









قال ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة مثل تكرير بعض الكلمة كقوله في التحيات ات ات التحي التحي وفي السلام أس أس وقوله في التكبير أكككبر ونحو ذلك فهذا الظاهر بطلان الصلاة به وربما كان إماما فأفسد صلاة المأمومين وصارت الصلاة التي هي أكبر الطاعات أعظم إبعاد له عن الله من الكبائر وما لم تبطل به الصلاة من ذلك فمكروه وعدول عن السنة ورغبة عن طريقة رسول اللهوهديه وما كان عليه أصحابه وربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه فجمع على نفسه طاعة إبليس ومخالفة السنة وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها وتعذيب نفسه وإضاعة الوقت والإشتغال بما ينقص أجره وفوات ما هو أنفع له وتعريض نفسه لطعن الناس فيه وتغرير الجاهل بالإقتداء به فإنه يقول لولا أن ذلك فضل لما اختاره لنفسه وأساء الظن بما جاءت به السنة وأنه لا يكفي وحده وانفعال النفس وضعفها للشيطان حتى يشتد طمعه فيه وتعريضه نفسه للتشديد عليه بالقدر عقوبة له وإقامته على الجهل ورضاه بالخبل في العقل كما قال أبو حامد الغزالي وغيره الوسوسة سببها إما جهل بالشرع وإما خبل في العقل وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب
فهذه نحو خمسة عشر مفسدة في الوسواس ومفاسده أضعاف ذلك بكثير
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عثمان بن أبي العاص قال قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي يلبسها علي فقال رسول اللهذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني
فأهل الوسواس قرة عين خنزب وأصحابه نعوذ بالله تعالى منه
فصل
ومن ذلك الإسراف في ماء الوضوء والغسل وقد روى أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله ص مر بسعد وهو يتوضأ فقال لا تسرف فقال يا رسول الله أو في الماء إسراف قال نعم وإن كنت على نهر جار
وفي جامع الترمذي من حديث أبي بن كعب أن النبي ص قال إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء
وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء أعرابي إلى رسول الله ص يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا وقال هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم
وفي كتاب الشافي لأبي بكر عبد العزيز من حديث أم سعد قالت قال رسول الله ص يجزىء من الوضوء مد والغسل صاع وسيأتي قوم يستقلون ذلك فأولئك خلاف أهل سنتي والآخذ بسنتي في حظيرة القدس متنزه أهل الجنة وفي سنن الأثرم من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: يجزىء من الوضوء المد ومن الغسل من الجنابة الصاع فقال رجل: ما يكفيني فغضب جابر حتى تربد وجهه ثم قال: قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرا وقد رواه الإمام أحمد في مسنده مرفوعا ولفظه عن جابر قال: قال رسول الله ص يجزىء من الغسل الصاع ومن الوضوء المد وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها كانت تغتسل هي والنبي ص من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك وفي سنن النسائي عن عبيد بن عمير: أن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله من هذا فإذا تور موضوع مثل الصاع أو دونه نشرع فيه جميعا فأفيض بيدي على رأسي ثلاث مرات وما أنقض لي شعرا
وفي سنن أبي داود والنسائي عن عباد بن تميم عن أم عمارة بنت كعب أن النبي ص توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد وقال عبد الرحمن بن عطاء: سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن لي ركوة أو قدحا ما يسع إلا نصف المد أو نحوه أبول ثم أتوضأ منه وأفضل منه فضلا قال عبد الرحمن: فذكرت ذلك لسليمان بن يسار فقال: وأنا يكفيني مثل ذلك قال عبد الرحمن: فذكرت: ذلك لأبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر فقال: وهكذا سمعنا من أصحاب رسول الله ص رواه الأثرم في سننه
وقال إبراهيم النخعي: كانوا أشد استيفاء للماء منكم وكانوا يرون أن ربع المد يجزىء من الوضوء
وهذا مبالغة عظيمة فإن ربع المد لا يبلغ أوقية ونصفا بالدمشقي
وفي الصحيحين عن أنس قال: كان رسول اللهيتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمدادا وفي صحيح مسلم عن سفينة قال: كان رسول الله
يغسله الصاع من الجنابة ويوضئه المد
وتوضأ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق بقدر نصف المد أو أزيد بقليل
وقال إبراهيم النخعي: إني لأتوضأ من كوز الحب مرتين
وقال محمد بن عجلان: الفقه في دين الله إسباغ الوضوء وقلة إهراق الماء
وقال الإمام أحمد: كان يقال: من قلة فقه الرجل ولعه بالماء
وقال الميموني: كنت أتوضأ بماء كثير فقال لي أحمد: يا أبا الحسن أترضى أن تكون كذا فتركته
وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: إني لأكثر الوضوء فنهاني عن ذلك وقال: يا بني يقال: إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان قال لي ذلك غير مرة ينهاني عن كثرة صب الماء وقال لي: أقلل من هذا الماء يا بني
وقال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: نزيد على ثلاث في الوضوء فقال: لا والله إلا رجل مبتلى
وقال أسود بن سالم الرجل الصالح شيخ الإمام أحمد: كنت مبتلى بالوضوء فنزلت دجلة أتوضأ فسمعت هاتفا يقول: يا أسود يحيى عن سعيد: الوضوء ثلاث ما كان أكثر لم يرفع فالتفت فلم أر أحدا
وقد روى أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن مغفل قال: سمعت رسول الله ص يقول: سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء
فإذا قرنت هذا الحديث بقوله تعالى: إن الله لا يحب المعتدين [ البقرة: 190 ] وعلمت أن الله يحب عبادته أنتج لك من هذا أن وضوء الموسوس ليس بعبادة يقبلها الله تعالى وإن أسقطت الفرض عنه فلا تفتح أبواب الجنة الثمانية لوضوئه يدخل من أيها شاء
ومن مفاسد الوسواس: أنه يشغل ذمته بالزائد على حاجته إذا كان الماء مملوكا لغيره كماء الحمام فيخرج منه وهو مرتهن الذمة بما زاد على حاجته ويتطاول عليه الدين حتى يرتهن من ذلك بشيء كثير جدا يتضرر به في البرزخ ويوم القيامة
فصل
ومن ذلك الوسواس في انتقاض الطهارة لا يلتفت إليه وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ص إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه: أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا
وفي الصحيحين عن عبد الله بن زيد قال: شكي إلى رسول الله ص الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا
وفي المسند وسنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ص قال: إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ولفظ أبي داود: إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له: إنك قد أحدثت فليقل له: كذبت إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بأذنه
فأمر ص بتكذيب الشيطان فيما يحتمل صدقه فيه فكيف إذا كان كذبه معلوما متيقنا كقوله للموسوس: لم تفعل كذا وقد فعله
قال الشيخ أبو محمد: ويستحب للإنسان أن ينضح فرجه وسراويله بالماء إذا بال ليدفع عن نفسه الوسوسة فمتى وجد بللا قال: هذا من الماء الذي نضحته لما روى أبو داود بإسناده عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان قال: كان النبي ص إذا بال توضأ وينتضح وفي رواية: رأيت رسول الله ص بال ثم نضح فرجه وكان ابن عمر ينضح فرجه حتى يبل سراويله وشكا إلى الإمام أحمد بعض أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء فأمره أن ينضح فرجه إذا بال قال: ولا تجعل ذلك من همتك واله عنه
وسئل الحسن أو غيره عن مثل هذا فقال: اله عنه فأعاد عليه المسألة فقال: أتستدره لا أب لك أله عنه
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)