وأخبر عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله
وعزر بالعقوبات المالية في عدة مواضع
وعزر من مثل بعبده بإخراجه عنه وإعتاقه عليه
وعزر بتضعيف الغرم على سارق مالا قطع فيه وكاتم الضالة
وعزر بالهجر ومنع قربان النساء
ولم يعرف أنه عزر بدرة ولا حبس ولا سوط وإنما حبس في تهمة ليتبين حال المتهم وكذلك أصحابه تنوعوا في التعزيرات بعده
فكان عمر رضي الله عنه يحلق الرأس وينفي ويضرب ويحرق حوانيت الخمارين والقرية التي تباع فيها الخمر وحرق قصر سعد بالكوفة لما احتجب فيه عن الرعية
وكان له رضي الله تعالى عنه في التعزيز اجتهاد وافقه عليه الصحابة لكمال نصحه ووفور علمه وحسن اختياره للأمة وحدوث أسباب اقتضت تعزيره لهم بما يردعهم لم يكن مثلها على عهد رسول الله أو كانت ولكن زاد الناس عليها وتتابعوا فيها
فمن ذلك: أنهم لما زادوا في شرب الخمر وتتايعوا فيه وكان قليلا على عهد رسول الله جعله عمر رضي الله عنه ثمانين ونفى فيه
ومن ذلك اتخاذه درة يضرب بها من يستحق الضرب
ومن ذلك: اتخاذه دارا للسجن
ومن ذلك: ضربه للنوائح حتى بدا شعرها
وهذا باب واسع اشتبه فيه على كثير من الناس الأحكام الثابتة اللازمة التي لا تتغير بالتعزيرات التابعة للمصالح وجودا وعدما
ومن ذلك: أنه رضي الله عنه لما رأى الناس قد أكثروا من الطلاق الثلاث ورأى أنهم لا ينتهون عنه إلا بعقوبة فرأى إلزامهم بها عقوبة لهم ليكفوا عنها
وذلك إما من التعزير العارض يفعل عند الحاجة كما كان يضرب في الخمر ثمانين ويحلق فيها الرأس وينفي عن الوطن وكما منع النبي الثلاثة الذين خلفوا عنه عن الإجتماع بنسائهم فهذا له وجه
وإما ظنا أن جعل الثلاث واحدة كان مشروعا بشرط وقد زال كما ذهب إلى ذلك في متعة الحج إما مطلقا وإما متعة الفسخ فهذا وجه آخر
وإما لقيام مانع قام في زمنه منع من جعل الثلاث واحدة كما قام عنده مانع من بيع أمهات الأولاد ومانع من أخذ الجزية من نصارى بني تغلب وغير ذلك فهذا وجه ثالث
فإن الحكم ينتفي لانتفاء شروطه أو لوجود مانعه والإلزام بالفرقة فسخا أو طلاقا لمن لم يقم بالواجب مما يسوغ فيه الاجتهاد لكن تارة يكون حقا للمرأة كما في العنة والإيلاء والعجز عن النفقة والغيبة الطويلة عند من يرى ذلك وتارة يكون حقا للزوج كالعيوب المانعة له من استيفاء المعقود عليه أو كماله وتارة يكون حقا لله تعالى كما في تفريق الحكمين بين الزوجين وعند من يجعلهما وكيلين وهو الصواب وكما في وقوع الطلاق بالمولى إذا لم يفىء في مدة التربص عند كثير من السلف والخلف وكما قال بعض السلف ووافقهم عليه بعض أصحاب أحمد رحمه الله: أنهما إذا تطاوعا على الإتيان في الدبر فرق بينهما
وقريب من ذلك: أن الأب الصالح إذا أمر ابنه بالطلاق لما يراه من مصلحة الولد فعليه أن يطيعه كما قاله أحمد رحمه الله وغيره
واحتجوا بأن النبي أمر عبد الله بن عمر أن يطيع أباه لما أمره بطلاق زوجته
فالإلزام إما من الشارع وإما من الإمام بالفرقة إذا لم يقم الزوج بالواجب: هو من موارد الاجتهاد وأصل هذا: أن الله سبحانه وتعالى لما كان يبغض الطلاق لما فيه من كسر الزوجة وموافقة رضى عدوعه إبليس حيث يفرح بذلك ويلتزم من يكون على يديه من أولاده ويدنيه منه ومفارقة طاعته بالنكاح الذي هو واجب أو مستحب وتعريض كل من الزوجين للفجور والمعصية وغير ذلك من مفاسد الطلاق وكان مع ذلك قد يحتاج إليه الزوج أو الزوجة وتكون المصلحة فيه: شرعه على وجه تحصل به المصلحة وتندفع به المفسدة وحرمه على غير ذلك الوجه فشرعه على أحسن الوجوه وأقربها لمصلحة الزوج والزوجة
فشرع له أن يطلقها طاهرا من غير جماع طلقة واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فإن زال الشر بينهما وحصلت الموافقة كان له سبيل إلى لم الشعث وإعادة الفراش كما كان وإلا تركها حتى انقضت عدتها فإن تبعتها نفسه كان له سبيل إلى خطبتها وتجديد العقد عليها برضاها وإن لم تتبعها نفسه تركها فنكحت من شاءت
وجعل العدة ثلاثة قروء ليطول زمن المهلة والاختيار
فهذا هو الذي شرعه وأذن فيه
ولم يأذن في إبانتها بعد الدخول إلا بالتراضي بالفسخ والافتداء فإذا طلقها مرة بعد مرة بقي له طلقة واحدة فإذا طلقها الثالثة حرمها عليه عقوبة له ولم يحل له أن ينكحها حتى تنكح زوجا غيره ويدخل بها ثم يفارقها بموت أو طلاق
فإذا علم أن حبيبه يصير إلى غيره فيحظى به دونه أمسك عن الطلاق
فلما رأى أمير المؤمنين أن الله سبحانه عاقب المطلق ثلاثا بأن حال بينه وبين زوجته وحرمها عليه حتى تنكح زوجا غيره علم أن ذلك لكراهته الطلاق المحرم وبغضه له فوافقه أمير المؤمنين في عقوبته لمن طلق ثلاثا جميعا بأن ألزمه بها وأمضاها عليه
فإن قيل: فكان أسهل من ذلك أن يمنع الناس من إيقاع الثلاث ويحرمه عليهم ويعاقب بالضرب والتأديب من فعله لئلا يقع المحذور الذي يترتب عليه
قيل: نعم لعمر الله قد كان يمكنه ذلك ولذلك ندم عليه في آخر أيامه وود أنه كان فعله