وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن يحيى بن محمد.
وكان عامل الكوفة من هذه السنة على الصلاة وأحداثها هاشم بن سعيد، وعلى صلاة البصرة وأحداثها روح بن حاتم، وعلى قضائها خالد بن طليق، وعلى كور دجلة وكسكر وأعمال البصرة والبحرين وكور الأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى أمير المؤمنين، وعلى خراسان وسجستان الفضل بن سليمان الطوسي، وعلى نصر إبراهيم بن صالح، وعلى إفريقية يزيد بن حاتم، وعلى طبرستان والرويان وجرجان يحيى الحرشي. وعلى دنباوند وقومس فراشة مولى المهدي، وعلى الري سعد مولى أمير المؤمنين. ولم يكن في هذه السنة صائفة؛ للهدنة التي كانت فيها.
ثم دخلت سنة سبع وستين ومائة

ذكر الأحداث التي كانت فيها

فمن ذلك ما كان من توجيه المهدي ابنه موسى في جمع كثيف من الجند، وجهاز لم يجهز - فيما ذكر - أحد بمثله إلى جرجان لحرب ونداهرمز وشروين صاحبي طبرستان، وجعل المهدي حين جهز موسى إليها إبان بن صدقة على رسائله، ومحمد بن جميل على جنده، ونفيعًا مولى المنصور على حجابته، وعلي بن عيسى بن ماهان على حرسه، وعبد الله بن خازم على شرطه؛ فوجه موسى الجنود إلى وانداهرمز وشيروين، وأمر عليهم يزيد مزيد فحاصرهما.
وفيها توفي عيسى بن موسى بالكوفة، وولى الكوفة يومئذ روح بن حاتم، فأشهد روح بن حاتم على وفاته القاضي وجماعة من الوجوه، ثم دفن. وقيل إن عيسى بن موسى توفي وروح على الكوفة، لثلاث بقين من ذي الحجة، فحضر روح جنازته، فقيل له: تقدم فأنت الأمير، فقال: ما كان الله ليرى روحًا يصلي على عيسى بن موسى؛ فليتقدم أكبر ولده، فأبوا عليه وأبى عليهم، فتقدم العباس بن عيسى، فصلى على أبيه. وبلغ ذلك المهدي فغضب على روح، وكتب إليه: قد بلغني ما كان من نكوصك عن الصلاة على عيسى؛ أبنفسك، أم بأبيك، أم بجدك كنت تصلي عليه! أوليس إنما ذلك مقامي لو حضرت. فإذ غبت كنت أنت أولى به لموضعك من السلطان! وأمر بمحاسبته؛ وكان يلي الخراج مع الصلاة والأحداث.
وتوفي عيسى والمهدي واجد عليه وعلى ولده؛ وكان يكره التقدم عليه لجلالته.
وفيها جد المهدي في طلب الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق وقتلهم، وولى أمرهم عمر الكلواذي، فأخذ يزيد بن الفيض كاتب المنصور، فأقر - فيما ذكر - فحبس، فهرب من الحبس، فلم يقدر عليه.
وفيها عزل المهدي أبا عبيد الله معاوية بن عبيد الله عن ديوان الرسائل، وولاه الربيع الحاجب، فاستخلف عليه سعيد بن واقد؛ وكان أبو عبيد الله يدخل على مرتبته.
وفيها فشا الموت، وسعال شديد ووباء شديد ببغداد والبصرة.
وفيها توفي أبان بن صدقة بجرجان، وهو كاتب موسى على رسائله، فوجه المهدي مكانه أبا خالد الأحول يزيد خليفة أبي عبيد الله.
وفيها أمر المهدي بالزيادة في المسجد الحرام؛ فدخلت فيه دور كثيرة. وولى بناء ما زيد فيه يقطين بن موسى، فكان في بنائه إلى أن توفي المهدي.
وفيها عزل يحيى الحرشي عن طبرستان والرويان؛ وما كان إليه من تلك الناحية، ووليها عمر بن العلاء، وولي جرجان فراشة مولى المهدي، وعزل عنها يحيى الحرشي.
وفيها أظلمت الدنيا لليالٍ بقين من ذي الحجة، حتى تعالى النهار.
ولم يكن فيها صائفة، للهدنة التي كانت بين المسلمين والروم.
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن يحيى بن محمد وهو على المدينة، ثم توفي بعد فراغه من الحج وقدومه المدينة بأيام، وولي مكانه إسحاق بن عيسى بن علي.
وفيها طعن عقبة بن سلم الهنائي بعيساباذ، وهو في دار عمر بن بزيغ، اغتاله رجل، فطعنه بخنجر، فمات فيها.
وكان العامل على مكة والطائف فيها عبيد الله بن قثم، وعلى اليمن سليمان بن يزيد الحارثي، وعلى اليمامة عبد الله بن مصعب الزبيري، وعلى صلاة الكوفة وأحداثها روح بن حاتم، وعلى صلاة البصرة وأحداثها محمد بن سليمان، وعلى قضائها عمر بن عثمان التيمي، وعلى كور دجلة وكسكر وأعمال البصرة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى المهدي.
وعلى خراسان وسجستان الفضل بن سليمان الطوسي.
وعلى مصر موسى بن مصعب. وعلى أفريقية موسى بن حاتم. وعلى طبرستان والرويان عمر بن العلاء، وعلى حرجان ودنباوند وقومس فراشة مولى المهدي، وعلى الري سعد مولى أمير المؤمنين.
ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائة

ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
فمن ذلك ما كان من نقض الروم الصلح الذي جرى بينهم وبين هارون بن المهدي الذي ذكرناه قبل وغدرهم؛ وذلك في شهر رمضان من هذه السنة؛ فكان بين أول الصلح وغدر الروم ونكثهم به اثنان وثلاثون شهرًا، فوجه علي بن سليمان وهو يومئذٍ على الجزيرة وقنسرين يزيد بن بدر بن البطال في سرية إلى الروم فغنموا وظفروا.
وفيها وجه المهدي سعيدًا الحرشي إلى طبرستان في أربعين ألف رجل. وفيها مات عمر الكلواذي صاحب الزنادقة. وولى مكانه حمدويه، وهو محمد بن عيسى من أهل ميسان.
وفيها قتل المهدي الزنادقة ببغداد.
وفيها رد المهدي ديوانه وديوان أهل بيته إلى المدينة ونقله من دمشق إليها.
وفيها خرج المهدي إلى نهر الصلة أسفل واسط - وإنما سمي نهر الصلة فيما ذكر لأنه أراد أن يقطع أهل بيته وغيرهم غلته؛ يصلهم بذلك.
وفيها ولي المهدي علي بن يقطين ديوان زمام الأزمة علي عمر بن بزيع.
وذكر أحمد بن موسى بن حمزة، عن أبيه، قال: أول من عمل ديوان الزمام عمر بن بزيع في خلافة المهدي؛ وذلك أنه لما جمعت له الدواوين تفكر؛ فإذا هو لا يضبطها إلا بزمام يكون على كل ديوان؛ فاتخذ دواوين الأزمة، وولي كل ديوان رجلًا، فكان واليه على زمام ديوان الخراج إسماعيل ابن صبيح؛ ولم يكن لبني أميه دواوين أزمة.
وحج بالناس في هذه السنة علي بن محمد المهدي الذي يقال له ابن رليطه.
ثم دخلت سنة تسع وستين ومائة

ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيها

ذكر الخبر عن خروج المهدي إلى ماسبذان

فمما كان فيها من ذلك خروج المهدي في المحرم إلى ماسبذان.
ذكر الخبر عن خروجه إليها
ذكر أن المهدي كان في آخر أمره قد عزم على تقديم هارون ابنه على ابنه موسى الهادي، وبعث إليه وهو بجرجان بعض أهل بيته ليقطع أمر البيعة، ويقدم الرشيد فلم يفعل، فبعث إليه المهدي بعض الموالي، فامتنع عليه موسى من القدوم، وضرب الرسول، فخرج المهدي بسبب موسى وهو يريده بجرجان فأصابه ما أصابه.
وذكر الباهلي أن أبا شاكر أخبره - وكان من كتاب المهدي على بعض دواوينه - قال: سأل علي بن يقطين المهدي أن يتغذى عنده، فوعده أن يفعل، ثم إعتزم على إتيان ماسبذان؛ فوالله لقد أمر بالرحيل كأنه يساق إليها سوقًا، فقال له علي: يا أمير المؤمنين؛ إنك قد وعدتني أن تتغذى عندي غدًا، قال: فاحمل غداءك إلى النهروان. قال: فحمله فتغدى بالنهروان، ثم انطلق.
وفيها توفي المهدي.
ذكر الخبر عن موت المهدي

ذكر الخبر عن سبب وفاته
اختلف في ذلك، فذكر عن واضح قهرمان المهدي، قال: خرج المهدي يتصيد بقرية يقال لها الرذ بماسبذان، فلم أزل معه إلى بعد العصر، وانصرفت إلى مضربي - وكان بعيدا من مضربه - فلما كان في السحر الأكبر ركبت لإقامة الوظائف، فإني لأسير في برية، وقد انفردت عمن كان معي من غلماني وأصحابي؛ إذ لقيني أسود عريان على قتد رحل، فدنا مني؛ ثم قال لي: أبا سهل، عظم الله أجرك في مولاك أمير المؤمنين! فهممت أن أعلوه بالسوط، فغاب من بين يدي؛ فلما انتهيت إلى الرواق لقيني مسرور، فقال لي: أبا سهل، عظم الله أجرك في مولاك أمير المؤمنين! فدخلت فإذا أنابه مسجى في قبة، فقلت: فارقتكم بعد العصر؛ وهو أسر ما كان حالًا وأصحه بدنًا، فما كان الخبر؟ قال: طردت الكلاب ظبيًا، فلم يزل يتبعها، فاقتحم الظبي باب خربة، فاقتحمت الكلاب خلفه، واقتحم الفرس خلف الكلاب، فدق ظهره في باب الخربة، فمات من ساعته.
وذكر أن علي بن أبي نعيم الروزي، قال:
بعثت جارية من جواري المهدي إلى ضرة لها بلبأ فيه سم؛ وهو قاعد في البستان، بعد خروجه من عيساباذ، فدعا به فأكل منه، ففرقت الجارية أن تقول له إنه مسموم. وحدثني أحمد بن محمد الرازي، أن المهدي كان جالسًا في علية في قصر بماسبذان، ويشرف من منظرة فيها على سفله، وكانت جاريته حسنة، قد عمدت إلى كمثراتين كبيرتين، فجعلتهما في صينية، وسمت واحدة منهما وهي أحسنهما وأنضجهما في أسفلها، وردت القمع فيها، ووضعتها في أعلى الصينية - وكان المهدي يعجبه الكمثرى - وأرسلت بذلك مع وصيفة لها إلى جارية للمهدي - وكان يتخطاها - تريد بذلك قتلها، فمرت الوصيفة بالصينية التي فيها تلك الكمثرى، تريد دفعها إلى الجارية التي أرسلتها حسنة إليها، بحيث يراها المهدي من المنظرة، فلما رأى ورأى معها الكمثرى؛ دعا بها، فمد يده إلى الكمثراة التي في أعلى الصينية وهي المسمومة، فأكلها، فلما وصلت إلى جوفه صرخ: جوفي! وسمعت حسنة الصوت، وأخبرت الخبر، فجاءت تلطم وجهها وتبكي، وتقول: أردت أن أنفرد بك، فقتلتك يا سيدي! فهلك من يومه.
وذكر عن عبد الله بن إسماعيل صاحب المراكب، قال: لما صرنا إلى ماسبذان دنوت إلى عنانه، فأمسكت به وما به علة،؛ فوالله ما أصبح إلا ميتًا، فرأيت حسنة وقد رجعت؛ وإن على قبتها المسوح، فقال أبو العتاهية في ذلك:
رحن في الوشي وأصبح ** ن عليهن المسوح
كل نطاح من الده ** ر له يوم نطوح
لست بالباقي ولو عم ** رت ما عمر نوح
فعلى نفسك نح إن ** كنت لابد تنوح
وذكر صالح أن علي بن يقطين، قال: كنا مع المهدي بماسبذان فأصبح يومًا فقال: إني أصبحت جائعًا، فأتى بأرغفة ولحم بارد مطبوخ بالخل، فأكل منه ثم قال: إني داخل إلى البهو ونائم فيه، فلا تنبهوني حتى أكون أنا الذي أنتبه، ودخل البهو فنام، ونمنا نحن في الدار في الرواق؛ فانتبهنا ببكائه؛ فقمنا إليه مسرعين، فقال: أما رأيتم ما رأيت؟ قلنا: ما رأينا شيئًا، قال: وقف على الباب رجل، لو كان في ألف أو في مائة ألف رجل ما خفي علي، فأنشد يقول:
كأني بهذا القصر قد باد أهله ** وأوحش منه ربعه ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجةٍ ** وملكٍ إلى قبر عليه جنادله
فلم يبق إلا ذكره وحديثه ** تنادي عليه معولاتٍ حلائله
قال: فما أتت عليه عاشرة حتى مات.
وكانت وفاته - فيما قال أبو معشر الواقدي - في سنة تسع وستين ومائة، ليلة الخميس لثمان بقين من المحرم؛ وكانت خلافته عشر سنين وشهرًا ونصف شهر.
وقال بعضهم: وكانت خلافته عشر سنين وتسعة وأربعين يومًا؛ وتوفي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة.
وقال هشام بن محمد: ملك أبو عبد الله المهدي محمد بن عبد الله سنة ثمان وخمسين ومائة، في ذي الحجة لست ليالٍ خلون منه؛ فملك عشر سنين وشهرًا واثنين وعشرين يومًا، ثم توفي سنة تسع وستين ومائة، وهو ابن ثلاث وأربعين سنة.
ذكر الخبر عن الموضع الذي دفن فيه ومن صلى عليه

ذكر أن المهدي توفي بقرية من قرى ماسبذان، يقال لها الرذ؛ وفي ذلك يقول بكار بن رباح:
ألا رحمة الرحمن في كل ساعةٍ ** على رمةٍ رمت بماسبذان
لقد غيب القبر الذي تم سوددا ** وكفين بالمعروف تبتدران
وصلى عليه ابنه هارون؛ ولم توجد له جنازة يحمل عليها، فحمل على باب، ودفن تحت شجرة جوز كان يجلس تحتها.
وكان طويلًا مضمر الخلق، جعدًا. واختلف في لونه، فقال بعضهم: كان أسمر، وقال بعضهم: كان أبيض.
وكان في عينه اليمنى - في قول بعضهم - نكتة بياض. وقال بعضهم: كان ذلك بعينه اليسرى.
وكان ولد بإيذج.