ذكر ما كان فيها من الأحداث

فما كان فيها من ذلك دخول قسطنطين طاغية الروم ملطية عنوة وقهرًا لأهلها وهدمه سورها، وعفوه عمّن فيها من المقاتلة والذّريّة.
ومنها غزو العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس - في قول الواقدي - الصائفة، مع صالح بن علي بن عبد الله، فوصله صالح بأربعين ألف دينار، وخرج معهم عيسى بن علي بن عبد الله، فوصله أيضًا بأربعين ألف دينار، فبنى صالح بن علي ما كان صاحب الروم هدمه من ملطية.
وقد قيل: إن خروج صالح والعباس إلى ملطية للغزو كان في سنة تسع وثلاثين ومائة.
وفي هذه السنة بايع عبد الله بن علي لأبي جعفر وهو مقيم بالبصرة مع أخيه سليمان بن علي.
ذكر خلع جهور بن مرار المنصور

وفيها خلع جهور بن مرّار العجلي المنصور.
ذكر الخبر عن سبب خلعه إياه
وكان سبب ذلك - فيما ذكر - أن جهور لما هزم سنباذ حوى ما في عسكره، وكان فيه خزائن أبي مسلم التي كان خلفها بالرّي، فلم يوجّهها إلى أبي جعفر، وخاف فخلع، فوجّه إليه أبو جعفر محمد بن الأشعث الخزاعي في جيش عظيم، فلقيه محمد، فاقتتلوا قتالا شديدًا، ومع جهور نخب فرسان العجم؛ زياد والأشتاخنج، فهزم جهور وأصحابه، وقتل من أصحابه خلق كثير، وأسر زياد والأشتاخنج، وهرب جهور فلحق بأذربيجان فأخذ بعد ذلك باسباذر وفقتل.
ذكر خبر قتل ملبد الخارجي

وفي هذه السنة قتل الملبّد الخارجي.
ذكر الخبر عن مقتله
ذكر أن أبا جعفر لما هزم الملبّد حميد بن قحطبة، وتحصّن منه حميد، وجّه إليه عبد العزيز بن عبد الرحمن أخا عبد الجبار بن عبد الرحمن، وضمّ إليه زياد بن مشكان، فأكمن له الملبّد مائة فارس، فلما لقيه عبد العزيز خرج عليه الكمين؛ فهزموه، وقتلوا عامّة أصحابه. فوجّه أبو جعفر إليه خازم بن خزيمة في نحو من ثمانية آلاف من المروروذيّة. فسار خازم حتى نزل الموصل وبعث إلى الملبّد بعض أصحابه وبعث معهم الفعلة، فسار إلى بلد فخندقوا، وأقاموا له الأسواق؛ وبلغ ذلك الملبد، وخرج حتى نزل ببلدٍ في خندق خازم؛ فلما بلغ ذلك خازم خرج إلى مكان من أطراف الموصل حريز فعسكر به، فلما بلغ ذلك الملبّد عبر دجلة من بلد، وتوجه إلى خازم من ذلك الجانب يريد الموصل فلما بلغ خازمًا ذلك، وبلغ إسماعيل ابن علي - وهو على الموصل - أمر إسماعيل خازمًا أن يرجع من معسكره حتى يعبر من جسر الموصل؛ فلم يفعل، وعقد جسرًا من موضع معسكره، وعبر إلى الملبد، وعلى مقدمته وطلائعقه نضلة بن نعيم بن خازم بن عبد الله النهشلي، وعلى ميمنته زهير بن محمد العامري، وعلى ميسرته أبو حماد الأبرص مولى بني سليم. وسار خازم في القلب، فلم يزل يساير الملبّد وأصحابه حتى غشيهم الليل ثم تواقفوا ليلتهم، وأصبحوا يوم الأربعاء، فمضى الملبّد وأصحابه متوجّهين إلى كورة حزّة، وخازم وأصحابه يسايرونهم حتى غشيهم الليل، وأصبحوا يوم الخميس، وسار الملبّد وأصحابه، كأنه يريد الهرب من خازم، فخرج خازم وأصحابه في أثرهم، وتركوا خندقهم، وكان خازم تخندق عليه وعلى أصحابه بالحسك، فلما خرجوا من خندقهم كرّ عليهم الملبّد وأصحابه؛ فلما رأى ذلك خازم ألقى الحسك بين يديه وبين يدي أصحابه، فحملوا على ميمنة خازم وطووها، ثم حملوا على الميسرة وطووها، ثم انتهوا إلى القلب، وفيه خازم، فلما رأى ذلك خازم نادى في أصحابه: الأرض، فنزلوا ونزل الملبد وأصحابه، وعقروا عامة دوابّهم، ثم اضطربوا بالسيوف حتى تقطعت، وأمر خازم نضلة بن نعيم أن إذا سطع الغبار ولم يبصر بغضنا بعضًا فارجع إلى خيلك وخيل أصحابك فاركبوها، ثم ارموا بالنشاب. ففعل ذلك، وتراجع أصحاب خازم من الميمنة إلى الميسرة، ثم رشقوا الملبّد وأصحابه بالنشاب، فقتل الملبّد في ثمانمائة رجل ممن ترجّل، وقتل منهم قبل أن يترجلوا زهاء ثلثمائة، وهرب الباقون، وتبعهم نضلة فقتل منهم مائة وخمسين رجلًا.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، كذلك قال الواقدي وغيره. وذكر أنه كان خرج من عند أبيه من الشأم حاجًا، فأدركته ولايته على الموسم والحجّ بالناس في الطريق، فمرّ بالمدينة فأحرم منها.
وزياد بن عبيد الله على المدينة ومكة والطائف، وعلى الكوفة وسوادها عيسى بن موسى، وعلى البصرة وأعمالها سليمان بن علي، وعلى قضائها سوّار بن عبد الله، وأبو داود خالد بن إبراهيم على خراسان، وعلى مصر صالح بن علي.
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من إقامة صالح بن علي والعباس بن محمد بملطية؛ حتى استتما بناء ملطية، ثم غزوا الصائفة من درب الحديث، فوغلا في أرض الروم - وغزا مع صالح أختاه: أم عيسى ولبابة ابنتا علي؛ وكانتا نذرتا إن زال ملك بني أميّة أن تجاهدا في سبيل الله.
وغزا من درب ملطية جعفر بن حنظلة البهراني.
وفي هذه السنة كان الفداء الذي جرى بين المنصور وصاحب الروم؛ فاستنقذ المنصور منهم أسراء المسلمين، ولم يكن بعد ذلك - فيما قيل - للمسلمين صائفة إلى سنة ست وأربعين ومائة، لاشتغال أبي جعفر بأمر ابني عبد الله بن الحسن؛ إلّا أن بعضهم ذكر أن الحسن بن قحطبة غزا الصائفة مع عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام في سنة أربعيين. وأقبل قسطنطين صاحب الروم في مائة ألف، فنزل جيحان، فبلغه كثرة المسلمين فأحجم عنهم؛ ثم لم يكن بعدها صائفة إلى سنة ست وأربعين ومائة.
وفي هذه السنة سار عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان إلى الأندلس، فلمّكه أهلها أمرهم، فولده ولاتها إلى اليوم.
وفيها وسّع أبو جعفر المسجد الحرام، وقيل إنها كانت سنة خصبة فسميت سنة الخصب.
وفيها عزل سليمان بن علي عن ولاية البصرة، وعمّا كان إليه من أعمالها. وقد قيل إنه عزل عن ذلك في سنة أربعين ومائة.
وفيها ولّى المنصور ما كان إلى سليمان بن علي من عمل البصرة سفيان بن معاوية، وذلك - فيما قيل - يوم الأربعاء للنصف من شهر رمضان، فلما عزل سليمان وولّى سفيان توارى عبد الله بن علي وأصحابه خوفًا على أنفسهم؛ فبلغ ذلك أبا جعفر، فبعث إلى سليمان وعيسى ابني علي، وكتب إليهما في إشخاص عبد الله بن علي، وعزم عليهما أن يفعلا ذلك ولا يؤخّراه، وأعطاهما من الأمان لعبد الله بن علي ما رضياه له ووثقا به، وكتب إلى سفيان بن معاوية يعلمه ذلك، ويأمره بإزعاجهما واستحثاثهما بالخروج بعبد الله ومن معه من خاصّته، فخرج سليمان وعيسى بعبد الله وبعامّة قوّاده وخواصّ أصحابه ومواليه، حتى قدموا على أبي جعفر؛ يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجّة.
ذكر خبر حبس عبد الله بن علي

وفيها أمر أبو جعفر بحبس عبد الله بن علي وبحبس من كان معه من أصحابه وبقتل بعضهم.
ذكر الخبر عن ذلك
ولما قدم سليمان وعيسى ابنا علي على أبي جعفر أذن لهما، فدخلا عليه، فأعلماه حضور عبد الله بن علي، وسألاه الإذن له. فأنعم لهما بذلك، وشغلهما بالحديث، وقد كان هيّأ لعبد الله بن علي محبسًا في قصره، وأمر به أن ينصرف إليه بعد دخول عيسى وسليمان عليه، ففعل ذلك به؛ ونهض أبو جعفر من مجلسه، فقال لسليمان وعيسى: سارعا بعبد الله، فلما خرجا افتقدا عبد الله من المجلس الذي كان فيه، فعلما أنه قد حبس، فانصرفا راجعلين إلى أبي جعفر، فحيل بينهما وبين الوصول إليه، وأخذت عند ذلك سيوف من حضر من أصحاب عبد الله بن علي من عواتقهم وحبسوا. وقد كان خفاف بن منصور حذّرهم ذلك وندم على مجيئه، وقال لهم: إن أنتم أطعتموني شددنا شدّة واحدة على أبي جعفر؛ فوالله لا يحول بيننا وبينه حائل حتى نأتي على نفسه، ونشدّ على هذه الأبوب مصلتين سيوفنا، ولا يعرض لنا عارض إلّا أفاتنا نفسه حتى نخرج وننجو بأنفسنا، فعصوه. فلما أخذت السيوف وأمر بحبسهم جعل خفاف يضرط في لحيته، ويتفل في وجوه أصحابه. ثم أمر أبو جعفر بقتل بعضهم بحضرته؛ وبعث بالبقيّة إلى أبي داود خالد بن إبراهيم بخراسان فقتلهم بها.
وقد قيل إن حبس أبي جعفر عبد الله بن علي كان في سنة أربعين ومائة.
وحجّ بالناس في هذه السنة العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
وكان على مكة والمدينة والطائف زياد بن عبيد الله الحارثي، وعلى الكوفة وأرضها عيسى بن موسى، وعلى البصرة وأعمالها سفيان بن معاوية، وعلى قضائها سوّار بن عبد الله، وعلى خراسان أبو داود خالد بن إبراهيم.
ثم دخلت سنة أربعين ومائة

ذكر ما كان فيها من الأحداث

ذكر هلاك أبي داود عامل خراسان وولاية عبد الجبار

فمن ذلك ما كان فيها من مهلك عامل خراسان.
ذكر الخبر عن ذلك وسبب هلاكه
ذكر أن ناسًا من الجند ثاروا بأبي داود خالد بن إبراهيم بخراسان وهو عامل أبي جعفر المنصور عليها في هذه السنة ليلًا، وهو نازل بباب كشماهن من مدينة مرو، حتى وصلوا إلى المنزل الذي هو فيه، فأشرف أبو داود من الحائط على حرف آجرّة خارجة، وجعل نادي أصحابه ليعرفوا صوته، فانكسرت الآجرّة عند الصبح، فوقع على سترة صفة كانت قدّام السطح فانكسر ظهره، فمات عند صلاة العصر، فقام عصام صاحب شرطة أبي داود بخلافة أبي داود، حتى قدم عليه عبد الجبّار بن عبد الرحمن الأزدي.
وفيها ولّى أبو جعفر عبد الجبار بن عبد الرحمن خراسان فقدمها، فأخذ بها ناسًا من القوّاد ذكر أنه اتهمهم بالدعاء إلى ولد علي بن أبي طالب؛ منهم مجاشع بن حريث الأنصاري صاحب بخارى وأبو المغيرة، مولى بني تميم واسمه خالد بن كثير وهو صاحب قوهستان، والحريش بن محمد الذهلي، ابن عمّ داود، فقتلهم، وحبس الجنيد بن خالد بن هريم التغلبي ومعبد بن الخليل المزني بعد ما ضربهما ضربًا مبرّحًا، وحبس عدّة من وجوه قوّاد أهل خراسان، وألحّ على استخراج ما على عمال أبي داود من بقايا الأموال.
وفيها خرج أبو جعفر المنصور حاجًا، فأحرم من الحيرة، ثم رجع بعد ما قضى حجه إلى المدينة، فتوجّه منها إلى بيت المقدس.
وكان عمّال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها، إلّا خراسان فإن عاملها كان عبد الجبار.
ولما قدم أبو جعفر بيت المقدس صلى في مسجدها، ثم سلك الشأم فإن عاملها كان عبد الجبار.
ولما قدم أبو جعفر بيت المقدس صلّى في مسجدها؛ ثم سلك الشأم منصرفًا حتى انتهى إلى الرقة، فنزلها، فأتى بمنصور بن جعونة بن الحارث العامريّن من بني عامر بن صعصعة، فقتله، ثم شخص منها، فسلك الفرات حتى أتى الهاشميّة، هاشميّة الكوفة.
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
ذكر الخبر عن خروج الراوندية

فمن ذلك خروج الراونديّة، وقد قال بعضهم: كان أمر الراونديّة وأمر أبي جعفر الذي أنا ذاكره، في سنة سبع وثلاثين ومائة أو ستّ وثلاثين ومائة.
ذكر الخبر عن أمرهم وأمر أبي جعفر المنصور معهم
والرّاوندية قوم - فيما ذكر عن علي بن محمد - كانوا من أهل خراسان على رأي أبي مسلم صاحب دعوة بني هاشم، يقولون - فيما زعم - بتناسخ الأرواح، ويزعمون أن روح آدم في عثمان بن نهيك، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور، وأن الهيثم بن معاوية جبرئيل.
قال: وأتوا قصر المنصور، فجعلوا يطوفون به، ويقولون: هذا قصر ربّنا؛ فأرسل المنصور إلى رؤسائهم، فحبس منهم مائتين، فغضب أصحابهم وقالوا: علام حبسوا! وأمر المنصور ألّا يجتمعوا، فأعدّوا نعشًا وحملوا السرير - وليس في النعش أحد - ثم مروا في المدينة، حتى صاروا على باب السجن، فرموا بالنعش، وشدوا على الناس - ودخلوا السجن، فأخرجوا أصحابهم، وقصدوا نحو المنصور وهم يومئذ ستمائة رجل، فتنادى الناس، وغلقت أبواب المدينة فلم يدخل أحد، فخرج المنصور من القصر ماشيًا، ولم يكن في القصر دابة، فجعل بعد ذلك اليوم يرتبط فرسًا يكون فيي دار الخلافة معه في قصره.
قال: ولما خرج المنصور أتيَ بدابّة فركبها وهو يريدهم؛ وجاء معن ابن زائدة، فانتهى إلى أبي جعغفر، فرمى بنفسه وترجّل، وأدخل بركة قبائه في منطقته، وأخذ بلجام دابة المنصور، وقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين إلّا رجعت؛ فإنك تكفى. وجاء أبو نصر مالك بن الهيثم فوقف على باب القصر، وقال: أنا اليوم بوّاب، ونودي في أهل السوق فرموهم وقاتلوهم حتى أثخنوهم، وفتح باب المدينة، فدخل الناس.
وجاء خازم بن خزيمة على فرس محذوف؛ فقال: يا أمير المؤمنين، أقتلهم؟ قال: نعم، فحمل عليهم حتى ألجأهم إلى ظهر حائط، ثم كرّوا على خازم فكشفوه وأصحابه، ثم كرّ خازم عليهم فاضطرهم إلى حائط المدينة. وقال للهيثم بن شعبة: إذا كروا علينا فاسبقهم إلى الحائط، فإذا رجعوا فاقتلهم. فحملوا على خازم، فاطّرد لهم، وصار الهيثم بن شعبة من وورائهم. فقتلوا جميعًا.