صفحة 3 من 33 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 9 إلى 12 من 132

الموضوع: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان


  1. #9
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    الباب السابع في أن القرآن متضمن لأدوية القلب وعلاجه من جميع أمراضه

    قال الله تعالى: يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور [ يونس: 57 ] وقال تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين وقد تقدم أن جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات والقرآن شفاء للنوعين ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية: من التوحيد وإثبات الصفات وإثبات المعاد والنبوات ورد النحل الباطلة والآراء الفاسدة مثل القرآن فإنه كفيل بذلك كله متضمن له على أتم الوجوه وأحسنها وأقربها إلى العقول وأفصحها بيانا فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه فمن رزقه الله تعالى ذلك أبصر الحق والباطل عيانا بقلبه كما يرى الليل والنهار وعلم أن ما عداه من كتب الناس وآرائهم ومعقولاتهم: بين علوم لا ثقة بها وإنما هي آراء وتقليد وبين ظنون كاذبة لا تغني عن الحق شيئا وبين أمور صحيحة لا منفعة للقلب فيها وبين علوم صحيحة قد وعروا الطريق إلى تحصيلها وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل وأحسن ما عند المتكلمين وغيرهم فهو في القرآن أصح تقريرا وأحسن تفسيرا فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد كما قيل:
    لولا التنافس في الدنيا لما وضعت... كتب التناظر لا المغني ولا العمد
    يحللون بزعم منهم عقدا... وبالذي وضعوه زادت العقد
    فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه الشبه والشكوك والفاضل الذكي يعلم أن الشبه والشكوك زادت بذلك ومن المحال أن لا يحصل الشفاء والهدى والعلم واليقين من كتاب الله تعالى وكلام رسوله ويحصل من كلام هؤلاء المتحيرين المتشككين الشاكين الذين أخبر الواقف على نهايات إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول:
    نهاية إقدام العقول عقال... وأكثر سعي العالمين ضلال
    وأرواحنا في وحشة من جسومنا... وحاصل دنيانا أذى ووبال
    ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا... سوى أن جمعنا فيه قيل
    وقالوا: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات: الرحمن على العرش استوى [ طه: 5 ]: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [ فاطر: 10 ] وأقرأ في النفي: ليس كمثله شىء [ الشورى: 11 ] ولا يحيطون به علما [ طه: 110 ] ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي
    فهذا إنشاده وألفاظه في آخر كتبه وهو أفضل أهل زمانه على الإطلاق في علم الكلام والفلسفة وكلام أمثاله في مثل ذلك كثير جدا قد ذكرناه في كتاب الصواعق وغيره وذكرنا قول بعض العارفين بكلام هؤلاء: آخر أمر المتكلمين الشك وآخر أمر المتصوفين الشطح والقرآن يوصلك إلى نفس اليقين في هذه المطالب التي هي أعلى مطالب العباد ولذلك أنزله من تكلم به وجعله شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين وأما شفاؤه لمرض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده ويرغب عما يضره فيصير القلب محبا للرشد مبغضا للغي فالقرآن مزيل للإمراض الموجهة للإرادات الفاسدة فيصلح القلب فتصلح إرادته ويعود إلى فطرته التي فطر عليها فتصلح أفعاله الاختيارية الكسبية كما يعود البدن بصحته وصلاحه إلى الحال الطبيعي فيصير بحيث لا يقبل إلا الحق كما أن الطفل لا يقبل إلا اللبن
    وعاد الفتى كالطفل ليس بقابل... سوى المحض شيئا واستراحت عواذله
    فيتغذى القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويقويه ويؤيده ويفرحه ويسره وينشطه ويثبت ملكه كما يتغذى البدن بما ينميه ويقويه وكل من القلب والبدن محتاج إلى أن تربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح فكما أن البدن محتاج إلى أن يزكو بالأغدية المصلحة له والحمية عما يضره فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه ومنع ما يضره فكذلك القلب لا يزكو ولا ينمو ولا يتم صلاحه إلا بذلك ولا سبيل له إلى الوصول إلى ذلك إلا من القرآن وإن وصل إلى شيء منه من غيره فهو نزر يسير لا يحصل له به تمام المقصود وكذلك الزرع لا يتم إلا بهذين الأمرين فحينئذ يقال: زكا الزرع وكمل
    ولما كانت حياته ونعيمه لا تتم إلا بزكاته وطهارته لم يكن بد من ذكر هذا وهذا فنقول:


  • #10
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    الباب الثامن في زكاة القلب

    الزكاة في اللغة: هي النماء والزيادة في الصلاح وكمال الشيء يقال: زكا الشيء إذا نما قال الله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [ التوبة: 103 ] فجمع بين الأمرين: الطهارة والزكاة لتلازمهما فإن نجاسة الفواحش والمعاصي في القلب بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن وبمنزلة الرغل في الزرع وبمنزلة الخبث في الذهب والفضة والنحاس والحديد فكما أن البدن إذا استفرغ من الأخلاط الرديئة تخلصت القوة الطبيعية منها فاستراحت فعملت عملها بلا معوق ولا ممانع فنما البدن فكذلك القلب إذا تخلص من الذنوب بالتوبة فقد استفرغ من تخليطه فتخلصت قوة القلب وإرادته للخير فاستراح من تلك الجواذب الفاسدة والمواد الرديئة: زكا ونما وقوى واشتد وجلس على سرير ملكه ونفذ حكمه في رعيته فسمعت له وأطاعت فلا سبيل له إلى زكاته إلا بعد طهارته كما قال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون [ النور: 30 ] فجعل الزكاة بعد غض البصر وحفظ الفرج
    ولهذا كان غض البصر عن المحارم يوجب ثلاث فوائد عظيمة الخطر جليلة القدر:
    إحداها: حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره وتركه لله تعالى فإن من ترك شيئا لله عوضه الله تعالى خيرا منه والنفس مولعة بحب النظر إلى الصور الجميلة والعين رائد القلب فيبعث رائده لنظر ما هناك فإذا أخبره بحسن المنظور إليه وجماله تحرك اشتياقا إليه وكثيرا ما يتعب ويتعب رسوله ورائده كما قيل:
    وكنت متى أرسلت طرفك رائدا... لقلبك يوما أتعبتك المناظر
    رأيت الذي لا كله أنت قادر... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
    فإذا كف الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من كلفة الطلب والإرادة فمن أطلق لحظاته دامت حسراته فإن النظر يولد المحبة فتبدأ علاقة يتعلق بها القلب بالمنظور إليه ثم تقوى فتصير صبابة ينصب إليه القلب بكليته ثم تقوى فتصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم الذي لا يفارق غريمه ثم يقوى فيصير عشقا وهو الحب المفرط ثم يقوى فيصير شغفا وهو الحب الذي قد وصل إلى شغاف القلب وداخله ثم يقوى فيصير تتيما والتتيم التعبد ومنه تيمه الحب إذا عبده ويتم الله عبد الله فيصير القلب عبدا لمن لا يصلح أن يكون هو عبدا له وهذا كله جناية النظر فحينئذ يقع القلب في الأسر فيصير أسيرا بعد أن كان ملكا ومسجونا بعد أن كان مطلقا يتظلم من الطرف ويشكوه والطرف يقول: أنا رائدك ورسولك وأنت بعثتني وهذا إنما تبتلي به القلوب الفارغة من حب الله والإخلاص له فإن القلب لابد له من التعلق بمحبوب فمن لم يكن الله وحده محبوبه وإلهه ومعبوده فلابد أن يتعبد قلبه لغيره قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين [ يوسف: 24 ] فامرأة العزيز لما كانت مشركة وقعت فيما وقعت فيه مع كونها ذات زوج ويوسف عليه السلام لما كان مخلصا لله تعالى نجا من ذلك مع كونه شابا عزبا غريبا مملوكا
    الفائدة الثانية في غض البصر: نور القلب وصحة الفراسة قال أبو شجاع الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحارم واعتاد أكل الحلال لم تخظىء له فراسة وقد ذكر الله سبحانه قصة قوم لوط وما ابتلوا به ثم قال بعد ذلك: إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ الحجر: 75 ] وهم المتفرسون الذين سلموا من النظر المحرم والفاحشة وقال تعالى عقيب أمره للمؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم: الله نور السموات والارض [ النور: 35 ]
    وسر هذا: أن الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم الله تعالى عليه عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه فإن القلب كالمرآة والهوى كالصدأ فيها فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون
    الفائدة الثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته فيعطيه الله تعالى بقوته سلطان النصرة كما أعطاه بنوره سلطان الحجة فيجمع له بين السلطانين ويهرب الشيطان منه كما في الأثر: إن الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه فإنه سبحانه جعل العز لمن أطاعه والذل لمن عصاه قال تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [ المنافقون: 8 ] وقال تعالى: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين [ آل عمران: 139 ] وقال تعالى: من كان يريد العزة فلله العزة جميعا [ فاطر: 10 ] أي من كان يطلب العزة فليطلبها بطاعة الله: بالكلم الطيب والعمل الصالح وقال بعض السلف: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله وقال الحسن: وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال إن ذل المعصية لفي قلوبهم أبى الله تعالى إلا أن يذل من عصاه وذلك أن من أطاع الله تعالى فقد والاه ولا يذل من والاه ربه كما في دعاء القنوت: إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت
    والمقصود: أن زكاة القلب موقوفة على طهارته كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة الفاسدة قال تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم [ النور: 21 ] ذكر ذلك سبحانه عقيب تحريم الزنا والقذف ونكاح الزانية فدل على أن التزكى هو باجتناب ذلك وكذلك قوله تعالى في الاستئذان على أهل البيوت: وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم [ النور: 28 ] فإنهم إذا أمروا بالرجوع لئلا يطلعوا على عورة لم يحب صاحب المنزل أن يطلع عليها كان ذلك أزكى لهم كما أن رد البصر وغضه أزكى لصاحبه وقال تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وقال تعالى عن موسى عليه السلام في خطابه لفرعون هل لك إلى أن تزكى [ النازعات: 18 ] وقال تعالى: وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة. قال أكثر المفسرين من السلف ومن بعدهم: هي التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله والإيمان الذي به يزكو القلب فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب وذلك طهارته وإثبات إلهيته سبحانه وهو أصل كل زكاة ونماء فإن التزكي وإن كان أصله النماء والزيادة والبركة فإنه إنما يحصل بإزالة الشر فلهذا صار التزكي ينتظم الأمرين جميعا فأصل ما تزكو به القلوب والأرواح: هو التوحيد والتزكية جعل الشيء زكيا إما في ذاته وإما في الاعتقاد والخبر عنه كما يقال عدلته وفسقته إذا جعلته كذلك في الخارج أو في الاعتقاد والخبر وعلى هذا فقوله تعالى: فلا تزكوا أنفسكم [ النجم: 32 ] هو على غير معنى: قد أفلح من زكاها [ الشمس: 9 ] أي لا تخبروا بزكاتها وتقولوا: نحن زاكون صالحون متقون ولهذا قال عقيب ذلك: هو أعلم بمن اتقى [ الشمس: 9 ] وكان اسم زينب برة فقال: تزكي نفسها فسماها رسول الله زينب وقال: الله أعلم بأهل البر منكم وكذلك قوله: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم أي يعتقدون زكاءها ويخبرون به كما يزكي المزكي الشاهد فيقول عن نفسه ما يقول المزكي فيه ثم قال الله تعالى: بل الله يزكي من يشاء [ النساء: 49 ] أي هو الذي يجعله زاكيا ومثله قوله: قد أفلح من تزكى [ الأعلى: 14 ]
    وقد اختلف في الضمير المرفوع في قوله (زكاها) فقيل: هو لله أي أفلحت نفس زكاها الله تعالى وخابت نفس دساها وقيل: إن الضمير يعود على فاعل أفلح وهو من سواء كانت موصولة أو موصوفة فإن الضمير لو عاد على الله سبحانه لقال: قد أفلح من زكاه وقد خاب من دساه والأولون يقولون: من وإن كان لفظها مذكرا فإذا وقعت على مؤنث جاز إعادة الضمير عليها بلفظ المؤنث مراعاة للمعنى وبلفظ المذكر مراعاة للفظ وكلاهما من الكلام الفصيح وقد وقع في القرآن اعتبار لفظها ومعناها فالأول كقوله: ومنهم من يستمع إليك [ الأنعام: 25 ] فأفرد الضمير والثاني كقوله: ومنهم من يستمعون إليك [ يونس: 42 ]
    قال المرجحون للقول الأول: يدل على صحة قولنا: ما رواه أهل السنن من حديث ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت ليلة فوجدت رسول الله يقول: رب أعط نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها فهذا الدعاء كالتفسير لهذه الآية وأن الله تعالى هو الذي يزكي النفوس فتصير زاكية فالله هو المزكي والعبد هو المتزكي والفرق بينهما فرق ما بين الفاعل والمطاوع قالوا: والذي جاء في القرآن من إضافة الزكاة إلى العبد إنما هو بالمعنى الثاني دون الأول كقوله: قد أفلح من تزكى [ الأعلى: 14 ] وقوله: هل لك إلى أن تزكى [ النازعات: 18 ] أي تقبل تزكية الله تعالى لك فتزكى قالوا: وهذا هو الحق فإنه لا يفلح إلا من زكاة الله تعالى قالوا: وهذا اختيار ترجمان القرآن ابن عباس فإنه قال في رواية علي بن أبي طلحة وعطاء والكلبي قد أفلح من زكى الله تعالى نفسه وقال ابن زيد قد أفلح من زكى الله نفسه
    واختاره ابن جرير قالوا: ويشهد لهذا القول أيضا قوله في أول السورة: فألهمها فجورها وتقواها [ الشمس: 8 ] قالوا: وأيضا فإنه سبحانه وتعالى أخبر أنه خالق النفس وصفاتها وذلك هو معنى التسوية
    قال أصحاب القول الآخر: ظاهر الكلام ونظمه الصحيح: يقتضي أن يعود الضمير على من أي أفلح من زكى نفسه هذا هو المفهوم المتبادر إلى الفهم بل لا يكاد يفهم غيره كما إذا قلت: هذه جارية قد ربح من اشتراها وصلاة قد سعد من صلاها وضالة قد خاب من آواها ونظائر ذلك
    قالوا: والنفس مؤنثة فلو عاد الضمير على الله سبحانه لكان وجه الكلام: قد أفلحت نفس زكاها أو أفلحت من زكاها لوقوع من على النفس قالوا: وإن جاز تفريغ الفعل من التاء لأجل لفظ من كما تقول: قد أفلح من قامت منكن فذاك حيث لا يقع اشتباه والتباس فإذا وقع الاشتباه لم يكن بد من ذكر ما يزيله قالوا: ومن موصولة بمعنى الذي ولو قيل: قد أفلح الذي زكاها الله لم يكن جائزا لعود الضمير المؤنث على الذي وهو مذكر قالوا: وهو سبحانه قصد نسبة الفلاح إلى صاحب النفس إذا زكى نفسه ولهذا فرغ الفعل من التاء وأتى ب من التي هي بمعنى الذي وهذا الذي عليه جمهور المفسرين حتى أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما وقال قتادة: قد أفلح من زكاها من عمل خيرا زكاها بطاعة الله تعالى وقال أيضا: قد أفلح من زكى نفسه بعمل صالح وقال الحسن: قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله تعالى وقد خاب من أهلكها وحملها على معصية الله تعالى قال ابن قتيبة: يريد أفلح من زكى نفسه أي نماها وأعلاها بالطاعة والبر والصدقة واصطناع المعروف وقد خاب من دساها أي نقصها وأخفاها بترك عمل البر وركوب المعاصي والفاجر أبدا خفى المكان زمن المروءة غامض الشخص ناكس الرأس فمرتكب الفواحش قد دس نفسه وقمعها ومصطنع المعروف قد شهر نفسه ورفعها وكانت أجواد العرب تنزل الرئى ويفاع الأرض لتشهر أماكنها للمعتفين وتوقد النيران في الليل للطارقين وكانت اللئام تنزل الأولاج والأطراف والأهضام لتخفي أماكنها على الطالبين فأولئك أعلوا أنفسهم وزكوها وهؤلاء أخفوا أنفسهم ودسوها وأنشد:
    وبواب بيتك في معلم... رحيب المباءة والمسرح
    كفيت العفاة طلاب القرى... ونبح الكلاب لمستنبح
    فهذان قولان مشهوران في الآية وفيها قول ثالث: أن المعنى: خاب من دس نفسه مع الصالحين وليس منهم حكاه الواحدي قال: ومعنى هذا: أنه أخفى نفسه في الصالحين يري الناس أنه منهم وهو منطو على غير ما ينطوي عليه الصالحون وهذا وإن كان حقا في نفسه لكن في كونه هو المراد بالآية نظر وإنما يدخل في الآية بطريق العموم فإن الذي يدس نفسه بالفجور إذا خالط أهل الخير دس نفسه فيهم والله تعالى أعلم


  • #11
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    الباب التاسع في طهارة القلب من أدرانه وأنجاسه

    هذا الباب وإن كان داخلا فيما قبله كما بينا أن الزكاة لا تحصل إلا بالطهارة ولكنا أفردناه بالذكر لبيان معنى طهارته وشدة الحاجة إليها ودلالة القرآن والسنة عليها قال الله تعالى: يأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر [ المدثر: 1 ] وقال تعالى: أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم [ المائدة: 41 ] وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب ههنا القلب والمراد بالطهارة إصلاح الأعمال والأخلاق
    قال الواحدي: اختلف المفسرون في معناه فروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يعني من الإثم ومما كانت الجاهلية تجيزه وهذا قول قتادة ومجاهد قالا نفسك فطهرها من الذنب ونحوه قول الشعبي وإبراهيم والضحاك والزهري وعلى هذا القول: الثياب عبارة عن النفس والعرب تكنى بالثياب عن النفس ومنه قول الشماخ:
    رموها بأثواب خفاف فلا ترى... لها شبها إلا النعام المنفرا
    رموها يعني الركاب بأبدانهم وقال عنترة:
    فشككت بالرمح الأصم ثيابه... ليس الكريم على القنى بمحرم
    يعني نفسه
    وقال في رواية الكلبي: يعني لا تغدر فتكون غادرا دنس الثيباب وقال سعيد بن جبير: كان الرجل إذا كان غادرا قيل: دنس الثياب وخبيث الثيباب وقال عكرمة: لا تلبس ثوبك على معصية ولا على فجرة وروى ذلك عن ابن عباس واحتج بقول الشاعر:
    وإني بحمد الله لا ثوب غادر... لبست ولا من خزية أتقنع
    وهذا المعنى أراد من قال في هذه الآية وعملك فأصلح وهو قول أبي رزين ورواية منصور عن مجاهد وأبي روق وقال السدى: يقال للرجل إذا كان صالحا: إنه لطاهر الثياب وإذا كان فاجرا: إنه لخبيث الثيباب قال الشاعر:
    لا هم إن عامر بن جهم... أوذم حجا في ثياب دسم
    يعني أنه متدنس بالخطايا وكما وصفوا الغادر الفاجر بدنس الثوب وصفوا الصالح بطهارة الثوب قال امرؤ القيس:
    ثياب بني عوف طهارى نقية
    يريد أنهم لا يغدرون بل يفون وقال الحسن: خلقك فحسنه وهذا قول القرطبي وعلى هذا: الثياب عبارة عن الخلق لأن خلق الإنسان يشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه
    وروى العوفى عن ابن عباس في هذه الآية لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طيب والمعنى طهرها من أن تكون مغصوبة أو من وجه لا يحل اتخاذها منه وروى عن سعيد بن جبير: وقلبك: ونيتك فطهر وقال أبو العباس: الثياب اللباس ويقال: القلب وعلى هذا ينشد:
    فسلعى ثيابي من ثيابك تنسلي
    وذهب بعضهم في تفسير هذه الآية إلى ظاهرها وقال: إنه أمر بتطهير ثيابه من النجاسات التي لا تجوز معها الصلاة وهو قول ابن سيرين وابن زيد وذكر أبو إسحاق: وثيابك فقصر قال: لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر على الأرض لم يؤمن أن يصيبه ما ينجسه وهذا قول طاوس وقال ابن عرفة معناه: نساءك طهرهن وقد يكنى عن النساء بالثياب واللباس قال تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن [ البقرة: 178 ] ويكنى عنهن بالإزار ومنه قول الشاعر:
    ألا أبلغ أبا حفص رسولا... فدى لك من أخي ثقة إزارى
    أي أهلي ومنه قول البراء بن معرور للنبي ليلة العقبة لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا أي نساءنا
    قلت: الآية تعم هذا كله وتدل عليه بطريق التنبيه واللزوم إن لم تتناول ذلك لفظا فإن المأمور به إن كان طهارة القلب فطهارة الثوب وطيب مكسبه تكميل لذلك فإن خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة كما أن خبث المطعم يكسبه ذلك ولذلك حرم لبس جلود النمور والسعباع بنهي النبي عن ذلك في عدة أحاديث صحاح لا معارض لها لما تكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن ولذلك حرم لبس الحرير والذهب على الذكور لما يكتسب القلب من الهيئة التي تكون لمن ذلك لبسه من النساء وأهل الفخر والخيلاء
    والمقصود: أن طهارة الثوب وكونه من مكسب طيب هو من تمام طهارة القلب وكمالها فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها فالمقصود لنفسه أولى أن يكون مأمورا به وإن كان المأمور به طهارة القلب وتزكية النفس فلا يتم إلا بذلك فتبين دلالة القرآن على هذا وهذا
    وقوله: أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم [ المائدة: 41 ] عقيب قوله: سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه [ المائده: 41 ] مما يدل على أن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفا للحق عن مواضعه فإنه إذا قبل الباطل أحبه ورضيه فإذا جاء الحق بخلافه رده وكذبه إن قدر على ذلك وإلا حرفه كما تصنع الجهمية بآيات الصفات وأحاديثها يردون هذه بالتأويل الذي هو تكذيب بحقائقها وهذه بكونها أخبار آحاد لا يجوز الاعتماد عليها في باب معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته فهؤلاء وإخوانهم من الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فإنها لو طهرت لما أعرضت عن الحق وتعوضت بالباطل عن كلام الله تعالى ورسوله كما أن المنحرفين من أهل الإرادة لما لم تطهر قلوبهم تعوضوا بالسماع الشيطاني عن السماع القرآني الإيماني قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله
    فالقلب الطاهر لكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث لا يشبع من القرآن ولا يتغذى إلا بحقائقه ولا يتداوى إلا بأدويته بخلاف القلب الذي لم يطهره الله تعالى فإنه يتغذى من الأغذية التي تناسبه بحسب ما فيه من النجاسة فإن القلب النجس كالبدن العليل المريض لا تلائمه الأغذية التي تلائم الصحيح
    ودلت الآية على أن طهارة القلب موقوفة على إرادة الله تعالى وأنه سبحانه لما لم يرد أن يطهر قلوب القائلين بالباطل المحرفين للحق لم يحصل لها الطهارة
    ولا يصح أن تفسر الإرادة ههنا بالإرادة الدينية وهي الأمر والمحبة فإنه سبحانه قد أراد ذلك لهم أمرا ومحبة ولم يرده منهم كونا فأراد الطهارة لهم وأمرهم بها ولم يرد وقوعها منهم لما له في ذلك من الحكمة التي فواتها أكره إليه من فوات الطهارة منهم
    وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا الكبير في القدر
    ودلت الآية على أن من لم يطهر الله قلبه فلابد أن يناله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة بحسب نجاسة قلبه وخبثه ولهذا حرم الله سبحانه الجنة على من في قلبه نجاسة وخبث ولا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره فإنها دار الطيبين ولهذا يقال لهم: طبتم فادخلوها خالدين [ الزمر: 73 ] أي ادخلوها بسبب طيبكم والبشارة عند الموت لهؤلاء دون غيرهم كما قال تعالى: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون [ النحل: 32 ] فالجنة لا يدخلها خبيث ولا من فيه شيء من الخبث فمن تطهر في الدنيا ولقي الله طاهرا من نجاساته دخلها بغير معوق ومن لم يتطهر في الدنيا فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعدما يتطهر في النار من تلك النجاسة ثم لا يخرج منها حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيهذبون وينقون من بقايا بقيت عليهم قصرت بهم عن الجنة ولم توجب لهم دخول النار حتى إذا هذعبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة
    والله سبحانه بحكمته جعل الدخول عليه موقوفا على الطهارة فلا يدخل المصلي عليه حتى يتطهر وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفا على الطيب والطهارة فلا يدخلها إلا طيب طاهر فهما طهارتان: طهارة البدن وطهارة القلب ولهذا شرع للمتوضىء أن يقول عقيب وضوئه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فطهارة القلب بالتوبة وطهارة البدن بالماء فلما اجتمع له الطهران صلح للدخول على الله تعالى والوقوف بين يديه ومناجاته
    وسألت شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد كيف يطهر الخطايا بذلك وما فائدة التخصيص بذلك وقوله في لفظ آخر: والماء البارد والحار أبلغ في الإنقاء
    فقال: الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا فيرتخى القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه والماء يغسل الخبث ويطفىء النار فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته فكان أذهب لأثر الخطايا هذا معنى كلامه وهو محتاج إلى مزيد بيان وشرح
    فاعلم أن ههنا أربعة أمور: أمران حسيان وأمران معنويان فالنجاسة التي تزول بالماء هي ومزيلها حسيان وأثر الخطايا التي تزول بالتوبة والاستغفار هي ومزيلها معنويان وصلاح القلب وحياته ونعيمه لا يتم إلا بهذا وهذا فذكر النبي من كل شطر قسما نبه به على القسم الآخر فتضمن كلامه الأقسام الأربعة في غاية الاختصار وحسن البيان كما في حديث الدعاء بعد الوضوء اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فإنه يتضمن ذكر الأقسام الأربعة ومن كمال بيانه وتحقيقه لما يخبر به ويأمر به: تمثيله الأمر المطلوب المعنوي بالأمر المحسوس وهذا كثير في كلامه كقوله في حديث علي بن أبي طالب سل الله الهدى والسداد واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم إذ هذا من أبلغ التعليم والنصح حيث أمره أن يذكر إذا سأل الله الهدى إلى طريق رضاه وجنته: كونه مسافرا وقد ضل عن الطريق ولا يدري أين يتوجه فطلع له رجل خبير بالطريق عالم بها فسأله أن يدله على الطريق فهذا شأن طريق الآخرة تمثيلا لها بالطريق المحسوس للمسافر وحاجة المسافر إلى الله سبحانه: إلى أن يهديه تلك الطريق أعظم من حاجة المسافر إلى بلد إلى من يدله على الطريق الموصل إليها وكذلك السداد وهو إصابة القصد قولا وعملا فمثله مثل رامي السهم إذا وقع سهمه في نفس الشيء الذي رماه فقد سدد سهمه وأصاب ولم يقع باطلا فهكذا المصيب للحق في قوله وعمله بمنزلة المصيب في رميه وكثيرا ما يقرن في القرآن هذا وهذا فمنه قوله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى [ البقرة: 197 ] أمر الحجاج بأن يتزودوا لسفرهم ولا يسافروا بغير زاد ثم نبههم على زاد سفر الآخرة وهو التقوى فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلغه إياه فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلا بزاد من التقوى فجمع بين الزادين ومنه قوله تعالى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير [ الأعراف: 26 ] فجمع بين الزينتين: زينة الظاهر والباطن وكمال الظاهر والباطن ومنه قوله تعالى: فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى [ طه: 123 ] فنفى عنه الضلال الذي هو عذاب القلب والروح والشقاء الذي هو عذاب البدن والروح أيضا فهو منعم القلب والبدن بالهدى والفلاح ومنه قول امرأة العزيز عن يوسف عليه السلام لما أرته النسوة اللائمات لها في حبه: فذلكن الذي لمتنني فيه [ يوسف: 32 ] فأرتهن جماله الظاهر ثم قالت: ولقد راودته عن نفسه فاستعصم [ يوسف: 32 ] فأخبرت عن جماله الباطن بعفته فأخبرتهن بجمال باطنه وأرتهن جمال ظاهره


  • #12
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 36
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 484
    Array

    فنبه بقوله اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد على شدة حاجة البدن والقلب إلى ما يطهرهما ويبردهما ويقويهما وتضمن دعاؤه سؤال هذا وهذا والله تعالى أعلم
    وقريب من هذا: أنه كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك وفي هذا من السر والله أعلم: أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه وخفة البدن وراحته وسأل أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه وأسرار كلماته وأدعيته فوق ما يخطر بالبال


    فصل فيما في الشرك والزنا واللواطة من الخبث

    وقد وسم الله سبحانه الشرك والزنا واللواطة بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب وإن كانت مشتملة على ذلك لكن الذي وقع في القرآن قوله تعالى: يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس [ التوبة: 28 ] وقوله تعالى في حق اللوطية: ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين [ الأنبياء: 74 ] وقالت اللوطية: أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون [ النمل: 56 ] فأقروا مع شركهم وكفرهم أنهم هم الأخابث الأنجاس وأن لوطا وآله مطهرون من ذلك باجتنابهم له وقال تعالى في حق الزناة: الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات [ النور: 26 ]
    فأما نجاسة الشرك فهي نوعان: نجاسة مغلظة ونجاسة مخففة فالمغلظة: الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى فإن الله لا يغفر أن يشرك به والمخففة: الشرك الأصغر كيسير الرياء والتصنع للمخلوق والحلف به وخوفه ورجائه ونجاسة الشرك عينية ولهذا جعل سبحانه الشرك نجسا بفتح الجيم ولم يقل: إنما المشركون نجس بالكسر فإن النجس عين النجاسة والنجس بالكسر هو المتنجس فالثوب إذا أصابه بول أو خمر نجس والبول والخمر نجس فأنجس النجاسة الشرك كما أنه أظلم الظلم فإن النجس في اللغة والشرع هو المستقذر الذي يطلب مباعدته والبعد منه بحيث لا يلمس ولا يشم ولا يرى فضلا أن يخالط ويلابس لقدارته ونفرة الطباع السليمة عنه وكلما كان الحق أكمل حياة وأصح حياء كان إبعاده لذلك أعظم ونفرته منه أقوى
    فالأعيان النجسة إما أن تؤذي البدن أو القلب أو تؤذيهما معا والنجس قد يؤذي برائحته وقد يؤذي بملابسته وإن لم تكن له رائحة كريهة
    والمقصود: أن النجاسة تارة تكون محسوسة ظاهرة وتارة تكون معنوية باطنة فيغلب على الروح والقلب الخبث والنجاسة حتى إن صاحب القلب الحي ليشم من تلك الروح والقلب رائحة خبيثة يتأذى بها كما يتأذى من شم رائحة النتن ويظهر ذلك كثيرا في عرقه حتى ليوجد لرائحة عرقه نتنا فإن نتن الروح والقلب يتصل بباطن البدن أكثر من ظاهره والعرق يفيض من الباطن ولهذا كان الرجل الصالح طيب العرق وكان رسول الله أطيب الناس عرقا قالت أم سليم وقد سألها رسول الله عنه وهي تلتقطه هو من أطيب الطيب فالنفس النجسة الخبيثة يقوى خبثها ونجاستها حتى يبدو على الجسد والنفس الطيبة بضدها فإذا تجردت وخرجت من البدن وجد لهذه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ولتلك كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض
    والمقصود: أن الشرك لما كان أظلم الظلم وأقبح القبائح وأنكر المنكرات كان أبغض الأشياء إلى الله تعالى وأكرها له وأشدها مقتا لديه ورتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه وأخبر أنه لا يغفره وأن أهله نجس ومنعهم من قربان حرمه وحرم ذبائحهم ومناكحتهم وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين وجعلهم أعداء له سبحانه ولملائكته ورسله وللمؤمنين وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم وأن يتخذوهم عبيدا وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية وتنقيص لعظمة الألهية وسوء ظن برب العالمين كما قال تعالى: ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا [ الفتح: 6 ] فلم يجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل الشرك فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به ولو أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده ولهذا أخبر سبحانه عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه وكيف يقدره حق قدره من جعل له عدلا وندا يحبه ويخافه ويرجوه ويذل له ويخضع له ويهرب من سخطه ويؤثر مرضاته قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله [ البقرة: 165 ] وقال تعالى: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون [ الأنعام: 1 ] أي يجعلون له عدلا في العبادة والمحبة والتعظيم وهذه هي التسوية التي أثبتها المشركون بين الله وبني آلهتهم وعرفوا وهم في النار أنها كانت ضلالا وباطلا فيقولون لألهتهم وهم في النار معهم رتالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين [ الشعراء: 98 ] ومعلوم أنهم ما سووهم به في الذات والصفات والأفعال ولا قالوا: إن آلهتهم خلقت السموات والأرض وأنها تحيي وتميت وإنما سووها به في محبتهم لها وتعظيمهم لها وعبادتهم إياها كما ترى عليه أهل الإشراك ممن ينتسب إلى الإسلام ومن العجب أنهم ينسبون أهل التوحيد إلى التنقص بالمشايخ والأنبياء والصالحين وما ذنبهم إلا أن قالوا: إنهم عبيد لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وأنهم لا يشفعون لعابديهم أبدا بل قد حرم الله شفاعتهم لهم ولا يشفعون لأهل التوحيد إلا بعد إذن الله لهم في الشفاعة فليس لهم من الأمر شيء بل الأمر كله لله والشفاعة كلها له سبحانه والولاية له فليس لخلقه من دونه ولي ولا شفيع
    فالشرك والتعطيل مبنيان على سوء الظن بالله تعالى ولهذا قال إبراهيم إمام الحنفاء لخصمائه من المشركين: أإفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين [ الصافات: 86 ] وإن كان المعنى ما ظنكم به أن يعاملكم ويجازيكم به وقد عبدتم معه غيره وجعلتم له ندا فأنت تجد تحت هذا التهديد: ما ظننتم بربكم من السوء حتى عبدتم معه غيره فإن المشرك إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم من: من وزير أو ظهير أو عون وهذا أعظم التنقيص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته وكل ما سواه فقير إليه بذاته وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشريك وإما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يعلمه الواسطة أولا يرحم حتى يجعله الواسطة يرحم أو لا يكفي عبده وحده أو لا يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده الواسطة كما يشفع المخلوق عند المخلوق فيحتاج أن يقبل شفاعته لحاجته إلى الشافع وانتفاعه به وتكثره به من القلة وتعززه به من الذلة أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه كما هو حال ملوك الدنيا وهذا أصل شرك الخلق أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم لبعده عنهم حتى يرفع الوسائط ذلك أو يظن أن للمخلوق عليه حقا فهو يقسم عليه بحق ذلك المخلوق عليه ويتوسل إليه بذلك المخلوق كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم ولا يمكنهم مخالفته وكل هذا تنقص للربوبية وهضم لحقها ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله تعالى وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه من قلب المشرك بسبب قسمته ذلك بينه سبحانه وبين من أشرك به فينقص ويضعف أو يضمحل ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من عبده من دونه لكفى في شفاعته
    فالشرك ملزوم لتنقص الرب سبحانه والتنقص لازم له ضرورة شاء المشرك أم أبى ولهذا اقتضى حمده سبحانه وكمال ربوبيته أن لا يغفره وأن يخلد صاحبه في العذاب الأليم ويجعله أشقى البرية فلا تجد مشركا قط إلا وهو متنقص لله سبحانه وإن زعم أنه يعظمه بذلك كما أنك لا تجد مبتدعا إلا وهو متنقص للرسول وإن زعم أنه معظم له بتلك البدعة فإنه يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب أو يزعم أنها هي السنة إن كان جاهلا مقلدا وإن كان مستبصرا في بدعته فهو مشاق لله ورسوله
    فالمتنقصون المنقوصون عند الله تعالى ورسوله وأوليائه: هم أهل الشرك والبدعة ولا سيما من بنى دينه على أن كلام الله ورسوله أدلة لفظية لا تفيد اليقين ولا تغني من اليقين والعلم شيئا فيا لله للمسلمين أي شىء فات من هذا التنقص
    وكذلك من نفى صفات الكمال عن الرب تعالى خشية ما يتوهمه من التشبيه والتجسيم فقد جاء من التنقص بضد ما وصف الله سبحانه به نفسه من الكمال
    والمقصود: أن هاتين الطائفتين هم أهل التنقص في الحقيقة بل هم أعظم الناس تنقصا لبس عليهم الشيطان حتى ظنوا ان تنقصهم هو الكمال ولهذا كانت البدعة قرينة الشرك في كتاب الله تعالى قال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون [ الأعراف: 33 ] فالإثم والبغي قرينان والشرك والبدعة قرينان

  • صفحة 3 من 33 الأولىالأولى 1234513 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 3 (0 من الأعضاء و 3 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. حوار مع الشيطان
      بواسطة king-of-nothing في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 08-03-2010, 11:35 PM
    2. الشيطان
      بواسطة SHARIEF FATTOUH في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 07-19-2010, 06:06 PM
    3. كن مثل الشيطان
      بواسطة nano في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 07-11-2010, 10:47 PM
    4. الكبرياء خلة الشيطان
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 02:25 AM
    5. الشيطان المثقف !!!
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 7
      آخر مشاركة: 05-01-2010, 11:30 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1