وحدثني ابن البوّاب عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبي، عن الأسلمي، قال: قدم على أبي جعفر قادم، فقال: هرب محمد، فقال: كذبت! نحن أهل البيت لا نفرّ.
وحدثني عبد الله بن راشد بن يزيد، قال: حدثني أبو الحجاج الجمّال، قال: إني لقائم على رأس أبي جعفر، وهو مسائلي عن مخرج محمد، إذ بلغه أن عيسى قد هُزم - وكان متّكئًا فجلس - فضرب بقضيب معه مصلّاه، وقال: كلّا، فأين لعب صبياننا بها على المنابر ومشورة النساء! ما أني لذلك بعد!.
قال: وحدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني بعض أصحابنا، قال: أصاب أبا القلمّس نشابة في ركبته، فبقي نصلها، فعالجها فأعياه، فقيل له: دعه حتى يقيح فيخرج، فتركه، فلما طلب بعد الهزيمة لحق بالحرّة، وأبطأ به ما أصاب ركبته، فلم يزل بالنّصل حتى استخرجه ثم جثا لركبتيه، ونكب كنانته، فرماهم فتصدّعوا عنه، فلحق بأصحابه فنجا.
وحدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني عبد الله بن عمر بن القاسم، قال: لما انهزمنا يومئذ كنت في جماعة، فيهم أبو القلمّس، فالتفتّ إليه، فإذا هو مستغرب ضحكًا، قال: فقلت: والله ما هذا بموضع ضحك، وخفضت بصري؛ فإذا برجل من المنهزمة قد تقطع قميصه، فلم يبق منه إلا جربّانه وما يستر صدره إلى ثدييه، وإذا عورته بادية وهو لا يشعر؛ قال: فجعلت أضحك لضحك أبي القلمّس.
فحدثني عيسى، قال: حدثني أبي، قال: لم يزل أبو القمّس مختفيًا بالفرع، وبقي زمانًا ثم عدا عليه عبد له، فشدخ رأسه بصخرة فقتله، ثم أتى أمّ ولد كانت له، فقال: إني قد قتلت سيّدك فهلمّي أتزوّجك؟ قالت: رويدًا أتصنّع لك، فأمهلها، فأتت السلطان فأخبرته، فأخذ العبد فشدخ رأسه.
حدثني محمود بن معمر بن أبي الشدائد، قال: أخبرني أبي، قال: لما دخلت خيل عيسى من شعب بني فزارة، فقتل محمد، اقتحم نفر على أبي الشدائد فقتلوه، وأخذوا رأسه، فنادت ابنته الناعمة بنت أبي الشدائد: وارجالاه! فقال لها رجل من الجند: ومن رجالك؟ قالت: بنو فزارة، قال: والله لو علمت ما دخلت بيتك، فلا بأس عليك، أنا امرؤ من عشيرتك من باهلة؛ وأعطاها قطعة من عمامته فعلقتها على بابها. قال: وأتي عيسى برأسه، وعنده ابن أبي الكرام ومحمد بن لوط بن المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فاسترجعا وقالا: والله ما بقي من أهل المدينة أحد، هذا رأس أبي الشدائد، فالح بن معمر - رجل من بني فزارة مكفوف - قال: فأمر مناديًا فنادى: من جاء برأس ضربنا رأسه.
وحدثني علي بن زادان، قال: حدثني عبد الله بن برقي، قال: رأيت قائدًا من قوّاد عيسى، جاء في جماعة يسأل عن منزل ابن هرمز؛ فأرشدناه إليه. قال: فخرج وعليه قميص رياط، قال: فأنزلوا قائدهم، وحملوه على برذونه وخرجوا به يزفّونه، حتى أدخلوه على عيسى، فما هاجه.
حدثني قدامة بن محمد، قال: خرج عبد الله بن يزيد بن هرمز ومحمد ابن عجلان مع محمد، فلما حضر القتال، تقلد كلّ واحد منهما قوسًا، فظننّا أنهما أرادا أن يريا الناس أنهما قد صلحا لذلك.
وحدثني عيسى، قال: حدثني حسين بن يزيد، قال: أتيَ بابن هرمز إلى عيسى بعد ما قتل محمد، فقال: أيها الشيخ، أما وزعك فقهك عن الخروج مع من خرج! قال: كانت فتنةً شملت الناس، فشملتنا فيهم، قال: اذهب راشدًا.
وحدثني محمد بن الحسن بن زبالة، قال: سمعت مالك بن أنس، يقول: كنت آتي ابن هرمز فيأمر الجارية فتغلق الباب، وترخي الستر، ثم يذكر أوّل هذه الأمّة، ثم يبكي حتى تخضلّ لحيته. قال: ثم خرج مع محمد فقيل له: والله ما فيك شيء، قال: قد علمت؛ ولكن يراني جاهل فيقتدي بي.
حدثني عيسى، قال: حدثني محمد بن زيد، قال: لمّا قتل محمد انخرقت السماء بالمطر بما لم أر مثله انخرق قطّ منها، فنادى منادي عيسى: لا يبيتنّ بالمدينة أحدّ من الجند إلا كثير بن حصين وجنده، ولحق عيسى بعسكره بالجرف؛ فكان به حتى أصبح، ثم بعث بالبشارة مع القاسم بن حسن بن زيد، وبعث بالرأس مع ابن أبي الكرام.
وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: لما أصبح محمد في مصرعه، أرسلت أخته زينب بنت عبد الله وابنته فاطمة إلى عيسى: إنكم قد قتلتم هذا الرجل، وقضيتم منه حاجتكم، فلو أذنتم لنا فواريناه! فأرسل إليهما: أما ما ذكرتما يا بنّي عمي مما نيل منه فوالله ما أمرت ولا علمت؛ فوارياه راشدتين. فبعثتا إليه فاحتمل، فقيل: إنه حشي في مقطع عنقه عديله قطنًا، ودفن بالبقيع، وكان قبره وجاه زقاق دار علي بن أبي طالب، شارعًا على الطريق أو قريبًا من ذلك؛ وبعث عيسى بألوية فوضع على باب أسماء بنت حسن بن عبد الله واحد، وعلى باب العباس بن عبد الله بن الحارث آخر، وعلى باب محمد بن عبد العزيز الزهري آخر، وعلى باب عبيد الله بن محمد بن صفوان آخر، وعلى باب دار أبي عمرو الغفاري آخر، وصاح مناديه: من دخل تحت لواء منها، أو دخل دارًا من هذه الدور فهو آمن؛ ومطرت السماء مطرًا جودًا، فأصبح الناس هادئين في أسواقهم؛ وجعل عيسى يختلف إلى المسجد من الجرف، فأقام بالمدينة أيامًا، ثم شخص صبح تسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان يريد مكة.
حدثني أزهر بن سعيد، قال: لما كان الغد من قتل محمد أذن عيسى في دفنه، وأمر بأصحابه فصلبوا ما بين ثنية الوداع إلى دار عمر رن عبد العزيز. قال أزهر: فرأيتهم صفين؛ ووكل بخشبة ابن خضير من يحرسها، فاحتمله قومٌ في الليل فواروه، ولم يقدر عليهم، وأقام الآخرون مصلّبين ثلاثًا، ثم تأذّى بهم الناس، فأمر عيسى بهم فألقوا على المفرح من سلع، وهي مقبرة اليهود، فلم يزالوا هنالك، ثم ألقوا في خندق بأصل ذباب.
حدثني عيسى بن عبد الله قال: حدثتني أمي أم حسين بنت عبد الله بن محمد بن علي بن حسين، قالت: قلت لعمّي جعفر بن محمد: إني - فديتك - ما أمر محمد بن عبد الله هذا؟ قال: فتنته يقتل فيها محمد عند بيت رومي، ويقتل أخوه لأبيه وأمّه بالعراق وحوافر فرسه في ماء.
حدثني عيسى، عن أبيه، قال: خرج مع محمد حمزة بن عبد الله بن محمد بن علي - وكان عمه جعفر يقول له: هو والله مقتول، قال: فتنحّى جعفر.
حدثني عيسى، قال: حدثنا ابن أبي الكرام، قال: بعثني عيسى برأس محمد، وبعث معي مائة من الجند، قال: فجئنا حتى إذا أشرفنا على النجف كبّرنا - قال: وعامر بن إسماعيل يومئذ بواسط محاصر هارون ابن سعد العجلي - فقال أبو جعفر للربيع: ويحك! ما هذا التكبير! قال: هذا ابن أبي الكرام، جاء برأس محمد بن عبد الله، قال: ائذن له ولعشرة ممن معه، قال: فأذن لي، فوضعت الرأس بين يديه في ترس، فقال: من قُتل معه من أهل بيته؟ قلت: لا والله ولا إنسان، قال: سبحان الله! هو ذاك. قال: فرفع رأسه إلى الربيع، فقال: ما أخبرنا صاحبه الذي كان قبله؟ قال الربيع: زعم أنه قتل منهم عدد كثير، قلت: لا والله ولا واحد.
حدثني علي بن إسماعيل بن صالح بن ميثم، قال: لما قدم برأس محمد على أبي جعفر وهو بالكوفة، أمر به فطيف في طبق أبيض، فرأيته آدم أرقط، فلما أمسى من يومه بعث به إلى الآفاق.
وحدثني عبد الله بن عمر بن حبيب من أهل ينبع، قال: لما أتيَ أبو جعفر برءوس بني شجاع، قال: هكذا فليكن الناس، طلبت محمدًا فاشتمل هؤلاء عليه، ثم نقلوه وانتقلوا معه، ثم قاتلوا معه فصبروا حتى قتلوا.
قال عمر: أنشدني عيسى بن إبراهيم وإبراهيم بن مصعب بن عمارة بن حمزة بن مصعب، ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسن بن زبالة وغيرهم لعبد الله ابن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يرثي محمدًا:
تبكي مدلّه أن تقنّص حبلهم ** عيسى وأقصد صائبًا عثمانا
هلّا على المهدي وابني مصعب ** أذريت دمعك ساكبًا تهتانًا!
ولفقد إبراهيم حين تصدّعت ** عنه الجموع فواجه الأقرانا
سالت دموعك ضلّة قد هجت لي ** برحاء وجد تبعث الأحزانا
والله ما ولد الحواضن مثلهم ** أمضى وأرفع محتدًا ومكانا
وأشد ناهضةً وأقول للّتي ** تنفي مصادر عدلها البهتانا
فهناك لو فقّأت غير مشوّه ** عينيك من جزع عذرت علانا
رزء لعمرك لو يصاب بمثله ** مبطان صدّع رزؤه مبطانا
وقال ابن مصعب:
يا صاحبي دعا الملامة واعلما ** أن لست في هذا بألوم منكما
وقفا بقبر ابن النبي فسلّما ** لا بأس أن تقفا به فتسلّما
قبر تضمّن خير أهل زمانه ** حسبًا وطيب سجيّةٍ وتكرّما
رجل نفي بالعدل جور بلادنا ** وعفا عظيمات الأمور وأنعما
لم يجتنب قصد السبيل ولم يجر ** عنه، ولم يفتح بفاحشة فما
لو أعظم الحدثان شيئًا قبله ** بعد النبي به لكنت المعظما
أو كان أمتع بالسلامة قبله ** أحدًا لكان قصاره أن يسلما
ضحّوا بإبراهيم خير ضحيّة ** فتصرّمت أيامه وتصرّما
بطلًا يخوض بنفسه غمراتها ** لا طائشًا رعشًا ولا مستسلما
حتى مضت فيه السيوف وربّما ** كانت حتوفهم السيوف وربّما
أضحى بنو حسن أبيح حريمهم ** فينا وأصبح نهبهم متقسما
ونساؤهم في دورهنّ نوائح ** سجع الحمام إذا الحمام ترنّما
يتوسّلون بقتلهم ويرونه ** شرفًا لهم عند الإمام ومغنما
والله لو شهد النبي محمّدٌ ** صلّى الإله على النبي وسلّما
إشراع أمّته الأسنّة لابنه ** حتى تقطّر من ظباتهم دما
حقًا لأيقن أنهم قد ضيّعوا ** تلك القرابة واستحلّوا المحرما
وحدثني إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم، قال: حدثني موسى بن عبد الله ابن حسن، قال: خرجت من منازلنا بسويقة في الليل، وذلك قبل مخرج محمد ابن عبد الله؛ فإذا بنسوة كأنما خرجن من ديارنا؛ فأخذتني عليهنّ غيرة، فإني لأتبعهنّ أنظر أين يردن؛ حتى إذا كنّ بطرف الحميراء من جانب الغرس؛ التفتت إلي إحداهنّ، فقالت:
سويقة بعد ساكنها يباب ** لقد أمست أجدّبها الخراب
فعرفت أنهنّ من ساكني الأرض، فرجعت.
وحدثني عيسى، قال: لما قتل عيسى بن موسى محمدًا قبض أموال بني حسن كلّها، فأجاز ذلك أبو جعفر.
وحدثني أيوب بن عمر، قال: لقيَ جعفر بن محمد أبا جعفر، فقال: يا أمير المؤمنين، ردّ علي قطيعتي عين أبي زياد آكل من سعفها، قال: إياي تكلم بهذا الكلام! والله لأزهقنّ نفسك. قال: فلا تعجل علي؛ قد بلغت ثلاثًا وستين، وفيها مات أبي وجدّي علي بن أبي طالب؛ وعلي كذا وكذا إن ربتك بشيء أبدًا، وإن بقيت بعدك إن ربت الذي يقوم بعدك. قال: فرقّ له وأعفاه.
وحدثني هشام بن إبراهيم بن هشام بن راشد، قال: لم يرد أبو جعفر عين أبي زياد حتى مات فردّها المهدي على ولده.