النتائج 1 إلى 4 من 477

الموضوع: رغـد : أنـت لــي (كتـير حلـوة)

العرض المتطور


  1. #1

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array



    انتبهت للتو على عدم وجوده فالتفت نحو الباب أتأكد من كونه غير موجود... ثم سألت:
    "ماذا عن سامر؟؟"
    فأجابت دانة:
    "يبعث إليك بأحر القبلات.. كان يتمنى أن يحضر معنا ولكن تعرف.. خشينا عليه من السلطات"
    وأضاف نوار وهو يضحك:
    "إنه مشغول البال الآن!"
    انتفض جسمي.. التفت إلى رغد بسرعة... اصطدمت بعينيها بقوة... فارتدّت إلى الوراء وقد ظهر الفزع على وجهها...
    سمعت دانة تقول:
    "نوّار! اسكت"
    فيطلق نوّار الضحكات المرحة ثم يقول مداعبا:
    "لكنني لم أفش الخبر بعد!"
    تمد دانة يدها من أمامي... وتقرص رجل نوار بلطف, فيستمر بالضحك ثم يوجه سؤاله إليّ:
    "ماذا عنك أنت يا وليد؟؟ هل تزوجت أم ليس بعد؟؟"
    كانت برهة سريعة... لكنني لمحت فيها كل شيء...
    يد دانة وهي تقرص رجل نوّار... حاجبيّ نوّار وهما يرتفعان للأعلى ثم ينخفضان بخجل... ويد رغد... وهي تنقبض وتضطرب...
    جاريت نوّار مفتعلا الضحك وقلت:
    "ليس بعد!... كما ترى"
    وأشرت بيدي إلى ما حولي...
    وفي الحقيقة... أنا انفصلت عن خطيبتي السابقة... بعد عودتي للوطن قبل عام وأكثر... ولم أطلع شقيقتي دانة على الخبر إلا لاحقا... وقد حذرتها من إفشائه على مسامع أحد... خصوصا رغد وسامر...
    فبعد الذي حصل لم يكن هناك ما هو أفضل من أن أختفي وتختفي أخباري عنهم... وأخبارهم عني..
    لم أكن أتصل بهم إلا قليلا للاطمئنان عليهم. كنت أهاتف دانة أغلب المرات وأتجنب التحدث إلى سامر.. أما رغد.. فأصلا لم أكن لأجرؤ حتى على السؤال عنها...
    أصدر الطفل صوتا من جديد... وربما كان منقذا لي من نسمة الذكريات التي كادت تلفحني... والتي أبذل قصارى جهدي كي أتناساها... التفت إلى الطفل... ثم إلى دانة وسألت وأنا أكاد أغص بسؤالي:
    "هذا... ابنكِ؟؟"
    فابتسمت وقالت:
    "لا"
    فجن جنوني... وابتلعت الغصة مرغما وكدت أختنق بها... وإذا بها تتابع:
    "بل هذه ابنتي!"
    حملقت فيها... ثم نظرت إلى الطفل... أعني الطفلة... نعم الطفلة... لأن ملامحها ناعمة جدا... وجميلة جدا...
    ومددت أصابعي إليها ألمس خدها الناعم...
    لكن انتظروا!
    أنا لم أفهم...
    عدت أنظر إلى دانة وفي فمي عدة أسئلة... فإذا بها تحملق في ابنتها بنظرة عطوفة... ثم تقول:
    "أليست جميلة وليد؟؟ سميتها ندى... تيمنا بوالدتنا رحمها الله"
    مد نوّار الطفلة إلي وهو يقول:
    "سلمي على خالك يا ندى..."
    تناولت الطفلة وتأملتها برهة... فشعرت بسرور غريب يجتاح عواطفي... ضممتها إليّ وطبعت قبلة خفيفة على رأسها... وشممت رائحتها الطفولية البريئة...
    "ما أرقها وأنعمها!... آه... كيف لم تخبروني عن ولادتها؟؟"
    قلت معاتبا دانة فأجابت وهي ترفع حاجبا وتخفض الآخر:
    "الاتصال بك ليس مهمة سهلة!"
    وأنا أعرف ذلك وأتعمده...
    "لم لا نتم حديثنا على المائدة؟؟ إننا نتضور جوعا!"
    كان نوّار...
    وقفنا كلنا قاصدين التوجه إلى المائدة... وهذه المائدة صغيرة... وقد لا تتسع لنا...
    تناولت دانة طفلتها وجالت ببصرها في أرجاء الشقة وسألت:
    "أين يمكنني وضع الطفلة؟؟ شقتك تبدو صغيرة!"
    فقلت:
    "نعم... معذرة فكل شيء صغير هنا... في غرفة النوم... من هنا... تفضلي"
    وقدتها إلى غرفة النوم... فوضعت الطفلة على السرير وهمت بالمغادرة...
    هنا قلت بصوت منخفض:
    "انتظري"
    وألقيت نظرة نحو الباب أستوثق من أحد لم يتبعنا... فهمت دانة أنني أرغب في قول شيء بسرية... فنظرت إلي متسائلة... عنها سألت:
    "ماذا... عن سامر...؟ أنا لم أفهم"
    ابتسمت دانة ابتسامة طفيفة ثم قالت:
    "عقد قرانه على لمياء... شقيقة نوّار... قبل أسابيع"
    الخبر أربكني وأرسلني إلى قعر الحيرة والتيه... ثم خرجت الكلمة من بين شفتيّ من دون أن أشعر:
    "و... رغد؟؟"
    ارتسم القلق والألم على وجه دانة ثم قالت:
    "مررنا بفترات عصيبة... عصيبة جدا جدا..."
    ثم تنهدت وتابعت:
    "قررت... الاستقرار عند خالتها... سنقضي هنا أسبوعين ثم نذهب بها إلى الشمال... تستلم إرث والديها وتقيم مع أسرتها هناك.. هذا قرارها الأخير.."
    جمدني الذهول... وبقيت محملقا في عيني شقيقتي... أحاول ترتيب ما عرفته من مفاجآت... هذه الساعة...
    رأيتها تسير مغادرة الغرفة... فتبعتها وذهني واقف في الغرفة موضعه, توجهت دانة إلى المائدة وأخذت توزع محتويات الأكياس عليها... ثم دعتنا للجلوس... جلست على أقرب كرسي رأيته أمامي... وجلست هي إلى اليسار... ونوّار إلى اليمين... والمقعد الأخير... المقابل لي مباشرة... كان من نصيب رغد...
    أنا لست بحاجة لأن أصف لكم... أنا أصلا لا أستطيع أن أصف لكم... سأترككم تتخيلون حالي... كما تشاءون...
    انتهينا من العشاء وأنا لم أشعر بطعمه... ربما لم آكل شيئا... لقد كنت أراقب أصابع البطاطا وهي تختفي واحد بعد الآخر... لكنني متأكد من أنني لم أذق منها شيئا...
    من الذي يوجد معنا... ويحب البطاطا المقلية لهذا الحد؟؟
    من الذي يوجد معنا... ولا يتحدث؟؟
    من الذي هنا... ولا أستطيع أن أرفع عيني لأنظر إليه؟؟
    يتحرك أمامي... بهدوء... بصمت تام... كأنه غير موجود... لكن وجوده طغى على كل وجود... وعلا فوق كل وجود... ولم يضاهيه أي وجود...
    آه...
    رغد... صغيرتي...
    بعد الفطور, قامت الفتاتان ترفعان الأطباق... وفيما هما كذلك سمعنا صوت بكاء الطفلة... فتركت رغد ما بيدها وهي تقول:
    "أنا سأتفقدها"
    وذهبت إلى غرفة النوم, حيث كانت الطفلة موضوعة على السرير...
    أتدرون ما الذي خطر ببالي؟؟
    أن ألحق بها...
    ذهبت خلفها مباشرة... ووقفت عند الباب... وهي لم تنتبه إلي بادئ الأمر... جلست على السرير ورفعت الطفلة وهزتها قليلا... فسكتت الأخيرة ونامت ببساطة!
    أعادتها رغد إلى السرير... ثم هبت واقفة... واستدارت فانتبهت لوجودي...
    التقت نظراتنا... التي كانت تتحاشى بعضها البعض طيلة الوقت... هذه المرة لم تتهرب أعيننا... بل تعانقت عناقا طويلا... ملتهبا... عميقا...
    وبعد حصة النظرات الطويلة تلك... تقدمت باتجاهها وأنا ألهث مضطرب الكيان والجوارح... كذلك كان الاضطراب مجتاحا لرغد... فأصابع يدها تتشابك وتنفصل مرارا...
    لما صرت أمامها مباشرة... لا تفصلني عنها غير بضع بوصات... كتمت أنفاسي... ثم أطلقت زفرة حارة... ثم سمعت لساني يقول لا شعوريا:
    "... اشتقت إليك... صغيرتي"
    لا أعرف من أين خرجت تلك الكلمات... لكنها خرجت... ووصلت على رغد... فإذا بوجهها يضطرب أكثر... وأصابعها ترتجف أكثر...
    أطلت التحديق بها... مفتشا عن رد.. فإذا بي أرى حاجبيها ينعقدان ووجها يعبس وإذا بها تشيح به عني وتتنحى جانبا وتسير متجهة إلى الباب...
    استدرت إليها ومددت يدي في الهواء وناديتها بصوت هامس راج متلهف:
    "صغيرتي"
    فإذا بها تلتفت إليّ وتصوب أسهما نارية إلى عينيّ وللمفاجأة تقول:
    "إياك أن تناديني هكذا ثانية"
    واستدارت لتتابع طريقها في ذات اللحظة التي ظهرت فيها شقيقتي دانة مقبلة إلى الغرفة وفي يدها زجاجة حليب أطفال... نقلت دانة بصرها بيننا ثم تظاهرت بالمرح وقالت وهي تشير للطفلة:
    "هل نامت؟ إنه موعد الحليب!"
    في نفس الليلة أصرت دانة على أن نقوم بزيارة للمنزل الكبير والذي شعرت بحنين شديد إليه. لم أكن أرغب في دخول ذلك المنزل واسترجاع الذكريات التعيسة فيه غير أنني لم أجد بدا من تنفيذ رغبتها.
    ذهبنا إلى المنزل نحن الأربعة, مع الطفلة الصغيرة. ومن أول لحظة وطأت قدماي فيها أرض المنزل داهمتني آلام حادة في كامل جسدي...
    بقي نوّار مع ابنته في المجلس, وذهبنا نحن الثلاثة وأقصد بالثلاثة أنا ودانة... ورغد... نجوب أنحاء المنزل...
    لما اقتربنا من غرفة رغد السفلية توترت وتوقفت عن السير وتحاشت دخولها...
    ولما صعدنا الدرجات رأيتها تتكئ على السياج وكأنها تتذكر لحظات الوقوع والكسر والجبيرة...
    ولما دخلنا غرفتها العلوية... علقت هناك...
    تابعنا أنا ودانة جولتنا تاركين إياها في غرفتها ربما تتفقد حاجياتها أو تسترجع ذكرياتها...
    هذه الغرفة كنت أدخلها كل يوم... أطمئن على طيف صغيرتي بجنون... عندما كنت أقيم هنا وحيدا... بعد رحيلها...
    بعد ذلك سمعنا صوت بكاء الطفلة فنزلت دانة إلى الطابق السفلي وكنت سأتبعها غير أن رجلاي غيرتا وجهتهما وقادتاني إلى... غرفة رغد...
    كانت رغد تقف بجانب السرير وعينها تحملقان في الورقة الملصقة على الجدار فوق السرير... تذكرونها؟؟ إنها أول صورة رسمتها صغيرتي لي.. قبل سنين طويلة.. وهي ما تزال طفلة بالكاد تتعلم كيف تمسك القلم...
    كيف لي أن أكتشف يومها... ما لم أكتشفه إلا بعد كل تلك السنين...؟؟
    أحست رغد بحركتي فالتفتت نحوي فجأة... وإذا بالهلع يجتاحها ويحول وجهها إلى صحراء من الصفار... وأصابعها تضطرب وأنفاسها تتلاحق...
    "هل أفزعتك؟؟ أنا آسف صغيرتي"
    قلت ذلك محاولا تهدئة روعها غير أن يدها انقبضت بشدة ثم أبعدت عينيها عني وخطت نحوي قاصدة الخروج من الغرفة...
    لم أستطع التحمل وأنا أراها تهرب مني... وقفت عند فتحة الباب وسددت الطريق أمامها فوقفت أمامي في حيرة وانفعال ثم رفعت بصرها إلي وأخيرا نطقت:
    "تنحّ بعيدا لو سمحت"
    وكانت نظرتها أقسى من جملتها... لكني لم أتزحزح ونظرت إليها برجاء فقابلت نظراتي بغضب... همست متوسلا:
    "صغيرتي... أرجوك"
    فإذا بها تهتف:
    "قلت لك لا تنادني هكذا ثانية... لا أسمح لك... وابتعد عن طريقي فورا"
    تسمرت مذهولا في مكاني فإذا بها ترفع صوتها آمرة بعصبية:
    "ابتعد هيا"
    فما كان مني إلا أن تنحيت جانبا وسط الذهول... وتركتها ببساطة تختفي..!

    *************

رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array



    لم أتمالك نفسي.. لم أستطع الصبر بعد ذلك.. خرجت لاحقا بها ودانة تناديني, غير أنني لم آبه ولحقت برغد.
    أدركتها وهي توشك على دخول غرفتها وإغلاق الباب فحلت دون ذلك..
    "انتظري"
    هتفتُ راجيا... فصرخت غاضبة:
    "ابتعد عن طريقي"
    فقلت وأنا أمسك بذراعها وأعيقها عن دخول غرفتها:
    "توقفي يا رغد... أرجوك.. أعطيني فرصة لأتحدث معك"
    فهتفت وهي تحاول الفكاك عني:
    "اتركني... لا تلمسني.. لا أريد سماعك.. ابتعد"
    هتفت بجنون:
    "أرجوك يا رغد.. ماذا أفعل حتى تصفحين عني..؟ أخبريني ماذا أفعل فأنا تعذبت ما يكفي... وأريد أن أستعيدك لي"
    هنا أمطرتني رغد بوابل من الضربات على صدري مصحوبة بسيل من الشتائم الهائجة...
    "أنا لست دمية عندك... تتنازل عنها وقت تشاء... وتستعيدها وقت تشاء... أيها المتوحش الكذاب الغدار المنافق... البليد المتحجر الغشاش... لا أريد أن أرى وجهك ثانية... كيف تجرؤ على الحديث معي بعدما فعلت بي؟؟ كيف تجرؤ على الإمساك بيدي؟؟ أنت لم تعد كأبي.. وأنا لم أعد تحت وصايتك.. أنت رجل غريب وبغيض.. وأنا أفضل الموت على رؤية وجهك... أكرهك... أكرهك.. اختف من حياتي يا بليد.."
    وجرت بسرعة إلى داخل الغرفة وأغلقت الباب...
    التفت يمينا وشمالا باحثا عن كلمة تعبر عن حالتي آنذاك ولم أجد غير شقيقتي ونوّار يقفان هناك... يراقبان ما يحصل...
    ضربت على الباب بعنف وصرخت منفلتا قائلا:
    "لقد فعلت ذلك من أجل أخي.. كيف أتركه يهلك أمام عيني؟؟ لماذا لا تسامحينني يا رغد؟ أنا لا أطلب منك أكثر من السماح الآن.. أنا من كان ولا يزال يتعذب أكثر منك أنت.. أكثر منكم جميعا.. لكنكم لا تشعرون بي.. لا أحد يشعر بي أنا.."
    وضربت الباب ضربة أخيرة... ثم خرجت مسرعا من المنزل...

    ************


    ولم يعد إليه ثانية..وكان هذا أفضل ما فعل... وصار نوّار يحمل أطباق الفطور إلى شقته ويتناولها معه كل ليلة.. وصرت أعد الليالي والأيام إلى أن حان وقت السفر إلى الشمال... أخيرا..

    مررنا بشقته.. وذهبت دانة مع ابنتها ونوّار لتوديعه, ولازمت أنا السيارة -وهي سيارة استأجرها نوّار من المطار لدى وصولنا- وانتظرت عودتهما. لم أحمل معي أي شيء من حاجياتي الكثيرة التي كان وليد هو من اشتراها لي في السابق... ولا حتى هاتفي... والذي كنت قد تركته هو والعكاز في غرفتي لدى فرارنا من المنزل مسرعين... ذلك الصباح الضبابي... تذكرون؟؟ بعد الليلة الوحشية تلك.. حتى أنني تخلصت من الأشياء التي بعثها لي في منزل دانة.. لأنني لم أشأ يذكرني أي شيء.. بالحبيب الساخر...
    غاب نوّار ودانة نحو نصف ساعة وأنا أنتظر على الجمر المتقد.. أقاوم سيل الذكريات لئلا يجتاحني... وأخيرا رأيتهما يظهران عند مدخل مبنى الشقة.. ويظهر وليد معهما أيضا..
    التقت نظراتي بنظراته, فأشحت بوجهي سريعا لأتفاداه وأتفادى الألم الذي يخلفه مجرد مرور طيفه على مرآي...
    ركب الاثنان السيارة وبدأت نسير على بركة الله مبتعدة عن شقة وليد. كنت أجلس في الخلف وبدون أن أشعر وجدتني ألتفت إلى الوراء وأنظر إلى الناحية التي ظهر فيها وليد قبل قليل.. مدخل المبنى..
    وللعجب.. رأيته لا يزال واقفا هناك.. ينظر إلي أنا.. ويبتسم.. ثم يرفع يده يلوح لي..
    أشحت بوجهي عنه ونظرت إلى الأمام... وأنا أشعر بأن عينيه ملتصقتان بزجاج النافذة... خلفي مباشرة.. فملت برأسي للأمام لأبتعد عنهما... كانت السيارة تقترب من إشارة مرور لذا خفف نوّار السرعة ثم توقف عند الإضاءة الحمراء.. نظرت إليه وإلى دانة... ثم إلى اليمين والشمال.. كل من حولي في شغل عني.. أنظارهم وأفكارهم كانت تسير في اتجاه آخر.. لكني أشعر بأن عينين تحدقان بي...
    التفت إلى الخلف.. وأمعنت إلى النافذة وعبرها إلى ما خلفها... فإذا بي أرى يدا لا تزال تلوح لي من بعيد... كانت لا تزال تتمايل يمينا وشمالا... تتمايل لي!
    حضرتني فجأة تلك اللحظة المريرة.. لحظة أن ركبنا أنا وسامر سيارة الشرطة... وسرنا مبتعدين... ووليد واقف هناك في حر الشمس... يلوح لي بيده... يلوح ويلوح... وصورته تغشي بصري فلا أرى غيرها... إلى أن اختفى فجأة... وتلاشت من حياتي مثل السراب...
    إنها نفس اليد... تلوح لي... بنفس الطريقة...
    إنني بذلت كل طاقاتي... لأرسمها بيدي... في تلك اللوحة... {لوحة الوداع}... آخر لوحة رسمتها لوليد... وليد قلبي... ثم غطيتها بطبقة من الضباب الأسود...
    أضاءت الإشارة الخضراء... السيارة بدأت تتحرك... السرعة أخذت تتسارع... اليد الملوّحة أخذت تبتعد... وتصغر... وتصغر... وتصغر... وأخيرا.... اختفت!
    لم يعد وليد موجود خلف النافذة... لم يعد وليد موجودا في حياتي... أنا لم أعد أملك وليد... ولا صورة لوليد!
    "توقف"
    هتفت باندفاع أربك نوّار وجعله يترنح في السير قليلا ثم يخفف السرعة فيما تلتفت دانة إلي متسائلة:
    "ماذا هناك رغد؟"
    فقلت بلهفة:
    "عد إلى وليد... أرجوك الآن"
    تبادل نوّار ودانة النظرات ثم انعطف نوّار بالسيارة يمينا ودار حول المنطقة إلى أن وصلنا إلى مبنى شقة وليد من جديد.
    وليد لم يكن يقف هناك... فقد اختفى هو ويده... وخشيت أنني كنت أصلا أتوهم وجوده...
    هبطت من السيارة ودانة تناديني بدهشة, ثم تترك طفلتها في حضن أبيها وتلحق بي...
    ركضت بسرعة حتى وصلت إلى شقة وليد وقرعت الجرس بشكل فوضوي... سمعت صوت وليد يسأل منزعجا وقلقا:
    "من هناك؟"
    فهتفت مندفعة:
    "وليد افتح لي"
    وسرعان ما رأيت الباب يُفتح ويطل منه وليد يملأ الفضول والدهشة زوايا وجهه وقسماته...
    "رغد!!!!"
    ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أطير وأحط على صدره... فيفتح ذراعيه ويغلفني بقوة... لأي عمق غصت بين ضلوعه... لا أعرف... لكنني شعرت بالدموع تغمرني عن آخري.. كان لساني يريد التكلم...
    غير أنه عجز عن النطق بغير (وليد... وليد...)...
    رفعت بصري إليه وذبت في عينيه... كنت أرسل الكلام عبر النظرات... وأستقبل إيماءاته بقلبي قبل عينيه...
    "لماذا فعلت هذا بي؟ لماذا وليد؟؟"
    قلتها مقرونة بنافورة من الدموع... فمد وليد يده ومسح دموعي... ثم توسلت تقاسيم وجهه إلي:
    "آه... صغيرتي.. حبيبتي.. سامحيني.. سامحيني.. يا أغلى من حياتي كلها... كنت أحمقا... أحمقا جدا.. أنا لا شيء من دونك يا رغد... لا شيء... يا حبيبتي"
    ثم أمسك بوجهي بلطف براحتيه.. وأخذ يلهث بأنفاس قوية.. تلفح وجهي.. ويشتت نظراته بين عينيّ يمنة ويسرة.. ويعضض على شفته تارة ويزدرد ريقه أخرى... وأخيرا نطق قائلا:
    "أحبك يا رغد... هل تتزوجينني؟؟"

    **********


    أُقيم حفل الزفاف في أحد الفنادق في عيد الحج التالي, ودّع العريسان فيه الأهل والأصدقاء... وذهبا لقضاء شهر العسل في إحدى البلدان السياحية. بعد عودتهما... أقاما في نفس المنزل الكبير...

    واتخذا من غرفة وليد عشا لهما, بعد أن تم هدم الجدار الذي كان يفصل بينها وبين غرفة رغد... وإعادة طلي الجدران وتغيير الأثاث.
    في ليلة عودتهما إلى المنزل... استخرج وليد من أحد الأدراج الصورة التي رسمتها رغد له عندما كانت طفلة, وكذلك استخرج من محفظته صورة رغد الممزقة التي احتفظ بها طول تلك السنين, فألصق أجزاءها بشريط لاصق, وألصقها مع صورته جنبا إلى جنب على الجدار فوق السرير وأخذ يتأملها ويبتسم مع رغد بسرور ويقول:
    "معا إلى الأبد"
    ثم أخذ العروسان الحبيبان يرتبان ملابسهما في الخزانات, واتجه وليد نحو إحدى الخزائن واستخرج شيئا منها وقال مخاطبا رغد:
    "حبيبتي... تعالي... سأريك شيئا مهما جدا!"
    أقبلت رغد بفضول لترى ما في يد وليد, فإذا به... شيء أسطواني الشكل... مصنوع من الورق... ومغطى بالطوابع اللاصقة!
    {صندوق الأماني!}
    "أوه! يا إلهي! ألا زلت تحتفظ به؟؟!"
    تقول رغد وهي تتناول الصندوق من بين يديه بمرح وتتأمله ببهجة, فيضحك وليد ويقول:
    "وسأخبئه حتى يضع أطفالنا أمانيهم فيه! وسنجعلها تتحقق!"
    تضحك رغد ثم تنظر إلى وليد من طرف عينيها نظرة تشكك مرحة وتقول:
    "هل فتحته؟ اعترف!"
    فيضحك وليد ويقول:
    "أنا؟؟ أبدا... لكنني عرفت ما الذي يحتويه!"
    تقول رغد متحدية:
    "وماذا يحتوي؟؟"
    فيجيب وليد:
    "افتحيه لنرى!"
    رغد تنظر إلى وليد برضا... وتقول:
    "نعم. الآن... لا بأس!.. بل بكل سرور!"
    وفتحت الصندوق... وألقت نظرة على القصاصات... ثم أخذت تستخرج القصاصة بعد الأخرى... ووليد معها يقرأ المكتوب عليها...
    عندما وصلت إلى هذه القصاصة... نظرت إلى وليد ومشاعر شتى تملأ قلبها...
    {أتمنى أن أتزوج من ابنة عمي رغد}
    "وليد..."
    هتفت بلهفة وعطف ومحبة... فطبع وليد قبلة دافئة على يدها وربت بلطف على ندبة ذراعها الأيسر القديمة, وقال:
    "أمنيتي الأولى... التي كنت أعيش على أمل تحقيقها... آه يا رغد... لو تعلمين..."
    وأحاطها بذراعيه بكل الحب والحنان... ومسح على شعرها الأملس برفق... ثم قال:
    "تابعي"
    وتتابع رغد استخراج الأماني... وكانت الأمنية التالية... أهم أمنية... قضى وليد كل تلك السنين... يفكر فيها...
    يبتسم العريسان لدى قراءتها ويقول وليد:
    "دوّختني! جعلتني مجنونا يا رغد... فقدت عقلي وأنا أحزر... من كنتِ تقصدين!"
    تضحك رغد ثم تقول:
    "كان يجب أن تعرف! أنا لا أرى في حياتي غلا وليد! أحبك منذ لا أعرف متى... وإلى لا أعرف متى!...
    وليد.... وليد قلبي... حبيبي... بقد كنت كل شيء بالنسبة لي! كل كل شيء... كنت أشعر... بأنك شيء يخصني أنا... أنك موجود من أجلي أنا... ويجب أن تكون لي أنا!... أنت لي!...."
    وليد يسكن برهة, ثم يطلق ضحكة خفيفة, ثم يضم رغد إلى صدره بحرارة ثم يقول:
    "أعرف... حبيبتي! قلت ذلك لي مسبقا.."
    تبعد رغد رأسها عن صدره ثم تنظر إليه باستغراب وتقول:
    "أنا قلت ذلك؟"
    فيجيب:
    "نعم... منذ زمن طويل... طويل جدا..."
    تقول رغد:
    "لا أذكر!"
    فيلتفت وليد إلينا وينظر باتجاهنا ويقول:
    "لكنكم تذكرون حتما... أليس كذلك؟؟"
    ************
    الكاتـب : د. منـى المرشــود

    تمت بحمد الله والصلاة على نبيه وآله وصحبه اجمعين

    ...


  • #3

    ۞لَا إلَه إلا الله مُحَمَّد رَسُوْل الله ۞

     

    الحالة : دمعة فرح غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Jul 2010
    رقم العضوية: 1921
    الدولة: ملتقى المغتربيين السوريين
    الإهتمامات: الانمي
    العمر: 32
    المشاركات: 11,160
    الحالة الإجتماعية: مخطوبــة
    معدل تقييم المستوى : 1402
    Array



    865909626[1].jpg


    102234[1].jpg


    اشكـــــركم من كــل قلبــي على حســن المتابعة
    اتمنــى ان تكونو قضيتم وقت ممتــع معــي
    واشكــركم على تشجيــعي وشكــري
    المحبــة لكــم : دمعـــة فــرح
    ...

  • معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 17 (0 من الأعضاء و 17 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. لا تعـوّدني على [ قـربك ] كثـير
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 05:13 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1