إذ أنت كالطفلة في خدرها ** لم تدر يومًا كيدة الكائد
إنا أناس حربنا صعبة ** تعصف بالقائم والقاعد
أصحت سمرقند وأشياعها ** أحدوثة الغائب والشاهد
وكم ثوى في الشعب من حازم ** جلد القوى ذي مرة ماجد
يستنجد الخطب ويغشى الوغى ** لا هائب غس ولا ناكد
ليتك يوم الشعب في حفرة ** مرموسة بالمدر الجامد
تلعب بك الحرب وأبناؤها ** لعب صقور بقطًا وارد
طار لها قلبك من خيفة ** ما قلبك الطائر بالعائد
لا تحسبن الحرب يوم الضحى ** كشربك المزاء بالبارد
أبغضت من عينك تبريجها ** وصورة في جسد فاسد
جنيد ما عيصك منسوبة ** نبعًا ولا جدك بالصاعد
خمسون ألفًا قتلوا ضيعة ** وأنت منهم دعوة الناشد
لا تمرين الحرب من قابل ** ما أنت في العدوة بالحامد
قلدته طوقًا على نحره ** طوق الحمام الفرد الفارد
قصيدة حيزها شاعر ** تسعى بها البرد إلى خالد
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي؛ كذلك حدثني أحمد بن ثابت، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.
وقد قيل: إن الذي حجّ بالناس في هذه السنة سليمان بن هشام.
وكانت عمّال الأمصار في هذه السنة عمّالها الذين كانوا في سنة إحدى عشرة ومائة، وقد ذكرناهم قبل.
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
قتل عبد الوهاب بن بخت

فمما كان فيها من ذلك هلاك عبد الوهاب بن بخت، وهو مع البطال عبد الله بأرض الروم؛ فذكر محمد بن عمر، عن عبد العزيز بن عمر؛ أن عبد الوهاب بن بخت غزا مع البطّال سنة ثلاث عشرة ومائة، فانهزم الناس عن البطّال وانكشفوا، فجعل عبد الوهاب يكرّ فرسه وهو يقول: ما رأيت فرسًا أجبن منه، وسفك الله دمي إن لم أسفك دمك. ثم ألقى بيضته عن رأسه وصاح: أنا عبد الوهاب بن بخت؛ أمن الجنة تفرّون! ثم تقدّم في نحور العدوّ؛ فمرّ برجل وهو يقول: واعطشاه! فقال: تقدّم؛ الري أمامك؛ فخالط القوم فقتل وقتل فرسه.
ومن ذلك ما كان من تفريق مسلمة بن عبد الملك الجيوش في بلاد خاقان ففتحت مدائن وحصون على يديه، وقتل منهم، وأسر وسبى، وحرّق خلق كثير من الترك أنفسهم بالنار؛ ودان لمسلمة من كان وراء جبال بلنجر وقتل ابن خاقان.
ومن ذلك غزوة معاوية بن هشام أرض الروم فرابط من ناحية مرعش ثم رجع.
وفي هذه السنة صار من دعاة بني العباس جماعة إلى خراسان، فأخذ الجنيد بن عبد الرحمن رجلًا منهم فقتله، وقال: من أصيب منهم فدمه هدر.
وحجّ بالناس في هذه السنة - في قول أبي معشر - سليمان بن هشام بن عبد الملك؛ حدثني بذلك أحمد بن ثابت، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر. وكذلك قال الواقدي.
وقال بعضهم: الذي حجّ بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي. وكان عمّال الأمصار في هذه السنة هم الذيّن كانوا عمّالها في سنة إحدى عشرة واثنتي عشرة؛ وقد مضى ذكرنا لهم.
ثم دخلت سنة أربع عشرة ومائة

ذكر الأخبار عن الأحداث التي كانت فيها

فمن ذلك غزوة معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وسليمان بن هشام على الصائفة اليمنى؛ فذكر أنّ معاوية بن هشام أصاب ربض أقرن، وأن عبد الله البطال التبقى وقسطنطين في جمع فهزمهم؛ وأسر قسطنطين؛ وبلغ سليمان ابن هشام قيساريّة.
وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك إبراهيم بن هشام عن المدينة، وأمّر عليها خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم. قال الواقدي: قدم خالد بن عبد الملك المدينة للنصف من شهر ربيع الأول؛ وكان إمرة إبراهيم ابن هشام على المدينة ثماني سنين.
وقال الواقدي: في هذه السنة ولي محمد بن هشام المخزومي مكة.
وقال بعضهم: بل وليَ محمد بن هشام مكة سنة ثلاث عشرة ومائة، فما عزل إبراهيم أقرّ محمد بن هشام على مكة.
وفي هذه السنة وقع الطاعون - فيما قيل - بواسط.
وفيها قفل مسلمة بن عبد الملك عن الباب بعد ما هزم خاقان وبني الباب فأحكم ما هنالك.
وفي هذه السنة ولي هشام مروان بن محمد أرمينية وأذربيجان.
واختلف فيمن حجّ بالناس في هذه السنة، فقال أبو معشر - فيما حدثني أحمد بن ثابت، عمن حدثه، عن إسحاق بن عيسى، عنه: حج بالناس سنة أربع عشرة ومائة خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم؛ وهو على المدينة.
وقال بعضهم: حج بالناس في هذه السنة محمد بن هشام؛ وهو أمير مكة، فأقام خالد بن عبد الملك تلك السنة، لم يشهد الحجّ.
قال الواقدي: حدثني بهذا الحديث عبد الله بن جعفر، عن صالح بن كيسان.
قال الواقدي: وقال لي أبو معشر: حجّ بالناس سنة أربع عشرة ومائة خالد بن عبد الملك، ومحمد بن هشام على مكة. قال الواقدي: وهو الثبت عندنا.
وكان عمّال الأمصار في هذه السنة هم العمّال الذين كانوا في السنة التي قبلها؛ غير أنّ عامل المدينة في هذه السنة كان خالد بن عبد الملك، وعامل مكة والطائف محمد بن هشام، وعامل أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد.
ثم دخلت سنة خمس عشرة ومائة

ذكر الأخبار عما كان فيها من الأحداث

فممّا كان فيها من ذلك غزوة معاوية بن هشام أرضَ الروم.
وفيها وقع الطاعون بالشام.
وحجّ بالناس في هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل؛ وهو أمير مكة والطائف، كذلك قال أبو معشر، فيما حدثني أحمد بن ثابت، عمّن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عنه.
وكان عمّال الأمصار في هذه السنة، فقال المدائني: كان عاملها الجنيد بن عبد الرحمن، وقال بعضهم. كان عاملها عمارة بن حريم المري. وزعم الذي قال ذلك أنّ الجنيد مات في هذه السنة، واستخلف عمارة بن حريم. وأما المدائني فإنه ذكر أنه وفاة الجنيد كانت في سنة ست عشرة ومائة.
وفي هذه السنة أصاب الناس بخراسان قحط شديد ومجاعة، فكتب الجنيد إلى الكور: إنّ مرو كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كلّ مكان، فكفرت بأنعم الله، فاحملوا إليها الطعام.
قال علي بن محمد: أعطى الجنيد في هذه السنة رجلًا درهمًا، فاشترى به رغيفًا، فقال لهم: تشكون الجوع ورغيف بدرهم! لقد رأيتُني بالهند وإن الحبة من الحبوب لتباع عددًا بالدرهم؛ وقال: إنّ مرو كما قال الله عز وجل: " وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة ".