلبهم، وأقبلوا يركب بعضهم بعضًا، حتى أخذوا يتساقطون في اللهوب، ويتدهدى الرجل من رأس الجبل حتى نزلوا إلى عسكر يزيد لا يعبئون بالشر شيئًا. وأقام يزيد بمكانه على حاله، وأقبل الإصبهبذ يكاتب أهل جرجان ويسألهم أن يثبوا بأصحاب يزيد، وأن يقطعوا عليه مادته والطرق فيما بينه وبين العرب، ويعدهم أن يكافئهم على ذلك، فوثبوا بمن كان يزيد خلف من المسلمين، فقتلوا منهم من قدروا عليه، واجتمع بقيتهم فتحصنوا من جانب، فلم يزالوا فيه حتى خرج إليهم يزيد، وأقام يزيد على الإصبهبذ في أرضه حتى صالحه سبعمائة ألف درهم وأربعمائة ألف نقدًا ومائتي ألف وأربعمائة حمار موقرة زعفرانًا، وأربعمائة رجل، على رأس كل رجل برنس، على البرنس طيلسان ولجام من فضة وسرقة من حرير، وقد كانوا صالحوا قبل ذلك على مائتي ألف درهم، ثم خرج منها يزيد وأصحابه كأنهم فل، ولولا ما صنع أهل جرجان لم يخرج من طبرستان حتى يفتحها. وزاما غير أبي مخنف، قال في أمر يزيد وأمر أهل جرجان ما حدثني أحمد بن زهير، علي بن محمد، عن كليب بن خلف وغيره؛ أن سعيد بن العاص صالح أهل جرجران، ثم امتنعوا وكفروا، فلم يأت جرجان بعد سعيد أحد، ومنعوا ذلك الطريق، فلم يكن يسلك طريق خراسان من ناحيته أحد إلا وعلى وجل وخوف من أهل جرجان؛ كان الطريق إلى خراسان من فارس إلى كرمان، فأول من صير الطريق من قومس قتيبة بن مسلم حين ولي خراسان. ثم غزا مصقلة خراسان أيام معاوية في عشرة آلاف، فأصيب وجنده بالرويان، وهي متاخمة طبرستان فهلكوا في واد من أوديتها، أخذ العدو عليهم بضايقه، فقتلوا جميعًا، فهو يسمي وادي مصقلة. قال: وكان يضرب به المثل؛ حتى يرجع مصقلة من طبرستان، قال علي، عن كليب بن خلف العمي، عن طفيل بن مرداس العمي وإدريس بن حنظلة: إن سعيد بن العاص صالح أهل جرجان، فكانوا يجيئون أحيانًا مائة ألف، ويقولون: هذا صلحنا، وأحيانًا مائتي ألف، وأحيانًا ثلثمائة ألف؛ وكانوا ربما أعطوا ذلك، وربما منعوه، ثم امتنعوا وكفروا فلم يعطوا خراجًا، حتى أتاهم يزيد بن المهلب فلم يعازه أحد حين قدمها، فلما صالح صول وفتح البحيرة ودهستان صالح أهل جرجان على صلح سعيد بن العاص. حدثني أحمد، عن علي، عن كليب بن خلف العمي، عن طفيل بن مرداس، وبشر بن عيسى عن أبي صفوان، قال علي: وحدثني أبة حفص الأردي عن سليمان بن كثير، وغيرهم؛ أن صولًا التركي كان ينزل دهستان والبحيرة - جزيرة في البحر بينها وبين دهستان خمسة فراسخ، وهما من جرجان مما يلي خوارزم - فكان صول يغير على فيروز بن قول، مرزبان جرجان، وبينهم خمسة وعشرون فرسخًا، فيصيب من أطرافهم ثم يرجع إلى البحيرة ودهستان، فوقع بين فيروز وبين ابن عم له يقال له المرزبان منازعة، فاعتزله المرزبان، فنزل البياسان فخاف فيروز أن يغير عليه الترك، فخرج إلى يزيد بن المهلب بخراسان، وأخذ صول جرجان، فلما قدم على يزيد بن المهلب قال له: ما أقدمك؟ قال: خفت صولًا، فهربت منه، قال له يزيد: هل من حيلة لقتاله؟ قال: نعم، شيئ واحد، إن ظفرت به قتلته، او أعطي بيده، قال: ماهو؟ قال: إن خرج من جرجان حتى ينزل البحيرة، ثم أتيته ثم فحاصرته بها ظفرت به، فاكتب إلى الإصبهبذ كتابًا تسأله فيه أن يحتال لصول حتى يقيم بجرجان، واجعل له على ذلك جعلًا، ومنه، فإنه يبعث بكتابك إلى صول يتقرب به إليه لأنه يعظمه، فيتحول عن جرجان، فينزل البحيرة. فكتب يزيد بن المهلب إلى صاحب طبرستان: إني أريد أن أغزو صولا وهو بجرجان، فخفت أن بلغه أني أريد ذلك أن يتحول إلى البحيرة فينزلها، فإن تحول إليها لم أقدر عليه؛ وهو يسمع منك ويستنصحك، فإن حبسته العام بجرجان فلم يأت البحيرة حملت إليك خمسين ألف مثقال؛ فاحتل له حيلة؛ تحبسه بجرجان، فإنه إن أقام بها ظفرت به. فلما رأى الإصبهبذ الكتاب أراد أن يتقرب إلى صول، فبعث بالكتاب إليه، فلنا أتاه الكتاب أمر الناس بالرحيل إلى البحيرة وحمل الأطعمة ليتحصن فيها. وبلغ يزيد أنه قد سار من جرجان إلى البحيرة، فاعتزم على السير إلى الجرجان، فخرج في ثلاثين ألفًا، ومعه فيروز ابن قول، واستخلف على خراسان مخلد بن يزيد، واستخلف على سمرقند وكس ونسف وبخارى ابنه معاوية بن يزيد، وعلى طخارستان حاتم بن قبيصة بن المهلب، وأقبل حتى أتى جرجان - ولم تكن يومئذ مدينة غنما هي جبال محيطة بها، وأبواب ومخارم، يقوم الرجل على باب منها فلا يقدم عليه أحد - فدخلها يزيد لم يعازه أحد، وأصاب أموالًا، وهرب المرزبان، وخرج يزيد بالناس إلى البحيرة، فأناخ على الوصول، وتمثل حين نزل بهم:
فخر السيف وارتعشت يداه ** وكان بنفسه وقيت نفوس
قال: فحاصرهم، فكان يخرج إليه صول في الأيام فيقاله ثم يرجع إلى حصنه، ومع يزيد أهل الكوفة وأهل البصرة. ثم ذكر من فصة جهم ابن زحر وأخيه محمد نحوًا مما ذكره هشام، غير أنه قال في ضربة التركي ابن أبي سبرة: فنشب سيف التركي في درقة ابن أبي سبرة.
قال علي بن محمد، عن علي بن مجاهد، عن عنبسة، قال: قاتل محمد بن أبي سبرة الترك بجرجان فأحاطوا به واعتوروه بأسيافهم، فانقطع في يده ثلاث أسياف. ثم رجع إلى حديثهم؛ قال: فمكثوا بذلك - يعني الترك - محصورين يخرجون فيقاتلون، ثم يرجعون إلى حصنهم ستة شهر، حتى شربوا ماء الأحساء، فأصابهم داء يسمى السؤاد، فوقع فيهم الموت، وأرسل صول في ذلك يطلب الصلح، فقال يزيد بن المهلب: لا، إلا أن ينزل على حكمي، فأبى فأرسل إليه: إني أصالحك على نفسي ومالي وثلثمائة من أهل بيتي وخاصتي، على أن تؤمنني فننزل البحيرة، فأجابه إلى ذاك يزيد، فخرج بماله وثلثمائة ممن أحب، وصار مع يزيد، فقتل يزيد من الأتراك أربعة عشر ألفًا صبرًا، ومن على الآخرين فلم يقتل منهم أحدًا. وقال الجند ليزيد: أعطنا أرزاقنا، فدعا إدريس بن حنظلة العمي، فقال: يل بن حنظلة، أحص لنا ما في البحيرة حتى نعطي الجند، فدخلها إدريس، فلم يقدر على إحصاء ما فيها، فقال ليزيد: فيها مالا أستطيع إحصاءه، وهو في ظروف، فنحصي الجواليق ونعلم ما فيها، ونقول للجند: ادخلوا فخذوا، فمن أخذ شيئًا عرفنا ما أخذ من الحنطة والشعير والأرز والسمسم والعسل. قال: نعم ما رأيت، فأحصوا الجواليق عددًا، وعلموا كل الجواليق ما فيه، وقالوا للجند: خذوا، فكان الرجل يخرج وقد أخذ ثيابًا أو طعامًا أو ما حمل من شيء فيكتب على كل رجل ما أخذ، فأخذوا شيئًا كثيرًا.
قال علي: قال أبو بكر الهذلي: كان شهر بن حوشب على خزائن يزيد بن المهلب، فرفعوا عليه أنه أخذ خريطة، فسأله يزيد عنها، فأتاه بها، فدعا يزيد الذي رفع عليه فشتمه؛ وقال لشهر: هي لك، قال: لا حاجة لي فيها، فقال الطامي الكلبي - ويقال: سنان بن مكمل النميري:
لقد باع شهر دينه بخريطة ** فمن يأمن القراء بعدك يا شهرًا؟!
أخذت به شيئًا طفيفًا وبعته ** من ابن جونبوذ إن هذا هو الغدر
وقال مرة النخعي لشهر:
يا بن المهلب ما أردت إلى امرئ ** لولاك كان كصالح القراء
قال علي: قال أبو محمد الثقفي: أصاب يزيد بن المهلب تاجًا بجرجان فيه جوهر، فقال: أترون أحدًا يزهد في هذا التاج؟ قالوا: لا، فدعا محمد بن واسع الأزدي، فقال: خذ هذا التاج فهو لك؛ فقال: لا حاجة لي فيه، قال: عزمت عليك، فأخذه، وخرج فأمر يزيد رجلًا ينظر ما يصنع به، فلقي سائلًا فدفعه إليه، فأخذ الرجل السائل، فاتى به يزيد وأخبره الخبر، فأخذ يزيد التاج، وعوض السائل مالًا كثيرًا. قال علي: وكان سليمان بن عبد الملك كلما افتتح قتيبة فتحًا قال ليزيد بن المهلب: أما ترى ما يصنع الله على يدي قتيبة؟ فيقول ابن المهلب: ما فعلت جرجان التي حالت بين الناس وبين الطريق الأعظم، وأفسدت قومس وأبرشهر! ويقول: هذه الفتوح ليست بشيء، الشأن في جرجان. فلما ولي يزيد بن المهلب لم يكن له همة غير جرجان. قال: ويقال: كان يزيد بن المهلب في عشرين ومائة ألف، معه أهل الشام ستون ألفًا. قال علي في حديثه، عمن ذكر خبر جرجان عمنهم: وزاد فيه على ابن مجاهد، عن خالد بن صبيح أن يزيد بن المهلب لما صالح صولا طمع في طبرستان أن يفتحها، فاعتزم على أن يسير إليها، استعمل عبد الله بن المعمر اليشكري على البياسان ودهستان، واستعمل على أندرستان أسد ابن عمرو - او ابن عبد الله بن الربعة - وهي مما يلي طبرستان، وخلفه في أربعة آلاف، ودخل يزيد بلاد الإصبهبذ، فأرسل إليه يسأله الصالح، وأن يخرج من طبرستان، فأبى يزيد ورجا أن يفتحها، فوجهأخاه أبا عيينة من وجه، وخالد بن يزيد من وجه، وأبا الجهم الكلبي من وجه، وقال: إذا اجتمعتم فأبو عيينة على الناس. فسار أبو عيينة في أهل المصرين ومعه هريم بن أبي طحمة. وقال يزيد لأبي عيينة: شاور هريمًا فإنه ناصح. وأقام يزيد معسكرًا. قال: واستجاش الإصبهبذ بأهل جيلان وأهل الديل، فأتوه فالتقوا في سند جب، فانهزم المشركون، وأتبعهم المسلمون حتى انتهوا إلى فم الشعب فدخله المسلمون، فصعد المشركون في الجبل، وأتبعهم المسلمون، فرماهم العدو بالنشاب والحجارة، فانهزم أبو عيينة والمسلمون، فركب بعضهم بعضًا يتساقطون من الجبل، فلم يثبتوا حتى انتهوا إلى عسكر يزيد، وكف العدو عن اتباعهم، وخافهم الإصبهبذ، فكتب إلى المرزبان ابن عم فيروز بن قول وهو بأقصى جرجان مما يلي البياسان: إنا قد قتلنا يزيد وأصجابه فاقتل ممن في البياسان من العرب. فخرج على أهل البياسان والمسلمون غارون في منازلهم، قد أجمعوا على قتلهم، فقتلوا جميعًا في ليلة، فأصبح عبد الله بن المعمر مقتولًا وأربعة آلاف من المسلمين لم ينج منهم أحد، وقتل من بني العم خمسين رجلًا؛ قتل الحسين بن عبد الرحمن وإسماعيل ابن إبراهيم بن شماس. وكتب إلى الأصبهبذ يأخذ بالمضايق والطرق. وبلغ يزيد قتل عبد الله بن المعمر وأصحابه، فأعظموا ذلك، وهالهم، ففزع يزيد إلى حيان النبطي. وقال: ر يمنعك ما كان مني إليك من نصيحة المسلمين، قد جاءنا عن جرجان ما جاءنا، وقد أخذ هذا بالطريق، فأعمل في الصلح؛ قال: نعم، فأتى حيان الإصبهبذ فقال: أنا رجل منكم، وإن كان الدين قد فرق بيني وبينكم، فإني لكم ناصح، وأنت أحب إلي من يزيد، وقد بعث يستمد، وأمداده منه قريبة، وإنما أصابوا منه طرفًا، وليس آمن أن يأتيك ما لا تقوم له، فأرح نفسك منه، وصالحه فإنك إن صالحته صيره حده على أهل جرجان، بغدرهم وقتلهم من قتلوا، فصالحه على سبعمائة ألف - وقال علي بن مجاهد: على خمسمائة ألف - وأربعمائة وقر زعفران أو قيمته من العين، وأربعمائة رجل، على كل رجل برنس وطيلسان، ومع كل رجل جام فضة وسرقة خز وكسوة. ثم رجع إلى يزيد بن المهلب فقال: ابعث من يحمل صلحهم الذي صالحتهم عليه، قال: من عندهم أو من عندنا؟ قال: من عندهم. وكان يزيد قد طابت نفسه على أن يعطيهم ما سألوا، ويرجع إلى جرجان فأرسل يزيد من يحمل ما صالحهم عليه حيان، وانصرف إلى جرجان، وكان يزيد قد غرم حياناُ مائتي ألف، فخاف ألا يناصحه. والسبب الذي له أغرم حيان فيه ما حدثني علي بن مجاهد، عن خالد بن صبيح، قال: كنت مؤدبًا لولد حيان، فدعاني فقال لي: اكتب كتابًا إلى مخلد بن يزيد - ومخلد يومئذ ببلخ، ويزيد بمرو - فتناولت القرطاس، فقال: اكتب: من حيان مولى مصقلة إلى مخلد بن يزيد، فغمرني مقاتل ابن حيان ألا تكتب، وأقبل على أبيه فقال: يا أبت تكتب إلى مخلد وتبدأ بنفسك! قال: نعم يا بني، فإن لم يرض لقي ما لقي قتيبة. ثم قال لي: اكتب، فكتبت، فبعث مخلد بكتابه إلى أبيه، فأغرم يزيد حيان مائتي ألف درهم.
فتح جرجان
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)