وكأن هذه اللفظة أصلها أن تكون للجمع، ثم نقلت إلى الواحد، كما أن صديقاً وأميراً ونحوهما إنما وضعن في الأصل للأفراد، ثم نقلن إلى الجمع على سبيل التشبيه. وكذلك قولهم: بنو فلان أخ لنا. ويقال: أهل وأهلة، وأهلات في الجمع، قال الشاعر:


فهم أهلات حول قيس بن عاصم
إذا أدلجوا بالليل، يدعون كوثرا وكأن هذه اللفظة أصلها أن تكون للجمع، ثم نقلت إلى الواحد، كما أن صديقاً وأميراً ونحوهما إنما وضعن في الأصل للأفراد، ثم نقلن إلى الجمع على سبيل التشبيه. وكذلك قولهم: بنو فلان أخ لنا. ويقال: أهل وأهلة، وأهلات في الجمع، قال الشاعر: فهم أهلات حول قيس بن عاصم إذا أدلجوا بالليل، يدعون كوثرا وقال بعض النحويين في تصغير آل الرجل: يجوز أويل وأهيل، كأنه يذهب إلى أن الهاء في أهل أبدلت منها همزة، فلما اجتمعت الهمزتان جعلت الثانية ألفاً، ومثل هذا لا يثبت. والأشبه أن يكون آل الرجل، مأخوذاً من آل يؤول، إذا رجع، كأنهم يرجعون إليه أو يرجع إليهم. أما ما ذكره من حكاية القطربلي وابن أبي الأزهر، فقد يجوز مثله، وما وضح أن ذلك الرجل حبس بالعراق، فأما بالشام فحبسه مشهور. وحدثت أنه كان إذا سئل عن حقيقة هذا اللقب، قال: هو من النبوة، أي المرتفع من الأرض. وكان قد طمع في شيء قد طمع فيه من هو دونه. وإنما هي مقادير، يديرها في العلو مدير، يظفر بها من وفق، ولا يراع بالمجتهد أن يخفق،وقد دلت أشياء في ديوانه أنه كان متألهاً، ومثل غيره من الناس متدلهاً فمن ذلك قوله:


تغرب لا مستعظما غير نفسه
ولا قابلاً إلا لخالقه حكما وقوله:


ما أقدر الله يخزي بريته
ولا يصدق قوماً في الذي زعموا وإذا رجع إلى الحقائق، فنطق اللسان لا ينبيء عن اعتقاد الإنسان، لأن العالم مجبول على الكذب والنفاق، ويحتمل أن يظهر الرجل بالقول تديناً، وإنما يجعل ذلك تزيناً، يريد أن يصل به إلى ثناء، أو غرض من أغراض الخالبة أم الفناء، ولعله قد ذهب جماعة هم في الظاهر متعبدون، وفيما بطن ملحدون.
[عدل] دين دعبل

وما يلحقني الشك في أن دعبل بن علي لم يكن له دين، وكان يتظاهر بالتشيع، وإنما غرضه التكسب، وكم أثبت نسباً بنسب ولا أرتاب أن دعبلاً كان على رأي الحكمي وطبقته، والزندقة فيهم فاشية، ومن ديارهم ناشية.
وقد اختلف في أبي نواس: ادعي له التأله وأنه كان يقضي صلوات نهاره في ليله، والصحيح أنه كان على مذهب غيره من أهل زمانه، وذلك أن العرب جاءها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ترغب إلى القصيد، وتقصر هممها عن الفصيد، فاتبعه منها متبعون، والله أعلم بما يوعون، فلما ضرب الإسلام بجرانه، واتسق ملكه على أركانه، مازج العرب غيرهم من الطوائف، وسمعوا كلام الأطباء وأصحاب الهيئة وأهل المنطق، فمالت منهم طائفة كثيرة.
ولم يزل الإلحاد في بني آدم على ممر الدهور، حتى إن أصحاب السير يزعمون أن آدم صلى الله عليه وسلم، بعث إلى أولاده فأنذرهم على ذلك المنهاج إلى اليوم. وبعض العلماء يقول إن سادات قريش كانوا زنادقة. وما أجدرهم بذلك! وقال شاعرهم يرثي قتلى بدر، وتروي لشداد بن الأسود الليثي:


ألمت بالتحية أم بكر
فحيوا أم بكر بالسلام وكائن بالطوي طوي بدر
من الأحساب والقوم الكرام وكائن بالطوي طوي بدر
من الشيزى تكلل بالسنام ألا يا أم بكر لا تكرى
على الكأس بعد أخي هشام وبعد أخي أبيه، وكان قرماً
من الأقوام شراب المدام ألا من مبلغ الرحمن عني
بأني تارك شهر الصيام إذا ما الرأس زايل منكبيه
فقد شبع الأنيس من الطعام أيوعِدونا بن كبشة أن سنحيا؟
وكيف حياة أصداء وهام؟ أتترك أن ترد الموت عني
وتحييني إذا بليت عظامي؟ ولا يدعي مثل هذه الدعاوي إلا من يستبسل وراءها للحمام، ولا يأسف له عند الإلمام. وحدثت أن أبا الطيب أيام كان إقطاعه " بصف " رؤي يصلي بموضع بمعرة النعمان يقال له كنيسة الأعراب وأنه صلى ركعتين، وذلك في وقت العصر، فيجوز أن يكون رأى أنه على سفر، وأن القصر له جائز.
وحدثني الثقة عنه حديثاً معناه: أنه لما حصل في بني عدي وحاول أن يخرج فيهم، قالوا له وقد تبينوا دعواه: ها هنا ناقة صعبة، فإن قدرت على ركوبها أقررنا أنك مرسل. وأنه مضى إلى تلك الناقة وهي رائحة في الإبل، فتحيل حتى وثب على ظهرها، فنفرت ساعة وتنكرت برهة، ثم سكن نفارها ومشت مشي المسمحة، وأنه ورد بها الحلة وهو راكب عليها، فعجبوا له كل العجب، وصار ذلك من دلائله عندهم.
وحدثت أيضاً أنه كان في ديوان اللاذقية، وأن بعض الكتاب انقلبت على يده سكين الأقلام فجرحته جرحاً مفرطاً، وأن أبا الطيب تفل عليها من ريقه، وشدها غير منتظر لوقته، وقال للمجروح: لا تحلَّها في يومك. وعد له أيّاماً وليالي، وإن ذلك الكاتب قبل منه، فبرىء الجرح، فصاروا يعتقدون في أبي الطيب أعظم اعتقاد، ويقولون: هو كمحيي الأموات.
وحدث رجل: كان أبو الطيب قد استخفى عنده في اللاذقية أو في غيرها من السواحل، أنه أراد الانتقال من موضع إلى موضع، فخرج بالليل ومعه ذلك الرجل، ولقيهما كلب ألح عليهما في النباح ثم انصرف، فقال أبو الطيب لذلك الرجل وهو عائد: إنك ستجد ذلك الكلب قد مات. فلما عاد الرجل ألفى الأمر على ما ذكر( ولا يمتنع أن يكون أعد له شيئاً من المطاعم مسموماً وألقاه له وهو يخفي عن صاحبه ما فعل. والخريق سم الكلاب معروف).
وأما القطربلي وابن أبي الأزهر فمن الزول اجتماعهما على تأليف كتابٍ، وقل ما يعرف مثل ذلك. ونحو منه قصة " الخالديين " اللذين كانا في الموصل وهما شاعران، وقد كانا عند سيف الدولة وانصرفا على حد مغاضبة. ولهما ديوان ينسب إليهما لا ينفرد فيه أحدهما بشيء دون الآخر إلى في أشياء قليلةٍ. وهذا متعذر في ولد آدم إذا كانت الجبلة على الخلاف وقلة الموافقة.
فأما أن يعمل الرجل شيئاً من كتابٍ، ثم يتمّه الآخر، فهو أسوغ في المعقول من أن يجتمع عليه الرجلان. والبغداديون يحكون أن أبا سعيد السيرافي عمل من كتابه المعروف بالمقنع أو الإقناع إلى باب التصغير، ثم توفي وأتّمه بعده ولده أبو محمد.
وقد يجوز مثل هذا، وليس عندهم فيه ريب، وحكى لي الثقة أن أبا علي الفارسي كان يذكر أن أبا بكر بن السراج عمل من ( الموجز ) النصف الأول لرجل بزاز، ثم تقدم إلى أبي علي بإتمامه، وهذا لا يقال أنه من إنشاء أبي علي لأن الموضوع من ( الموجز )، هو منقول من كلام ابن السراج في ( الأصول ) وفي ( الجمل )، فكأن أبا علي جاء به على سبيل النسخ، لا أنه ابتدع شيئاً منه عنده،والذين رووا ديوان أبي الطيب يحكون عنه أنه ولد سنة ثلاث وثلثمائة. وكان طلوعه إلى الشام سنة إحدى وعشرين، فأقام فيه برهة ثم عاد إلى العراق ولم تطل مدته هنالك. والدليل على صحة هذا الخبر أن مدائحه في صباه إنما هي في أهل الشام إلا قوله:


كفي أراني ويك لومك ألوما
هم أَقام على فؤاد أَنجما وأما شكيته أهل الزمان إليه، فإنه سلك في ذلك منهاج المتقدمين، وقد كثر المقال في ذم الدهر حتى جاء في الحديث: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " وقد عرف معنى هذا الكلام، وأن باطنه ليس كظاهره، إذ كان الأنبياء عليهم السلام، لم يذهب أحد منهم إلى أن الدهر هو الخالق، ولا المعبود،وقد جاء في الكتاب الكريم: " وما يهلكنا إلا الدَّهر " وقول بعض النّاس: الزمان حركة الفلك، لفظ لا حقيقة له. وفي كتاب سيبويه ما يدل على أن الزمان عنده: مضي الليل والنهار. وقد تعلق عليه في هذه العبارة.
وقد حددته حداً ما أجدره أن يكون قد سبق إليه إلا أني لم أسمعه، وهو أن يقال: الزمان شيء أقل جزءٍ منه يشتمل على جميع المدركات، وهو في ذلك ضد المكان، لأن أقل جزءٍ منه لا يمكن أن يشتمل على شي كما تشتمل عليه الظروف، فأما الكون فلا بد من تشبثه بما قل وكثر،والذين قالوا: " وما يهلكنا إلى الدهر " وغير ذلك من المقال، مثل البيت المنسوب إلى الأخطل، وذكره حبيب بن أوسٍ لشمعلة التغلبي، وهو:


فإن أمير المؤمنين وفعله
لكالدهر لا عار بما فعل الدهر وقول الآخر:


الدهر لاءم بين ألفتنا
وكذاك فرق بيننا الدهر وقال أبي صخر:


عجبت لسعي الدهر بيني وبينها
فلما انقضى ما بيننا، سكن الدهر لم يدع أن أحداً منهم كان يقرب للأفلاك القرابين، ولا يزعم أنها تعقل، وإنما ذلك شيء يتوارثه الأمم في زمان بعد زمان.
[عدل] شاتم الدهر

وكان في عبد القيس شاعر يقال له " شاتم الدهر " ، وهو القائل:


ولما رأيت الدهر وعراً سبيله
وأبدى لنا وجهاً أزب مجدعا وجبهة قرد كالشراك ضئيلة
وأنفاً، ولوى بالعثانين أخدعا ذكرت الكرام الذاهبين أولي الندى
وقلت لعمرو والحسام: ألا دعا وأما غيظه على الزنادقة والملحدين فأجره الله عليه، كما أجره على الظمأ في طريق مكة، واصطلاء الشمس بعرفة، ومبيته بالمزدلقة. ولا ريب أنه ابتهل إلى الله، سبحانه، في الأيام المعدودات والمعلومات، أن يثبت هضاب الإسلام، ويقيم لمن اتبعه النير من الأعلام. ولكن الزندقة داء قديم، طالما حلم بها الأديم. وقد رأى بعض الفقهاء أن الرجل إذا ظهرت زندقته ثم تاب فزعاً من القتل، لم تقبل توبته. وليس كذلك غيرهم من الكفار، لأن المرتد إذا رجع قبل منه الرجوع.
ولا ملة إلا ولها قوم ملحدون، يرون أصحاب شرعهم أنهم موالفون وهم فيما بطن مخالفون، ولا بد أن ينهتك مخادع، وتبدو من الشر جنادع.
وقد كانت ملوك فارس تقتل على الزندقة، والزنادقة هم الذين يسمون الدهرية، لا يقولون بنبوة ولا كتاب.
وبشار إنما أخذ ذلك عن غيره، وقد روي أنه وجد في كتبه رفعة مكتوب فيها: إني أردت أن أهجو فلان بن فلان الهاشمي فصفحت عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزعموا أنه كان يشار سيبويه، وأنه حضر يوماً حلقة يونس بن حبيبٍ فقال: هل ههنا من يرفع خبراً؟ فقالوا: لا فأنشدهم:


بني أمية هبوا من رقادكم
إن الخليفة يعقوب بن داود ليس الخليفة بالموجود فالتمسوا
خليفة الله بين الناي والعود وكان في الحلقة سيبويه، فيدعي بعض الناس أنه وشى به.وسيبويه، فيما أحسب كان أجل موضعاً من أن يدخل في هذه الدنيات، بل يعمد لأمور سنيات وحكى عنه أنه عاب عليه قوله:


على الغزلى من السلام، فطال ما
لهوت بها في ظل مخضرة زهر فقال سيبويه: لم تستعمل العرب الغزلى، فقال بشار: هذا مثل قولهم البشكى والجمزي، ونحو ذلك. وجاء بشار في شعره بالنينان( جمع نونٍ من السمك) فيقال إنه أنكره عليه، وهذه أخبار لا تثبت. وفيما روي في كتاب سيبويه أن النون يجمع على نينان، فهذا نقض للخبر.
وذكر من نقل أخبار بشار أنه توعد سيبويه بالهجاء، وأنه تلافاه واستشهد بشعره. ويجوز أن يكون استشهاده به على نحو ما يذكره المتذاكرون في المجالس ومجامع القوم. وأصحاب بشارٍ يروون له هذا البيت: