أعلمه الرماية كل يوم ** فلما اشتد ساعده رماني
قال: وقتل معه إخوته عبد الرحمن وعبد الله وصالح وحصين وعبد الكريم، بنو مسلم، وقتل ابنه كثير بن قتيبة وناس من أهل بيتهن ونجا أخوه ضرار، استنقذه أخواله، وأمه غراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، وقال قوم: قتل عبد الكريم بن مسلم بقزوين. وقال أبو عبيدة: قال أبو مالك: قتلوا قتيبة سنة ست وتسعين، وقتل من بني مسلم أحد عشر رجلًا فصلبهم وكيع، سبعة منهم لصلب مسلم وأربعة من بني أبنائهم: قتيبة، وعبد الرحمن، وعبد الله الفقير، وعبيد الله، وصالح، وبشار، ومحمد بنو مسلم. وكثير بن قتيبة، ومغلس بن عبد الرحمن، لم ينج من صلب مسلم غير عمرو - وكان عامل الجوزجان - وضرار، وكانت أمه الغراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، فجاء أخواله فدفعوه حتى نحوه، ففي ذلك يقول الفرزدق:
عشية ما ود ابن غرة أنه ** له من سوانا إذ دعا أبوان
وضرب إياس بن عمرو - ابن أخي مسلم بن عمرو - على ترقوتة فعاش. قال: ولما غشى القوم الفسطاط قطعوا أطنابه. قال زهير: فقال جمهم ابن زحر لسعد: انزل، فحز رأسه، وقد أثخن جراحًا، فقال: أخاف أن تجول الخيل، قال: تخاف وأنا إلى جنبك! فنزل سعد فشق صوقعة الفسطاط؛ فاحتز رأسه، فقال حضين بن المنذر:
وإن ابن سعد وابن زحر تعاورا ** بسيفهما رأس الهمام المتوج
عشية جئنا بابن زحر وجئتم ** بأدغم مرقوم الذراعين ديزج
أصم غداني كأن جبينه ** لطاخة نقس في أديم ممجمج
قال: فلما قتل مسلمة يزيد بن المهلب استعمل على خراسان سعيد بن خذينبة بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، فحبس عمال يزيد، وحبس فيهم جهم بن زحر الجعنفي، وعلى عذابه رجل من باهلة، فقيل له: هذا قاتل قتيبة، فقتله في العذاب، فلامه سعيد، فقال: أمرتني أن أستخرج منه المال فعذبته فأتى على أجله. قال: وسقطت على قتيبة يوم قتل جارية له خوارزمية، فلما قتل خرجت، فأخذها بعد ذلك يزيد بن المهلب، فهي أم خليده. قال علي: قال حمزة بن إبراهيم وأبو اليقظان: لما قتل قتيبة صعد عمارة بن جنية الرياحي المنبر فتكلم فأكثر، فقال له وكيع: دعنا من قذرك هذرك، ثم تكلم وكيع فقال: مثلي ومثل قتيبة كما قال الأول: من ينك العير ينك نياكا أراد قتيبة أن يقتلني وأنا قتال.
قد جربوني ثم جربوني ** من غلوتين ومن المئين
حتى إذا شبت وشيبوني ** خلوا عناني وتنكبوني
أنا أبو مطرف قال: وأخبرنا أبو معاوية، عن طلحة بن إياس، قال: قال وكيع يوم قتل قتيبة:
أنا ابن خندف تنميني قبائلها ** للصالحات وعمي قيس عيلانا
ثم أخذ بلحيته ثم قال:
شيخ إذا حمل مكروهة ** شد الشراسف لها والحزيم
والله لأقتلن، ثم لأقتلن، ولأصلبن، ثم لأصلبن؛ إني والغ دمًا، إن مر زبانكم هذا ابن الزانية قد أغلى عليكم أسعاركم، والله ليصيرن القفيز في السوق غدًا بأربعة أو لأصلبنه، صلوا على نبيكم. ثم نزل. قال علي: وأخبرنا المفضل بن محمد وشيخ من بني تميم، ومسلمة بن محارب، قالوا: طلب وكيع رأس قتيبة وخاتمه، فقيل له: إن الأزد أخذته فخرج وكيع وهو يقول: ده درين، سعد القين:
في أي يومي من الموت أفر ** أيوم لم يقدر أم يوم قدر
لا خير في أحزم جياد القرع ** في أي يوم لم أرع ولم أرع
والله الذي لا إله غيره لا أبرح حتى أوتي بالرأس، أو يذهب برأسي مع رأس قتيبة. وجاء بخشب فقال: إن هذه الخيل لا بد لها من فرسان - يتهدد بالصلب - فقال له حضين: يا أبا مطرف، تؤتي به فاسكن وأتى حضين الأزد فقال: أحمقى أنتم! بايعناه وأعطيناه المقادة، وعرض نفسه، ثم تأخذون الرأس! أخرجوه لعنه الله من رأس! فجاءوا بالرأس فقالوا: يا أبا مطرف، إن هذا هو احتزه، فاشكمه؛ قال: نعم، فأعطاه ثلاثة آلاف، وبعث بالرأس مع سليط بن عبد الكريم الحنفي ورجال من القبائل وعليهم سلط، ولم يبعث من بني تميم أحدًا. قال: قال: أبو الذيال: كان فيمن ذهب بالرأس أنيف بن حسان أحد بني عدي. قال أبو مخنف: وفي وكيع لحيان النبطي بما كان أعطاه. قال: قال خريم بن أبي يحيى، عن أشياخ من قيس، قالوا: قال سليمان للهذيل ابن زفر حين وضع رأس قتيبة ورءوس أهل بيته بين يديه: هل ساءت هذا يا هذيل؟ قال: لو ساءني ساء قومًا كثيرًا؛ فكلمه خريم بن عمرو والقعتاع ابن خليد، فقال: ائذن في دفن رءوسهم، قال: نعم، وما أردت هذا كله. قال علي: قال أبو عبد الله السلمي، عن يزيد ني سويد، قال: قال رجل من عجم أهل خراسان: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة والله لو كان قتيبة من فمات فينا جعلناه في تابوت فكنا نستفتح به إذا غزونا، وما صنع أحد قط بخراسان ما صنع قتيبة، إلا أنه قد غدر، وذلك أن الحجاج كتب إليه أن اختلهم واقتلهم في الله. قال: وقال الحسن بن رشيد: قال الإصبهبذ لرجل: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب! قال: فأيهما كان أعظم عندكم وأهيب؟ قال: لو كان قتيبة بالمغرب بأقصى جحر به في الأرض مكبلا بالحديد، ويزيد معنا في بلادنا وال علينا لكان قتيبة أهيب في صدورنا وأعظم من يزيد.
قال علي: قال المفضل بن محمد الضبي جاء رجل إلى قتيبة يوم قتل وهو جالس، فقال: اليوم يقتل ملك العرب - وكان قتيبة عندهم ملك العرب - فقال له: اجلس. قال: وقال كليب بن خلف: حدثني رجل ممن كان مع وكيع حين قتل قتيبة، قال: أمر وكيع رجلا فنادى: لا يسلبن قتيل، فمر ابن عبيد الهجري على أبي الحجر الباهلي فسلبه، فبلغ وكيعًا فضرب عنقه. قال أبو عبيدة: قال عبد الله بن عمر، من تيم اللات: ركب وكيع ذات يوم، فأتوه بسكران، فأمر به فقتل، فقيل له: ليس عليه القتل، إنما عليه الحد، قال: لا أعاقب بالسياط، ولكني أعاقب بالسيف، فقال نهار بن توسعة:
وكنا نبكي من الباهلي ** فهذا الغداني شر وشر
وقال أيضًا:
ولما رأينا الباهلي ابن مسلم ** تجبر عمناه عضبًا مهندا
وقال الفرزدق يذكر وقعة وكيع:
ومنا الذي سل السيوف وشامها ** عشية باب القصر من فرغان
عشية لم تمنع بنيها قبيلة ** بعز عراقي ولا بيمان
عشية ما ود ابن غراء أنه ** له من سوانا إذ دعا أبوان
عشية لم تستر هوازن عامر ** ولا غطفان عورة ابن دخان
عشية ود الناس أنهم لنا ** عبيد إذ الجمعان يضطربان
رأوا جبلا يعلو الجبال إذا التقت ** رءوس كبيريهن ينتطحان
رجال على الإسلام إذ ما تجالدوا ** على الدين حتى شاع كل مكان
وحتى دعا في سور كل مدينة ** مناد ينادي فوقها بأذان
سيجزى وكيعًا بالجماعة إذ دعا ** إليها بسيف صارم وبنان
جزاء بأعمال الرجال كما جرى ** ببدر وباليرموك فئ جنان
وقال الفرزدق في ذلك أيضًا:
أتاني ورحلي بالمدينة وقعة ** لآل تميم أقعدت كل قائم
وقال علي: أخبرنا خريم بن أبي يحيى، عن بعض عمومته قال: أخبرني شيوخ من غسان قالوا: إنا لبثنية العقاب إذ نحن برجل يشبه الفيوج معه عصًا وجراب، قلنا: من أين أقبلت؟ قال: من خراسان؛ قلنا: فهل كان بها من خبر؟ قال: نعم، قتل قتيبة بن مسلم أمس، فتعجبنا لقوله، فلما رأى إنكارنا ذلك قال: أين ترونني الليلة من إفريقية؟ ومضى واتبعناه على خيولنا، فإذا شيء يسبق الطرف. وقال الطرماح:
لولا فوارس مذحج ابنه مذحج ** والأزد زعزع واستبيح العسكر
وتقطعت بهم البلاد ولم يوب ** منهم إلى أهل العراق مخبر
واستضلعت عقد الجماعة وازدري ** أمر الخليفة واستحل المنكر
قوم هم قتلوا قتيبة عنوة ** والخيل جانحة عليها العثير
بالمرج مرج الصين حيث تبينت ** مضر العراق من الأعز الأكبر!
إذ حالفت جزعًا ربيعة كلها ** وتفرقت مضر ومن يتمضر
وتقدمت أزد العراق ومذحج ** للموت يجمعها أبوها الأكبر
قحطان تضرب رأس كل مدحج ** تحمي بصائرهن إذ لا تبصر
والأزد تعلم أن تحت لوائها ** ملكًا قراسية وموت أحمر
فبعزنا نصر النبي محمد ** وبنا تثبت في دمشق المنبر
وقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلي:
كأن أبا حفص قتيبة لم يسر ** بجيش إلى جيش ولم يعل منبرا
ولم تخفق الرايات والقوم حوله ** وقوف ولم يشهد له الناس عسكرا
دعته المنايا فاستجاب لربه ** وراح إلى الجنات عفا مطهرا
فما رزئ الإسلام بعد محمد ** بمثل أبي حفص فبكيه عبهرا
وقال الأصم بن الحجاج يرثي قتيبة:
ألم يأن للأحياء أن يعرفوا لنا ** بلى نحن أولى الناس بالمجد والفخر
نقود تميمًا والموالي ومذحجا ** وأزد وعبد القيس والحي من بكر
نقتل من شئنا بعزة ملكنا ** ونجبر من شئنا على الخسف والقسر
سليمان كم من عسكر قد حوت لكم ** أسنتنا والمقربات بن تجري
وكم من حصون قد أبحنا منيعة ** ومن بلد سهل ومن جبل وعر
ومن بلدة لم يغزها الناس قبلنا ** غزونا نقود الخيل شهرًا إلى شهر
مرن على الغزو الجرور ووقرت ** على النفر حتى ما تهال من النفر
وحتى لو أن النار شبت وأكرهت ** على النار خاضت في الوغى لهب الجمر
تلاعب أطراف الأسنة والقنا ** بلباتها والموت في لجج خضر
بهن أبحنا كل مدينة ** من الشرك حتى جاوزت مطلع الفجر
ولو لم تعجلنا المنايا لجاوزت ** بنار دم ذي القرنين ذا الصخر والقطر
ولكن آجالًا قضين ومدة ** تناهى إليها الطيبون بنو عمرو
وفي هذه السنة عزل سليمان بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري عن مكة، وولاها طلحة بن داود الحضرمي. وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم الصائفة، ففتح حصنًا يقال له حصن عوف. وفي هذه السنة توفي قرة بن شريك العبسي وهو أمير مصر في صفر في قول بعض أهل السير. وقال بعضهم: كان هلاك قرة في حياة الوليد في سنة خمس وتسعين في الشهر الذي هلك فيه الحجاج. وحج بالناس في هذه السنة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر. وكذلك قال الواقدي وغيره. وكان الأمير على المدينة في هذه السنة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعلى مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى حرب العراق وصلاتها يزيد بن المهلب، وعلى خراجها صالح بن عبد الرحمن وعلى البصرة سفيان بن عبد الله الكندي من قبل يزيد بن المهلب، وعلى قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة، وعلى قضاء الكوفة أبو بكر بن أبي موسى، وعلى حرب خراسان وكيع بن أبي سود.
ثم دخلت سنة سبع وتسعين

ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الأحداث

فمن ذلك ما كان من تجهيز سليمان بن عبد الملك الجيوش إلى القسطنطينية واستعماله ابنه داود بن سليمان على الصائفة، فافتتح حصن المرأة. وفيها غزا - فيما ذكر الواقدي - مسلمة بن عبد الملك أرض الروم. ففتح الحصن الذي كان فتحه الوضاح صاحب الوضاحية. وفيها غزا عمر بن هبيرة الفزاري في البحر أرض الروم، فشتا بها وفيها قتل عبد العزيز بن موسى بن نصير بالأندلس، وقدم برأسه على سليمان حبيب بن أبي عبيد الفهري.
ولاية يزيد بن المهلب على خراسان

وفيها ولى سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب خراسان.